-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 04/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


اغتيال "فتح"

عبد الحليم قنديل*

قد لايصح لأحد أن يستهين بحركة فتح، لا بتاريخها، ولا بأسراها، ولا بشهدائها، ولا بدورها المجيد في معركة التحرير الوطني الفلسطيني، ولا بالمخاطر التي تهدد وجودها الآن، ولا بالشيخوخة التنظيمية والسياسية التي أطفأت بريق الاسم، ونخرت في عظام الرسم.

وربما كانت قنبلة فاروق القدومي الأخيرة مما يعكس عمق أزمة فتح التنظيمية والروحية، فقد اتهم القدومي كلا من محمود عباس ومحمد دحلان بالمشاركة مع شارون في خطة اغتيال عرفات بالسم، وقد وزع القدومي نسخة مختصرة من محضر اجتماع قال أن عرفات كان قد أرسله إليه، وهي اتهامات ـ لو صحت ـ تعني نهاية اعتبار قيادة فتح الحالية كلها، فقد انتهت إلى عباس ـ المتهم من قبل القدومي ـ كل مقاليد حركة فتح، وجمع في يده كل مناصب عرفـــات قائد فــــتح التاريــــخي، أصبح رئيسا لفتح، ورئيسا لمنظمة التحرير الفلســطينية، ورئيسا لسلطة رام الله، بينما انتهى القدومي ـ وهو من مؤسسي فتح الأوائل ـ إلى العراء، ترأس حركة فتح لفترة قصــــيرة جـــدا عقب وفاة عرفات، ثم أصـــبح سكرتـــيرا للجنة فتح المركزية، وبدون أي صلاحيات، وبــــلا أدوار فعلية، ولن تكون مفاجأة أن يجري فصل القـــدومي في المؤتمر السادس الوشـــيك لحركة فتح، وهو المؤتـــمر الذي يعقد بعد حوالى عشرين سنة من آخر مؤتمر عقد قبل اتفاقــــات أوسلو، وذوبـــان 'فتــــح' في حمض كبريتيك سلطة أوسلو، وهزيـــمتها المريرة في المعركة المسلحة مع 'كتائب القسام' في غزة قبل عامين من الآن.

وقد لايكون بالوسع التأكد من صحة دعوى تورط الرئيس عباس في اغتيال عرفات الذي رحل عن دنيانا في أواخر 2004، فقد جرت العملية في غموض مثير، ولم ينجح تقرير المستشفى الباريسي ـ الذي نقل إليه عرفات في أيامه الأخيرة ـ فى تبديد الشكوك، وظل دم عرفات معلقا فى رقبة شارون الذي كان يكرهه بشدة، فقد كان عرفات ـ ورغم أي ملاحظات ـ رجل تكتيك من طراز فريد، كان ملكا للمناورة، وكان كالقط بسبعة أرواح، وكان قادرا في كل وقت على القيام بأدوار مزدوجة، كان رئيسا لسلطة أوسلو، وكان في الوقت نفسه رأس جهاز الانتفاضة في فتح، كان يبدي مرونة كبيرة تغري باتهامه بالتفريط أحيانا، لكنه يدير ـ في الوقت نفسه ـ تنظيمات فتح المسلحة، وكان قادرا على الإمساك بكافة الخيوط في يده، وكان يسنده تاريخ كفاحي طويل، فهو مؤسس النواة الأولى لحركة 'فتح' ـ مع خليل الوزير 'أبو جهاد' ـ في 1957، وهو صاحب البيان الأول لجناح العاصفة ـ الذراع العسكري الأول لفتح ـ عن أول عملياته في الداخل الفلسطيني في الأول من كانون الثاني / يناير 1965، وبعد هزيمة 1967، كان صاحب مغامرة التسلل إلى الضفة الغربية المحتلة، وتنظيم خلايا، وتنفيذ عمليات عسكرية فدائية، وأصبح بعدها قادرا ـ بتفهم نظام جمال عبد الناصر ـ على انتزاع قيادة منظمة التحرير من أحمد الشقيري، وبعدها أصبح تاريخ الفلسطينيين ـ في غالــــبه ـ هو تاريخ ياسر عرفات نفسه، وإلى أن حاصرته قوات شارون في مبنى 'المقاطعة' برام الله، وعزلته عن الدنيا كلها، ووضعته في الخيار الأخير بين الفرار أو الموت، وفضل عرفات الموت بكرامة على عار الفرار.

وفي اللحظة التي حوصر فيها عرفات، كان نفوذ محمود عباس يزيد بإطراد، فقد بدا عباس كأنه الخليفة الأفضل للأمريكيين وللإسرائيليين، وضغط الأخيرون لتولية عباس رئاسة وزراء مستحدثة خصما من نفوذ عرفات الكلي، وناور عرفات بورقة أحمد قريع مسؤول التعبئة والتنظيم بحركة فتح، وعينه رئيسا للوزراء نكاية في عباس، وبعد وفاة عرفات، بدا أن المسافات تتلاشى بين قريع وعباس، فقد غاب 'الختيار'، غاب القط، وعربدت الفئران، وراحت تنهش وتقرض أوراق 'فتح' ومصادر قوتها، فالذي يطالع النظام الأساسي لحركة فتح يجد عجبا، مبدأ الحركة هو تحرير فلسطين بالكامل من النهر للبحر، وهدفها الرئيسي هو إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية على كامل التراب، ووسيلتها هي الكفاح المسلح والثورة الشعبية المسلحة، وبغرض تحطيم الكيان الصهيوني، والوقوف ضد أي قرارات دولية أو أي اتفاقات سياسية تنتقص من حق الفلسطينيين فى كامل التراب الفلسطيني،'والمثير أن النظام الأساسي لفتح ـ ودستور مبادئها ـ لم يتغير إلى الآن، وإن جرى حذف النصوص المأخوذة عنه في ميثاق منظمة التحرير، وهنا يتبدى التناقض فادحا ومروعا، فالرئيس عباس ـ رئيس فتح الحالي ـ ضد كل مبادئ النظام الأساسي لفتــــح، وضد كل طلـــقة رصاص توجه لقوات كيان الاغتصاب الإسرائيلي، وهذا موقفه المعلن ـوالمخفي ـ ليس الآن فقط، بل منذ الأيام الأخيرة لياسر عرفات، ومنذ كان طرفا ـ ومعه أحمد قريع ـ في صياغة اتفاق أوسلو السري مع شمعون بيريس رئيس إسرائيل الحالي، وكان عرفات يعلم بالطبع، لكنه كان مسكونا بطبع المناور فيه، ويركب عدة جياد متعاكسة الطرق في وقت واحد، ويجمع بين عباس ومروان البرغوثي قائد فتح الأسير من سنوات في سجون إسرائيل.

طبع عرفات المناور حافظ على نبض حيوية في حركة فتح، لكنه أثر سلبا بشدة على روحيتها وتماسكها، وحولها إلى عدة 'فتحاوات' لا يجمع بينها غير اسم عرفات، وبعد أن رحل، بدت حركة فتح بدون غطاء عرفات، بدت ممزقة مهلهلة إلى أبعد حد، بين قادة أغلبهم من المليونيرات بل والمليارديرات، وقيادات وسطي تبحث عن وظائف تسد الرمق في جهاز سلطة أوسلو، وتضخم دور السلطة وأجهزتها الأمنية خصما من رصيد فتح وجماعاتها العسكرية، وتوالت المحن على الفتحاويين في القواعد الجماهيرية الواسعة، فقد خابت فتح في انتخابات اكتسحتها حماس، ثم هزمت عسكريا وعلى نحو مريع في غزة، وتعرضت لمحنة التجميد والاستيعاب في سلطة رام الله المراقبة إسرائيليا وأمريكيا، ولم يعد أحد يتذكر شعار فتح القديم الذي تتوسطه كلمة 'العاصفة'، وفي قاعدته نداء : الثورة حتى النصر، لم يعد أحد من قيادات فتح يذكر كلمة ثورة ولا كلمة نصر، ولم يعد أحد يرفع إصبعه بعلامة النصر على طريقة عرفات الحماسية، شاخ قادة فتح القدامى في مقاعدهم، وجرى تأميم سلطة'القرار الفتحاوي لصالح جماعة أوسلو أو 'جماعة إسرائيل' في السلطة الفلسطينية.

وتداعت حوافز التجديد مع انسداد الأفق، ولم يعد من حافز لوجود فتح غير الثأر من 'حماس' التي استولت على غزة، وليس الثأر من إسرائيل، وهذه مفارقة عجيبة، وإن كانت مفهومة بطبائع الحياة وتوالي دولها، فقد نشأت حركة فتح من نفس المورد الذي نشأت منه حركة حماس فيما بعد، كلاهما انطلق من غزة، وكلاهمــــا بدأ تكوينه الأول بعناصر من جماعة الإخوان المسلمـــين، فقد كان الأغلب الساحق من مؤسسي فتح ـ بمن فيهم عرفات ـ أعضاء أو أنصارا لجماعة الإخوان الفلسطينية، ربما الفرق أن حركة حماس ـالإخوانية الجسد ـ لا تزال شابة، وعمرها المعلن جاوز العشرين بقليل، بينما تقدمت فتح إلى ضعف عمر حماس، وشاخت مبكرا، وترهلت أوضاعها التنظيمية والإدارية، وساءت سمعتها بالفساد المالي والأخلاقي لعدد كبير من قياداتها، وربما لا ينجح المؤتمر السادس ـ الوشيك ـ في استعادة حيويتها، فلا خطة سياسية، ولا رد اعتبار للمبادئ، بل طلاق بائن مع أصول التاريخ وعذاب الأسرى ودم الشهداء، واغتيال حقيقي لفتح بسم سياسة الرئيس عباس.

ــــــــ

*كاتب مصري

Kandel2002@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ