-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 16/05/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حسنةً واحدة تنفعكم في آخرتكم يا حكامَنا العرب!

الطاهر إبراهيم*

إذا كان الحكام العرب لم تنفع معهم قيام معارضات ضد أنظمة حكمهم، لأن معظم الحكام، إما يستندون في بقائهم في الحكم إلى حماية الأجنبي، أو حموا كراسيهم بالبطش والاستبداد والقمع واعتقال معارضيهم، فعلى الأقل عليهم أن يتذكروا أنهم سيرحلون عن هذه الدنيا راغمين، ولن ينفعهم ساعتئذ حزبٌ حاكم يسندهم، ولا حرسٌ جمهوريٌّ يحيط بالقصر يمنع عنهم دخول ملك الموت عندما يحضر لقبض روح الحاكم رغم كل أطواق الحراسة التي تحيط بسريره.

بدأت بهذه المقدمة التي تبعث الرعب في قلوب الجميع. ولا يقولن قائل: لا تتعبن نفسك، لأنهم –الحكام- لايفكرون إلا في ساعتهم ويومهم. هذا محض هراء، فلعل الحكام يكونون أشد الناس خوفا من ساعة دنو الأجل، لا خوفا من الله لأنهم لو خافوه رحموا عباده، بل لأنهم سيخسرون كل شيء: السلطة والصولجان والمال الذي جمعوه خلال حكمهم. ليس هذا فحسب، فسيسألون عن القير والقطمير، فما بلك بالميليارات! وحتى الذين أظهروا لهم الطاعة والمحبة من أتباع وأعوان ومساعدين، فإنك تجدهم، في ساعة موت الحاكم، وقد انهمكوا في ترتيبات الدفن وهم يقولون: "إكرام الميت التعجيل في دفنه". بعض هؤلاء يرقب بنفاد صبر، ساعة خروج الجنازة من بوابة القصر، ليجلس على الكرسي الذي أصبح شاغر بوفاة الفقيد.

إذا كانت مطالبة الحاكم بأن يسير بالرعية سيرة حسنة، يعتبرها البعض نوعا من العبث، لأنك لاتجد حاكما يصغي لك سمعه، وكل ما –ومن- حوله يغريه بتشديد قبضة الحكم، بل ربما زين له هؤلاء زيادة القمع والضغط على عباد الله المساكين، وإلا فقد ينتفض هؤلاء على سلطته في أقرب فرصة وفي ساعة غفلة. ورغم إمساكه بزمام السلطة، يبقى الحاكم بشرا يسخط ويرضى ، يخاف ويأمن، وإذا وجد من يحسن تقديم النصيحة له فقد يُرعي لها سمعه.

هذا "أديب الشيشكلي" يعتبره بعض السوريين مهندسَ الانقلابات في سورية. فقد كان قريبا من "حسني الزعيم" عندما قام بانقلابه. ولما حاول الزعيم أن ينفرد بالحكم، دفع "الشيشكلي" "سامي الحناوي" ليرأس انقلابا ضد الزعيم بعد أربعة أشهر ونصف. ولما لم يجد الحناوي كما أراده، أطاح به، وأعاد الحياة النيابية إلى سورية وانتخب "هاشم الأتاسي" رئيسا للجمهورية. ولم يلبث الشيشكلي إلا قليلا حتى أطاح بالأتاسي ونصب نفسه رئيسا لسورية بانتخابات صورية.

عام 1954 تحركت وحدات عسكرية في حلب وحمص باتجاه دمشق. ومع أنها لم تكن لتشكل ثقلا عسكريا كبيرا، وجدنا هذا الانقلابي الخطير يفكر بروية، فقال كلمة ما تزال تترد في سمع الزمن: إذا غادر "أديب الشيشكلي" سورية فستخسر شخصا واحدا، أما إذا حصل الصدام بين وحدات الجيش، فستخسر سورية الكثير. أعلن الشيشكلي تخليه عن السلطة وغادر إلى بيروت ثم إلى البرازيل. وطويت صفحة الدكتاتورية في سورية، ولكن إلى حين. وبقى التاريخ يشهد لأديب الشيشكلي أنه حقن الدماء في سورية، وهذا ما لم يفعله غيره من الانقلابيين.

في الجزائر وجدنا "الشاذلي بن جديد" يقرب إليه الشيخ الرباني "محمد الغزالي" ويسمع نصائحه فيسلك "بن جديد" طريقا فيه الكثير من الديمقراطية والعودة بالجزائر إلى جادة الصواب. ولولا أن "عسكر فرنسا" عاجل "الشاذلي" لكان قدم لنا "جزائر" أخرى غير الجزائر الحالية.

في السودان عندما تأزم الوضع في منتصف ثمانينات القرن العشرين، وكادت البلاد تذهب إلى حرب أهلية، عندها أخذ وزير الدفاع المشير "عبد الرحمن سوار الذهب" زمام المبادرة وأطاح بحكم "محمد جعفر النميري"، وكان في زيارة لواشنطن، فعاد هذا إلى منفاه في القاهرة. أجرى "سوار الذهب" انتخابات نيابية خلال عام، وسلم السلطة بعدها إلى حكومة منتخبة.

في لبنان عندما أراد "بشارة الخوري" أول رئيس في عهد الاستقلال أن يعدل الدستور ليحصل على ولاية ثانية، كاد يتم له ذلك. غير أنه أحس أن اللبنانيين سيختلفون عليه من بعد أن كانوا أجمعوا عليه فعدل عن التمديد. وكذلك فعل الرئيس "كميل شمعون". لكنه رجع عن عزمه بعد أن كادت تنشب حرب أهلية. وفي المرتين عاد الوئام إلى اللبنانيين بعد اختلاف. لكن الرئيس "إميل لحود" لم يسلك طريق الخوري وشمعون، لأنه ظن أن دمشق تستطيع دعمه، فذهب في المشوار إلى آخره. وكانت النتيجة أنه لم يستطع أن يحكم كما ينبغي بسبب معارضة اللبنانيين له واغتيل الرئيس "رفيق الحريري"، ليدخل بعدها لبنان في دوامة لم يبرأ منها حتى الآن.   

في مقاربتنا مع الحكام الأكثر استبدادا، سنجد أن الرئيس الراحل "صدام حسين" –وقد انقسم فيه العرب بين مؤيد ومباعد- ارتكب غلطة العمر، يوم اجتاح الجيش العراقي دولة الكويت التي دعمته في حربه ضد إيران. قادت واشنطن تحالفا لطرد"صدام حسين" من الكويت، فتأكد أنها كانت مصيدة للإجهاز على العراق، أوقع نفسه فيها، لأنه يملك أكبر ترسانة حربية عربية. كما كان العراق الدولة الوحيدة عربيا المؤهلة لمحاربة إسرائيل. وقد حاول صدام أن يوقف مخطط الانهيار الحلزوني للعراق واستطاع أن يؤمن للشعب العراقي كفايته رغم الحصار الخانق، لكن محاولته أتت متأخرة. فاحتل "جورج بوش" العراق ودمره تدميرا.

ساقت واشنطن صدام حسين إلى ساحة الإعدام صبيحة عيد الأضحى. عندما وقف على أعواد

المشنقة رابط الجأش مرفوع الرأس يخاصم جلاديه، أدرك العرب أن واشنطن أعدمت العرب في شخص صدام، الذي نحسبه شهيدا، ولا نسقط عنه حقوق من ظلمهم، فإنها في ذمته لاتغتفر إلا أن يتغمده الله برحمته.  

وكما دفع صدام حسين حياته لخطأ فادح، فإن الرئيس الراحل "أنور السادات"، دفع حياته ثمنا لموقف خاطئ فظيع عندما زار إسرائيل. وإذا كنا سجلنا عليه أنه أول من اجترأ على خطيئة التطبيع مع إسرائيل وجرّأ زعماء عربا آخرين على السير خلفه، إلا أنه لم يكن الأسوأ في من حكم مصر بعد انقلاب 23 يوليو1952. بل ربما كان أقل الثلاثة استبدادا. ويسجل للسادات أنه ورث عن "عبد الناصر" معتقلات تغص بعشرات الآلاف من الإخوان المسلمين، فقام بتبييضها ، لتصبح –في بداية عهده- خاوية على عروشها.

بل إن "السادات" كان أولَ رئيس عربي يسمح لزعيم معارض، -مثل الشيخ "عمر التلمساني"- رحمه الله تعالى في أن يقف في حفل عام أمام جمع حاشد ليرد على اتهامات السادات لجماعة الإخوان المسلمين. ثم يخاطبه قائلا: لو أن واحدا من وزرائك أساء إليّ لشكوته إليك. أما وأنك أنت الذي قد أساء إلي، فإني أشكوك إلى الله. فقال له الرئيس السادات اسحبها يا شيخ عمر! قال: لقد صعدت إلى ربها. (أنظر مذكرات التلمساني في الشرق الأوسط).

ويسجل للرئيس "السادات" أنه قاد ملحمة العبور عام 1973، وسجل باسمه"براءة اختراع" أول نصر عربي على إسرائيل. بينما وقفت القوات السورية عاجزة عن التقدم في هضبة الجولان. بل إنها خسرت ثلاثين قرية من هضبة الجولان في تلك الحرب.

إذا كان قد قدّر للرئيس الراحل "صدام حسين" أن يُبيّض صفحته آخر حياته. وقيض للرئيس الراحل السادات أن يسلّف الشعبَ المصري أول نصر للعرب على إسرائيل، فإن هناك زعماءَ عرباً قضوا عقودا في الحكم لم يسجلوا عملا واحدا طيبا لوطنهم تذكرهم به شعوبهم ويحتجون عند ربهم، أو يجعل المواطن يقول عند ذكر عملهم ذاك: يرحمهم الله. قد يكون جحود المواطن قاسيا، لكن حكامهم لم يتركوا لهم مطرحا في قلوب شعوبهم.

ـــ

*كاتب سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ