-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  01/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الكراسي الشاغرة في الدوحة

القمة العربية 2009م

نبيل شبيب

ديبلوماسية مكشوفة - الشقيقة الكبيرة - الروح الاستبدادية - تناقض بين العربي والدولي - بين الغياب.. والحضور - هروب من مرحلة حاسمة

 

سؤال مبدئي:

تنعقد لقاءات القمم العربية دوريا في الدول العربية حسب الحروف الهجائية لأسمائها، وليس حسب توجهاتها السياسية، وهي غير قائمة على اعتبارات عربية مشتركة غالبا، فلو كانت القمة العربية لعام 2009م في الجزائر، هل يغيب عنها الرئيس الجزائري، أو في مصر، هل يغيب عنها الرئيس المصري؟..

 

ديبلوماسية مكشوفة

بعض المتحدثين الرسميين والإعلاميين يواسي نفسه أو يعابث الشعوب عندما يقول إن هذه القمة يحضرها عدد كبير أو كافٍ أو لا بأس به بالمقارنة مع قمم عربية سابقة، ومثل هذه الأقوال:

1- أقوال تشذ شذوذا كبيرا عما يسري مفعوله عالميا، فالقمم لا يغيب عنها رؤساء الدول إلا لسبب مرضي أو عذر غير عادي، لا علاقة له بالمواضيع المتفق عليها أو المختلف عليها، المطروحة في جدول الأعمال، بل قد يكون الحرص على الحضور أكبر عند اختلاف الرأي، للتعبير عما يريد كل طرف بصورة مباشرة، بل والسعي لتمريره بمختلف السبل، مع القبول بالحصيلة وإن لم تحقق "كلّ" ما يريد.

2- أقوال تلفت الأنظار عن حقيقة أسباب الغياب، سواء قيلت علنا من جانب الطرف الغائب أم لم تعلن، بل بتعبير أصح: هي لا تلفت الأنظار فعلا، فالأسباب غالبا معروفة مكشوفة، إنما يلبس المتحدثون لباس الديبلوماسية -وهذا من حقهم عند غياب أشقائهم! عن القمة في بلدهم- ولكن تبدو للأسف وكأنها تستخف بالشعوب، التي بلغت من الوعي ما يكفي لمعرفة الأسباب الحقيقية.

للغياب أسبابه الحقيقية التي لا تغطيها عبارات ديبلوماسية، ومن العسير القول إن غياب الرئيس المصري حسني مبارك الذي تجاوز الثمانين من العمر عن قمة الدوحة 2009م قد كان لأسباب صحية، فهو ومن حوله حريص على تأكيد سلامته البدنية، بل وملاحقة من يشكك في ذلك من الإعلاميين، ومن العسير أيضا القول إن غيابه كان لزحمة المواعيد، فللقمة أولوية على ما سواها، أو بسبب وجود "مذكرة اعتقال دولية" بحقه، فهو لم يصنع بحق من يستصدرون تلك المذكرات ما يدفعهم إلى استصدارها.. أو..

 

الشقيقة الكبيرة

المضي في الكلام بهذا الأسلوب قد يزعج القارئ الذي يعلم أن للغياب سببا واحدا حاسما، وهو: اختلاف في الرأي مع الآخرين، وعدم الاستعداد لحضور قمة قد لا تنتهي بتبني ما يراه هو في هذه القضية أو تلك!.. ولو نظرنا في سبب غياب آخرين.. لوصلنا إلى نتائج مشابهة، وإن كانت بشأن الرئيس المصري أظهر للعيان، وأهم من حيث الحديث عنها، لأسباب عديدة، منها وأظهرها للعيان:

1- أنه يمسك بزمام "ملف ساخن" بصورة محكمة، من عناوينه المعروفة "حصار غزة" و"المصالحة الفلسطينية" و"التهدئة"، والظروف الحالية لا تساعد على تمرير ما يرى على مستوى عربي رسمي جماعي، ومن عناوين تلك الظروف "نتانياهو" و"المقاومة" و"مبادرات المصالحة العربية" و"بقاء شعار التغيير متخلفا عن شعار الاستمرارية في واشنطون".. وهنا يتحول الغياب إلى الحرص على عدم "مشاركة" الآخرين فيما يمسك بزمامه بسبب موقع جغرافي في الدرجة الأولى.

2- مصر هي الدولة العربية الأكبر.. تاريخا ووزنا وتأثيرا وسكانا ولغير ذلك من العوامل، ولكن المشكلة ليست في هذه "الحقيقة" المستمدة من واقع قائم، بل هي مشكلة تأويل هذه الحقيقة في صياغة العلاقات السياسية، ما بين حدّين اثنين، أولهما أن الأكبر يفرض ما يريد على الآخرين.. وهذا مرفوض، وثانيهما أن الأكبر يستوعب ما يريد الآخرون.. وهذا مطلوب، فهو شرط لا غنى عنه في تقدير "حجم" الدول ووزنها.

 

الروح الاستبدادية

يتصل بذلك كلام يلفت النظر ورد على لسان رئيس القمة المودّع بشار الأسد في قمة الدوحة، عندما تحدث حول "إدارة الخلافات"، وهذه "نغمة جديدة" في ساحة السياسات العربية، ولعل ظاهرة الغياب عن هذه القمة وفي الماضي، قد أبرزت ما يعبر عن "النغمة القديمة" القائمة على روح استبدادية شبيهة بالروح الاستبدادية السائدة على المستويات الداخلية في البلدان العربية (بما فيها سورية.. التي لا يمارس الأسد داخل حدودها أسلوب إدارة الخلافات بدلا من الإقصاء) فالحاكم يفرض ما يريد.. ولا يناقَش حوله، وما دام يملك زمام السلطة عبر مراكز القوى في بلده، فهو قادر على ذلك، ولكن كيف يتصرف بهذه الروح المسيطرة عليه على مستوى عربي "مشترك"، يوجد فيه سواه ممن يريدون أيضا أن يكون "زمام السلطة العربية" في أيديهم، كليا أو جزئيا، أو أن تكون العلاقات العربية-العربية معبرة على الأقل عن تغليب وجهات نظرهم هم على سواهم؟..

مشكلة!.. لا تعرفها السياسات الواقعية المعاصرة أو القديمة نظريا، وإن وجدت طريقها إلى ممارسة القوى الدولية لسياساتها في التعامل مع الآخرين، لا سيما عندما يقبلون بذلك.

 

تناقض بين العربي والدولي

على أن المشكلة الأكبر منها أنّ من يعمل لفرض ما يريد، استبدادا على المستوى الوطني، واستبدادا أو إملاءً أو ضغوطا أو غيابا على المستوى العربي المشترك، لا يكاد يصنع معشار ذلك في علاقاته (هكذا يراها أو هكذا يتصرف بها.. وهي في الأصل علاقات بلده) على المستوى الدولي!..

وينبني على ذلك:

لو أن "الأخ الأكبر" على المستوى العربي انتزع في الماضي أو ينتزع في الحاضر، قدرا قليلا أو كبيرا من المواقف الدولية لصالح القضايا العربية المشتركة، لَفَرَضَ نفسه أخا كبيرا تجاه الآخرين بصورة موضوعية أو اعترافا بالجميل ودون ضغوط أو إكراه، ولكن كثيرا ما يتردد في التصريحات الرسمية (وآخر الأمثلة على ذلك قضية استهداف البشير دوليا) ما يدور حول محور واحد: "اتصلنا بالأسرة الدولية (القصد: القوى المهيمنة دوليا) ولم تستجب لنا!".. ثم اعتبار ذلك عذرا للاستجابة (أي الخضوع) لما تريد القوى الدولية، وإن كان فيه إجحاف وعدوان وانحياز على حساب القضايا العربية المشتركة (وحتى الوطنية المحلية)!..

 

بين الغياب.. والحضور

إن الغياب عن القمم العربية ليس مجرد موقف "شخصي" بل هو تحويل العلاقات السياسية والقضايا الملحة ولقاءات القمم إلى مسرح تتحكم فيه دوافع واعتبارات شخصية.. وهذا مرفوض.

وإن الغياب عن القمم العربية ليس عقوبة من الكبار ضد الصغار، بل هو أقرب إلى جلد الذات بعقوبة ذاتية، فليس مثل الغياب ما يعبر عن العجز عن التعامل المباشر حتى مع "الصغار"!..

ومن المؤسف انتشار استخدام مثل هذه التعابير للتمييز بين رئيس ورئيس وملك وملك وأمير وأمير على المستوى العربي. إن جميع هؤلاء.. يكبرون ويصغرون معا، ولهذا شروطه الأهم بكثير من خطبة بليغة (أو عشوائية مفاجئة كما يتميز بها القذافي!) عند الحضور أو غياب استعراضي عن قمة مشتركة، أو عناق وابتسامات تحت عنوان مصالحات.. ومن هذه الشروط الموضوعية الأهمّ من الشكليات:

1- الالتحام الوطني ما بين حاكم ومحكوم.. وهذا غير مطروح طرحا جادا وعمليا، قطريا ولا جماعيا!.

2- التعاون والتكامل إقليميا بين الدول المتجاورة.. فكيف مع دول يقال إنها قائمة على "وطن عربي" واحد!.

3- تغليب المصلحة المشتركة على ما قد يبدو مصلحة قطرية.. ولا وجود بمعنى الكلمة لأي منهما دون الأخرى!.

4- القدرة على طرح الرؤى الجديدة لحل الخلافات وليس التمسك بالرؤية الذاتية لإرغام الآخرين عليها، وغالبا ما تسبب ترسيخ الخلافات فقط.

 

هروب من مرحلة حاسمة

قد يتصل بالحديث عن الغياب ما طرحه الرئيس الجديد للقمة العربية أمير قطر في كلمته الافتتاحية، عندما خصصها للكلام عما لا يتضمنه جدول الأعمال، بشأن ظاهرة الانهيار المالي والاقتصادي عالميا، مؤكدا بذلك بصورة غير مباشرة الحاجة إلى "مشروع عربي" على مستوى عالمي، كما يتردد فيما يراد من القمة قبل ظهور نتائجها!..

هذا الحديث يشير إلى حقبة حاسمة تاريخيا على المستوى الدولي، قد تفصل بين نظام عالمي يتداعى منذ نهاية الحرب الباردة ونظام عالمي لم يولد بعد، مثلما يشير إلى أن المجموعة العربية تتأثر كثيرا بما يجري عالميا، ولا تؤثر فيه، بل قد تحقن هي شرايينه (أو: شرايين قوته التي تتعدّى عليها) بمصادر قوتها هي، مصدرا للطاقة والخامات، وأسواقا للمنتجات والاستثمارات، وحصّالة لضخ الأموال والثروات، وموقعا بالغ الأهمية على مفترق الطرق التجارية العالمية، وبالغ الأهمية على صعيد الأمن العالمي، وعلى صعيد تلاقي الحضارات البشرية.. ويمكن تعداد المزيد، فما هو المقابل؟..

ما الذي تحصل عليه الدول العربية (والإسلامية الأخرى.. ويسري عليها جميع ما سبق) إلا الحروب العدوانية، والاستغلال الأجنبي، والاستهتار بحصانة دولها ورؤساء دولها؟..

إن الغياب بحد ذاته -وبدون عذر مشروع كالمرض- أسلوب يعبر عن تخلّف سياسي في الأوقات الاعتيادية، وعن ضعف ذاتي في فترات الأزمة والخلاف، ولكنه يعبر في الوقت نفسه عن اضمحلال الشعور بالمسؤولية، والهروب من تحملها، عندما يتزامن مع ظهور أعباء حقبة حاسمة على مستوى القضايا العربية والإسلامية، الساخنة وغير الساخنة، وعلى مستوى موقع العالم العربي والإسلامي بمجموعه على الخارطة الدولية.

ولا بد من التنويه دون تفصيل بما لا يدخل في أصل هذا الموضوع، وهو أن الغياب مرفوض، ولكن هذا لا يبرّئ أحدا من المسؤولية أن يكون "حضوره حضورا حقيقيا"، فيسفر حقيقة لا كلاما في بيان، عن نتائج حاسمة وقويمة، تؤثر على واقع القضايا المطروحة والتعامل معها، وتستعيد للقمة العربية قيمتها، وللمنطقة العربية وزنها، وعسى المشاركون في القمة يصلون من خلال ذلك ومن خلال ما يجب أن يصنعه كل منهم على المستوى القطري إلى شيء من ثقة الشعوب، التي كانت وما تزال "مغيّبة" عن القمم وغير القمم من مواقع صناعة القرارات ذات العلاقة بمصائرها هي، وليس بموقع فلان أوفلان من الحكام على المائدة العربية المشتركة.

ويكاد يعتذر القلم للقراء.. أن يثور غضب بعضهم عندما يعبّر عن بعض الأمل في هذا الموضع.. فليس مجهولا أن احتقان عدم الثقة بما يجري على مستوى القمم بلغ درجة بعيدة المدى، حتى صار عسيرا التنويه بوجود بصيص أمل ما، ولن تعود الثقة كما ينبغي أن تكون، ألا بعد أن ترتفع القمم بنتائجها ويرتفع صانعو القرار بسياساتهم إلى مستوى ما توجبه الدماء الزكية المتدفقة في الساحة الحقيقية لصناعة الحدث وصناعة المستقبل، ما بين فلسطين وكشمير والعراق وأفغانستان والشاشان وأخواتها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ