-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 22/06/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الصورة التي صنعها الغرب لنا

فتحي بالحاج

تلعب الثقافة والفكر دورا هاما في كسب المعارك ويعتبر الفكر و الاعلام سلاحا قويا استعملته قوى الهيمنة  في حربها المعلنة ضد الوطن العربي. ففي كل مرة قامت بعدوان على الوطن العربي مهدت له بحملة فكرية قوية تهيء بها الراي العام الداخلي والعالمي لقبول الجريمة. فتتحرك آلة الدعاية التدميرية في اتجاه داخلي يهدف الى اعداد المواطن الغربي نفسيا وعقليا ليتقبل ما ستقدم عليه حكومته في وقت لاحق. إذ تكثر عادة البرامج والكتابات التي تتطرق للثقافة والفكر العربيين، من خلالها يتم تقديم هذه الثقافة  لمواطنيها بما يتناسب مع التحليلات السياسية العدوانية. فنرى على شاشات التلفزيون وفي مراكز تدعي البحث والعلمية وجوها ليس لها أية علاقة لا بقراءة التاريخ ولا بفهم الدين بل مجرد خبراء "أمنيين" وخبراء في فن الدعاية وكلما تحدثوا أكثر يتاكد المتتبع النابه أنهم لا يقرؤون ولا يفقهون. وان وجودهم على شاشات التلفزيون تهدف الى إثارة الحقد والترويج الكاذب.

ويجدون من أبناء أمتنا من يساعدهم في تقديم هذه الصورة الخاطئة للوطن والحضارة العربيتين سواء من قبل قلة متطرفة غارقة في قراءة نصية للدين وللتراث العربيين وفي بعض الأسر الحاكمة التي تصدّر وتساعد هؤلاء الغلاة  لاتقاء شرهم. أو قلة مقطوعة الجذور بشعبنا وبمعاناته، تتهجم على حضارتنا وثقافتنا، متوهمة أنها وجدت في التبجح بمحاكاة الحضارة الغربية سفينة الانقاذ.

وتركز وسائل الاعلام الغربية على بعض العناصر السلبية و تقدمها على أنها الحقائق المطلقة أو هي التعبير الفعلي على الثقافة والحضارة العربيتين. فإذا كانت صورة العربي لدى المواطن الغربي سيئة تختلط فيها معاناة المهاجرين العرب في هذه البلدان مع الصور الوهمية المنسوجة من التاريخ الاستعماري ومن الحقب الصليبية، فان ما يقدمه بعض الاستئصاليين( اسلاميين وعلمانيين)، يساعد هذه الدوائر الغربية في تبرير هجمتها على الأمة. فتكثف هذه الدوائر من نشر وتوزيع هذه النوعية من الكتابات والمؤلفات المناقضة للعلمية والبحث الرصينن لتثبيت صورة العربي المتخلف البربري الارهابي الذي لا يكف على قيادة الغزوات. فيتم تقديم وتفسير أحداث تاريخية بما يساعد على ترويج الكراهية للعرب. فمثلا تقدم العربي على انه يملك نزعة تاصيلة في الغزو والسيطرة. ويعودون في هذا الى  مراحل التوحد القومي العربي و ما صاحبها من صراعات وهي صراعات صاحبت أي تشكيلة اجتماعية انتقلت فيها من الصراع الاثني والقبلي الى مرحلة الاستقرار القومي.

ان هذه الكتابات تصور العربي على انه تتملكه رغبة في السيطرة والقضاء على الشعوب الأخرى وكان التاريخ الغربي عموما والتاريخ الأوروبي خصوصا لم يمر في مسار تطوره التاريخي بمثل هذه الأحداث.  إن التاريخ العربية ليس أكثر دموية من تواريخ المجتمعات الأخرى. ويستغلون بعض المناوشات التي قد تحث بين قلة من المتطرفين على أن هناك صراع ديني. فيتباكون على الأقليات الدينية المقموعة. ويقدمون الأحداث المارة على أنها نمط حياة وعلى أنه رفض متأصل لدى العرب للديانات الأخرى، هذه الصورة تتناسب مع ماهو موجود في المخيلة الغربية  التي ترى في الاسلام دينا محافظا معاديا يرفض الحداثة والديمقراطية، دينا يرتكز على العدوان والاقصاء. فالغرب يقدمون الدين الاسلامي في وسائلهم الاعلامية على اساس انه دين يقصي الديانات الأخرى دين معاد للدين المسيحي وللديانة اليهودية دين يرفض التسامح والتعدد الديني، دين يتعارض مع الحرية الفردية ضد الحضارة وضد الديمقراطية. لمعرفة هذه الحقائق يكفي ان نلقي بنظرة على طبيعة الكتابات المنشورة والتي يتم الترويج لها وعلى طبيعة البرامج الثقافية والفكرية التي تبث سواء عبر التلفزيون او عبر المذياع  وفي مواقع الانترنات لنطلع على مدى توظيف الفكر والاعلام للحرب الاستعمارية التي تقاد ضد العرب, كثيرا ما يترافق هذا التشويه المنظم لصورة العربي، مع خطاب سياسي يركز في مداخلته واشكالياته على  تاجيج الذاكرة الغربية باحقاد دفينة من خلال التأكيد على مبدا الصراع الديني.  ويتناسون أمه في قلب الوطن العربي نبتت شجرة الديانات الثلاثة  يهودية مسيحية واسلامية وفي قلب الوطن العربي تعايشت هذه الديانات وساهمت في تشكّل الأمة العربية. واذ اصبحت أمة عربية مكتملة التكوين فان في اجزاء مكوناتها الثقافية تجد هذه الديانات الثلاثة، وهكذا كما يوجد  العربي المسلم فهناك العربي اليهودي والعربي المسيحي..

ان العروبة هي الحاضنة تجمع هذه الديانات الثلاث، وغيرها من المعتقدات. ويتباكى بعضهم على الديمقراطية والحرية المغدورة، ويخال الينا انهم يشاطروننا آلآمنا ويتملّكنا فرح كاذب انهم يساندوننا في مواجهة محنة الاستبداد التي تعاني منها امتنا، فنكتشف انهم لا يرون الاستبداد، الا في ظواهر تساهم في تفتيتنا وتجزيئنا وتحرك كل ما يثير النعرات الطائفية والعرقية والدينية. فجأة  تظهر مشكلة الأقليات الاثنية والدينية وتظهر الأصوات الناعقة، التي تطلب التدخل "الانساني" العاجل ويتناسون أكبر جريمة تم ارتكابها بموافقة ما يسمونها أمم متحدة وهي الجريمة  في حق أهل فلسطين..ماكان للاستبداد أن يطول لولا الحماية التي تلقاها الأنظمة الاستبدادبة من  هذا الغرب..

إن عملية البحث المعمقة والمحايدة تكشف ان هذه الدوائر هي نفسها وراء استثراء مظاهر السلبية وتعمل على تنمية الاستبداد والتخلف. فالتيارات السلفية الدينية ذات التوجه الماضوي هي ذاتها التي تم استخدامها من قبل الغرب في محاربة المشروع العربي الوحدوي التقدمي، وهي ذاتها التي حاربت التيار العربي العقلاني. ان الغرب لا يريد تقديم القوى العربية العقلانية والديمقراطية، لأنها تحمل مشروع التحديث لأنها تحمل مشروعا مناهضا للهيمنة الأجنية، لنها تحمل مشروعا يقطع مع ليل الهيمنة الطويل الذي مارسه الغرب،  وهي اذا تبرز هذه القوى التي لا تعبر عن روح النضال والرغبة في التقدم فانها تريد ان تكون القوى المؤبدة للواقع  محاورها الوحيد من العرب فهذه القوى يسهل مواجهتا، وتتماشى مع الصورة التي تقدمها لمواطنيها. انها تعبر عما تريد الدوائر الغربية  رسمه للعرب.

هذه الصورة هي التي تساعد الدوائر الغربية في ترسيخ فكرة العدوانية والهمجية لدى الرأي العام الغربي لتبرير الهجمة الشرسة على الوطن العربي حتى تسهل عملية التحكم في مقدراته المادية والمعرفية. إن صورة التطرف والعنف والتخلف تبقى هي الصورة الطاغية للعربي داخل وسال الاعلام الغربية وفي ذهنية شريحة كبيرة من المجتمعات الغربية. كلها تغذي ان المجتمع العربي غير قادر على التلاؤم والتلاقي مع مبادئ حقوق الانسان وغير مؤهل لتبني القيم الديمقراطية، فتبقى صورة العربي تترراوح بين همجية فجة تنعدم فيها المدنية وبين تطرف اعمى تغيب فيه القيم الأخلاقية تقوده نزعة دموية للقتل والتدمير.

إنها حرب ثقافية تقودها وسائل إعلام عالمية، ومراكز بحث وتخطيط تسيرها قوى سياسية واجتماعية تعمل على ربط المكونات الفكرية والثقافية العربية بكل مظاهر التخلف والانحطاط. تعمل على ترسيخ فكرة الربط بين العنف والارهاب  وبين الفكر والثقافة العربية مما يدفع الراي العام الغربي في اتجاه الريبة والشك والحذر والتخوف من كل ماهو عربي ويجعل من العربي مرادفا للعنف والارهاب وسفك الدماء، مما يهيئه لغظ الطرف على الجرائم التي تقترفها قوى الهيمنة بل تجدها منطقية ومقبولة لمواجهة التخلف والهمجية العربية. إنها الصورة التي يعمل الغرب على تكريسها فكيف نتعامل معها؟ 

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ