-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 02/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إسرائيل: مجتمع التناقضات المتماسكة

عمر امين مصالحة*

عانت إسرائيل ومنذ تأسيسها الانقسام والصراع بين اليهود "السفارديم" من الأصول الشرقية واليهود الغربيين "الاشكناز".  وقد عبر اليهود الشرقيين عن سخطهم تجاه عنصرية المؤسسة الحاكمة من خلال حوادث احتجاج متفرقة طوال الخمسينيات والستينيات كان من أشهرها وأكثرها عنفاً حادث وادي صليب عام  1959 الذي شمل اضطرابات دامية بين اليهود المغاربة والشرطة الإسرائيلية استمرت أربعة أيام، وامتدت إلى عدة مدن إسرائيلية. ثم نشأت حركة "الفهود السود" عام 1971 كجماعة سياسية قامت بتنظيم العديد من المظاهرات للمطالبة بتحسين أوضاع اليهود الشرقيين قبل أن تسعى لدخول الكنيست بالتحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة منذ 1973، ثم اندمج الفهود السود في اطار الجبهة الدمقراطية للسلام، ولفتت هذه التصرفات اهتمام قادة الدولة، ولكنهم لم يفعلوا الكثير لحلها. لكنه، ومنذ عام 1977، إثر التغييرات في الخريطة السياسية الاسرائيلية وفوز اليمين بقيادة مناحيم بيغن، بدأ اليهود الشرقيين يشعرون أنهم جزأ من التغيير بعد تأييدهم لأحزاب اليمين في تغير وجهة السياسة الاسرائيلية. 

  وصل مئات الآلاف من يهود آسيا إلى اسرائيل في سنوات  الخمسينات حتى بلغ عددهم في 1960 إلى النصف مليون، ونتيجة لهذه الهجرة أصبح اليهود الشرقيون يمثلون أكثر من نصف السكان اعتباراً من عام 1964، الأمر الذي أحدث تغيراً جذرياً في بنية وطبيعة المجتمع الاسرائيلي، وأفقده تجانسه العرقي والثقافي بعد أن كانت الغالبية العظمى منه من يهود وسط وغرب أوروبا حتى قيام الدولة. ومع هذا التحول الديمغرافي بدأ المجتمع الإسرائيلي يشهد انقساماً طبقياً بين مواطنيه اليهود على أساس انتمائهم العرقي. فقد عانى اليهود الشرقيون ومنذ مجيئهم إلى إسرائيل من استعلاء اليهود الغربيين لهم، ووصفهم بالجهل، وهو ما أدى إلى التمييز ضدهم في كافة مناحي الحياة، بداية من إسكانهم في مجمعات سكنية "معبروت" تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الأساسية، واستغلالهم في أعمال بدائية التي كان اليهود الغربيون يرفضون ممارستها.                                                                         وبذلك ظل اليهود الغربيين يحتكرون الثروة والحكم مستغلين عوامل عدة أهمها: ارتفاع مستوى التعليم والثقافة لديهم بالنسبة لأقرانهم من أفريقيا وآسيا، إلى جانب نشأة الحركة الصهيونية ذاتها في أوروبا، مما مكنهم من استغلال مؤسساتها ومواردها لتعزيز مكانتهم في المجتمع وخدمة مصالحهم.  حاولت المؤسسة الاسرائيلية العمل على دمج اليهود الشرقيين في المجتمع الاسرائيلي من خلال سياسة: "بوتقة الصهر"، في العقود الأولى للدولة من خلال صهر اليهود الشرقيين في الثقافة الغربية التي تنتمي إليها النخبة وليس تحقيق التوافق بين الثقافتين على اعتبار أن الثقافات الشرقية "بدائية وفقيرة"، وبالتالي يجب تخليص المجتمع منها. ولعل من أبسط الأمثلة على ذلك هو امتناع وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إذاعة الموسيقى الشرقية لفترة طويلة بحجة افتقارها للذوق. ولكن مع استمرار الثقافة الشرقية لدى قطاع كبير من المجتمع الإسرائيلي واكتساب هذا القطاع قوة نسبياً، وأيضاً مع ظهور فكرة التعددية الثقافية في الولايات المتحدة، أصبح موقف اليهود الغربيين، أكثر تقبلاً لبعض جوانب هذه الثقافة وسعياً لاكتشاف العناصر الإيجابية فيها. وعلى ذلك، بدأت وزارة التعليم في تدريس بعض جوانب التراث الشرقي في مناهجها، كما أقدمت وسائل الإعلام على عرض ألوان من الفنون الشعبية الشرقية. لكن على الرغم من هذه التطورات، لا يزال اليهود الغربيون يحسون بالتعالي تجاه الشرقيين ويرون أنهم لم يتخلصوا بعد من تفكيرهم وسلوكهم "المتخلف" وإن اتخذ هذا الموقف شكلاً مقنعاً أكثر تعقيداً عن ذي قبل. ونتيجة لهذه التفرقة، أصبح المجتمع الإسرائيلي منقسماً إلى نصفين يبدو وكأنهما منفصلين، "إسرائيل الأولى" وتشمل يهود أوروبا ذوي الثقافة الغربية، وهم الشريحة الأكثر ثروة والأعلى دراسة والأرقى ثقافة، و"إسرائيل الثانية" التي تتكون من اليهود الشرقيين الذين لا يزالون يحملون قيم المجتمعات التقليدية وهم الأكثر فقراً وأقل تعليماً ومهارة. والآن، بعد مرور أكثر من نصف قرن على قيام إسرائيل، لا تزال الفجوة بين الجماعتين قائمة، على الرغم من التحسن النسبي الذي طرأ على وضع اليهود الشرقيين وزيادة تمثيلهم في المناصب السياسية. وقد عبر اليهود الشرقيون عن سخطهم تجاه عنصرية الدولة في شكل حوادث احتجاج متفرقة طوال الخمسينيات والستينيات كان من أشهرها وأكثرها عنفاً حادث وادي صليب عام  1959 الذي شمل اضطرابات دامية بين اليهود المغاربة والشرطة الإسرائيلية استمرت أربعة أيام وامتدت إلى عدة مدن إسرائيلية. ثم نشأت حركة "الفهود السود" عام 1971 كجماعة سياسية قامت بتنظيم العديد من المظاهرات للمطالبة بتحسين أوضاع اليهود الشرقيين قبل أن تسعى لدخول الكنيست بالتحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة منذ 1973، ثم اندمج الفهود السود في اطار الجبهة التقدمية للسلام، ولفتت هذه التصرفات اهتمام قادة الدولة، ولكنهم لم يفعلوا الكثير لحلها.

  ومع حلول الثمانينيات، ونتيجة فوز كتلة الليكود اليمينية في انتخابات الكنيست عام 1977 ووصولها للحكم لأول مرة بفضل أصوات اليهود الشرقيين، زادت حدة الجدل في المجتمع الاسرائيلي حول المشكلة الإثنية وانعكاساتها على المجتمع.   

 يرى اليوم بعض الباحثين والساسة في اسرائيل، أن الفروق الإثنية بين اليهود الشرقيين والغربيين قد فقدت الكثير من حدتها نظراً للتطورات الاقتصادية التي شهدتها إسرائيل على مدى نصف القرن الماضي وما صاحبها من ارتفاع مستوى المعيشة بوجه عام وهو ما أثر ايجابياً على وضع اليهود الشرقيين، وأيضاً لزيادة التفاعل الاجتماعي بين الطرفين. ولكن ما زال الكثيرون يرون أن هناك المشكلة ما زالت موجودة وأن هناك عوامل كثيرة تقف عقبة في تحقيق التوافق الاجتماعي أهمها تزايد الفجوة الطبقية والتعليمية بين الجانبين. فعلى الرغم من التحسن النسبي في مستوى الدخل الذي تحقق لليهود الشرقيين، إلا أنه لا يقارن بالطفرة الاقتصادية التي تحققت لليهود الغربيين، وهو ما أبقى على الفروق الطبقية بينهما، بل وزاد منها في بعض الأحيان، خاصة في ظل غياب الحراك الاجتماعي لدى اليهود الشرقيين. فما زال هؤلاء اليهود يشكلون أغلبية العمال وصغار الموظفين في المجتمع، وطبقاً للدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع فإن نسبة المشتغلين في هذه الوظائف قد زادت في الجيل الثاني عن الأول. وعلى هذا فإن مظاهر الرخاء والتقدم الاقتصادي قد اقتصرت تقريباً على سكان المدن الكبيرة وأغلبهم من اليهود الغربيين بينما ظلت الأوضاع المادية في الضواحي ومدن التطوير التي يقطنها اليهود الشرقيين دون تحسن يذكر، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الشعور بالسخط لدى سكان هذه المناطق خاصة الأجيال الشابة.  ويرجع هذا التفاوت الطبقي في الأساس إلى التفاوت في مستوى التعليم بين كل من اليهود الغربيين والشرقيين والذي استمر في الجيلين الثاني والثالث. ففي حين أن السنوات التسع الأولى في التعليم الإسرائيلي إلزامية ومجانية للجميع، إلا أن الفوارق بين الجماعتين تظهر بعد ذلك في التعليم الثانوي والجامعي وخاصة في الأخير. ففي عام 1990 بلغ عدد الذين حصلوا على تعليم جامعي 16.5% من الشباب من أصل شرقي، بينما بلغت هذه النسبة 56% بين ذوي الأصول الغربية. بالإضافة إلى الفجوة الكمية توجد أيضاً فجوة في الكيف، حيث انخفاض مستوى اليهود الشرقيين حتى في مرحلة التعليم الإلزامي بسبب عدم توافر الرعاية اللازمة لهم من الأسرة بسبب ضعف الإمكانيات المادية. ومع استمراره عبر الأجيال، ازداد التمييز الاجتماعي بين اليهود الغربيين والشرقيين تعقيداً وصار مشكلة مزمنة في المجتمع. ومنذ مطلع التسعينات من الفرن الماضي عادت  إسرائيل الى دوامة جديدة من الصراعات الطبقية بين المهاجرين الروس والأثيوبيين، مع من يطلقون على انفسهم لقب "تسبار"  أي الصبر (الذين ولدوا في إسرائيل) من ذوي الأصول العرقية المختلفة.  وبناءً عليه، يرفض أستاذ علم الاجتماع الإسرائيلي البروفيسور سامي سموحا التعامل مع الصراع بين الشرقيين والغربيين من اليهود وكأنه  لم يكن، ويعتبر أنها ما زالت تمثل أزمة حقيقية في المجتمع الاسرائيلي.

 

 صراع اليهود العلمانيين مع المتزمتين

   على الرغم من قيام اسرائيل  كفكر علماني يسعى في الدرجة الأولى "لخلاص" الشعب اليهودي وجمعه في فلسطين "أرض الميعاد" كما يدعي الدين اليهودي، وبالتالي كان الإرتباط  بالعقيدة والرموز اليهودية، إلا أن الأيديولوجية الصهيونية كانت علمانية في الأساس وكذا كان أصحابها، كما كانت تهدف إلى بناء دولة علمانية تفصل بين الدين والدولة شأنها شأن الدول الغربية التي جاء منها هؤلاء الزعماء. وعلى ذلك كان لأقطاب الحركة تعريفاتهم الخاصة لليهودية التي كانت في بعض الأحيان تتناقض مع ما يقوله المتدينون، وكان رعاة التراث اليهودي في نظرهم هم الكتاب والعلماء اليهود وليس الحاخامات لأن التراث اليهودي في نظرهم كان تراثاً قومياً وليس دينياً.  فالصهيونية جاءت لتحل مشكلة اليهود بصفتهم شعب لا أصحاب ديانة. ومن ناحية أخرى، وحتى الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، واجهت الحركة الصهيونية عداء الكثير من الأوساط الدينية اليهودية التي رأت فيها خروجاً صارخاً على التعاليم الدينية التي تؤمن بأن قيام هذه الدولة سوف يتم على يد المسيح المنتظر الذي سيرسله الرب لإنقاذ اليهود وبالتالي يجب ألا يتدخل البشر فيما سوف تأتي به السماء.

    ومرة أخرى، تغيرت إسرائيل مع مرور الزمن، خاصة بعد حرب عام 1967 ، وتغيرت الرؤية الصهيونية وشكل الحياة السياسية والاجتماعية فيها،  ليعكس تعاظم القوى المتطرفة لليمين الديني والقومي، ويشهد زيادة حدة الصراع بين المتدينين والعلمانيين حتى أصبح من أخطر الانقسامات التي يعاني منها المجتمع، وتضاءلت صورة إسرائيل كدولة ليبرالية لتحل محلها صورة المجتمع الديني المنغلق على نفسه والذي لا يحمل سوى العداء لكل من يخالفه الرأي. وفي 1995، شهدت اسرائيل  لأول مرة في تاريخها اغتيال رئيس وزرائها على يد شاب متطرف دينياً، بعد أن اتهمه اليمين الديني بالخيانة والخروج على التعاليم اليهودية، لتنازله عن جزء من "أرض إسرائيل" وإعطائه للفلسطينيين، وهو الحادث الذي هز المجتمع واستفز القوى العلمانية فيه لدق ناقوس الخطر ضد التطرف الديني.  وفي نفس الوقت، نجحت القوى الدينية مؤخراً في فرض قيمها على المجتمع بقوة إما عن طريق العنف أو اللجوء إلى القضاء، فمنع المرور في الأحياء التي يسكنها المتدينون اليهود يوم السبت وتم الفصل بين النساء والرجال في المواصلات العامة التي ترتاد هذه المناطق. فكيف حدث هذا التحول؟

  في تفسير لهذه الظاهرة، يلقي الكثير من المحللين السياسيين في إسرائيل باللوم على كتلة الليكود التي جاءت إلى الحكم في 1977 والتي من أجل ضمان بقائها فيه تحالفت مع الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة مما اكسب هذه الجماعات قوة كبيرة مكنتها من تعزيز مكانتها وتغيير الكثير من أوجه الحياة طوال العقدين الماضيين. لكن إذا نظرنا إلى تاريخ الدولة نجد أن المعسكر الاشتراكي العمالي بزعامة بن غوريون هو الذي أرسى أسس "العلاقة الخاصة بين الصهيونية العلمانية والدين"، وهو الذي مهد لما تشهده إسرائيل اليوم من تعاظم لدور الدين. ففي عام 1947، ومن أجل تحييد القوى الدينية في فلسطين وضمان عدم معارضتها لقيام الدولة اليهودية وأيضاً من أجل إقناع العرب والبريطانيين أنه يتحدث باسم كل اليهود، أرسل بن غوريون نيابة عن الوكالة اليهودية خطاباً لحزب اغودات يسرائيل الديني يتعهد فيها بعدم المساس (بالوضع القائم) " ستاتوس  كفو"  للمؤسسات الدينية في اسرائيل بعد إعلان الدولة. وبالفعل وعلى الرغم من أن "إعلان الاستقلال" قد خلا من وصف الدولة اليهودية بكونها "دينية"، إلا أن سياسة بن غوريون وضعت أساس العلاقة بين الدين والدولة بإعطاء المتدينين الكثير من الحقوق. فإلى جانب استئثار السلطات الدينية بكافة شؤون الأحوال الشخصية، تقرر أن تكون العطلة الرسمية السبت بحيث تتوقف فيه كافة الأنشطة العامة بما فيها النقل العام وتغلق دور السينما والمسارح والمقاهي (وإن أصبحت بعض هذه الدور بعد ذلك تعمل يوم السبت). كما تعهدت الحكومة بألا تقدم سوى الطعام الذي يباح أكله طبقاً للشريعة اليهودية (الكاشير) في الأماكن العامة مثل الفنادق والمستشفيات وغسرها من مؤسسات الدولة.  لكن أخطر التنازلات التي قدمها بن غوريون للمتدينين كانت تلك الخاصة بالدستور والجنسية والتعليم وتأدية الخدمة العسكرية. فحتى الآن لا يوجد دستور لدولة إسرائيل ولكن تحكمها مجموعة من "القوانين الأساسية"، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها إصرار الأحزاب الدينية على أن تكون التوراة وقوانين الشريعة هي مصدر هذا الدستور وهو ما رفضه بن غوريون والأحزاب الاشتراكية حتى لا تتحول  إسرائيل إلى دولة دينية. فكان الحل لعدم إغضاب الأحزاب الدينية هو عدم إصدار دستور. وفي نفس الوقت، رفض المتدينون أن يستخدم لفظ "إسرائيلي" في خانة الجنسية المذكورة في بطاقات الهوية لأن ذلك من شأنه أن يمحو الشخصية اليهودية للدولة. وفي نفس الوقت، كان بن غوريون يرغب في التفريق بين اليهود والعرب الفلسطينيين الذن بقوا على ارضهم وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية ، فقد وافق على تلبية مطالب المتدينين وأصبحت ديانة المواطنين هي التي تكتب في خانة الجنسية وبالتالي أصبحت الديانة هي مصدر الانتماء. وعلى صعيد ثالث، على الرغم من قيام الدولة بمنع كافة الأحزاب السياسية من الاحتفاظ بالمدارس التابعة لها وضم كافة هذه المدارس في ظل نظام تعليمي موحد تحت إشراف الدولة، وافق بن غوريون على استثناء الأحزاب الدينية من هذه القاعدة والسماح لها بالاحتفاظ باستقلالية نظامها التعليمي. وأخيراً جاء السماح لطلبة المعاهد الدينية بالحصول على إعفاء من تأدية الخدمة العسكرية. ولقد كان هذا الأمر هيناً في البداية لأن عدد هؤلاء الطلبة لم يكن يتجاوز 400، لكن مع مرور الوقت تضخم هذا الرقم حتى وصل إلى 29 ألف عام 1998، وهو ما أدى إلى تقسيم الشباب الإسرائيلي إلى قطاعين: الأول يؤدي الخدمة العسكرية إجبارياً والثاني يعفى منها.  وقد أدت هذه المقايضة إلى منح معظم الأحزاب الدينية إسرائيل اعترافاً واقعياً دون الاعتراف القانوني وأن تشارك في الحكم مثلها مثل باقي الأحزاب، ولم يبق إلا جماعات صغيرة على رفضها للصهيونية ولشرعية وجود الدولة، أشهرها جماعة "نتوري كارتا" (حراس المدينة). وكان لهذا أثر إيجابي في الحفاظ على استقرار إسرائيل في سنواتها الأولى، وإن كان قد وضعها في متناقضات كثيرة تفاقمت مع مرور الوقت. وفي نفس الوقت، نظراً لقلتهم العددية في العقدين الأولين، لم يمثل المتدينون أي تهديد لنمط الحياة الليبرالي للدولة التي كانت تحكمها الأحزاب العمالية آنذاك والتي كانت لا تزال تحتفظ بالقيم الاشتراكية العلمانية. ثم جاءت حرب يونيو 1967 ونجاح إسرائيل في احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء ليتغير وجه الحياة في الدولة العبرية في نواح كثيرة ومنها صعود قوة التيار الديني فيها. فقد اعتبر قطاع كبير من الشعب هذه الحرب بمثابة معجزة إلهية توجت بوصول الجيش الإسرائيلي إلى حائط المبكى، وهو ما أدى إلى تزايد الاهتمام بالدين لدى كثير من العلمانيين. وفي نفس الوقت، أدت هذه الصحوة الدينية إلى تزايد ثقة الشباب المتدين بنفسه وتحسن  صورته في المجتمع بعد أن كان يعاني من سخرية العلمانيين نظراً لرفض أفراده أداء الخدمة العسكرية. وإلى جانب التيار الديني غير الصهيوني، كان هناك تيار آخر يسعى إلى التصالح مع الفكرة الصهيونية ويعتقد بأنها قد تكون سمة لعصر المعجزات الذي يبشر بقدوم المسيح. هذا التيار وجد في حرب 1967 البرهان على صحة موقفه، "وإلا فكيف يمكن تفسير سلسلة النجاحات المتلاحقة وغير المتوقعة التي حققتها الصهيونية في 1917 و 1947 و 1948 و 1956 و 1967"؟  هذا التيار المتمثل بحركة "همزراحي" ومن بعدها حزب المفدال الإستطاني، هو الذي تبنى فكرة إسرائيل الكبرى مع القوميين المتطرفين وبدأ يعبر عن نفسه بقوة من أجل دفع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لرفض فكرة التخلي عن الضفة الغربية وغزة.

ــــــــــ

مراجع:

بن غوريون- حياته،  ميخائل بار زوهر،  اصدار: دار الكتاب-تل ابيب (ترجمة عمر مصالحة)، 1984.(بالعربية)

دولة اسرائيل ارض اسرائيل،  آدم دورون، اصدار: بيت برل، 1988. (بالعبرية)

الهودية- ديانة توحيدية ام شعب مختار،  عمر مصالحة، اصدار: دار- الجليل عمان، 2005.

---------------

*عمر مصالحة:  باحث في المجتمع الإسرائيلي والديانة اليهودية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ