ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/01/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

الحالة الأندلسيّة والحالة العربيّة

بقلم: محمد علي شاهين

لنقرأ الحالة الأندلسية التي آلت إليها أحوال الخلافة الممزقة قبل سقوطها المريع، في أيدي (أمراء الفتنة) حيث حكم بنو جهور قرطبة، وبنو ذي النون طليطلة، وبنو عباد إشبيلية، وبنو زيري غرناطة، وبنو هود سرقسطة، وبنو الأفطس بطليوس، والعامريون بلنسية، سوى المدن والأقاليم التي أعلنت استقلالها ممالك أو إمارات أو دولاً، متنافسة ومتناحرة متحاسدة، مترامية على أقدام نصارى الشمال الطامعين، مصابة بالانحطاط والضعف، تستمد وجودها بالدعم الخارجي، ودفع الجزية لهم .

أمراء الفتنة هؤلاء مزّقوا الدولة، وخضعوا لملوك القوط النصارى، وجبوا لهم الأموال، وسلموهم الحصون، وتنازلوا لهم عن الأراضي، وكانوا أحرص الناس بسبب قصر نظرهم، وقلة عقولهم، وضعف دينهم، على بناء القصور، والإسراف والبذخ والترف، وعلى النزاع والخصام، ولم يكونوا متحدين في صراعهم ضد المسيحيين، عاجزين عن إقامة جيش قوي قادر على حماية ديار الإسلام، وصيانة أعراض المسلمين .

واستعمل ملوك الطوائف العسكر المسيحي المأجور، لقتال إخوانهم من عرب الأندلس، وأقاموا مع طغاة الشمال علاقات مودة وتحالف وصداقة، وأرسلوا لهم الهدايا والسفارات واشتروا ودهم بالأموال، وأطمعوهم ببلاد المسلمين، حتى تسلّط القشتاليون على المسلمين وعبثوا في بلادهم يقتلون ويأسرون، ويستهلكون الأموال، وينتهكون الحرمات، كما حدث بين مظفر ومبارك صاحبي شاطبة وبلنسية، وابن الناصر والموفق صاحبي شلب ودانية .

ولا نعفي من المسؤوليّة التاريخيّة أهل الأندلس، الذين تنافسوا في النعيم والعيش الخصب، وسكنوا إلى الدعة والراحة، وضعفت العصبيّة والبسالة عندهم، بسبب البطنة والاستكثار من الأقوات واستجادة المطابخ، والعكوف على الشهوات، ونشأ جيل من الأبناء ترفّعوا عن خدمة أنفسهم، وتركوا الدفاع عن دولتهم إلى المرتزقة والأجراء، وتكاسلوا عن الغزو.

يقول الدكتور أحمد شوكت الشطي: لم يطرد العرب من الأندلس نتيجة نقص الكفاءات والإقدام والشجاعة والمروءات، بل كان سببه تفرق كلمتهم، وتشتت آرائهم، والأنانية التي سيطرت عليهم، وإن من يتقهقر بهذا السبب، ولا يجد سبيلاً لإحلال الوئام بين عناصره، محل الخصام، لا يثير مصرعه أسى في النفس، ويتعرض لأن تلعب به المطامع والأهواء .

وفشلت الحلول القمعيّة في الأندلس، وعجز الحكم بن هشام عن فرض هيبة الدولة بالقوة على حساب الانسجام الاجتماعي، والأخوة الإسلامية القائمة على المساواة والعدل، وارتكب عهده أخطاء فادحة تمثّلت في مذبحة عمروس، والتنكيل بأهل الربض، وهما جريمتان كبيرتان لا يمكن تبريرهما.

ولمّا شعر أمراء الفتنة بالحاجة إلى الوحدة المركزية تحت راية الخلافة، تداعوا إليها لكن أحداً من هؤلاء المتنافسين على حمل الراية ما كان يستطيع التنازل عن عرش السلطة عن طيب خاطر، إلا إذا خدم مشروع الوحدة طموحه السياسي، حتى قال أحد المتنافسين على خلافة قرطبة إسماعيل بن ذي النون: والله ما أولي غير نفسي.

وكانت النتيجة أن وقّع أبو عبد الله الصغير مع فرناندو اتفاقيتين مذلّتين بما يؤكد ويضمن بدينهما وشرفهما الملكي القيام بما تحويه هذه المعاهدة، إحداهما سريّة والأخرى علنيّة، أما السريّة فكانت تتضمن: استعداد أبي عبد الله لتسليم غرناطة والحمراء وحصونهما إلى الإسبان، مقابل بعض المزايا والمنح له ولأفراد أسرته وحاشيته .

أما المعاهدة العلنية، فإنها تتناول مصير السكان المسلمين، ومصير أموالهم، وأوقافهم، مع احترام حقوقهم الدينية، والسماح لهم بالاحتكام إلى شريعتهم، وألا يرغموا على اعتناق النصرانية، وحقهم في البقاء في المملكة الإسبانية كمدجّنين، أو النزوح بأموالهم المنقولة إلى حيث يرغبون.

ولكن من يضمن تنفيذ هذه المعاهدات التي بقيت حبراً على ورق؟

ووجدها القشتاليون فرصة سانحة فاستخدموا سياسة الأرض المحروقة لتسريع سقوط المدن المحاصرة، فكانوا يهدمون بيوت الفلاحين، ويسلبونهم مواشيهم، ويحرقون الزروع، ويقطعون الأشجار المثمرة، ويخربون المشاريع المائية، ويحولون دون وصول الماء والطعام عبر الأسوار إلى عرب الأندلس، وذلك بقطع طرق التموين، حتى يستسلموا مضطرين .

ولنقرأ الحالة العربيّة والإسلاميّة في مطلع العام الجديد وقد مضى على دخول القرن الحادي والعشرين سبع سنوات عجاف، عجز العرب والمسلمون عن تحقيق أي شكل من أشكال التضامن أو الوحدة أو الاتحاد على غرار الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، ولم تلب جامعة الدول العربيّة ولا المؤتمر الإسلامي، طموحات أمّة العرب والإسلام.

واحتل العراق وصدر قرار تقسيمه، وعجز نظام الحزب الواحد عن حماية الوطن من العدوان الخارجي، والاحتلال الأجنبي، وحماية ثروة البلاد من النهب والاستغلال.

وعجزت الدولة القطريّة عن تحقيق أمنها الوطني وأمنها الاقتصادي، وأمنها الاجتماعي، ولم تتحرّر أرضها المحتلّة منذ عشرات السنين، وخضعت للإملاءات الخارجيّة، وخطط الطريق.

واستيقظ الحس الطائفي والقومي والعشائري في عالم التجزئة العربي، وكنّا نعيش حالة انصهار قلّ نظيرها بين أبناء القوميّات، ولم يكن فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى.

وارتفعت الحدود والسدود الترابيّة والأسلاك الشائكة بين الأقطار الإسلاميّة، وزرعت بينها حقول الألغام، وكانت أمتنا تنعم بحريّة التنقّل والتجارة وطلب العلم، بين المدن والأمصار في دولة مترامية الأطراف، في مشهد رائع وصفه صاحب أحسن التقاسيم بقوله: فمن كان يطلب الدارين قيل له بيت المقدس، وإن كان مخلصا آمنا من الطمع قيل مكة، وإن كان ممن يطلب النعمة والحيازة والرخص والفواكه قيل له كل بلد أجزاك، وإلا فعليك بخمسة أمصار: دمشق، والبصرة، والري، وبخارا، وبلخ، أو بخمس مدائن: قيسارية وباعيناثا وخجندة والدينور ونوقان، أو بخمس نواح: الصغد والصغانيان ونهاوند وجزيرة ابن عمر وسابور، فاختر ما شئت منها فإنها منازة الإسلام، وأما الأندلس فيقال إنها جنات، ومستفاض جنات الدنيا أربع: غوطة دمشق، ونهر الابلة، وروضة الصغد، وشعب بوان، ومن أراد التجارة فعليه بعدن، أو عمان، أو مصر .

وازدادت الهوّة بين الفقراء والأغنياء على حساب الطبقة الوسطى، وظهرت فجأة قطط سمان، وعائلات تملك المليارات وترفع شعار الإشتراكيّة، وانهارت العملات الوطنيّة، وبقيت رهينة الدولار واليورو، وخضعت لشروط البنك الدولي وإملاءاته، واستحكم الغلاء والوباء، وازداد الجشع والاحتكار، وانخفض مستوى دخل الفرد، وارتفعت معدلات التضخّم، البطالة، وهاجرت العقول والأيدي الماهرة، واستفحلت أزمة المواصلات، وأزمة المساكن، وأزمة الرغيف، ودفعت الأسرة ثمن هذه التناقضات.

ولم تتحرّر إرادة شعوبنا المسحوقة من ربقة الأنظمة الفاشيّة والقمعيّة، وكانت قضايا حقوق الإنسان في حالة يرثى لها، وتعرّض السلم الداخلي أكثر من مرّة في عدد من دولنا المسلمة للتهديد بسبب تمسّك ضابط عسكري بكرسي السلطة وإصراره على توريثه لأبنائه وأصدقائه.

وكسدت سوق الآداب والفنون والصحافة، وركد ميدان الثقافة والطباعة والنشر، وجمد الفكر، وصدأت العقول، وقل عدد القرّاء، ونفق سوق الأدعياء والمتفيهقين.

وتحوّلت البطولة من ساحات الوغى إلى ملاعب الكرة، وسباقات الهجن، وكان المحسن والمسيء عندنا بمنزلة واحدة.

إنّ لله في الأمم سنناً لا تتبدّل ولا تتغيّر، وأنّ من سنن الله تعالى في الأمم والشعوب أنّه من عمل سوءاً يجز به، وأنّه إذا اختل أمرهم أتاهم عدوّهم من حيث لم يحتسبوا، وسلّط عليهم من لا يخافهم ولا يرحمهم، وأنّ الظلم من أكبر عوامل سقوط الحضارات، وأنّ آفة الحضارات الجانحة الفساد، وأي فساد أكبر من تألّه الأقوياء وذل الضعفاء.

وقديما زحف الفرنجة إلى بيت المقدس لمّا اختلّ أمر العبيديين فملكوه، وملكوا معه عامة ثغور الشام، وزحف التتار فملكوا بغداد وسائر المشرق العربي، وزحف الاستعمار إلى مشرق الوطن ومغربه فقسّمنا على مائدته بالسكين كقطعة الجبن، وهذه آثاره ماثلة أمامنا.

يريدوننا أن نلغي علم الاجتماع الديني، الذي يستخلص سنن التقدم والتخلف، والنهوض والانحطاط، والقوة والضعف في الأمم والحضارات والدعوات من مناهجنا ليحرمونا من الاستفادة من الدروس والعبر.

وستبقى الحالة الأندلسيّة درساً في السياسة لا ينسى، وشمساً لحضارة لا تغيب، وكل عام وأنتم بخير.

وطوبى للغرباء

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ