-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 19/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


معاملة أسرى الحروب عند بعض الشعوب القديمة

بقلم سري عبد الغني عبد الله*

تقديم :

يؤدي قيام الحرب بين دولة ودولة أخرى إلى وجود أسرى من إحدى الدولتين ، أو منهما معًا ، هؤلاء الأسرى يصبحون تحت رحمة الدولة المنتصرة ، وهي تتصرف فيهم حسب ما تمليه أهواؤها ، أو حسب ما تقرره التقاليد والأعراف السائدة لديها .

ومنذ الأزمنة القديمة وحتى يومنا هذا تتعدد طرق التعامل والتصرف مع أسرى الحروب ، وتختلف حسب الزمان والمكان ، وحسب ما تقرره الديانات أو المعتقدات أو القوانين .

طرق التصرف في الأسرى :

ويمكن لنا أن نوجز هذه قواعد وطرق التعامل والتصرف مع أسرى الحروب عند الشعوب القديمة فيما يلي :

1 ـ المن 2 ـ الفداء 3 ـ معاملة المثل 4 ـ البيع

5 ـ توزيع الأسرى على الجنود كمكافأة لهم على حسن بلائهم في المعارك التي خاضوها .

6 ـ توزيع الأسرى على المعابد للخدمة فيها ، أو يكونوا قرابين لآلهة هذه المعابد و التي ما أنزل الله بها من سلطان .

 7 ـ الاسترقاق أو الاستعباد أي يتحولون إلى عبيد يقومون بخدمة السادة دون أن يكون لهم أدنى حقوق تذكر .

8 ـ التسخير أي استخدامهم في الأشغال الشاقة المؤبدة مثل : العمل في المناجم والمحاجر ، أو تقطيع الجبال ، أو شق الطرق والقنوات والمصارف ، أوتنظيف الترع والمستنقعات ، دون أي مقابل يذكر ، مما يؤدي إلى هلاك معظمهم دون أي دية بالطبع .

9 ـ القتل والذبح بأساليب همجية لا إنسانية ، ومنها تقديمهم كطعام للوحوش الضارية مثل : الأسود والنمور والدببه

كيفية معاملة الدول للأسرى :

كانت الدول تتبع طرقًا مختلفة في معاملة الأسرى ، من أهمها : ـ

1 ـ كان المغلوبون في الحرب يباعون في الأسواق ليكونوا عبيدًا ، فإذا لم يكن في بيعهم ربح كبير تم ذبحهم جهارًا عيانًا في ميدان القتال ، وكان يحدث في بعض الأحيان أن يقدم عُشر الأسرى قربانًا إلى الآلهة الوثنية المزعومة المتعطشة للدماء من أجل إرضائها ، فيقتلون أمام المعابد أو داخلها .

2 ـ تقسيم جزء من الأسرى على الجنود لتشجيعهم ورفع روحهم المعنوية ، وكان الجنود يستبقون بعضًا من الأسرى للقيام بخدمتهم أو خدمة عائلاتهم ، وإذا كان الأسير فتاه أو امرأة يجعلها ملك يمينه ، فيدخل بها وينجب منها دون أن يعترف بأولاده منها ، وإذا كان الجندي ليس في حاجة إلى كل ذلك يبيع نصيبه من الأسرى في الأسواق .

أما باقي الأسرى فكان الجنود يقطعون رؤوسهم في ساحة القتال ويقدمونهم إلى قادتهم أو إلى حكامهم لمكافأتهم على عملهم ، وكلما قدم الجندي عددًا أكبر من رؤوس الأعداء استحق مكافأة أكثر .

ولذا كان ميدان القتال عبارة عن مجزرة كبرى غاب عنها الضمير الإنساني ، مجزرة أو مذبحة أهم ملامحها قطع أكبر عدد ممكن من رؤوس الأسرى الذين لا حول لهم ولا قوة لأنهم ينفذون تعليمات حكامهم ، وفي حالة رفض أي جندي لذلك تنسب إليه تهمة الخيانة العظمى أو الهروب من ميدان القتال في حالة الحرب ، وعقوبة هذه الجريمة الإعدام بإطاحة الرأس من فوق الجسد أو أن يقذف به في براميل الزيت المغلي أو يشنق أو ينفى من البلاد .

3 ـ كان الأشوريون في بلاد العراق ، وهم الذين اتصفوا بالقسوة وغلظة القلب ، بجانب اتقانهم للفنون العسكرية ، وقد أقاموا دولتهم على القوة والشدة ، وكونوا الجيوش الضخمة ، في الوقت الذي قل فيه الزراع وأصحاب الحرف لديهم ، هؤلاء كانوا بعد كل حرب يذبحون أسراهم أثناء تأديتهم الطقوس والشعائر الدينية ، ولعل ذلك ما جعل أكثر من نبي يهودي يقول عن الآشوريين : (ويل لمدينة الدماء) !

أما الأهالي من المدنيين في البلاد التي غزاها أو احتلها أو انتصر عليها الجيش الآشوري ، فهو أرحم بهم مما يتبعه اليهود نحو هؤلاء الساكنين الآمنين الأبرياء ، فالتاريخ يحكي لنا أن الآشوريين كانوا يتبعون مع المدنيين أحد طريقتين :

الطريقة الأولى : أن يترك الأهالي من الفلاحين والعمال والتجار وتفرض عليهم الجزية أو السخرة .

الطريقة الثانية : تهجير أهل البلاد أو جزء منهم إلى بلد آخر ، وإحلال آخرين محلهم ، وهو ما نسميه اليوم بالتهجير الجماعي ، ويبدو أن هذا الأسلوب أول من ابتدعه في التاريخ الجيش الآشوري ، وهذا ما عمله عند استيلائه على إسرائيل سنة 732 قبل الميلاد .

ونذكر هنا أن (بنوخذ نصر) ملك بابل عندما دمر أورشليم عاصمة الإسرائيليين قام بأسر عدد كبير من اليهود ، وعندما عادوا إلى التمرد وإثارة الشغب والقلاقل مرة ثانية ، أرسل (بنوخذ نصر) حملة عسكرية انتصرت عليهم عام 586 قبل الميلاد ، وقامت بأسر ملك أورشليم وعدة آلاف من جنوده ،وأهل دولته وحكومته ، كما قامت بأسر أكثر من ألف من الصناع والزراع وأهل الحرف ، وأمر بنوخذ نصر بنفي الأسرى جميعًا إلى بابل ، وسخرهم جميعًا كعبيد لخدمة الدولة البابلية .

أنواع لا إنسانية من القتل :

كانت طرق قتل الأسرى عند الشعوب القديمة على أنواع عدة ، منها :

أ ـ أن يركع الأسير متجهًا بظهره إلى من أسروه ، ويضرب بالهراوة على أم رأسه ،ثم يطاح بها .

ب ـ بالنسبة للأشراف أو القادة أو الزعماء فتصلم (تقطع) آذانهم ، وتجدع (تشوه) أنوفهم ، وتقطع أيديهم وأرجلهم (وأحيانًا يكون ذلك من خلاف) .

ج ـ في بعض الأحيان كان يقذف بالقادة والزعماء والحكام الذين تم أسرهم في الحروب من أبراج عالية إلى الأرض ، أو تقطع رؤوسهم بالسيوف ، أو رؤوس أولادهم أمامهم ، أو تسلخ جلودهم ، أو تشوى فوق نار هادئة ، أو يلقى بهم في النار ، أو في براميل من الزيت المغلي .

د ـ كان ملوك الدولة السومرية العراقية (4000) قبل الميلاد ، تقوم بإعدام الأسرى ، وتضعهم في كومات ليشاهدها الناس ، وهم في حالة سرور ونشوة من انتصار جيش بلادهم .. !!!

معاملة ومعاملة :

عندما كان اليهود ينهزمون ، ويصبح بعضًا منهم أسرى ، فإن الدول المنتصرة كانت تتخذ فيهم طرقًا متعددة لعقابهم ، ومن هذه الطرق : القتل بدم بارد ، أو الذبح في ميدان القتال ، أو الرمي في النار من مكان مرتفع ، أو يلقى بهم أمام الوحوش المفترسة الجائعة ، أو الاسترقاق الدائم الذي لا انعتاق فيه ولا حرية مدى الحياة مهما كانت الظروف والأحوال ، أو التسخير في الأعمال الشاقة ، أو حرق المدن بما فيها من أطفال ونساء وشيوخ ..

وإذا تتبعنا تاريخ اليهود وحروبهم مع الدول الأخرى نجد أن الدول الأجنبية عندما كانت تنتصر عليهم ، كانت تعامل أسراهم معاملة أحسن وأفضل بكثير من معاملة اليهود لأسرى هذه الدول .

أدلة واضحة:

1 ـ تقول التوراة إنه : لما جاء داود ورجاله إلى (صقلع) في اليوم الثالث ، كان العمالقة قد غزوا الجنوب كما قاموا بغزو صقلع ، ثم أحرقوها بالنيران ، وسبوا النساء اللاتي (اللواتي) فيها ، ولم يقتلوا أحدًا لا صغيرًا ولا كبيرا ، بل ساقوهم ومضوا في طريقهم ، فدخل داود المدينة هو ورجاله ، وإذا المدينة محرقة بالنار ، ونساءهم وبناتهم قد تم سبيهم .

2 ـ وعند الآشوريين رأينا معاملتهم للإسرائيليين حيث أنهم لم يقتلوا السكان أو يحرقوهم بالنيران ، بل كانوا ينفون بعضهم ويبقون البعض الآخر في مدنهم آمنين مطمئنين .

3 ـ وعندما قام نبوخذ نصر البابلي بغزو أورشليم هجر بعضهم ونفاهم إلى بابل العراقية ، وهو ما يعرفه التاريخ القديم باسم (السبي البابلي) ، وفي واقع الأمر أنهم لم يكونوا عبيدًا للبابليين بالمعنى المعروف ، بل تركهم أحرارًا يشتغلون بزراعة الأرض والحرف والتجارة ، حتى أن كثيرًا منهم لم يقبل أن يعود أو يرجع إلى فلسطين في عهد الملك / كورش الفارسي ، وفضل البقاء في بابل العراقية ، حيث أن معظمهم كون ثروات ضخمة ، وأصبح يمتلك الكثير من الأراضي الزراعية الواسعة ، وهذا كله يدل على حسن معاملة الدول المنتصرة لليهود المهزومين .

ولعل هذا يستدعي قراءة التاريخ اليهودي بحيدة وروية و موضوعية بعيدًا عن التعصب المقيت و الانحياز والادعاء والأكاذيب ، وهذا ما يتبناه جماعة من المثقفين والباحثين في إسرائيل نفسها في أيامنا هذه ، وهم ما يطلق عليهم (المؤرخون الجدد) ، وقد أصدروا بالفعل عدة مؤلفات تحاول تصحيح التاريخ الإسرائيلي بشكل علمي محايد ، وقد جر عليهم ذلك الكثير من المعارضة والتهجم من جانب الحرس القديم في إسرائيل .

4 ـ لقد عامل الفرس اليهود معاملة حسنة ، والدليل على ذلك أنهم سمحوا لهم بالرجوع إلى فلسطين مرة أخرى لمن أراد الرجوع ، كما سمح لهم ببناء الهيكل مرة ثانية .

5 ـ كما عاملهم القائد / الأسكندر الأكبر المقدوني معاملة حسنة ، وتركهم أحرارًا في دينهم وطقوسهم .

6 ـ عين اليونان (الإغريق) والرومان حكامًا من اليهود عليهم ، ومعنى هذا أنهم أعطوهم ما يشبه الاستقلال الذاتي ، نضيف إلى ذلك أن الرومان أعفوهم من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية لما أبدوه من أسباب دينية تحول دون انخراطهم في سلك الجندية .

قسوة من طراز فريد :

لقد اشتهر اليهود بقسوتهم في معاملة أسراهم ـ كما يحدثنا التاريخ القديم ـ فقد كانوا يعاملونهم معاملة وحشية لم تعرفها البشرية سواء في الزمن القديم أو الحديث ، وإليك بعض الأمثلة : ـ

1 ـ فقد جاء في (سفر العدد) : فتجند الإسرائيليون على مديان كما أمر الرب ، وقتلوا كل ذكر ، كما قتلوا ملوك مديان وجنودهم ، وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ، ونهبوا جميع بهائمهم ، وجميع مواشيهم ، وكل أملاكهم ، وقاموا بحرق جميع مدنهم بمساكنها وسكانها ، وجميع حصونهم بالنار ، وأخذوا كل الغنائم ، وكل ما استطاعوا أن ينهبوه ..

2 ـ كما جاء في ( سفر صموئيل ) : وأخرج داود الشعب الذي يسكن مدن عامون ، ووضعهم تحت مناشير ونوارج وفؤوس مصنوعة من حديد ، وأمر بحرقهم في أتون الأجر (أفران أو قمائن حرق الطوب ) .[سفر صموئيل ، 1 / 30 ]

3 ـ وجاء أيضًا في التوراة عن هذه القسوة ، أن داود ضرب المؤابين ، وقيدهم بالحبال ، ثم وطرحهم أرضًا ، وقام بإعدام بعضهم ، وأخذ معظمهم عبيدًا له .

4 ـ كما ورد في (سفر الأخبار الثاني) : أن (أمصيا) وهو ملك من ملوك بني إسرائيل ، كان متشددًا ، اقتاد شعبه ، وذهب إلى وادي الملح ، وضرب من بني ساعير عشرة آلاف شخص ، كما تمكن من سبي عشرة آلاف أحياء ، أخذهم كعبيد له ولشعبه ، وقد قام بطرح الكثير من هؤلاء على الأرض ، وأمر بتكسير عظامهم ، ثم أطاح برؤوسهم انتقامًا منهم .

5 ـ كما جاء في (المزمور) : وكانت الأطفال تهشم رؤوسهم على الصخور ، أي أن الإسرائيليين كانوا يهشمون رؤوس أطفال أعدائهم في حروبهم على الصخور دون أدنى شفقة أو رحمة .

6 ـ و أما في حالة الصلح : فإن الأجنبي يصبح عبدًا مسخرًا لليهود ، حسب ما جاء في (سفر التثنية / 20) : حين تقترب من مدينة لكي تحاربها ، استدعها للصلح (اعرض عليها الصلح) ، فإن أجابتك ، وفتحت لك (أي وافقت على السلام والصلح ورحبت بك) فكل الشعب الموجود فيها يكون للتسخير والاستعباد لك !!!

7 ـ كما كان شق بطون الحبالى الأسرى من أقسى الأعمال إلى اتصف بها اليهود في معاملتهم لأسراهم ، حيث تكرر ذلك مرات عديدة في تاريخهم .

8 ـ نضيف إلى ذلك ردمهم لجميع عيون الماء العذب الصالح للشرب ، وحرقهم للأشجار والنخيل والمزروعات .

الخاتمة :

ونحب أن نشير هنا إلى أننا قمنا بكتابة بحث تحت عنوان (عندما ينتصر بنو إسرائيل .. ماذا يفعلون ؟) ـ نأمل أن يجد من ينشره ، تكلمنا فيه تفصيلاً عما يقومون به من أعمال بعيدة كل البعد عن الإنسانية والقانون الإنساني عند انتصارهم على من يحاربونه ، ناسين أو متناسين أن الرحمة فوق أي شيء ، وقد قمنا بمقارنة هذا الموقف اللا إنساني بموقف الإسلام الحنيف الذي يشدد ضرورة معاملة الأسرى أحسن وأرقى وأنبل معاملة .

 ولعل القارئ يتذكر ما فعلته إسرائيل بالأسرى المصريين في حرب يونيو 1967 م ، وهذه المسألة تثار بين الحين والحين إعلاميًا ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، حيث أنه حتى يومنا هذا لم يتخذ أي إجراء نحو هذه المسألة ، إجراء من شأنه أن يردع الجاني ، حتى يكون عبرة لمن تسول له نفسه الإساءة بأي شكل من الأشكال لأسرى الحروب في المستقبل الذي نأمل أن يكون بلا حروب يسوده السلام العادل بإذن الله تعالى .

وغني عن البيان أن الإسلام الحنيف قد وضع الكثير من القيم والمبادئ التي تضمن حسن معاملة الأسرى ، مما يؤكد أنه قد سبق العصر الحديث باتفاقياته ومعاهداته في هذا المجال .

---------

بعض أسانيد المقالة

1 ـ حسن ظاظا والسيد محمد عاشور ، شريعة الحرب عند اليهود ، بدون ناشر ، القاهرة ، 1976 م .

2 ـ حسن ظاظا ، الفكر الديني الإسرائيلي ، القاهرة .

3 ـ التوراة ، الترجمة العربية .

4 ـ محمد أبو المحاسن عصفور ، حضارات الشرق الأدنى القديم ، القاهرة ، 1970 م .

5 ـ محمد جمال الدين مختار وآخرون ، مصر وحضارات العالم القديم ، وزارة التربية والتعليم ، القاهرة ، 1991 م .

ــــــــ

* باحث ومحاضر في الدراسات لعربية والإسلامية

ayusri_a@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ