-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 30/05/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حول مشروع الدولة الواحدة

جميل خرطبيل

بيان المثقفين الأخير حول مشروع الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية المكونة من قوميتين، تزامن مع بيان ألمانيا القائم على المصالحة الوطنية ضمن مشروع الدولتين.

وهذا يعني أنه بعد فشل خيار الدولتين الفلسطينية و"الإسرائيلية" الذي ما زالت أوهام المراهنة عليه مستمرة، استعيد مشروع الدولة الواحدة ثنائية القومية على كل أرض فلسطين. وكلا المشروعين مبني جوهرياً على المفاوضات والسلم، والاعتراف بشرعية وجود العدو الصهيوني، وهذا يعني التخلي عن تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، والهروب من أن الصراع هو على هوية الأرض الفلسطينية العربية وزيف الحق التاريخي اليهودي لها. كما أن المشروعين يتعاملان مع الصهاينة كقومية علماً بأن اليهودية ديانة وليست قومية أو عرقاً.. واليهود لا يمتون بأية صلة لفلسطين لا قديماً ولا حديثاً.

اليساريون ثم فتح بدؤوا هذا المشروع بعد أن طرحته قديماً من عشرينيات القرن الماضي القوى الصهيونية كما سيأتي. وقد قدم بعض المثقفين الفلسطينيين الدراسات العديدة حول تلك الرؤية بعد فشل رؤية الدويلة الفلسطينية (مشروع الدولتين)!

وهكذا تتم الأطروحات لقضية مقدسة فبعد عقود من تبني مشروع الدولتين والهجوم الشرس على المتمسكين ببرنامج المقاومة والتحرير الكامل ووصفهم بالجمود والخشبية، يهاجمون الآن مشروع الدولتين ويعلنون موته ويطرحون البديل الدولة الواحدة، ولا ندري كم عقد سيمر ليعلنوا فشله والخروج بمشروع جديد آخر!!

والملفت للنظر بأن بيان المثقفين في مقدمته التحليلية لنضال الشعب الفلسطيني ولفشل المشاريع التسووية ولحالة القيادة الفلسطينية صحيحة وتصل إلى استنتاج صحيح فقد أثبتت قيادة منظمة التحرير خلال عقودها الماضية عدم أهليتها لقيادة الشعب الفلسطيني، ونضيف بأنها بدلاً من أن تقدم استقالتها أمعنت في الاستكبار والادعاءات المزيفة، فتخلت عن الميثاق الوطني وحقوق الشعب الفلسطيني، وقبلت بما يقدم لها وفق الرؤية الصهيوأمريكية، وضمن إطار مشروع الدولتين، والذي تضمن أخيراً مشروع الدولة اليهودية الخالصة وهذا يعني تصفية عنصرية لفلسطينيي الـ 48، عبر الترانسفير وما يسمى تبادل الأراضي، وينتج عنه بديهياً إلغاء حق العودة الفلسطينية للكيان اليهودي الخالص، والمبنية على القرار 194!

تقول الوثيقة: (وفي ضوء ذلك كله استطاع الشعب الفلسطيني أن يستعيد حضوره وأن يصنع وحدته على الرغم من عدم تواصله الجغرافي. وكان لنضال هذا الشعب دور كبير في إثارة علامات شك حول "إسرائيل" ومبررات وجودها، وكشف طابعها كمشروع استعماري عنصري، وفرض قضية فلسطين على الأجندة العربية والدولية. وفوق ذلك استطاع هذا الشعب أن يفرض وجوده كلاعب أساسي في المنطقة، ما يشكل أحد أهم المنجزات الوطنية، بعد تجربة اللجوء والشتات).. (لم تستطع تحقيق مهماتها الوطنية "التحررية والبنائية" المنوطة بها، بشكل ناجز وهي تبدو، بحكم ترهل بناها وتآكل دورها، غير قادرة على صون المنجزات التي حققتها، بل إنها بجمودها وإصرارها على الاستمرار ببناها وطرق عملها وعلاقاتها السائدة، مهددة ذاتياً بتبديد التضحيات التي بذلها الشعب الفلسطيني، طوال أربعة عقود.

لقد تضاءلت كثيراً قدرة هذه الحركة في مجال الصراع ضد "إسرائيل"، ومقاومة سياساتها العنصرية والعدوانية والاحتلالية. وثمة ارتهان كبير لعملية التسوية التي فقدت معناها، وجدواها، بعد أن بات واضحاً رفض "إسرائيل" لها، من الناحية العملية، بإمعانها في الاستيطان والتهويد وبناء جدار الفصل العنصري وإضعاف كينونة الفلسطينيين في الأرض المحتلة، بالإضافة إلى عدم توافر المعطيات الدولية والعربية الملائمة لفرض التسوية).. (أما المؤسسات الجامعة للشعب الفلسطيني، أي منظمة التحرير "والفصائل" والسلطة، والمنظمات الشعبية، والمؤسسات الكيانية، فباتت في حالة تراجع، بسبب فقدان فاعليتها، وضعف إمكانياتها، وتخلف إدارتها وتضاؤل التفاف الناس حولها).

إن إشكالية معظم القوى السياسية والثقافية الانهزامية تكمن في الحلول التي تضعها كنتائج للتحليل، فهي قد تشخص الحالة جيداً ولكنها لا تصوغ الحل المناسب جدلياً معها، وقد جاء الحل عند المثقفين أولئك بالقول: (إن هذا الوضع يفرض على الفلسطينيين طرح تحدي تسوية الصراع في بعده الفلسطيني - الإسرائيلي، على المجتمع الإسرائيلي، وعلى العالم، بالتحول من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة، ومن الصراع على أساس الإفناء أو الإلغاء المتبادل، إلى الصراع من أجل التعايش المشترك على أسس إنسانية وديموقراطية وعلمانية تنفي الطابع العنصري والاحتلالي والهيمني في علاقات الفلسطينيين والإسرائيليين..).. (إن حل التعايش في دولة واحدة يكفل تذويب مختلف الجوانب الرمزية والحادة في الصراع ضد المشروع الصهيوني في بعده الفلسطيني - الإسرائيلي "اللاجئون، الحدود، القدس، الاستيطان"، الذي هو جوهر الصراع العربي - الإسرائيلي، ويضمن بقاء أساس وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة أرضه التاريخية)..

فالإشكالية هنا في الحل السحري الذي يرونه ناسين أن جوهر الصراع هو استعمار فلسطين، أما قضية اللاجئين فهي نتيجة وليست سبباً، وناسين أن الكيان لا يمكن التعايش معه لأنه مبني على نفي الآخر الفلسطيني!

كما أن البيان فيه تزييف في التمييز بين اليهود والصهاينة في فلسطين إذ يقول: (تحرير اليهود من الادعاءات الصهيونية العنصرية والخرافية والاستعلائية، وتحرير اليهود الإسرائيليين من هيمنة الخطابات والمؤسسات الاستعمارية والاستيطانية والأمنية، لشق طريق نحو تعايش سلمي ديموقراطي، في دولة واحدة، تقوم على المساواة الكاملة بين الأفراد والجماعات)..

فأي يهودي موجود على أرض فلسطين إنما هو صهيوني استعماري ووجوده تم من خلال آلية صنع القاعدة (الاستعمارية) لخدمة الإمبريالية وهي على حساب الفلسطيني المستلب، والأرض أو البيت الواحد يستحيل أن يكون لاثنين فهو لصاحبه الشرعي أما الآخر فقد اغتصبه بالقوة والإرهاب!

إن الانتقال من مشروع الدولتين إلى مشروع الدولة الواحدة، يعيدنا إلى بدايات الصراع وهنا لا بد من استعراض تاريخي موجز: لقد طرح قديماً بعض الصهاينة (جماعة بريت شالوم وإيحود) مشروع الدولة الواحدة المزدوجة القومية، حيث يقتسم العرب والمستوطنون الصهاينة فلسطين ويتعاونان سوياً.

وبريت شالوم منظمة يهودية في فلسطين نشأت عام 1925 مع افتتاح الجامعة العبرية في القدس، وكانت تدعو لتعايش سلمي بين الصهاينة والعرب. والمنظمة تتكون أساساً من المثقفين والأعضاء البارزين في التجمُّع الاستيطاني اليهودي في فلسطين. وقد وصلت إلى قمة نشاطها في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن العشرين ثم اندثرت.

أما جمعية إيحود وتعني "الوحدة أو الاتحاد" فقد تكونت عام 1942 ودعت إلى إقامة دولة عربية يهودية مستقلة تضم العرب واليهود معاً أي مزدوجة القومية في فلسطين ثم اندثرت أيضاً.

وكتبت اليهودية اليسارية حنا أرنت في "كومينتيري" في العام 1948: (الحل الوحيد في فلسطين هو دولة فدرالية واحدة تكون نواة لبنى فيدرالية أكبر في الشرق الأدنى ومنطقة البحر المتوسط. إن الهدف الحقيقي لليهود في فلسطين هو بناء وطن يهودي، وهذا الهدف لا يجب أن يضحى به أبداً لصالح سيادة مزيفة لدولة يهودية)، (د. المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية).

كما طرح اليسار اليهودي بأن اليهودي والفلسطيني يجب أن يتعاونا ضد المشروع الرأسمالي اليهودي (الصهيوني)، فالدعوة هي لتوحيد الطبقة العاملة والمسحوقة اليهودية والفلسطينية ضد البرجوازية اليهودية والفلسطينية.

وقد تبنى اليسار الفلسطيني تلك الرؤية، وفي السبعينيات بلورها اليسار الفلسطيني (عام 1973)، وقد تكررت في أدبيات اليسار خلال العقود التالية، وفي عام 1999 طرحها المفكر د. إدوارد سعيد، وفي عام 2007 أعيد تكرارها على لسان القذافي وغيره.. وصار مشروع الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية هدفاً إستراتيجياً بعد القضاء على الفكر الصهيوني العنصري والاحتلالي.

وفي تموز 2007 كتب المحامي اللبناني نهاد خشمان أن المسماة (إسرائيل) ضمن المتغيرات الحالية ستزول حتماً ولكنه لا يبني على تلك الرؤية الزوالية الحل الثوري والجذري وإنما يقول بأن حل الصراع سلمياً عن طريق الدولتين فاشل ولا يتبقى لحل الصراع سلمياً إلا من خلال: (دولة واحدة تضم الفلسطينيين واليهود، ففكرة حل الدولة الواحدة بدأ يفرض نفسه بقوة، باعتبار أن المطلب الفلسطيني في غالبيته يتجه إلى المطالبة بكامل التراب الفلسطيني، حيث لا أمل بدولة للقلة المطالبة بدولة فلسطينية تحدد حجمها ومساحتها وشكلها "إسرائيل" والعالم الغربي. وهذا الحل يشكل إرضاء للطرفين بأن فلسطين بكاملها هي وطن الفلسطينيين، كما هي تكون بهذا الحل بلد من جاء إليها محتلاً، ومن يرغب بالعودة من الفلسطينيين في الشتات، كان له ذلك، ومن يرغب من الصهاينة الذين هاجروا إليها للاستيطان فيها الرغبة في تركها أو البقاء فيها).. (الخيار الوحيد أمام "إسرائيل" والعالم سلمياً، هو مشروع الدولة الواحدة التي تضم الشعبين الفلسطيني صاحب الأرض ومن هاجر إليها من اليهود الذين استوطنوا فلسطين وأنشأوا الكيان. وهذا الخيار السلمي الوحيد هو الفرصة الأخيرة، إذا تمت خسارة هذه الفرصة، فسوف يكون في نهاية الأمر حرباً مدمرة غير مضمونة النتائج).

وقبل أشهر قليلة طرح مشروع الدولة الواحدة الثنائية القومية على الصعيد الفكري الدولي حيث أصدرت عشرات الشخصيات الفلسطينية و"الإسرائيلية" والعربية والدولية في تشرين الثاني 2007 بيان "إعلان الدولة الواحدة" وفيه اعتراف صريح بالروابط التاريخية لليهود إضافة للفلسطينيين في كل أراضي فلسطين!

وفي واشنطن أقام "مركز الحوار العربي" في آذار الماضي ندوة بعنوان "خيارات أمام مشروع الدولة الفلسطينية"، تحدث فيها كل من الدكتور كمال خالدي، والدكتور فوزي الأسمر الكاتب الفلسطيني المقيم في واشنطن.

وقد ذكر د. فوزي الأسمر أن: (الحل المثالي من وجهة نظري، هو إقامة الدولة الواحدة لكل سكان فلسطين. ولكن "إسرائيل" لن تقبل بأقل من دولة يهودية وبدون تحديد حدود لها وهذا معناه استمرار المقاومة الفلسطينية إلى أن يأتي جيل إسرائيلي يقبل بحلول تاريخية).

وقد كتبت فيرجينيا تيلي أستاذة العلوم السياسية في كلية هوبارت: (تجربتي الأخيرة في القدس وبيت لحم وأوروبا وجنوب إفريقيا، ناهيك عن حوارات الإنترنت، أكدت لي أن موت حل الدولتين أصبح حقيقة مؤكده أشبه بوجود فيل كبير في غرفة صغيرة. هذا ما يتفق عليه الآن الدبلوماسيون وناشطو حقوق الإنسان ومسؤولون كبار في الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة والمنظمات اليهودية والشارع العربي. وفي المقابل، أصبح خيار الدولة الواحدة حتمياً بالنسبة لكل هؤلاء).

وفي منتصف أيار الماضي دعا زيد أبو العين (من فتح) إلى التخلي عن الجهود لإقامة الدولة المستقلة في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وتبنى قيام دولة ديمقراطية علمانية واحدة على امتداد فلسطين كلها.

وقد تحدث ماجد كيالي عن مشروعية طرح "رؤية سياسية فلسطينية جديدة".. قائلاً: (هذه الدعوة لم تستمد شرعيتها من مجرد فشل هدف "الدولة المستقلة"، لأن هذا الهدف، لو تحقق "بشكل أو بآخر"، يحتاج إلى الربط بأفق أوسع وبرؤية استشرافية، تأخذ باعتبارها التطورات الموضوعية والمستقبلية، عندنا وعندهم، ما يتمثل بحل الدولة الواحدة. لا سيما أن قيام دولة مستقلة لا يحل مختلف مظاهر الصراع، وضمنها قضية اللاجئين، ومستقبل فلسطينيي 48، ولا يحل تماماً معضلة كون "إسرائيل" دولة يهودية "دينية" عنصرية، ذات دور سياسي وظيفي، بحكم علاقتها الإستراتيجية بمشاريع الهيمنة الأميركية في المنطقة.

وإضافة لما تقدم تم ربط مشروع الدولة الواحدة، بالتطورات المستقبلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المنطقة، وخصوصاً في المشرق العربي، بما في ذلك إمكان التساوق مع مسارات توحد أو اندماج كياناتها، على أساس المصالح المشتركة والمتبادلة، وبالسبل الديمقراطية والسلمية، المنبثقة من إرادة الناس والمجتمعات في هذه المنطقة. أما بالنسبة للتحول نحو الدولة الواحدة، في هذه المرحلة، فبات بمثابة ضرورة على ضوء تنصل "إسرائيل" من استحقاقات عملية التسوية، وممانعتها قيام دولة مستقلة، بواقع استمرار مشاريع الاستيطان والتهويد وجدار الفصل، وبواقع إمعانها بالتحكم بحياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

من ناحية أخرى، فإن مشروعية هذا الطرح تتأتى من ضرورة فرض تحدي التسوية على "إسرائيل"، فهل تريد هذه دولة مستقلة للفلسطينيين؟ أم استمرار الاحتلال، وفرض نظام استعماري عنصري بوسائل القوة؟ أم دولة ثنائية القومية؟ وعلى الصعيد الدولي فإن هذا الخيار يلقي بمسؤولية عملية التسوية على الأطراف الدوليين، بعد أن باتت هذه العملية مجرد ملهاة بيد "إسرائيل"، ومأساة للفلسطينيين).

ويقول المفكر اليهودي اللاعلماني بروك بيتر وهو من الصهاينة التصحيحيين الجدد: (ولكن حل الدولة الواحدة، وخصوصاً إذا تضمن، كما يجب أن يكون، الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، يعني الحكم من قبل الحكومة التي، عاجلاً وليس آجلاً، سيشكل الفلسطينيون الأغلبية فيها. وعلى الرغم من أن شكوى الاستبعاد المريرة التي عانى منها الفلسطينيون على ترابهم الوطني سيتم معالجتها، إلا أن عدداً وافراً من المظالم الناشئة عن استيلاء اليهود على الأراضي الفلسطينية سيبقى. وفي جو من الكراهية المتبادلة التي تولدها السياسات الإسرائيلية الحالية يصعب تصور حل كهذا. ولكن دعونا نقول إنه قبل أن نصل إلى هذه المرحلة، فإن الجو سوف يكون قد تغير تماماً. وخلافاً لغيري من دعاة الدولة الواحدة، فإني أعتقد أن الأمر سيتطلب فترة انتقالية تواصل الحكومة اليهودية فيها ممارسة الرقابة على حساب الحقوق السياسية الفلسطينية، ولكن وبصورة متزايدة تتولى المسؤولية عن الرفاه الاجتماعي لجميع الناس الذين يعيشون في أراضي أكبر من إسرائيل تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة. وبعبارة أخرى الصهاينة يفعلون ما يريدون أن يفعلوه - يأخذون المنطقة كلها- لكنهم سيأخذونها مع الناس الذين يعيشون عليها ومع كامل المسؤوليات المترتبة على ذلك.

إن هذا من شأنه أن يكون تطوراً طبيعياً، نوعاً ما، بدلاً من محاولة أرييل شارون الطويلة تجنبه وإبقاء الشعبين منفصلين.

طبعاً من وجهة النظر اليهودية هذا الاتجاه محفوف بالمخاطر. ولكن البديل هو حرفياً قمع وحشي للفلسطينيين لا نهاية له وأنا لا أعتقد - ولا أعتقد أن شارون يعتقد "وهذه هي معضلته" - أن الإسرائيليين كشعب يستطيعون ذلك. ونحن قد نحرز المزيد من التقدم ولكن إذا كف دعاة الدولة الواحدة عن عرض قضيتهم على نحو كونها الخيار الفدائي الأكثر مناهضه للصهيونية - تدمير الهوية الوطنية اليهودية- وبدلاً من ذلك يمكن القول بأنها لتحقيق ما هو أفضل في الفكرة الصهيونية: إقامة سلام عادل وأمة تعيش في أمن وسلام على أرض آبائها).

والسؤال هنا لماذا تتكاثر الحلول (القديمة الجديدة) تحت شعارات مضللة في وقت نهوض المقاومة الشعبية وإصرارها على المقاومة والمواجهة ونجاحها في ذلك (تحرير جنوبي لبنان عدا مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، ثم انتصار تموز التاريخي عام 2006، ثم انتصارات المقاومة الفلسطينية وتطور أساليبها القتالية، وتحرير قطاع غزة..)، وفي الوقت الذي بات الحديث فيه عن زوال الكيان ممكناً بعد رؤية الزعزعة والانهيار الذي حدث داخل الكيان سياسياً وأمنياً وعسكرياً واجتماعياً ونفسياً..؟!

فتلك المشاريع المطروحة بدلاً من دعوتها لتعميق الشرخ في الكيان لتحطيمه، تدعو إلى إنعاشه وإبقائه حياً مما يعني أنها ترفض إزالة الكيان، وهذا ما يريده الغرب وعلى رأسه الإمبريالية الأمريكية لقاعدتهم العسكرية التي هدفها حماية مصالحهم وضرب المشروع العربي النهضوي!!

لقد وردت في المشروع جملة يجب أن نقف عندها طويلاً وهي: (ولا يقيم محرقة لهذا الشعب وراء شعارات عاطفية حول تحرير الأرض التي يجري اعتبارها أهم من الإنسان).

لقد سمعنا كثيراً من الانتهازيين والمهرولين نحو التسوية والتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني هذه المقولة التي تبدي حرصهم الشديد على دم الإنسان الفلسطيني وحياته وهو كما يرون أهم من الأرض، فعن أية حياة يتحدث أولئك لشعب بلا وطن وبلا كرامة ولا كيان وتجريده من حقوقه التاريخية والإنسانية والحقوقية، وأن يقبل بالمشاركة التامة مع المحتل، والذي ستبقى له السيادة والسيطرة والهيمنة، ولن تكون هناك ديموقراطية مطلقاً؟!

ولو نظرت شعوب العالم إلى تلك المقولة لما تحرر شعب في العالم ولساد البقاء للأقوى ولشريعة الغاب، فهل المطلوب أن يتخلى الشعب الفلسطيني عن حقوقه وكرامته ليحفظ دماءه؟ ويحق لنا أن نسخر من مقولة أن التحرير هو مجرد شعار عاطفي؟!

كما جاء في بيان المثقفين حول الحل: (ويتمثل هذا الهدف، بطرح حلٍ للقضية الفلسطينية يقوم على قاعدة تسوية الصراع في بعده الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك بدل الحل الذي يقوم على قاعدة صراع الإفناء والإلغاء بين الشعبين. بحيث يغدو صراعاً من أجل التعايش المشترك للشعبين على أسس ديمقراطية وعلمانية وإنسانية تنفي الطابع العنصري والاحتلالي والهيمني لطرفٍ على الطرف الآخر).

لو قرأ المثقفون أولئك المقولات الصهيونية لعرفوا أن هدف الصهيونية إفناء الشعب الفلسطيني لتبقى الأرض فارغة ليحل مكانهم الصهاينة، ومن الغباء طرح فكرة التعايش مع كيان هو قاعدة عسكرية محاربة (دولة لجيش)، وقد رأى مفكرو الصهيونية أن العنف العسكري هو وحده محرك التاريخ الحقيقي!

يقول المفكر الصهيوني البريطاني إسرائيل زانجويل: (يجب ألا يُسمَح للعرب أن يحولوا دون تحقيق المشروع الصهيوني ولذا لا بد من إقناعهم بالهجرة الجماعية.. أليست لهم بلاد العرب كلها.. ليس ثمة من سبب خاص يحمل العرب على التشبث بهذه الكيلو مترات القليلة.. فهم بدو رُحل يطوون خيامهم ويَنْسَلون في صمت وينتقلون من مكان لآخر).

وخاطب زانجويل أيضاً في مانشستر في أبريل 1905 الصهاينة: (لا بد أن نُعد أنفسنا لإخراج القبائل - العربية- بقوة السيف كما فعل آباؤنا، أو أن نكابد مشقة وجود سكان أجانب كُثر، معظمهم من المحمديين).

وذكر جوزيف وايتز، مسئول الاستيطان في الوكالة اليهودية في عدد 29 سبتمبر 1967 من جريدة دافار، أنه هو وغيره من الزعماء الصهاينة، قد توصلوا إلى نتيجة مفادها أنه: (لا يوجد مكان لكلا الشعبين - العربي واليهودي- في هذا البلد) وأن تحقيق الأهداف الصهيونية يتطلب تفريغ فلسطين، أو جزء منها، من سكانها، وأنه ينبغي لذلك نَقْل العرب، كل العرب، إلى الدول المجاورة. وبعد إتمام عملية نَقْل السكان هذه ستتمكن فلسطين من استيعاب الملايين من اليهود!!

وعلق حاييم وايزمان على الإرهاب الصهيوني قائلاً بأن خروج العرب بشكل جماعي كان تبسيطاً لمهمة "إسرائيل" ونجاحاً مزدوجاً: انتصار إقليمي، وحل ديموغرافي نهائي. إن الأرض، بعد تفريغها من سكانها، أصبحت بلا شعب حتى يأتي الشعب الذي لا أرض له.

كما دعا جابوتنسكي اليهود ليتعلموا الذبح من الأغيار. وفي خطاب له إلى بعض الطلاب اليهود في فيينا، أوصاهم بالاحتفاظ بالسيف لأن الاقتتال بالسيف ليس ابتكاراً ألمانياً، بل إنه ملك: (لأجدادنا الأوائل.. إن التوراة والسيف أنزلا علينا من السماء).

وبن جوريون ذكر بأن خير مفسر للتوراة هو الجيش، فهو الذي يساعد الشعب على الاستيطان على ضفاف نهر الأردن..

وقد تبع مناحيم بيجين أستاذه جابوتنسكي في تأكيد أهمية السيف باعتباره محركاً للتاريخ: (إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليست السلام بل السيف).

وفي كتاب بيجن (الثورة) قلب عبارة ديكارت المعروفة "أنا أفكر، إذاً أنا موجود" لتصير: (أنا أحارب، إذاً أنا موجود). ويقول: (من الدم والنار والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال، نموذج غير معروف البتة للعالم في الألف وثماني السنين الماضية: اليهودي المحارب).

وقال في الكتاب أيضاً عقب مجزرة دير ياسين: (لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل).

وقد أرسل بيجين برقية تهنئة إلى رعنان قائد الأرجون عقب مجزرة دير ياسين قائلاً: (تهنئتي لكم لهذا الانتصار العظيم، وقل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل).

إن دولة الكيان الوظيفية تتطلب تصنيع اليهودي المقاتل بوحشية ليمارس اعتداءاته بوحشية، فهذه مهمته كأداة لحماية المصالح الإمبريالية وخدمتها. والآن وبعد عقود طويلة بماذا تختلف مقولات وممارسات الصهاينة اليوم عن مقولات الأمس؟!

وأخيراً ليس صحيحاً أن مشروع الدولة الواحدة كما يدعي البيان: (يفتح الآفاق أمام تطور المنطقة العربية - وخاصة في المشرق العربي- على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مع إمكان توحُّد كياناتها السياسية). فالهيمنة ستكون للرأسمالية اليهودية حتماً وهذا هو مفهوم الشرق الأوسط الجديد/ الكبير، فهل هدف أولئك الترويج لذاك المشروع سلمياً في الوقت الذي عجزت عنه الإمبريالية الأمريكية والصهيونية بالقوة العسكرية ولا سيما بعد كلمة رايس عن مخاضه وهي على الأرض اللبنانية في عدوان تموز؟!

إن الكيان الصهيوني هو نقيض الكيان العربي والفلسطيني، والخيانة السياسية الحديث عن التوفيق بينهما!

وبيان المثقفين تعبير عن أزمة بعض المثقفين الفلسطينيين الاستسلاميين الذين يدورون في فلك الرؤية الأمريكية الصهيونية، وبدلاً من الدعوة إلى العودة إلى الثوابت الوطنية والقومية، والدعوة إلى إزالة الكيان القاعدة الاستعمارية الغربية المأزومة، يمنحونها الحياة ويبشرون أسيادها بأن هناك من لا يريد القضاء عليها ويصر على بقائها لخدمة مصالحهم!!

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ