-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 18/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


القضية .. شجون وأشجان

الجزء الثاني

د / لطفي زغلول – نابلس

تناولنا في الجزء الأول من حديثنا العديد من شجون القضية الفلسطينية . وها نحن نتناول المزيد منها . فما من قضية في العصر الحديث ، ولا حتى عبر العصور شغلت مساحة من تاريخ الإنسانية كما شغلتها القضية الفلسطينية بأبعادها الإنسانية ، وتداعيات أشجانها .

لا تمحي من ذاكرة الفلسطينيين صورة الإجتياحات العسكرية الإسرائيلية سواء تلك التي تكون في النهار ، وغالبا ما تكون في الليل . وفي حقيقة الأمر ليس هناك وقت معين لها ، إن الوطن الفسطيني بمدنه وبلداته وقراه ومخيماته مستباح من قبل جيش الإحتلال . وكما هو المعتاد تسفر هذه الإجتياحات والإقتحامات والمداهمات عن مزيد من الشهداء والإعتقالات وهدم المنازل بعد تفجيرها .

ولا ينسى الفلسطينيون كيف كانوا يحشرون بالعشرات في منزل واحد ، ولا كيف كانوا يؤمرون للنزول إلى الشوارع هم وأطفالهم في البرد والمطر ، ولا كيف كان أبناؤهم يساقون تحت أنظارهم وهم معصوبو العيون ، مقيدو الأيدي ، ولا كيف كان هؤلاء المساكين يضربون بقسوة وبلا رحمة .

  لقد ظلت القدس بالنسبة للفلسطينيين قضية ذات أبعاد متعددة .  فإلى جانب كونها عاصمة سياسية لدولتهم الفلسطينية العتيدة التي يصرون أن تتبوأ مكانها على خارطة العالم السياسية ، فهي قبل هذا وذاك عاصمتهم وعاصمة أشقائهم الروحية في العروبة والإسلام . وحسبها أنها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، ومسرى الرسول الأعظم محمد صلّى الله عليه وسلم ومنها عرج إلى السماء .

لقد تمادت السياسات الاسرائيلية كثيرا فيما يخص اغتصاب القدس ، وغذت الخطى في وتيرة تهويدها ، كون هذا الفعل الإسرائيلي لا يلقى أدنى رد فعل عليه من قبل الأنظمة العربية والإسلامية ، لقد أصبحت قضية القدس لا تحتل أدنى مساحة من أجنداتها السياسية أو غير السياسية ، الأمر الذي أضاء ضوءا أخضر مستداما للحكومات الإسرائيلية أيا كان لون طيفها السياسي على مدى ثلاثة وأربعين عاما كي تعمل براحتها على تنفيذ كل مخططات تهويد القدس ، وانتزاعها شبرا شبرا من أيدي اصحابها الشرعيين ، والقيام بتهويدها جغرافيا وديموغرافيا ، ولتصبح إسرائيل قيّمة على مقدساتها التي يفترض أنها وقف لكل المسلمين .

ان قضية القدس والمقدسات الإسلامية تتجاوز كل تراكمات التقصيرات العربية والإسلامية بحقها ، ولا تغيبها من الذاكرة أو تعتم عليها فهي تشكل مساحة شاسعة من التاريخ والتراث والعقيدة . والفلسطينيون وهم جزء لا يتجزأ من الأمتين العربية والإسلامية قد نذروا أنفسهم حراسا وأمناء عليها وعلى مقدساتها .

إن نضالاتهم على شرفها واجب وشرف لهم وبمثابة رسالة دائمة إلى العرب والمسلمين ، وتذكير وهم على ثقة بأن الذكرى تنفع المؤمنين . وتظل القدس بركانا قد يبدو أنه خامد في أحاسيس أصحابها الشرعيين أينما كانوا ، لكن احتمالات ثورته قائمة على الدوام وليس لها وقت معين  .

وأما الحديث عن الأقصى المبارك فها هم الفلسطينيون هذه الأيام يصرخون ويتصدون مرة أخرى . وها هي الحفريات جارية على قدم وساق غير آبهة باحتجاجات الفلسطينيين الذين يستقرئون نذر المخاطر جراءها . إنها استخفاف واستهانة بمشاعر المسلمين في كافة أرجاء العالم ، والأقصى جزء لا يتجزأ من عقيدتهم وتاريخهم المجيد . لقد قصرت الأنظمة العربية والإسسلامية تقصيرا فاضحا بحق الأقصى ، وكأنه لا يعنيها .

إنها النوايا المبيتة للمسجد الأقصى تحديدا ، سواء من تحت أساساته ، حيث الأنفاق المتعددة الإتجاهات والأهداف ، أو سواء من حيث ما يحيط به ، والمقصود باب المغاربة ، وهذه الأعمال الخطيرة التي تقوم بها الجرافات .

ولا تقف هذه الإجراءات العدوانية بحق الأقصى عند هذه الحدود  ، فإن ما يسمى " أمناء الهيكل " ما زالوا يقفون للأقصى المبارك بالمرصاد ، يتربصون به ، ويتحينون الفرص للإنقضاض عليه ، بغية هدمه وإقامة " الهيكل " المزعوم عليه ، وهم الذين قد جهزوا ما أطلقوا عليه حجر الأساس ، والذين طالما طافوا به في مدينة القدس تحديا وتهديدا وتوعدا وترهيبا .

منذ أن كان حريق الأقصى المبارك ، لم تتوقف الإعتداءات عليه . فها هي الأنفاق تحفر في أساساته . وها هم المتطرفون اليهود يطالبون باقتسام الأقصى بين المسلمين وبين اليهود . وها هم يوجهون سهام أطماعهم إلى المصلى المرواني . وها هم يقتحمون باحات الأقصى تحت حماية جنود الإحتلال للصلاة فيها .

إنه مسلسل من التحديات لا ينتهي ، يستهدف الأقصى المبارك . إلا أن الأخطر من هذا كله تغاضي الأنظمة العربية والإسلامية عما يجري للأقصى ، الأمر الذي أعطى ضوءا أخضرلمزيد من التحديات التي تنصب عليه وعلى بقية المقدسات الإسلامية الأخرى .

وما زلنا في شجون القضية الفلسطينية . ففي خطابه الأخير في جامعة بار إيلان في مدينة بير السبع ، تحدث بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلة اليمينية المتطرفة عن قضايا كثيرة تهم المصالح الإسرائيلة . وفي حديثه هذا تجاهل القضايا التي تهم الشعب الفلسطيني ، ويعلق عليها آمالا عريضة في استعادة حقوقه .

تجاهل فيما تجاهل حق العودة لأولئك الذين يقبعون في مخيمات الشتات ، والذين أجبروا قسرا وإكراها على ترك أراضيهم ومدنهم وقراهم عام 1948 ، عام النكبة . تجاهل قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف ، ومن باب ذر الرماد في العيون اشترط لقيامها ، إذا كان لا بد أن تقوم ، أن تكون منزوعة السلاح ، وأن تكون أجواؤها ومعابرها الحدودية البرية والمائية ضمن السيطرة الإسرائيلية . وكذلك الحال بالنسبة لمصادرها المائية والمعدنية الأخرى .

وطمأن الإسرائيليين أن القدس سوف تبقى موحدة ، وعاصمة أبدية لإسرائيل . وأن المستوطنات سوف تبقى فيما أسماها يهودا والسامرة . وفي طرحه هذا تجاهل الشعب الفلسطيني وما له من استحقاقات لا تسقط وإن تقادم الزمن عليها . هذا الشعب الذي بدونه وبدون استعادة حقوقه لن يكون هناك أي سلام .

وأخيرا لا آخرا يتبقى اثنان من شجون القضية الفلسطينية . الأول يخص العلاقات الأميركية الإسرائيلة . إذ يخطىء من يظن أن عهد الرئيس الحالي باراك أوباما يختلف عن عهد سابقه جورج دبليو بوش . إلا أن لكل واحد منهما أسلوبه في التعبير عن علاقته بإسرائيل . ويقينا إن ما يسمى بالضغوطات على إسرائيل فيما يخص الإستيطان وحل الدولتين واستحقاقات خارطة الطريق هي في حقيقتها غير جادة ، ولعب في الوقت الضائع ، ونرجو أن نكون مخطئين .

أما ثاني هذه الشجون فهو يخص الأنظمة العربية التي كانت القضية الفلسطينية تتبوأ سلم الأولوية في أجنداتها السياسية . إلا أنها ومع الأيام لم تعد كذلك ، وقلبت هذه الأنظمة لها ظهر المجن ، وتحولت إلى قضية شؤون إجتماعية وإنسانية .

لقد صمت الصوت العربي عن تهويد القدس ، والمكائد التي تحاك ضد المسجد الأقصى المبارك ، والإستيطان الذي افترس الوطن الفلسطيني ، وترك الفلسطينيون يواجهون آلات البطش العسكرية ليلا نهارا ، وعلى مدى ثلاثة وأربعين عاما ، ومن قبلها أعوام النكبة التسعة عشر .

هذه هي شجون القضية الفلسطينية ، أو لنقل هي جزء منها . أما أشجانها ومآسيها وآلامها وأحزانها فكثيرة لا تعد ولا تحصى . إن الوطن الفلسطيني محتل محاصر مستباح ، ولا تلوح في آفاقه أية بادرة لأية حلول سياسية تعيد له حقوقه المشروعة . إنه ما زال راسيا  في مرافىء التيه والسراب . لعل غدا آخر يلوح في أفقه ، ولعل شمسا أخرى تشرق على أيامه . ولعل صحوة تهب على ضمير الإنسانية .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ