-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 27/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عوامل الخلاف وصعوبات الاتفاق بين حركتي فتح وحماس

د/ بوفلجة غيات

مرّت القضية الفلسطينية بمراحل من التطوّر، انتقلت من التراجع بعد نشأة إسرائيل، أي بعد النكبة الأولى سنة 1948، إلى أن وصلت مرحلة كادت القضية أن تنسى. إلا أن ظهور حركة التحرير الفلسطينية، وغيرها من الحركات المسلحة وظهور منظمة التحرير الفلسطينية التي نالت اعتراف العالم، تحت قيادة ياسر عرفات الزعيم الرمز، أعادت الأمل إلى القضية. وهكذا تمكن الرئيس الفلسطيني الراحل من قيادة سفينة فلسطين في بحر هائج، وتمكن من نيل اعتراف العالم، بدءا من الإتحاد السوفياتي السابق والكتلة الإشتراكية، قبل أفولها بعد سقوط جدار برلين. كما نال اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين.

وهكذا مرّت القضية الفلسطينية بمراحل مهمة، وتطوّرت الأمور سياسيا، إلى أن وصلت إلى إعلان نشأة السلطة الفلسطينية، ثم المفاوضات السياسية واتفاقية أوسلو سنة 1993، ورجوع السلطة الفلسطينية إلى رام الله.

إلا أن الحلم في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، كما حددتها الإتفاقية، وبعد ذلك خارطة الطريق، لم تتحقق بل عرف الحل السياسي انتكاسات كبيرة، بعد اغتال الرئيس الإسرائيلي إسحاق رابين، ووصول جورج بوش الإبن إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وهكذا، عاد اليمين المتطرف تحت قيادة شارون إلى السلطة في إسرائيل، وبدأ الإسرائيليون في بناء الجدار العازل، وتراجعوا عن تطبيق خارطة الطريق، ونقضوا الإتفاقيات السابقة.

 أما في الجانب الفلسطيني، فقد وصل الأمر إلى محاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات وتسميمه، أي اغتياله، ووصل محمود عباس إلى رأس السلطة الفلسطينية في رام اله. إلا أن هذا الأخير، لم يكن "كارزميا" كما كان سلفه، مما جعله يفشل في استقطاب حركات المقاومة. وهو ما أدى إلى ظهور صراعات بين السلطة الفلسطينية وبعض فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس.

وقد دخلت حماس المعترك السياسي، وفازت في الإنتخابات التشريعية، مما أهلها لتشكيل الحكومة. وقد قبلت السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح، هذه النتائج على مظظ، وهي تنتظر فشلها وسنوح الفرصة المناسبة للانقضاض عليها. وقد تمركزت الحكومة الفلسطينية في غزة، لهيمنة حركة حماس عليها، وبقيت الضفة الغربية تحت هيمنة حركة "فتح" وسلطة الرئاسة الفلسطينية. وهكذا أصبح قطاع غزة مسرحا للصراعات الدموية والمناورات السياسية، التي تمارسها أجهة السلطة التابعة لرئاسة محمود عباس، ضد حماس. وهو ما دفع الحركة إلى الحسم العسكري، وهروب عناصر السلطة من غزة، حيث أقالت السلطة بدورها حكومة حماس تحت رئاسة إسماعيل هنية، مما زاد الأمور تدهورا وتعقيدا.

وهنا نجد اتساع الفجوة بين حركة فتح ممثلة في السلطة الفلسطينية، وحركة حماس ممثلة في الحكومة المقالة بغزة. وقد اختلفت المحاور والأقطاب الدولية المؤثرة على القضية الفلسطينية، إذ هناك تباين كبير بين أهداف الولايات المتحدة والقوى الغربية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية من جهة، وأهداف حركات المقاومة الإسلامية، ومن أهمها حركتي حماس والجهاد الإسلامي من جهة أخرى.

يمكن توضيح أهم الاختلافات وعوائق الاتفاق بين الجانبين فيما يلي:

أ‌.  الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية: للغرب تصورات لحلّ أزمة الشرق الوسط، وتتمثل في منح كيان شبه مستقل للفلسطينيين، قد لا يصل إلى مستوى الاستقلال التام، وليس مهما إن كان ناقص السيادة. فالهدف هو الدفاع عن إسرائيل وقوتها في المنطقة. وأن الحلّ النهائي تفرضه إسرائيل القوية على العرب الضعفاء، وأن الغرب يدعم إسرائيل ماديا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا، وعلى العرب القبول بالتسويات الإسرائيلية وبالتالي الغربية وهم في موقف ضعف.

 

ب‌.        السلطة الفلسطينية: إن هدف السلطة الفلسطينية، هو تجسيد حلّ الدولتين، إسرائيلية وفلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل سنة 1967، وتتكون من الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هُجّروا منها في الحروب العربية الإسرائيلية السابقة. إلا أن تشبث قادتها بالسلطة وتمسكها باتفاقيات "أوسلو" جعلها تنسق أمنيا مع الإسرائيليين والوقوف ضد المقاومة المسلحة التي تتبناها بعض الفصائل الإسلامية. كما أنها مستعدة لتقديم بعض التنازلات، وخاصة فيما يخص حق العودة.

 

ت‌.        إسرائيل: تعمل إسرائيل على المناورة وكسب الوقت، وفرض واقع جديد على الأرض، من خلال الجدار العازل الذي قضم الأرض الفلسطينية، وتهويد القدس، وبناء المستوطنات. مع ذلك فهم لا يرون مانعا من إجراء محادثات على بعض الأمور الثانوية كالحواجز مثلا، أو إطلاق بعض الأسرى أو التجارة، أو غيرها من الجوانب غير المؤثرة على الواقع السياسي، وبعد الإنتهاء من الإستيلاء على الأرض، لن يبقى شيئا يتم التفاوض عليه.

 

ث‌.        الفصائل الإسلامية المقاومة (حماس والجهاد): ترى أن السلطة الفلسطينية أصبحت تحت هيمنة الولايات المتحدة والغرب، وتساهم في تمييع القضية الفلسطينية، وإن استمرّ الوضع على هذا الحال  فسوف يفقد الفلسطينيون كل شيء. وقد لاحظت فصائل المقاومة الإسلامية، أن عملية الإنحراف بدأت بتغيير ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية التي تخلت عن المقاومة المسلحة، ورفعت شعار المفاوضات. وهي ترى أن المفاوضات مضيعة للوقت وتمنح الإسرائيليين شرعية احتلالهم، لذا اعتمدوا إستراتيجية المواجهة المسلحة في وجه الإحتلال الإسرائيلي.

 

لهذا نرى تباينا بين مختلف الأطراف فيما يخص الأهداف والإستراتيجيات المعتمدة، مما أدى إلى ظهور مناورات وممارسة ضغوط وإنشاء تحالفات داخلية وخارجية من أجل تمرير المشاريع الموضوعة لحلّ القضية الفلسطينية. وقد اعتمدت إسرائيل وحلفائها الكثير من المكر والدهاء والخداع والمراوغة واللعب بالكلمات، من أجل تدعيم إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية.

 

أسس الخلاف بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة في غزة:

هناك كلام كثير عن الخلاف بين السلطة الفلسطينية وحماس، وهناك لقاءات واتفاقات متعددة، انتهت في الأخير إلى طريق مسدود. كما أنه يصعب توقع نجاح ما هو جار تحت الرعاية المصرية، رغم الضغوط الغربية والعربية. ذلك أن كلّ الضغوط حاليا على حماس بالدرجة الأولى، لإرجاعها إلى بيت الطاعة، وهو ما يزيد من تصلبها ومقاومتها.

فالخلاف إستراتيجي، إذ أن حماس تعيق تنفيذ المشروع العربي / الإسرائيلي للتسوية، وحلّ القضية الفلسطينية بالطريقة التي يريدها الغرب وترضى عنها إسرائيل والدول العربية الدائرة في فلك الغرب. وتتمثل نقاط الخلاف بين القطبين فيما يلي:

1. خيار المقاومة المسلحة: أهم اختلاف بين فتح وحماس موضوع المقاومة المسلحة. إذ ترى السلطة الفلسطينية أن المقاومة المسلحة عملية "عبثية"، ولا يمكن مواجهة إسرائيل عسكريا. في حين ترى حماس أن المقاومة تتم بكل الوسائل السياسية والثقافية، بما في ذلك المسلحة. وبالتالي فهي ترى أن المقاومة خيار استراتيجي لا يمكن التخلي عنه، وأنه يمكن إلحاق الأذى بالإسرائيليين رغم الإمكانيات المتواضعة التي بحوزة المقاومة.

2. اتفاقيات أوسلو: ترى السلطة أن اتفاقية "أوسلو" كانت مكسبا مهما يجب الحفاظ عليه، وأن السلطة الفلسطينية أصبحت واقعا معترفا به دوليا من خلال هذه الإتفاقية. في حين، ترى حركة حماس أن أوسلو وما تبعتها من تداعيات، سلبت الفلسطينيين حقهم في المقاومة المسلحة، وأن طريق المفاوضات إضاعة للوقت مما يساهم في ضياع الأرض. فما أتت به أوسلو – في رأي حماس – هو سلطة شكلية تحت الإحتلال، وأن العدوّ لا يتنازل عن شيء إلا بالقوة. لهذا ترى حماس ضرورة عدم التقيّد ببنود اتفاقية أسلو، والتخلي عن التنسيق الأمني مع الجنرال الأمريكي "دايتون"، والعودة إلى المقاومة المسلحة، كما تفعل فصائل المقاومة في قطاع غزة، بعد الحسم العسكري بها.

3. المفاوضات مع إسرائيل: ترى السلطة الفلسطينية أن التفاوض مع إسرائيل والتعاون مع الرباعية ومع الدول الغربية، إلى جانب بعض الدول العربية من معسكر "الإعتدال"، وفي ضل الضعف العربي عموما، هو السبيل الوحيد للحصول على بعض الحقوق وبعض التنازلات الإسرائيلية. في حين ترى فصائل المقاومة وعلى رأسها "حماس"، أن المفاوضات لم تأت بشيء، فلم ترجع الأرض، ولم تحرر الأسرى الفلسطينيين، الذين تجاوز عددهم 000 11 سجين، ولم توقف بناء الجدار ولا فككت الحواجز. ذلك أن المفاوضات عمليات مستمرة دون نهاية ولا نتائج، ومناسبات للعناق مع اليهود وأخذ الصور معهم ومنحهم شرعية الإحتلال.

4. تباين حلفاء أطراف الصراع الفلسطيني: تلقى السلطة الفلسطينية دعما من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي ودول محور الإعتدال العربية. لهذا فكل هذه الدول تدفع نحو الحفاظ على نفس النهج وتجد في قهر أي معارضة له، وخاصة لما تكون من جهات إسلامية، كحركتي حماس والجهاد الإسلامي. لهذا ليس بغريب أن تطارد قوات السلطة الفلسطينية عناصر المقاومة من الحركتين وتضيق عليهم وتحاصرهم وتسجنهم. بينما تعتمد الفصائل الإسلامية المسلحة على الدعم الشعبي، وعلى دعم كل من سوريا وإيران، وبعض الدول العربية والإسلامية، وعادة ما يكون ذلك سرّا خوفا من الغرب. وهو ما يجعل فصال المقاومة تتشبث بمواقفها، وغير آبهة لضغوط الغرب ودول الإعتدال العربية.

 

إن اختلاف الإستراتيجيات والمناهج والتوجهات، عوامل تجعل أي حوار لإيجاد حلول للمشاكل المطروحة عبارة عن حور الطرشان في ظل التعنت والإعتزاز والثقة  في دعم القوى الإقليمية والدولية، كما هو الحال بالنسبة للسلطة الفلسطينية خاصة.

 

تباين الإستراتيجيات وصعوبات الحوار:

هناك اختلافات كبيرة وعميقة من النواحي السياسية والإستراتيجية بين حركتي فتح وحماس، وما زاد في تعميق هذا الخلاف عدم وجود نيات صادقة لحسم الخلاف. ذلك أن كلّ طرف مقتنع بسلامة نهجه وخطأ نهج الآخر. كما أن لكل طرف حلفاء يؤازرونه ويثبتونه على موقفه. فالسلطة الفلسطينية تعتمد على الدعم الأمريكي والأوروبي والمصري السعودي، في حين تعتمد حماس على الدعم الشعبي والسوري والإيراني.

كما الوسيط المصري لا يخفي وقوفه مع السلطة الفلسطينية، وهو يمارس ضغوطا على حماس من خلال تحكم مصر في معبر رفح ومساهمتها في حصار القطاع. كما أن مصر تتعامل مع حماس من منظور أمني وليس سياسي، إذ أن ملف الحوار تديره الدوائر الأمنية والمخابراتية وليس وزارة الخارجية المصرية، وهو ما احتجت عليه فصائل المقاومة.  مما يؤدي إلى عدم ارتياح حركة حماس لدور مصر وممارساتها، إلا أنها مضطرة لقبولها كوسيط مفروض عليها، دون التنازل عن مبادئها ومواقفها، وهو ما يجعلها أكثر تحفظا واحترازا.

إلى جانب ذلك، نجد الصراعات العربية / العربية، والصراع على الزعامة الإقليمية في الشرق الأوسط، وخاصة بين مصر والسعودية من جهة، وسوريا وإيران من جهة أخرى، وقد دخلت قطر وتركيا على الخط في المدة الأخيرة، وهي عوامل تزيد من تعقيد الأوضاع، وتأجيج الإختلاف والصراع بين جناحي الحكم في فلسطين.

وما يقضي على كل محاولات الحوار والمصالحة، إصرار كلّ من الولايات المتحدة - حتى في عهد باراك أوباما- والرباعية بعدم التعامل مع حكومة فلسطينية تضم أعضاء من حماس، وتأكيدها على أنها ستقطع كل المساعدات عنها في حالة اتفاق الفلسطينيين. وهي إشارات للسلطة الفلسطينية والوسيط المصري للإستمرار في الضغط على حركة حماس، حتى تقبل شروط الرباعية وتعترف بإسرائيل، وهو ما لم ولن تقبله الحركة، لكون ذلك يمس أحد أهم أسباب وجودها.

وما زاد في صعوبة الحوار، تولي حكومة يمينية جديدة، أفرزتها الإنتخابات البرلمانية الأخيرة (سنة 2009)، تحت رئاسة بن "يامين نتنياهو" ووزير الخارجية المتشدد "ليبرمان"، مما أدى إلى إيجاد جوّ أكثر صعوبة للتفاوض والإتفاق بين الإخوة الفرقاء في فلسطين.

 

وهكذا نستنتج وجود ضرورة وحاجة ملحّة للتفاهم والإتفاق بين الفرقاء الفلسطينيين، وفي نفس الوقت هناك استحالة لتحقيق تفاهم في ضوء تباين الإستراتيجيات والأحلاف والمناهج والأهداف، ووقوف جهات خارجية متصارعة وراء كل طرف، وفي ظل تشبث كل طرف بسياسته وعدم تنازل للطرف الآخر.

إن الحلّ الأساسي للخلاف بين الفصائل والأحزاب السياسية الفلسطينية، يبدأ بتنقية الأجواء العربية العربية، واتفاق العرب على إستراتيجية مستقلة للدفاع عن الكرامة والمصالح والمقدسات، بعيدا عن الضغوط الأجنبية وخاصة الأمريكية والغربية منها. فعندما تتخلص الدول العربية من تلك الضغوط، تكون بداية حقيقية للمصالحة الفلسطينية، بل لإرغام المجتمع الدولي على قبول حلّ عادل للقضية الفلسطينية، وهو هدف لا زال بعيد المنال.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ