ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 11/02/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

الاستدعاءات الأمنية وثقافة الرعب!

الطاهر إبراهيم*

لا نريد أن نضع الدول العربية في سلة واحدة ونزعم أن جميعها دول بوليسية، لا تتعامل مع مواطنيها إلا بالأسلوب الأمني. وتحصيل حاصل أن الدول العربية ليست واحة للحرية لا يكاد يظلم فيها مواطن. فبعض هذه الدول –وإن لم تكن هي الأغلب- تركت بينها وبين حرية مواطنيها مسافة نادرا ما تتجاوزها طالما أن المواطن لم يتجاوز الحدود التي تحكمها قوانين وأعراف تلك الدول المنظمة لعلاقة المواطنين بعضهم ببعض، أوعلاقة المواطن مع سلطات الدولة التي ينتمي إليها أو يعمل يقيم فيها. وحتى الدول التي تحترم القوانين التي سنتها، تختلف –باحترامها لهذه القوانين- بين دولة وأخرى من حيث وقوفها المنضبط عند حدود حرية المواطن. حيث أن هوامش الوقوف يختلف بين دولة وأخرى. 

وغني عن الذكر أن دولا عربية تعتبر أن أي هامش من الحرية هو نوع من الفلتان الأمني لابد من ضبطه، حتى أن مقولة "كل مواطن خفير"، التي أطلقت أيام الوحدة بين سورية ومصر كانت –وما زالت دول تحرص على هذه المقولة- تعني أن كل مواطن هو عنصر مخابرات على جاره في الحي أوفي العمل أو حتى على أقربائه، "وكله بثمنه". وحتى نكون منصفين فإن بعض الدول يعيش فيها المواطن ويموت وهو لا يعرف أن هناك أجهزة أمن في بلده، فما زارها وما زاره أحد منها لأنه "كافي خيره وشره".

وحتى نكون واقعيين أيضا، فلا يوجد أي دولة في العالم، -والدول العربية من باب أولى- تنعدم فيها مراقبة مواطنيها والمقيمين فيها، لأن الناس يختلفون في احترامهم للقوانين وفي حسهم الأمني الذي يجعلهم يقفون عند حدود ينبغي أن يقفوا عندها، فلا يتجاوزوا حدود ما حرم الله، أو حدود ما يحظره القانون.

لسنا هنا في وارد تحديد مدى انضباط هذه الدولة أو تلك بما تنص عليه حقوق الإنسان، فإن هذا الأمر يتفاوت بين دولة عربية وأخرى، للدرجة التي تجعل مواطني بعض الدول العربية يغبطون المواطن المصري، -رغم ما يجري من اعتقالات بالجملة والمفرق في صفوف الإسلاميين بين، فترة وأخرى، وإحالتهم إلى القضاء المدني، وأحيانا إلى القضاء الاستثنائي- لأنه على الأقل يوجد في مصر هامش –ولوضئيل- من الحرية، وقضاء مدني غير مسيس، وقانون يسمح –ولو جزئيا- بالتظاهر السلمي.

لن أقف كلامي هنا على مهاجمة الأنظمة التي تركت أسلوب الحوار الحضاري مع شعوبها ولجأت إلى لغة "الكرباج" في الحوار، فقد كُتِب في ذلك الكثير من المقالات. ماأريده هنا هو أن أسجل المشاعر التي تنتاب الإنسان العربي في علاقته مع أجهزة الأمن، وما ينعكس من ذلك على نفسه أو أسرته من قلق واضطراب يجعل هذا الإنسان الذي تستدعيه أجهزة الأمن للمثول أمامها، يعيش وأسرته، وكأنهم على حافة هاوية لا قرار لها.

كما لن أتكلم هنا عن أساليب التعذيب المتبعة في سبيل الحصول على الاعتراف الذي يسعى له عنصر الأمن، وقد لا يكون هناك أي اعتراف حقيقي، وما قاله تم تحت الضغط والإكراه ،تخلصا من أهوال التعذيب. فقط أريد هنا أن أجعل القارئ يعيش في جو الاستدعاء الأمني وما يخلفه من القلق والاضطراب النفسي عند مواطن تزوره في بيته "دورية" من عناصر الأمن ،خصوصا إذا كان ذلك عند الفجر، فتقرع عليه باب داره قرعا عنيفا ترتج له غرف البيت ،ويتجاوب صدى ذلك القرع خوفا وفزعا وهلعا في نفوس الأهل صغارا وكبارا، ثم تمتد أعناقهم نحو الباب وكأن الزائر هو ملك الموت جاء يقبض عميد أسرتهم.

أما إذا كان المسكين يسكن في دار عربية يطل بابها على شارع ضيق أو زقاق، فإن أبواب جيرانه تفتح دفعة واحدة للاستيضاح عن هذا الأمر! فيأتيهم صوت "الرقيب" آمرا وزاجرا، فتنغلق الأبواب دفعة واحدة كما فتحت دفعة واحدة. ومن دون أن يُترَك له وقتٌ يستوضح فيه عما يريدون، يجر المسكين من بيته بين نظرات أطفاله وشهقات زوجته المكتومة، وهو بين أيديهم يقتادونه كأنه خروف العيد ذاهب إلى المسلخ.

في مكان عمله، يأتيه من يطلبه إلى غرفة رئيس الدائرة، يطرق باب الإدارة مستئذنا بأدب، فيجد إلى جانب المدير اثنين أو ثلاثة، لم يرهما من قبل. ويفهم من المدير أنه مطلوب إلى فرع "كذا"، وأن الأمر لا يعدو بعضَ الاستفسارات لبضع ساعات حيث سيعود من هناك إلى بيته. ثم لا يمهلونه إلا لدقائق يعود فيها إلى مكتبه ليأخذ بعض حاجياته، ويذهب معهم ثم لا يعود ربما إلا بعد عدة سنوات، هذا إذا عاد.

من اعتقل وأطلق سراحه أو استدعي مرة أو مرات للتحقيق معه، ويسكن في بيت بعيد عن الشوارع التي تكثر فيها حركة السيارات، تراه يستيقظ عند وقوف سيارة مع بقاء محركها  يدور، وهو يخشى أن تكون سيارة "دورية" الأمن جاءت تأخذه إلى بيت "السعادة"!.

من اعتقل ثم أطلق سراحه بعد بضع سنين يؤخذ عليه تعهد بأن يراجع الفرع الذي اعتقله ثم أطلق سراحه، كل شهر أو كل شهرين. في غالب الأمر إن هذه المراجعة قضية روتينية ، وكأن ما يراد منها هو إبقاؤه في جو نفسي معين. ومع ذلك فهو يتأقلم مع هذه المراجعات ،ولا تعود تشكل لديه ذلك القلق النفسي الذي استشعره في المرة الأولى أو الثانية.

لكن ماهو ليس بروتيني ذلك الاستدعاء الذي يأتيه على غير مألوف العادة. وغالبا ما يكون الأمر بسبب مقال كتبه (معظم الذين دخلوا السجون تخرجوا منها كتابا وشعراء ومترجمين،  وتركوا مهنة الطب أو الهندسة التي أمضوا في دراستها عقدين من الزمن أو أكثر. بعضهم       يجمع إلى الكتابة أمراضا تستعصي على الأطباء)، ولعل ما جاء في المقال لا يعدو مطالبة خجولة بهامشٍ من الحرية للمفرج عنهم من أجل الحصول على جواز سفر ليغادروا القطر للاستشفاء. وقبل أن يعرف سبب الاستدعاء يُترك لينتظر ساعة أوأكثر أو أقل خارج غرفة مكتب المحقق، وهو يضرب أخماسه بأسداسه، لايعرف سببا لاستدعائه، وهل سيترك ليعود إلى بيته، أم سيقاد مرة أخرى إلى حيث لا يدري؟

البعض يتساءل لمَ هذا الخصام بين الحاكم والمحكوم؟ أو ليس الحاكم والمحكوم من طينة واحدة وأبناء وطن واحد ويعيشون في دولة واحدة؟ وكم هي التكاليف التي يمكن توفيرها لو أن المحبة والثقة سادت بدلا من هذا الفصام النكد؟

*كاتب سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ