-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 20/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الأزمة الفلسطينية وحلّ الدولة الديمقراطية

بوفلجة غيات

هناك نشاطات دبلوماسية دؤوبة من أجل حلّ القضية الفلسطينية على أساس الدولتين. إذ أن قبول الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما إلى جانب إسرائيل بحلّ الدولتين، يدل على أن هذا الحل في صالح إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.

إن الحلّ على أساس الدولتين كما كان معروفا في البداية، وما كان التركيز عليه هو انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل العدوان الإسرائيلي سنة 1967، إلا أن هذا لم يعد ممكنا ولا مطروحا الآن، لا عند الإسرائيليين ولا عند الأمريكيين، ولا حتى عند السلطة الفلسطينية وحركة فتح. إذ كلهم يرون أن العودة إلى حدود 67 قد تجاوزته الأحداث على الأرض.

والسؤال المطروح هو ما بقي من حلّ الدولتين، بعد أن هجرت كل الأطراف التحدث عن المرجعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي التي نصت على انسحاب إسرائيل عن الأرض التي احتلتها سنة 67 دون قيد أو شرط، وحق عودة اللاجئين، وبعد استيلاء الإستيطان الإسرائيلي على أراض شاسعة من الضفة الغربية، ومحاصرة القدس الشرقية وتهويدها، وامتداد الجدار العازل، والرفض المطلق لعودة اللاجئين، وما لذلك من تداعيات، أفرزت واقعا يستحيل معه تطبيق حل الدولتين.

ذلك أن الحل كما تراه إسرائيل والغرب عموما، هو إنشاء دولة فلسطينية صورية - كما هي السلطة حاليا-، على أرض غير متواصلة ، ليست لها سلطة على أجوائها ولا على ما هو في باطن أراضيها من مياه ومعادن، منزوعة السلاح، تتخللها مستوطنات يهودية يمكنها التوسع عند الرغبة والحاجة، وتعمل في الأرض على تكريس واقع بحيث تصبح القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، والطموح في إعادة بناء الهيكل على أرض المسجد الأقصى. كما يرون ضرورة اعتراف العرب والعالم بيهودية إسرائيل مما يسمح لها بطرد عرب إسرائيل من مسلمين ومسيحيين، إلى أراضي السلطة الفلسطينية، وقطع الطريق إلى الأبد في وجه عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم ومنازلهم التي طردوا منها بالقوة.

أما الدور الأساسي للسلطة الفلسطينية كما يرونها، فهو جمع الصدقات والتبرعات من أنحاء العالم، وتنسيق توزيعا على شعب متشرد على أرضه. وبهذا فإن العرب والمسلمين والدول المتعاطفة معهم، هم الذين يتكفلون بحاجات الفلسطينيين في كيانهم الجديد، وبالتالي فإن إسرائيل تتخلى عن التزاماتها الإنسانية والمعيشية والصحية والتربوية نحو سكان أراض تحتلها، وفق المواثيق الدولية السائدة.

كما تقوم السلطة الفلسطينية بحماية أمن إسرائيل، ومتابعة الخلايا الجهادية التابعة لحركات المقاومة، وخاصة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، أو أي معارضة لسياسة وممارسات إسرائيل ومستوطنيها. يتم ذلك مقابل بعض الإمتيازات المادية لمسؤولي السلطة الفلسطينية، التي تهيمن عليها حركة "فتح"، وغظ الطرف عن فسادهم.

وبالتالي يبقى هدف إسرائيل والولايات المتحدة، الضغط على أجنحة الرفض والمقامة والممانعة من أجل القبول بالأمر الواقع كما هو، وترسيمه، والتوقف عن المطالبة بدولة اسمها فلسطين، ولا بالجزء الشرقي من القدس ولا بعودة اللاجئين. وبهذا نشاهد عملية تواطئ دولية بين إسرائيل والدول الغربية والدول العربية "المعتدلة" والسلطة الفلسطينية، من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وإلى الأبد.

من هنا نستنتج أن الحل المراد تطبيقه، ليس بحلّ الدولتين كما يجب أن يكون، بانسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها سنة 67 وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وإنما المقصود هو أقل بذلك بكثير، بل هو عملية تصفية للقضية الفلسطينية بطريقة دبلوماسية لا أكثر.

كلّ ذلك كان ممكنا لولا ظهور معطيات سياسية واستراتيجية جديدة، متمثلة في ظهور الثورة الإيرانية، التي قدمت دعما كبيرا لحركات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين، من خلال حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، إلى جانب حركات وفصائل أخرى مقاومة. وقد أصبحت هذه الحركات تمثل تحدّ كبير بالنسبة لإسرائيل، التي فشلت لأول مرّة في تاريخها الإستعماري، في الإستيلاء على الأرض وتغيير الحقائق عليها اعتمادا على قوتها العسكرية. ذلك أن المقاومة الإسلامية استطاعت التصدي للقوات الإسرائيلية، ومنعتها من تحقيق مآربها، سواء في لبنان أو في قطاع غزة، وهي تطورات إستراتيجية كبيرة لا يمكن إغفالها أو الإستهانة بها.

لقد كانت الحرب الخليجية بين إيران والعراق، ثم بعد ذلك عملية احتلال العراق من طرف قوات الحلفاء، والضغوط الحالية على إيران، كلّها من أجل القضاء على المقاومة والممانعة الفلسطينية والعربية عموما، وفرض حلول للقضية الفلسطينية وفق الإملاءات والشروط الإسرائيلية، وهي محاولات باءت كلّها بالفشل حتى الآن.

إن الوقت ليس في صالح إسرائيل ولا الولايات المتحدة الداعمة الرئيسية لها. إذ أن العالم يعرف تغيرات كبيرة، ومن أهمها ما تشاهده الولايات المتحدة من صعوبات، وما عرفته من خسائر مادية وعسكرية وأخلاقية في العراق، وغرقها في المستنقع الأفغاني الذي لم تدخله قوة غازية إلا وتحطمت على جداره. إلى جانب ذلك نجد الأزمات المالية العميقة، وظهور قوى اقتصادية ناشئة تنازع سلطة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، ومنها روسيا والصين والهند والبرازيل، وتجلي عجز الحل العسكري في فرض الحلول السياسية، وصمود الثورة الإيرانية وتطورها العلمي والتكنولوجي رغم الضغوط الممارسة عليها، وكلها عوامل أفرزت واقعا جديدا، على الكل أخذه بعين الإعتبار.

إن نشاطات الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي أوباما، وسعيها لإنقاذ إسرائيل من خلال محاولة إقناعها بحل الدولتين هي الفرصة الأخيرة لهذا المسعى. إلا أن إسرائيل لن تقبل بذلك، وستستمر في المماطلة وإطالة أمل المفاوضات والعمل على ربح الوقت لتغيير الحقائق على الأرض، مما يقوّض أسس العملية السلمية وحلّ الدولتين من أساسه. عندئذ لن يكون بوسع السلطة الفلسطينية، ولا الدول العربية "المعتدلة"، القبول بنتائج الحلّ المفروض. ذلك أن السلطة الفلسطينية غير مؤثرة وليست لها مصداقية، وأن محور دول "الإعتدال" العربية، ليست لها الجرأة ولا القدرة للوقوف جهرة إلى جانب الحلّ الإسرائيلي، وإن كانت تفعل ذلك في الخفاء، أو على الأقل ليس لها مانع من فعله، في إطار صفقة لتثبيت بقائها في السلطة، إلا أن دورها محدود لفقدانها لأي مصداقية أمام شعوبها.

وحتى إن كانت هناك رغبة إسرائيلية في تحقيق حلّ الدولتين، فإن ذلك سيطلب عدّة سنوات من المفاوضات على تفاصيل العملية، تعمل إسرائيل من خلالها على ربح الوقت والمماطلة وإطالة عمر المفاوضات لتغيير الوقائع على الأرض، إلا أن الوقت لم يعد لصالحها، مما يؤدي إلى استحالة قبول الفلسطينيين والعرب عموما بما ستفرزه عملية حلّ الدولتين، لأنه سيصبح فارغا من محتواه.

لهذا يبقى الحلّ الوحيد الذي يجب المطالبة به الآن والسعي على تحقيقه، هو حلّ الدولة الديمقراطية الموحدة، حيث تجد كل المشاكل حلولا لها.

فمن خلاله تبقى القدس عاصمة موحدة للدولة الديمقراطية الجديدة، ويعود فلسطينيو الشتات إلى بيوتهم وأراضيهم، ويصبح بمقدور كل فلسطيني وكل إسرائيلي العيش في المكان الذي يريده داخل الدولة الجديدة، وبالتالي تجد مشكلة المستوطنات حلولا لها، وتصبح هناك حرية التنقل والتملك.

وبالتالي تجد كلّ المشاكل حلولا لها عن طريق الديمقراطية والإنتخابات الحرة، والحوار والتعايش السلمي والمساواة في الحقوق والواجبات. يتم ذلك في دولة موحدة  ذات قوميتين، عربية وإسرائيلية، متعددة الديانات من مسلمين ومسيحيين ويهود. دولة يصبح بالإمكان قبولها في المحيط العربي ولهذا تزول المقاطعة والمواجهة.

وهكذا يأخذ حلّ القضية الفلسطينية بتجربة جنوب إفريقيا، حيث القومية الإفريقية الزنجية، والقومية الأفريكانية من المستوطنين الأوروبيين البيض. وقد حاولت سلطات جنوب إفريقيا العنصرية كما كانت، إيجاد "كنتونات" لعزل السكان الأصليين، ومنحهم نوعا من الحكم الذاتي، كما تحاول إسرائيل فعله الآن في فلسطين، إلا أن كل المحاولات فشلت بسبب طابعها العنصري. في حين نجح حل الدولة الديمقراطية المبنية على المساواة والعدالة بين جميع سكان جنوب إفريقيا، وهي تجربة يمكن الإستفادة منها لحلّ القضية الفلسطينية.

لقد آن الأوان لكلّ الذين يريدون إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، التوقف عن متابعة سراب حلّ الدولتين، والعمل الجدي على تحقيق حلّ الدولة الديمقراطية الواحدة، لأنه السبيل الوحيد لاختصار الطريق نحو الحل المنطقي والمقبول من طرف شريحة واسعة من العرب واليهود، وكثيرا من محبي السلام الذين سئموا وتعبوا ويئسوا من تحقيق حلّ الدولتين.

فحلّ الدولتين لم يعد ممكنا، وفي حالة عدم القبول بفرصة حلّ الدولة الديمقراطية الموحدة، فيمكن انتظار الأسوأ، حيث يبقى حلّ أخير وهو هيمنة إسرائيل على كامل أراضي فلسطين بما في ذلك الضفة والقطاع، أو عودة أمل إيجاد فلسطين التاريخية إلى الوجود، بحيث تبسط سلطتها من النهر إلى البحر، وإن عجز الفلسطينيون اليوم تحقيق ذلك، يبقى الصراع مستمرا وحُلم التحرير للأجيال القادمة. وما يترتب عن هذا البديل من حروب وأزمات وحملات هجرة وتطهير عرقي، وإبادة جماعية أكبر مما كانت، وانتشار التطرف والمآسي في منطقة الشرق الأوسط والعالم ككل.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ