ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 26/12/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

التغيير السلمي في سوريا

للخلاص من الطاعون البعثي

بقلم خالص جلبي

مع الاعتقالات الجديدة في سوريا وتقديم العشرات إلى قاضي الفرد العسكري في دمشق لقيامهم بمظاهرة سلمية، يقوم أبطال قديسون في سوريا بمحاولة تغيير عميقة في الضمير، بتبني الأسلوب السلمي في التغيير، وهم رواد النهضة الحقيقيون...

العالم العربي برمته يحتاج للتغيير مثل أي بيت عتيق متهالك فإن لم يصلحوه سقط على رؤوس الناس، والتغيير آت مثل تبدل المناخ في الطبيعة فهو قدر مقدور لا يرد، وسوريا لا تخرج عن هذه القاعدة، ومن لا يغير ما بنفسه فإن قوانين التاريخ جاهزة لتغييره. ومن يغفل عن سنن الله فإن سنن الله لا تغفل عنه.

وينفع في هذا الصدد تذكر دروس التاريخ فشاوسسكو حاكم رومانيا السابق كان في زيارة لطهران وكان إعصار التغيير يجتاح كل أوربا الشرقية؛ فبعد خرق سد برلين تدفقت الحريات مثل يأجوج ومأجوج فهم من كل حدب ينسلون. وسأله صحافي يومها عن احتمالات التغيير في رومانيا فأجاب: نعم هنالك تغيرات فيما حولنا ولكن من يجهل رومانيا يظن أن التغيير قادم إلينا، وأنا أقول لهؤلاء أن النظام في رومانيا لن يهتز وإذا أنبتت شجرة الحسك تينا فقد يتغير النظام عندنا.. كان الرجل يتحدث بوثوقية وصلابة عقائدية كعادته.. وبعد هذا الكلام بأسبوع كان شاوسسكو قد رحل عن الدنيا قتيلا ولم يعثر له على قبر.

وما حدث في رومانيا مصبوغاً بالدم لم يكن كذلك في تشيكوسلوفاكيا التي انفصلت في عملية قيصرية بدون قطرة دم واحدة. ولا في أوكرانيا، وكان أعجبها صربيا حيث تعاون الضغط العالمي الخارجي مع المظاهرات السلمية الداخلية في فك النظام وإرسال سلوبودان إلى العدالة.

وهذه الحمى انتقلت مثل نسيم الربيع العليل على مناطق شتى في العالم حتى داعبت أرز لبنان، بعد أن مضى الحريري إلى ربه وجاء ملك الموت الألماني (دتليف ميلس) فقبض روح غازي كنعان كوجبة أولى.

وهذا التغير السلمي يلف بجناحه كل العالم اليوم، ويزداد أتباع جيش اللاعنف بدون توقف وينتصرون بأيدي عارية بدون سلاح، وينهزم جيش العنفيون مع كل السلاح على مدار الكرة الأرضية.

وأذكر من كتابي (في النقد الذاتي ـ ضرورة النقد الذاتي للحركات الإسلامية) الذي نشرته قبل 23 سنة عام 1982م كيف أنني أثرت الموضوع من تبني اللاعنف وسيلة للتغيير، وفصل هذا الموضوع عن الجهاد المسلح وبكلمة أدق القتال في سبيل الله، وأن الأخير هو دعوة لإقامة حلف عالمي لرفع الظلم عن الإنسان أينما كان ومهما دان، فهذا هو حلف الفضول العالمي الذي قال عنه رسول الرحمة لو دعيت له في الإسلام لأجبت.

أمام السوريين ثلاث نماذج على الأقل في طريقهم إلى المستقبل فليختاروا:

ـ فإما كانت العراق والفوضى حتى حين، ورؤية صدام يعرض على الشاشات العالمية في عزة وشقاق، ثم مشنوقا معلقا بحبل مجدول بعناية بيد الطائفيين، وهم يكبرون يوم التكبير فيذبحونه مثل كبش أملح، كما فعل حاكم العراق السفاح من قبل زياد بن أبيه، فعمد إلى التضحية بالجعد بن درهم يوم الأضحى. واحتفل الأمريكيون به مثل ديك الحبش في يوم الشكر. وصدام ليس مثل الجعد بن درهم، وبوش لن يعدو قدره، والطائفيون ستطويهم صفحة التاريخ، وكلهم ذراري الشيطان في الحقد والعرقية والطائفية والعنصرية البغيضة السرطانية.

ـ وإما مذابح راوندا والتوتسي والهوتو.

ـ وإما كانت الطريقة الحضارية على النموذج التشيكي فلم يخسر أحد وربح الجميع.. وإما رحلة إلى المجهول ..

إن الأنبياء الذين كانوا يخاطبون أقوامهم كانوا يكررون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، ونموذج النبي يونس يقول أنه رجع إليهم ورفع عنهم العذاب، فلا يشترط في القدر السوري أن يكون حافلا بالدماء مثل المصير العراقي، وربما كانت سيكولوجية الشعبين متباينة على الطريقة التي شرحها عالم الاجتماع العراقي الوردي.

أقول هذا الكلام وربما نُبش قبر كنعان على يد ملك الموت الألماني ميلس، وربما خرج تقريره بإدانة أو براءة، أو تلفيقة سياسية، أو نامت القضية واستبدلت بمحققين جدد، على كل هذا ليس مهما وليست المشكلة هنا، ولكن المشكلة أن سوريا تعيش وضع النظام الشمولي، الذي انتهت صلاحيته مثل المعلبات منذ أيام ستالين وبريجينيف، ومن لم يغير نفسه فإن قوانين التاريخ كفيلة بذلك. كان ذلك في الكتاب مسطورا.

إن كل المؤشرات تقول بحدوث التغيير مثل اخضرار الطبيعة وتفتح البراعم في الشجر وظهور الزهور وشقائق النعمان في الجولان وطيران النحل، فالقنوات الفضائية تنقل، والناس تجرأت على الحديث وينكسر حاجز الخوف والصمت كل يوم في مؤشر صحي، وليس المهم أن نتكلم فاحشاً من القول وزورا ونفرغ شحنة الكراهية التي في صدورنا، بل أن نقول القول المسئول بكل حب وحرص كما كان يقول الأنبياء لأقوامهم: يا قوم إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم. 

وما يحتاجه المجتمع السوري هو الحب الذي يبني ويرمم فليس مثل الحب قوة قاهرة ناعمة كما يقول ذلك ابن حزم الأندلسي في كتابه طوق الحمامة في الألف والإيلاف فالحب قوة تدمج كل حبيبات الكون وتتجمع كل  الجزيئات دون الذرية.   

ومن الضروري على السوريين الاتعاظ بنماذج التاريخ، وشق طريق سلمي للمستقبل فهو خير وأبقى، ويبدو أن الجو تخمر ما فيه الكفاية عند كل الأطراف لهذا التغير، فلا يستأثر بالأمر فريق دون غيره، والمعارضة في سوريا بسبب الكساح الطويل والاضطهاد المعمق المتلاحق هي حاليا مثل الكسيح الذي يتعلم المشي أو المصاب بسكتة دماغية فهو يتمرن على النطق، فيتاتأ ويتعثر في المشي.

وعدم نضج المعارضة يحمل خطرا على التغيير السريع المفاجيء مثل المشلول الذي يريد ممارسة الجمباز ويدخل مباريات الأولمبياد، والتاريخ يعمل وفق قوانينه، ولينين فوجيء باندلاع ثورة بطرسبورغ، وموت عشيقته الفرنسية عجل بموته ووقوع تفاحة السلطة في يد رجل لا يرقب في أحد إلا ولاذمة فأدخل روسيا في نفق طال سبعين سنة، وسوريا دخلت نفقا دام أربعين سنة فتراجعت عن المركبة العالمية أربعين سنة، ودراسات باول كيندي في كتابه التحضير للقرن الواحد والعشرين تظهر ارتفاع دخل الفرد في كوريا الشمالية 13 ضعفا في ثلاثين عاما، وبقاء ذلك للفرد الغاني في حدود 300 دولار لم يتزحزح في ثلاثين سنة، وهي النكبة العارمة التي أصابت السوريين أيضا، يعرف ذلك السوريون من دخل الفرد في الستينات والآن من القوة الشرائية لكيلو غرام الواحد من اللحم.

وعلينا نحن من يدعو إلى اللاعنف أن ندعو إلى دار السلام وليس إلى الانتقام، فدورات العنف مغلقة، ودورات الحب مفتوحة، والعنف مدمر، والحب يبني، والكراهية نفي للآخر وتسميما للذات، والحب حرص على الآخر واندماج فيه وحزن كبير على فقده.

وأنا أكتب هذه الأسطر أشعر بالحزن العميق لموت داعية اللاعنف ليلى سعيد زوجتي التي مضت إلى ربها  وقلبها يفيض بالسلام والحب لكل الخلائق، وكانت تقول: هل تريد أن تتحرر من الخوف ؟ عليك إذن بالسلام. فمن امتلأ قلبه بالحب لم يعد يخاف قط، ومن آمن كانت له الأبدية، وهذه المشاعر ليست أوهاماً بل هي أعظم العواطف عند الإنسان، والعقل لا يتحرك بدون وقود، والوقود هو العواطف، وهي الدورة المخية التي كشفها جوزيف دي لو كما أشار إليها صاحب كتاب الذكاء العاطفي دانييل جولمان.

يذكر التاريخ أن الملك آشوكا (آشوكا فارذانا) اعتلى عرش الهند عام 273 قبل الميلاد كان في غاية القسوة والبطش وكانت الهند مملكة عريضة تضم كل الهند الحالية ماعدا مناطق التاميل في الجنوب بالإضافة إلى بلوشستان وأفغانستان. وكان ملكاً جباراً يحكم بالحديد والنار مثل سائر الطغاة في التاريخ. ومما فعله أن بنى سجناً رهيباً شمال العاصمة أطلق عليه الناس (جحيم آشوكا). وكانت تعاليمه أن من دخله لم يخرج حياً. وفي يوم أخبره السجان أن راهباً بوذياً ألقي في القدر المغلي فلم يصب بأذى. هكذا تقول الأسطورة فهرع الإمبراطور ليطلع على أمر الراهب فوجد ذلك حقيقة. فلما أراد الانصراف منعه السجان بقوله تعليماتك يا سيدي ننفذها حرفياً فمن دخل خرج ميتاً ولن تشذ أنت عن القانون. نظر آشوكا إلى السجان بعجب وغضب ثم أمر أن يلقى في القدر المغلي فمات مسلوقاً مثل الدجاج. هكذا تقول الرواية ويجب أن نعمل الخيال حتى ننزل بالوقائع إلى عالم الحقيقة. ولكن الأساطير تحرك الخيال والشعوب وتصنع المثال؟ وتقول الرواية أن الملك رجع إلى قصره في ذلك اليوم وهو يعصر دماغه لفهم ما رأى فلم ينم ولم يخرج عليه الصبح ألا وقد انقلب على عقبيه وسيطرت عليه الرحمة للعباد. فأمر أول شيء بهدم سجن الجحيم كما فعلت الثورة الفرنسية مع سجن الباستيل. ثم أصدر أوامره بالكف عن الحرب. وبدأ في حملة بناء المدارس والمشافي بما فيها مستشفيات للحيوانات. وهكذا كفت طبول الحرب عن القرع ونطق القانون كما يقول المؤرخ الأمريكي (ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة). واعتنق مبدأ الطريق ذو الحكم  أو (المراحل الثمانية) التي تقول كما جاء في كتاب (الحكماء الثلاثة) لـ (أحمد الشنتاوي) إن هذا الطريق يتألف من المراحل التالية:(الآراء القويمة والأهداف الصحيحة والقول السديد والأفعال الصالحة والمعيشة الصحية والمجهود المكافيء والذاكرة بتركيز ملائم والتأمل الباطني) وهذه المراحل تؤدي إلى التنوير الكامل. وبدأ يعيش ببساطة وبنى 48 ألف مركز ثقافي للبوذيين وأرسل اعتذارا عجيباً لقبيلة (كالنجا) عن الحرب والسلب معهم. وأعاد إليهم أراضيهم وعوضهم عن خسائرهم. وأنا أتعجب من هوليوود وسخفها في إنتاج الأفلام لماذا لا تنتج أفلاماً من هذا النوع أو كما جاء في قصة مليكة بنت أوفقير فيجمعون بين الحكمة والتاريخ والواقع وتهذيب الأخلاق والأسطورة والمغامرة. ولكن أفلام هوليوود هي نتاج ثقافة مريضة. وأمريكا اليوم مريضة كفاية وإنتاجها الأفلامي في معظمه سخف وتضيع وقت اختلط فيه العنف بالجنس والخيانة الزوجية. والمهم فالناس لم تصدق ما ترى وكيف تحول الوحش إلى ملاك؟ وفي الواقع كان آشوكا قد أنقلب جذرياً وآمن بالسلم وسيلة لحل المشاكل بين البشر وكف عن شن أية غارة أو حرب مع الجيران أو داخل بلده. وبدلاً عن ذلك بدأ بنشر تعاليم الرحمة وأوصى موظفيه أن يعاملوا الناس بالحب والمرحمة وأن يعاملوهم مثل أبناءهم. تقول الرواية أن الرجل في النهاية حصل معه كما حصل مع الإمبراطور الفيلسوف (ماركوس أوريليوس) أو قبل ألفي عام مع الفرعون المصري (إخناتون) حيث انهدم كل أثر بعده ورجعت الدولة كما كانت تمارس لعبة السيف والدم. إلى حين ولادة دولة عالمية تمسك مقادير البشر وينضج الجنس البشري ما فيه الكفاية لينعم الناس بالسلام. وأبرز ما ترك هذا الرجل الذكرى العطرة في التاريخ كما أن الفضل في نشر البوذية من سيلان إلى اليابان كانت من أثر هذا الرجل الصالح شاهداً على أثر السياسة في المذاهب. والله أنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره  ورسله بالغيب؟

فهل تستفيد الطبقة الحاكمة في سوريا من هذا الدرس؟ فتبيض السجون وتسرح الجيوش الأمنية وتفكك الحزب القائد كما فعل بوريس يلتسين مع الحزب الشيوعي الروسي، فيصبح خلقا من خلق الله وليس الحزب القائد؟ هل تتصالح القيادة مع نفسها والمواطن؟ وتبني التعددية وتعلن موت الحزب القائد، وتفتح البلد للتعددية والعالمية والبنوك ودخول العصر وبناء طرق قياسية وتشكيل لجان (التأهيل والمصالحة) كما حصل في جنوب أفريقيا؟ هل يتم الاعتذار لأهل حماة والبكاء على ضحايا تدمر فيرفع نصب كبير بأسماء عشرات الآلاف من الذين قضوا نحبهم هناك في عمق الصحراء لم يشهد على عذابهم ومعاناتهم إلا غربان السماء، ويكتب تحت النصب كما كتبت بلدية هيروشيما عن ضحايا القنبلة النووية: لن نعيد هذا الشر أبدا.. أو كما يردد الجيل الألماني الجديد: لن تنطلق حرب جديدة من الأرض الألمانية مطلقا. هل يشكل برلمان فعلي وتعددية سياسية فعلية ويقسم الجميع أن لاعنف .. لاعنف بعد اليوم بل الحب والمصالحة واحترام الإنسان والأرض والمراة والحيوان والوقت والعلم ..

وفي كل هذا خير للجميع ولن يخسر أحد شيئا إلا سموم السلطة والمحسوبية والفساد والرشوة وما يتم لها بنسب، ولا ينكل بأحد ولا نسمع عن أحد قتل أو انتحر أو نحر.. ويدخل البلد في ظل القانون أخيرا بعد هذه الأوديسة السيئة لمدة أربعين سنة مثل تيه بني إسرائيل..

هل تتجرأ القيادة السورية أن تكسب التاريخ فيسجل اسمها في الخالدين ؟؟ أم تكتب اسمها في الأذلين فتتابع الهتافات بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم وإلى الأبد إلى الأبد .. ولا أبدية إلا لله الكبير المتعال

إن هذا الكلام ليس طوباوياً، بل ضرورة، وهو تغير قادم مثل حقيقة الشمس والقمر والموت، ومن لا يتغير هو الموت فقط، لأن الحياة مبنية على التغير وهي الفكرة المحورية في البوذية عن الصيرورة، وهي القانون الأول من قوانين الفيلسوف هيروقليطس الأربعة؛ فالحياة تدفق مستمر وتحول دائم وانتقال متواصل من حال إلى حال وكل يوم هو في شان فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام..

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ