-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس  09/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


القدسُ عاصمة للثقافة.. أسبابُ الخلاف والاختلاف

بقلم : سمير عطية

لا يفوتني أبداً في معرض حديثي عن عوامل تهيئة ثقافة الجيل الفلسطيني والعربي والمسلم أن أذكر موقفاً مؤثراً جرى معي، حين فوجئت بابنتي وهي في الثالثة من عمرها آنذاك تحمل «روزنامة» عليها صور المسجد الأقصى وتطلب مني ببراءة الطفولة أن آخذها إلى هناك!!

الحكاية انتهت بوعد غير محدد الزمن، وأخذني إلى عالم من القصائد سجلت فيه الحكاية شعراً، وكدت أنسى قصيدتي لولا أنني سمعتها من شفاه طفلة ترددها، فقلت لوالدها: إن رسالتي كأديب قد وصلت.

في رسالتنا الثقافية للوطن عامة والقدس خاصة، نحمل العديد من الأهداف والوسائل، ويسبق ذلك تحديد للرؤية والقيم التي نرتكز في خطابنا الثقافي والأدبي عليها.

وفي حكايتنا تتبلور الرؤية في تمكين الأجيال من الحفاظ على أن تظل القدس حاضرة في الوجدان، ويبقى المسجد الأقصى طيفاً لا يفارق المآقي وكأنه على مرمى شوق من قلوبنا.

في حكايتنا تتبلور الرسالة التي نريد أن تظل على شفاه الأجيال، وهي أن نزور الأقصى ونصلي فيه بعد أن يتحرر من الدنس الصهيوني واحتلاله البغيض.

وفي حكايتنا أيضاً تتضح بعض الوسائل والبرامج التي من شأنها أن تعزز القيم المعرفية والتربوية والثقافية عن القدس من خلال وجود «روزنامة» جذابة الشكل والمضمون، وكذلك زراعة المعاني المقدسية عبر قصيدة شعرية تحفظها الأجيال، وصولاً إلى حالة النصر التي نسعى للوصول إليها في زمننا أو زمن أبنائنا.

حين تحتوي هذه القصة الصغيرة على أهم المرتكزات في خطابنا الثقافي عن القدس، فإنني أتمنى لو تعددت مثل هذه الحكايات لنصل إلى صورة كبيرة فيها من التفاصيل المتشابهة في الرؤية والمتعددة في الوسائل، ما من شأنه أن يرسم في النهاية وجهاً مشرقاً لمدينة القدس.

إذا اتفقنا على أن القيمة المعرفية الكبرى، والغاية الثقافية والتاريخية لنا ولأبنائنا ولقضيتنا يكون في أن نُبقي في الحد الأدنى على «توريث الحلم» وعلى «صناعة الأمل» في حدوده العليا لتحرير المدينة المقدسة، فإننا نقف بذلك على أرضية صلبة من الفهم الثقافي لما نريد أن نزرعه في أنفسنا قبل أجيالنا عن هذا الحلم العظيم، ففاقد الشيء لا يعطيه، وهذا يجعل مساحات الرؤية أكثر وضوحاً لدينا في فهم القضية، والهدف الذي نريده حالياً ومستقبلاً.

الأمر بهذه الطريقة واضح، ورؤيته سهلة للناظر والمتابع، فلماذا هي ضبابية في حين، ومتشابكة على أرض الواقع في حين آخر؟؟

أسئلة عديدة تطفو على السطح، تتكون أمواجاً تتلاطم في خضم بحر ضخم هو القدس، وساحل متعرج مليء بالنتوء الصخرية اسمه «القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009»!!

أسأل من جديد:

هل هذه الرؤية تغيب عن كل مهتم في الشأن الثقافي المقدسي؟

ذلك المهتم الذي يراد له في جانب أن يكون حالة ثقافية معرفية واسعة تعتمد على البناء والإرادة والتقدم، وفي جانب آخر يُراد لها أن تظل باستمرار «بكائية» حزينة كحالة إنسانية جاذبة للتعاطف؟

الخلافات والتفاصيل :

بكل وضوح نقول إن هذا أحد مفاصل الخلاف الذي يجري حالياً ونمضي في رسم تفاصيله، لكن لا شك أيضاً أن الرؤية السياسية لحلّ القضية برمّتها، والواقع الفلسطيني الموجود على الأرض أسهم كثيراً في وجود هذا التباين الصارخ والمعيب في حالتنا الثقافية الفلسطينية!

ففي وقت أُعلن فيه عن انطلاق فعاليات القدس عاصمة للثقافة في قطاع غزة من قبل جهة تقول إنها حكومة شرعية منتخبة، تستعد الآن الفعاليات في مدينة رام الله والضفة الغربية لإطلاق فعالية رسمية أخرى تعتمد على أحقيتها الشرعية كحاضنة «للرئاسة الفلسطينية» وما ينتج منها من فعاليات ثقافية رسمية تصل إلى المطالبة بتسلم راية «الثقافة العربية» من عاصمتها لعام 2008 وهي مدينة دمشق، علماً بأن «نفوذها السياسي والثقافي» لا يكاد يقف على الأرض في الضفة الغربية، فكيف سيكون محضناً معرفياً وحامياً للثقافة المقدسية أيضاً؟!

الشيطان يجلس بين سطور التفاصيل، مقولة بدأت أقتنع بوجاهتها، فكثير من المعطيات العامة نتفق عليها، وحين نريد تطبيقها على الأرض نبتعد كثيراً عن صفاء قناعتنا وفهمنا إلى كدر الخلاف وأسى الفرقة.

تمتدّ الحكاية إلى العديد من المسميات خارج فلسطين، فهناك الحملة الأهلية التي أرادت أن تخرج من هذا الجدل السياسي الصارخ، وهناك فعاليات ثقافية وأدبية فلسطينية وعربية، قررت أن تعود إلى القيمة الكبرى دون أن تشوّه وجه القدس بخلافاتنا أكثر مما هو مشوّه بفعل أعدائنا.

أقول إن هذا موقف قد يكون له ما يبرره، فلا يعقل أن تقف الجهات الثقافية الفلسطينية أو العربية أو الإنسانية أفراداً ومؤسسات متيبّسة ونحن نرى نزيف عام 2009 يسيل على طرقات الثقافة دون أي فعل ثقافي يُذكر.

إن القيمة الحقيقية التي يجب أن نخرج بها من هذا العام هو التأسيس الحقيقي لمشروع ثقافي مقدسي، وإن مدينة القدس هي عنوان قضية ووطن لا يذوب في حكايات الأزمان والتهجير، لذا فإن حالة من «الهروب الإيجابي» نحو الأمام ابتعاداً عن خلاف وانقسام على الأرض يجب أن لا يعفينا من مسؤولية التفكير في كيفية الوقوف عند دراسة حقيقة التباين والاختلاف، لنقترب أكثر من الواقع وإمكانية التأثير فيه بصورة جمعية في طريقنا لبناء ثقافي للجيل.

لماذا؟

 

أقول من خلال رؤيتي لمساحات من العمل الثقافي الفلسطيني في العديد من الساحات، ومتابعتي لها: إنَّ ما يجري على الأرض من خلاف حقيقي بشأن فعاليات القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009 يمكن أن يُجمل في عدد من الأسباب لعل من أهمها:

أولاً: الاختلاف العربي والفلسطيني بين برنامج التسوية وبرنامج المقاومة، الذي تعتبر القدس أحد ملفاته الأساسية، الأمر الذي يجعل من طرف التسوية فلسطينياً وعربياً يخفض من سقفه الثقافي والمعرفي والتاريخي في الفعاليات والبرامج، كي لا يشكل حالة تعبوية شعبية ونخبوية تكون سداً أمام أي حل سياسي على الأرض، فيما المقاومة في فلسطين وأنصارها في الخارج تجد نفسها معنية بتفعيل الفعاليات كحالة ثقافية مهمة لحماية القضية وعنوانها الأبرز من أخطار الصهاينة، وأخطار التسوية القادمة.

ولذا فإن الخلاف في حقيقته ليس بين مدينة رام الله وغزة كواقع لانقسام جغرافي على الأرض رغم وجاهة هذا الأمر وأثره على الواقع، غير أنه ساحة إن جاز التعبير لمعركة سياسية أوسع وأكبر بين برنامجين سياسيين فلسطينياً وعربياً وربما إسلامياً وإنسانياً.

ثانياً: الاختلاف الأيديولوجي في أهمية القدس ومكانتها الفكرية والعقدية، فالبعض في الساحة الفلسطينية وغيرها يضع الخلاف السياسي كواجهة «معقولة» سياسياً وإعلامياً، غير أنَّ لديه من الخلاف والاختلاف الأيديولوجي ما يجعله يتراجع عن تبني العديد من البرامج والفعاليات التي تنطلق كما يراها أصحاب هذا الفريق من منطلق فكري أيديولوجي. وهذا ما يُقرأ ما بين سطور العديد من المقالات والكتابات، بل يتجاوز ما بين السطور ليكون واضحاً في أحيان أخرى.

ثالثاً: التنافس على موطئ قدم في ريادة الساحة الثقافية الفلسطينية، سواء في الداخل أو الخارج، وهذا ما يضع العقبات في طريق العديد من التفاهمات أو الاتفاقيات، لأن كل طرف صار يفكر في الأهداف الخفية للأطراف الأخرى، التي يراها وفق تقديره معلنة حين تتحقق الفعاليات من سطوة جهة أو هيمنة فريق على مساحة في الساحة الثقافية الفلسطينية.

هذا الأمر أخّر أسماء وقدّم أخرى، وأبعد جهات وأقام اتفاقيات مع جهات أخرى، في سبيل الحصول على جسم معين في الخريطة الثقافية الفلسطينية، سواء كان هذا داخل الخط الثقافي لتيار التسوية، أو داخل الجسم الثقافي لتيار الممانعة والمقاومة.

رابعاً: انكفاء كثير من المؤسسات الثقافية العربية على تجارب مختلفة بعيدة عن القضية الفلسطينية، خلال السنوات الماضية لأسباب عديدة، وتراجع هذه القضية في السلم الثقافي لأولوياتها، وهذا يفسر اضطراب فعلها الثقافي على الأرض في العديد من المحطات المهمة التي مرت بفلسطين.

وضوح الرؤية :

 

أعتقد أن هذه الرؤية مهمة لكل متابع للشأن الثقافي، بل هي مهمة لكل فاعل في صناعة الثقافة الفلسطينية بأي حجم من أحجامها، وعلى أي مساحة من مساحاتها، فهذا «الدليل» المختصر، يوضح الكثير من أسباب الاختلاف.

قد يضيق صدر الثقافة بأصحابها أو بعضهم، وقد يضيق أصحابها بما يواجهونه في طريقهم إلى الساحل من رياح عاصفة أو نتوء صخرية قد تؤذي هذه السفن لا قدر الله.

غير أنَّ هناك قوارب قد تصل إلى الساحل لأن ربانها وركابها يعرفون الطريق، في حين أن هناك سفناً لا تصل إلى ساحل القدس الثقافي لاختلاف النيات والمقاصد والبوصلة!!

أما إذا أردت أيها القارئ العزيز أن تخرج من كل هذا «الصُّداع الثقافي»، فلا أقل من أن تكون في بيتك وعملك صاحب رؤية ورسالة وأهداف وبرنامج عمليّ، وفق قدراتك وإمكاناتك، ما يساهم في جعل القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية.. وكفى!!

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ