ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 01/01/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ليس السلام عن العدالة

مايكل غولدفارب*

لندن – العدالة هي المادة اللاصقة التي تحافظ على تراص المجتمع. في غياب نظام قانوني متفق عليه لا يملك الناس ملاذاً عندما يتعرضون للإساءة سوى الثأر وسفك الدماء والنزاع.

 

ولكن هناك أمرا مفعما بالسخرية: إن ثمن استنباط السلام من النزاع هو أن العدالة لا تتحقق وتذهب معظم الجرائم دون عقاب.

 

بينما يحاول المشاركون في مؤتمر أنابوليس مرة أخرى أن يتفاوضوا على تسوية نهائية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تلك هي النقطة الحاسمة التي يتوجب على السياسيين والدبلوماسيين والجمهور الواسع أن يتذكروها: لا يعني السلام فقط الاتفاق على من يتحكم بماذا. السلام يعني كذلك أن هؤلاء الذين عانوا كثيراً – أسر القتلى – لن يروا قتلة من أحبوّهم وقد جيء بهم إلى العدالة.

 

من الممكن المبالغة في النواحي المتوازية بين النزاعات في إيرلندا الشمالية وإسرائيل، ولكنها تشكل إثباتاً للنقطة في هذه القضية. لم تصبح اتفاقية الجمعة الحزينة، التي أنهت ثلاثة عقود من العنف في إيرلندا الشمالية، ممكنة إلا بعد أن قَبِل الناس العاديون هناك فكرة أن هؤلاء المسجونين لأعمال إرهابية وجرائم شبه عسكرية ارتكبت أثناء فترة المشاكل يجب إخلاء سبيلهم وقبول ممثليهم كجزء من تسوية سياسية جديدة. وهذا لم يحدث بين ليلة وضحاها.

 

بين بداية ومنتصف تسعينات القرن الماضي، ومع اتضاح العملية السياسية التي أدت إلى اتفاقية الجمعة الحزينة، أصبح المراسلون الذين يغطون الأحداث من بلفاست معتادين على مبادرات كلام هادئة في الحانات أو المؤتمرات الصحفية من قبل من فقد قريباً للعنف شبه العسكري.

 

كان القريب يطلب بلباقة، وبكرامة لا تفرضها سوى الخسارة الفادحة، لحظة من وقت المراسل ليسرد قصته، متضرعاً أن يجري تذكُّر قريبه الراحل. وفي بعض الحالات كانوا يطلبون من المراسل المساعدة على تقصي موقع دفن من فقدوه، كما يطلب آخرون المساعدة في إبراز ضرورة عدم التضحية بالعدالة من أجل تحقيق اتفاق سياسي متسّرع.

 

كانت الكرامة تختفي أحياناً وتسيطر الرغبة الجامعة والمفهومة في الثأر. في الثاني عشر من تموز/يوليو 1993، وهو يوم الاحتفال بذكرى النصر القبلي العظيم للبروتستانت في إيرلندا الشمالية، أقسم لي رجل من شارع شانكيل في السبعينات من عمره، والذي لم يشترك إلا جزئياً في الروح الرفيعة، والكحولية، التي تميز ذلك اليوم، أنه لن يرتاح إلى أن يجد قاتل ابنه جورج "الذي مات منذ عشرين سنة". بعد أن يأخذ بثأره، حسب قوله، لن تحتاج الشرطة لأن تبحث عنه، إذ إنه سوف يقدم نفسه في مخفر الشرطة، ويستطيعون أن يفعلوا به ما يرغبون. كان الرجل مخموراً ولكنه كان يعني كل كلمة قالها.

 

كانت الخطوط العريضة لاتفاقية الجمعة الحزينة قد عرفت بحلول عام 1993، تماماً كما أصبحت الخطوط العريضة لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي معروفة اليوم. إلا أن سنوات طويلة مضت في المفاوضات، وتركزت معظمها تقريباً على صعوبة إضفاء الشرعية على أعمال المجموعات المسلحة وشبه العسكرية مثل الجيش الجمهوري الإيرلندي.

 

وبغض النظر عما يفعله السياسيون، لم تكن هناك احتمالات لإقناع الإيرلنديين الشماليين بالاتفاقية حتى تخف حدة الرغبة في الانتقام والمطالبة بالعدالة. وقتها، وبشكل حتمي، أصبح هؤلاء الذين سجنوا لنشاطات إرهابية شبه عسكرية موضوع التركيز في الصفقة.

 

كان الجيش الجمهوري الإيرلندي والشين فين قد أسسوا منذ فترة بعيدة الرابط بين المجموعات شبه العسكرية والأحزاب السياسية، والآن فعلت المجموعات البروتستانتية شبه العسكرية الشيء نفسه. إذا أريد للصفقة أن تتم، كما قال ممثلو المجموعات شبه العسكرية السياسيون، توجب إطلاق سراح السجناء. فقط كانوا جنوداً يقاتلون في الحرب وليس إرهابيين.

 

لذا تعثرت المفاوضات حتى كانون الثاني/يناير 1998 عندما ذهبت مارجوري (مو) مولام، وزيرة إيرلندا الشمالية في حكومة توني بلير إلى سجن ميز لمقابلة السجناء شبه العسكريين وجهاً لوجه.

 

أقنعتهم بالمساح لممثليهم السياسيين بالمشاركة في المحادثات. كان التعويض، حسب النتيجة النهائية، إطلاق سراحهم المبكر من السجن. بعد أقل من ثلاثة شهور تلت تم إنجاز اتفاقية الجمعة الحزينة، وقبلها أهل الشمال.

 

ما الذي تغير عبر سنوات خمس؟ توصل الجمهور الأوسع في إيرلندا الشمالية، ومعظمهم لم يفقد أقارب له في المشاكل، إلى نتيجة أن ترك المجرمين يخرجون أحراراً يشكل ثمناً معقولاً للسلام.

 

يشكل السجناء نقاط مساومة في المفاوضات لإنهاء النزاع في الشرق الأوسط تماماً مثل قطع الأراضي الصغيرة في الضفة الغربية وموضوع الأماكن المقدسة في مدينة القدس.

 

وكمقدمة للعودة الحالية للدبلوماسية، أطلقت حكومة إسرائيل مئات الأسرى الفلسطينيين. إذا أُريد تحقيق حل ناجح للنزاع فسوف يتوجب في نهاية المطاف إطلاق سراح أكثر الأسرى شهرة (مروان البرغوثي) وأكثر سوء سمعة مثل أتباع حماس.

 

وسوف يتوجب على القيادة الفلسطينية أن تقنع شعبها أن أياً من أعمال الثأر لن يجري تشجيعه، وأن أعمال الجيش الإسرائيلي سوف تُسامَح. أصدرت الشين فين أوامر مماثلة للجمهوريين الإيرلنديين فيما يتعلق بالجيش البريطاني.

 

قد يتوجب على الجيش الإسرائيلي تقديم تساؤل حول أعمال محددة، تماماً مثلما حصل للجيش البريطاني في تحقيقات ويدجري المتعلقة بأحداث يوم الأحد الدموي. ورغم أنه يصعب تعريض المرء نفسه لعملية كهذه فإن التسوية تحصل على دفعة من خلال إرساء قواعد الحقيقة وتحديد المسؤولية. ولكن التحقيق لا يشكل نوعاً من أنواع العدالة.

 

السلام لا يساوي العدالة. وطالما لا يقبل الإسرائيليون والفلسطينيون وشتاتهم هذه الحقيقة المؤلمة، وطالما أنهم يفضلون التركيز على كل جريمة ارتكبت بحقهم، وطالما أنهم قانعون بمعاناة الطرف الآخر على أنها دفعة أولية مما سيحصلون عليه يوم القيامة، لن يكون هناك احتمال لحل النزاع، بغض النظر عن الصفقة التي يتفق عليها الساسة بينهم.

---------------------------

*مايكل غولدفارب مراسل واسع النطاق في الشرق الأوسط، وقد غطى إيرلندا الشمالية خلال تسعينات القرن الماضي لمحطة الإذاعة العامة الأميركية.

تقوم خدمةCommon Ground الإخبارية بتوزيع هذا المقال الذي يمكن الحصول عليه من الموقع www.commongroundnews.org.

مصدر المقال: الانترناشيونال هيرالد تريبيون International Herald Tribune، 17 كانون الأول/ديسمبر2007

www.iht.com

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

-----------------

نشرنا لهذه المقالات لا يعني أنها تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً أو جزئياً


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ