ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 18/02/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

المشروع الإيراني بين القومية والمذهبية ..

ولكن كيف نتعامل معه؟!

بقلم: محمد فتوح*

ربما لا تكون الأرقام في مسألة التشيع (أو التشييع) مهما جرى التقليل من حجمها ذات مغزى كبير، لأن الأساس هنا هو الآثار المترتبة على أي مسعى لتغيير التركيبة المذهبية، سواء في سورية أو أي من البلدان العربية أو الإسلامية الأخرى، وبغض النظر عما إذا نجح هذا المسعى أم لم يحقق أي نجاح يذكر. وبصرف النظر عما إذا كان الحديث عن تشيع قرى بأكملها في دول عربية دقيقاً، وهو ما يحاول مفتي الجمهورية في سورية أحمد بدر الدين حسون الذي يطاله هو شخصياً حديث التشيع؛ نفيه باستمرار، فإن تشيع رجل واحد بفعل النشاط والمال الإيرانيين في بلاد يغلب عليها الطابع السني؛ يمكن أن ينظر إليه باعتباره عملاً موجهاً يخدم أهداف من يقف وراءه.

فما بات يُعرف بالمشروع الإيراني في المنطقة يلجأ إلى استخدام حزمة من الأدوات، يُعد التشييع جانباً منها. وبالطبع فإن المال الإيراني هو العنصر الثاني في هذه الحزمة، فهو مصدر الدعم الأساسي لهذا المشروع، وهو يشكل مدخلاً للولوج إلى المجتمعات العربية الأكثر فقراً، لا سيما مع القيود التي فرضت على "المال السني" في ظل قوانين وأنظمة "محاربة الإرهاب" في العالم.

وبينما تختلف النظرة إلى المشروع الإيراني، بين من يرى أن الهدف هو استعادة حلم الدولة الفارسية أو "الصفوية" وهذا يعني انه مشروع قومي - سياسي، وبين أولئك الذين يرون أن الهدف المذهبي – الشيعي هو الأبرز، يبدو - على الأرجح – أن القائمين على السياسة الإيرانية يجمعون بين الهدفين معاً مع الغلبة للبعد القومي، غير آبهين كثيراً بما يقال حول مشروعهم، بل يعملون بصمت لافت، معززين بذلك ما يقال حول وجود جوانب خفية للمشروع.

إن المشروع الإيراني، والذي يمثل "التشييع" إحدى أدواته (أو أبعاده)، يعيد النزاع المذهبي إلى الواجهة ويوقظ مشاعر يعني إيقاظها (وقد بدأ بالفعل) فتنة مذهبية محتمة. وما يغذي احتمالات تفجر الصدام المذهبي هو الشحن المستمد مما يجري في العراق من "حرب داخلية ساخنة" يحاول السياسيون العراقيون نفي وجودها، إلى جانب أحداث "الحرب الباردة" في لبنان (بين الحكومة والمعارضة) والتي تبدو كأنها صراع سني شيعي بالرغم من سعي كلا الجانبين لإبعادها عن هذا المظهر. وفي كلتا الحالتين البارزتين (العراق ولبنان) تبدو إيران محركاً أول لهما وعنصراً أساسياً فيهما.

ولا بد بداية من التوضيح بأن المشكلة لا تكمن أساساً في اختيار المذهب أو حتى تغييره في ظروف طبيعية بعيدة عن الإطار الممنهج، لكن البعد السياسي الذي بات معه الحديث عن "التشيع السياسي" واقعياً؛ يُبعد هذه القضية عن الطابع الديني لتكون المسألة سياسية بامتياز؛ تستدعي معالجة من النوع ذاته، أي دون تحويل ردة الفعل باتجاه البعد المذهبي لـ"التشيع"، بل التركيز على الجانب السياسي لـ"التشييع".

والفصل بين الجانبين الديني والسياسي هنا ضروري لسببين أساسيين: أولهما حصر المشكلة في نطاق ضيق (أي مع السياسة الإيرانية وأصحاب المشروع الإيراني) دون توسيعها إلى مجمل الشيعة، وثانيهما عدم تحويل صراع باعثه الأساسي سياسي إلى صراع مذهبي بين السنة والشيعة. ومعلوم أن أي خلاف أو حتى صراع سياسي يمكن حله على طاولة الحوار، بينما الصراع الديني أو الفتنة المذهبية لن ينتهيا بمفاوضات تقود إلى اتفاقات أو صفقات، فالجانب العقائدي عند عموم الناس أمر غير قابل للتفاوض أو التنازل.

وهنا يحق التساؤل: لماذا لا يذهب الإيرانيون لنشر مذهبهم في بلاد أهلها من غير المسلمين، بل ينشطون في بلاد إسلامية أصلاً لكنها مختلفة في المذهب؟ ولعل الجواب يكمن في أن المشروع السياسي - القومي للإيرانيين يتركز أساساً وبداية في محيطهم الإقليمي، وهذا ما يدفعهم إلى الولوج إلى مجتمعات هذا المحيط الإقليمي لإيجاد موطئ قدم، أو لتعزيز نفوذ قائم (مثلما هو الحال في سورية).

وعلى هذا، فإن مقارنة المشروع الإيراني بالمشروع الأمريكي ليس بالضرورة أن تقود إلى استنتاج أيهما أخطر على المنطقة، بل يكفي أن نعلم أن لكل مشروع أهدافه ووسائله، وبالتالي ليس هناك من داع للدخول من جدال حول أي من المشروعين تجب مقاومته وأي منهما ينبغي التجاوز عنه. وفي الواقع، ليس هناك من مشروع إقليمي صديق وآخر عدو، فأي مشروع ينطلق من خارج البيئة المحلية والوطنية هو مشروع خارجي، بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى التي يُختلف عادة في تقييمها تبعاً للخلفيات السياسية والأيديولوجية للأطراف المختلفة.

وإذا كان المشروع الأمريكي واضح في معالمه وأهدافه، أو على الأقل يعتقد العرب من مواطنين عاديين ونخب أنهم يعرفون أبعاده ومراميه، فإن المشروع الإيراني يتلبس أشكالاً عديدة، بعضها بلباس مذهبي شيعي مثلما هو الحال مثلاً في سورية، أو قومي - فارسي ومثاله العراق، أو حتى مالي واقتصادي مثلما ظهر في الأراضي الفلسطينية مؤخراً. كما يلجأ أصحاب المشروع  الإيراني تارة إلى أدوات محلية لخدمة مشروعهم (مثل حزب الله في لبنان) وتارة أخرى يعتمدون على عناصر إيرانية تدير مجموعات محلية على الأرض (مثل العراق)، وتارة ثالثة عبر رجال دين محليين وإيرانيين ينشطون بغطاء رسمي في القرى والمدن النائية أو المجتمعات الفقيرة مادياً (مثل سورية)، أو دون تنسيق مع السلطات (في بقية الدول العربية).

ورغم ذلك يحاول البعض، سواء ممن لا يأخذون المشروع الإيراني على محمل الجد أو من المنخرطين في هذا المشروع، التصوير بأن الحديث عن التشييع السياسي كأحد أبعاد المشروع الإيراني ضرب من الطائفية، في حين أن السياسة الإيرانية المشار إليها، بوسائلها وأهدافها، هي ممارسة عملية للطائفية وإثارة لها في مجتمعات عربية محافظة تتصف عادة بأنها ذات حساسية بالغة إزاء القضايا الدينية والمذهبية.

وإذا كان - كما يقال - من حق الإيرانيين أن يخدموا مصالحهم بشتى الطرق المتاحة لهم، فإن من حق الأطراف الأخرى (إن لم تكن الحكومات فالمجتمعات وقواها الوطنية الحية) أن تعلن رفضها للمشروعات الإيرانية التي تتخذ من أراضيها ومجتمعاتها منطلقاً وساحة لها.

ولذلك كان موقف غالبية القوى الوطنية في سورية – مثلاً – تجاه السياسة الإيرانية فعلاً سياسياً بامتياز، ولم يكن ضرباً من الفرز الطائفي – المذهبي بالتأكيد، بل إن مواقف المدافعين عن المشروع الإيراني هي التي تنحو هذا المنحى. وما يعزز هذا القول أن مواقف متشابهة (في رفض المشروع الإيراني والتحذير منه) اتخذت من قوى تتراوح بين اليسار واليمين على امتداد الطيف السياسي السوري، بما في ذلك العلمانيون.

لكن اللافت حقاً هو أن ترى الحكومة السورية في وقوف القوى الوطنية السورية في وجه المشروع الإيراني (بالتوازي مع وقوفها في وجه المشروع الأمريكي في المنطقة) ضرباً من الإشاعة للفتنة المذهبية، في حين أن السلطات السورية لا تكف عن منع أي نشاط للتيارات الإسلامية الأخرى، مثل السلفية، في ذات الوقت الذي تغض فيه الطرف عن النشاط الإيراني المتمثل أساساً بنشر التشيع، بل وتدافع عنه، بنفي وجوده علناً وبتقديم التسهيلات له أو غض الطرف عنه على الأقل؛ سراً .. ربما لأسباب متعلقة بالتحالف بين دمشق وطهران، دون استبعاد افتراضات أو احتمالات أخرى!!

وأخيراً، نكرر القول: ليكن الحديث عن المشروع الإيراني سياسياً، وليكن النظر إليه بوصفه فعلاً سياسياً - قومياً يستخدم التبشير بالمذهب الشيعي وسيلة، وربما – على الأرجح - ليس هدفاً نهائياً.

*باحث ومحرر في معهد الشرق العربي في لندن

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ