ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 11/12/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

أنابوليسِ: رؤية تحليلية استشرافية

عياد البطنيجي

ayyadalbutniji@hotmail.com

استضافت الأكاديمية البحرية الأميركية في أنابوليس بولاية ماريلاند، الاجتماع الدولي الذي دعا إليه الرئيس بوش لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط والتمهيد لإقامة الدولة الفلسطينية، وإطلاق عملية سلام جادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكلٍ خاص. وعقد المؤتمر في مدينة لها تاريخ طويل يعود إلى منتصف القرن السابع عشر، وهي مدينة  تتمتع بمعالم بارزة في التاريخ الأمريكي. وسميت المدينة بأنابوليس تكريما للأميرة آن وريثة التاج الإنجليزي. وعلى هذه المدينة الواقعة على خليج تشيسابيك، دعت  الولايات المتحدة الأمريكية، وتحت رعايتها، 49 دولة ومنظمة وفرد لحضور مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في الفترة من 26 إلى 28 تشرين الثاني/نوفمبر بأنابوليس، ولاية ماريلاند. فهل تصبح أنابوليس محطة أخيرة في مسيرة السلام في الشرق الأوسط ؟.

     وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية من وراء انعقاد المؤتمر، كما جاء على لسان  الرئيس الأمريكي جورج بوش‏: بإقامة دولتين ديمقراطيتين‏,‏ إسرائيل وفلسطين‏,‏ تعيشان جنبا إلي جنب في أمن وسلام‏ . وكما وقد جاء على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية شان ماكورماك في مؤتمر صحفي وذلك في 20 /11: إن مؤتمر أنابوليس سيكون مؤشراً على دعم دولي عريض للجهود الجريئة للقادة الفلسطينيين والإسرائيليين وسيمثل منصة انطلاق لمفاوضات تقود إلى تأسيس دولة فلسطينية وتحقيق سلام إسرائيلي فلسطيني.  وحسب ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية رايس: أن اجتماع أنابوليس منصة لإطلاق مفاوضات حول جميع القضايا العالقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حتى يمكن دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وأن الاجتماع سيكون منصة لإطلاق مفاوضات جدية ومستديمة ومتواصلة ستؤدي إلى دولتين (إسرائيل وفلسطين) تعيشان جنباً إلى جنب. ‏

بيئة المفاوضات :

جاءت دعوة الرئيس بوش لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط في ظل ظروف جد معقدة، فكلا  الأطراف الرئيسية المشاركة في المؤتمر تعيش أزماتها المعقدة مما تطلب معه الأمر من عقد مؤتمر دولي للتفاوض والتباحث حول أزمات كافة الأطراف الرئيسية المشاركة. ويسعى كل طرف لتحقيق أهدافه وطموحات شعبة، حتى يسترد بها عافيته وقوته أمام شعبه. فلا مشاحة إذن بأن المؤتمر هو حلبة مصارعة الغالب فيها هو من قادر على  المصارعة أي أن في هذا الصراع المستفيد هو الطرف الأقوى .

فالرئيس بوش، منذ غزو العراق وأفغانستان تشهد إدارته تراجعاً. فأزمة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق أضعفت الحزب الجمهوري والإدارة الأمريكية مما دفع الحزب الديمقراطي ليتبوؤ الأغلبية في الكونجرس. وكذلك الفوضى في العراق وتدفق المقاتلين إلى العراق عبر الأراضي السورية، وبالإضافة إلى التقارب الإيراني السوري، مما دفع الولايات المتحدة إلى دعوة سوريا لحضور المؤتمر، وإبعادها عن إيران وحزب الله وحماس. وفشل سياسة التدخل العسكري الذي مارسته إدارة بوش في أفغانستان والعراق. حيث أن حرب العراق أحدثت تحولاً في الرؤية الأمريكية في المنطقة  فالكاتب الكندي جوين باير يتحدث في كتابه "الفوضى التي صنعوها: الشرق الأوسط بعد العراق" يتحدث عن تأثير حرب الولايات المتحدة على العراق فهو يقول :  " لقد أدت تداعيات حرب العراق إلى إصابة الأمريكيين بقدر من الحساسية تجاه الشرق الأوسط وتعقيداته وتجاه دخول الولايات المتحدة في ثنايا قضايا المنطقة. وسوف تواجه الإدارات الأمريكية المتعاقبة صعوبة كبيرة في إقناع الرأي العام بلعب دور كبير هناك"  ويقول أيضاً عن تأثير الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية : " جَرد الولايات المتحدة من الجزء الأكبر من هامش حركتها في المنطقة". فإن حرب العراق جعلت من الأمر الواقع "امرأ مهتزاً بقدر لم يسبق له مثيل".

     هذا بالإضافة إلى الرأي العام العربي. فالولايات المتحدة لم تحظى بمستوى الكراهية الذي يسم موقف الشعوب العربية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذا الحد، فحرب أمريكا ضد العراق وأفغانستان ووسم الدين الإسلامي بالدين الإرهابي، أدى هذا كله إلى تعظيم هذه الكراهية لحدود غير مسبوقة مما دفع الرئيس بوش بتكليف كارين هيوز، مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الدبلوماسية العامة،  بجولة في العالم العربي لتغير صورة أمريكا. وبالطبع فالقوة المستفيدة من هذا كله هي الحركات الإسلامية المعارضة للأنظمة السياسية العربية، فهذه المنظمات الثورية والتي تصفها واشنطن بالمنظمات الإرهابية هي المستفيدة من كل ذلك، مما يدعم نفوذ هذه الحركات في المنطقة، الأمر  الذي تستغله هذه المنظمات لإحداث تغييرات عميقة في المنطقة. وبصرف النظر إذا كانت هذه الرؤية صحيحة أم لا  أو هل  في استطاعة تلك المنظمات فعل ذلك ، فالمهم هو أن الشعوب العربية والإسلامية تنظر إلى تلك القوى على أنها  قوة سياسية  شرعية  هذا بالإضافة تعاطفه  معها بقوة، ذلك ما يُعّرض الأنظمة العربية الحليفة لواشنطن للخطر جراء السخط الشعبي ورفض السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل على حساب الحقوق الشرعية للفلسطينيين، وقيادة الجماعات الإسلامية لهذا الرفض والسخط الشعبي واستغلاله ضد النظام العربي القائم، مما يعرض وجود هذه الأنظمة الحليفة لواشنطن للخطر في المستقبل.   

 وأخيراً أزمة الملف النووي الإيراني وازدياد النفوذ الإيراني في المنطقة. فلا تزال إيران ترفض تعليق تخصيب اليورانيوم ما دفع منظمة لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية ( ايباك)، وهي أقوى جماعة ضغط في الولايات المتحدة وتتمتع بنفوذ هائل داخل الكونجرس والإدارة الأمريكية، من انتقاد  الطريقة التي تتعامل بها واشنطن مع طهران مما شكل نقداً لاذعاً لإدارة بوش. كما وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية إلي إبعاد التأثير الإيراني المتعاظم في المنطقة والتصدي له. كل ذلك يشكل تهديد وتحدي لواشنطن في المنطقة.

 فصدور قرار من الرئيس بوش بالدعوة إلى مؤتمر دولي يأتي إذن في أوج أزمة العراق وأزمة الملف النووي الإيراني  وأزمات الرأي العام الأمريكي، مما دفع الرئيس بوش إلى دعوة لمؤتمر دولي للنظر في تلك القضايا  لإثبات نجاح سياسته في المنطقة أمام الرأي العام الأمريكي والحزب الجمهوري الذي سيخوض معركة انتخابية قادمة..

أما الرئيس أبو مازن فهو الأخر يواجه تحدي لقوته ونفوذه كرئيس حركة فتح ورئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الفلسطينية. فاتفاق أوسلو، والذي هو أحد مهندسيه، لم ينتج عنه قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وذلك في عام 1999 حسب ما اتفق عليه في أوسلو، بل قامت انتفاضة الأقصى. كما ولم  تلتزم إسرائيل بالاتفاقات الموقعة معها ولم تقدم أية استحقاق للفلسطينيين،  بل  زادت الكتل الاستيطانية وتمددت الدولة الإسرائيلية على حساب الأراضي الفلسطينية، وقامت إسرائيل ببناء الجدار الفاصل الذي يعد  أخطر مخططات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، والذي، عندما يكتمل، سيقتطع 46 في المائة من أراضي الضفة الغربية. وهو يضم الأراضي الفلسطينية الأكثر خصوبة وغنى بالماء في الضفة الغربية، وما نتج عنه من أثار اجتماعية واقتصادية سيئة على الفلسطينيين، كان أبرزها تهجير أكثر من 1400 أسرة إضافة لحصار عدد من القرى والبلدات الفلسطينية بين الجدار والخط الأخضر، بجانب عزل عدد آخر من تلك القرى في صورة "كانتونات" وهي تلك المحصورة بين هذا الجدار وما يسمى بـ "جدار العمق" الذي يبنى إلى الشرق منه. هذا بالإضافة الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني منذ تبوؤ حركة حماس المشهد الفلسطيني عبر فوزها بالانتخابات التشريعية الثانية، مما دفع العالم إلى تضيق الخناق على الفلسطينيين عن طريق فرض حصار اقتصادي وسياسي على الشعب الفلسطيني. وعلى أثر ذلك تفاقمت الأزمات الاقتصادية فازدادت نسبة البطالة والفقر وهجرة رؤوس الأموال للخارج. فأصبحت الأراضي الفلسطينية غارقة في بحرٍ من البطالة والجوع واليأس. هذا وبالإضافة إلي التحدي الذي تشكله حركة حماس وكافة قوى المعارضة لنهج الرئيس أبو مازن  وتعاظم قوتها بسبب تراجع الخط السياسي السلمي التفاوضي الذي ينتهجه الرئيس أبو مازن  مقابل قوى التشدد والرافضة للحلول التسووية .

أمام هذا التحدي يذهب الرئيس أبو مازن إلى أنابوليس بحثاً عن انجاز سياسي ينسب إليه والي التيار  السياسي الذي يمثله، في ظل  ضعف القيادة الفلسطينية وتنظيمها الرئيسي الممثل في حركة فتح.‏

أما أولمرت، ومنذ توليه  رئاسة الوزراء، لا يكاد يخرج من مأزقٍ حتى يدخل في مأزقٍ  جديدة حتى أصبح  في دائرة لا يحسد عليها، فمصيره أضحى  معلق.  فهو يذهب إلى أنابوليس وهو مقيد بحدود لا يستطيع التنازل عنها. فكافة القوى والأحزاب السياسية الإسرائيلية، يمينها ويسارها، تلزم أولمرت بالثوابت التي لا يجب أن يحيد عنها، وهي: يهودية الدولة والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وأخيراً دولة فلسطينية حسب الرؤية الإسرائيلية بشرط أن تعترف هذه الدولة بإسرائيل.  كما وأنه لا يستطيع التوقيع على أي اتفاق لا يفضي إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية.  فالقوى السياسية الإسرائيلية دائماً تذكره بأنه مطلوب للعدالة في إسرائيل، هذا بالإضافة إلى الإعلام الإسرائيلي الذي يهاجم أولمرت ويذكره بملفه المليء بالفساد والاختلاسات. فأولمرت إذن ملفه مليء بالجنائيات، الأمر الذي يدفعه بأن لا يحيد ولا يتنازل عما تطالبه الصحف وكافة القوى السياسية وإلا فمصيره السجن لا محالة.  ويرى العديد من المراقبين للشأن الإسرائيلي أن هذه القضايا  ستؤثر على وضع أولمرت المهلهل أصلا، وتربك حساباته على مستوى المفاوضات مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.  وتقول رينا متسليح مراسلة القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي: "لا شك في أن التحقيقات مع رئيس الحكومة تلحق الضرر بعمله، وهذا يؤكده كبار في الائتلاف وحتى في كديما، وهذا يضر بشرعيته الجماهيرية وقدرته على إجراء مفاوضات جدية والوصول إلى انجازات مع أبي مازن (...) وهذا يلحق الضرر بشخصية أولمرت وشعبيته وحتى بين الجمهور الواسع في  كديما ". ويهدف أولمرت من وراء أنابوليس  تقوية وضعه الداخلي  بعد انهيار شعبيته، وإنقاذه من ضعفه الذي لم يبلغ أحد من قيادات إسرائيل إلى  هذا المستوى من الضعف وخصوصاً بعد خروجه من حرب لبنان الأخيرة مهزوماً.

الموقف الفلسطيني:

      انقسم الموقف الفلسطيني من مؤتمر أنابوليس بين معارض ومؤيد. والمعارضون نوعان، النوع الأول: يرفض العملية السليمة برمتها، وهم لا يقبلون بأي صيغة تفاوضية لا ينتج عنها تحرير كامل التراب من البحر إلى النهر. أما النوع الثاني من المعارضين فهم لا يرفضون طريق المفاوضات والتسوية السلمية لكنهم لا يرون أن الظروف ملائمة للوصول لتسوية سليمة عادلة لإنهاء الصراع في ظل سيادة موازين قوى مختلة لصالح إسرائيل.

    فحركة حماس، وهي أبرز طرف استُبعد عن المؤتمر، ورغم استبعادها من المحادثات لا تزال الحركة عنصرا مهما لتحقيق أي تقدم، فهي  ترفض المؤتمر بل طالبت الرئيس أبو مازن أن لا يتوجه  إلى مؤتمر أنابوليس. وهي تنظر للمؤتمر على أنه  يشكل غطاء لتهويد القدس وإسقاط حق العودة وضرب المقاومة الفلسطينية والتطبيع المجاني وبدون مقابل بين الدول العربية والإسلامية  مع إسرائيل. كما أن حركة الجهاد الإسلامي لا تذهب بعيداً عن موقف حركة حماس، فهي الأخرى تنظر للمؤتمر بنظرة توجس وتخوف وأنه لا يقدم أية استحقاقات للفلسطينيين، وهي تنظر للمؤتمر على أنه  مؤامرة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقاومة، وأنه، أي المؤتمر،  لن يحقق أي مصلحة فلسطينية بل على العكس ترى حركة الجهاد  في هذا المؤتمر مظلة لضرب إيران الداعم والممول للمعارضة الإسلامية الفلسطينية ممثلة بحركتي حماس والجهاد الإسلامي.

     أما المؤيدون من الفلسطينيين وعلى رأسهم حركة فتح، وبالرغم من إدراكهم لهذه المخاطرة وما تشكله من تهديد لواقع الضعف الذي يمثله الانقسام الفلسطيني، هؤلاء ينظروا إلى المؤتمر على أنه منبراً يعاد من خلاله طرح القضية الفلسطينية على المستوى الدولي وأحياء الزخم حول القضية الفلسطينية بعد أن اصطبحت مهمشة،  وإعلان التمسك بالحقوق، وأنه لا مجال فيه لإملاء الشروط على الشعب الفلسطيني وقيادته وخصوصاً أن التجربة الفلسطينية أثبتت صمود وصلابة الموقف الفلسطيني خلال مفاوضات كامب ديفيد الثانية والذي ذهب إليها الرئيس الراحل ياسر عرفات وسط مراهنات بأنه سيرضخ للضغوط الأمريكية، ولكنه اسقط كل الرهانات وعاد متمسكاً بالثوابت الوطنية الفلسطينية ولم يسجل أي تراجع أو تنازل، بل على العكس أن هذا الموقف الفلسطيني حقق نقطة في غاية الأهمية حيث أظهرت سقف وحدود التنازلات التي لا يكمن لأحد التنازل عنها، وهي تشكل نقطة  ارتكاز متقدمة يمكن أن يبنى عليه في أي مفاوضات قادمة.

   وعليه فإن هذا التناقض في المواقف الفلسطينية يظهر لنا  أن الفلسطينيين ما زالوا ولغاية الآن يفتقدوا لاستراتجيه سياسيه ثابتة وموحده في مواجهة إسرائيل.

نتائج المؤتمر

      بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت ركزا  على تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية ويهودية الدولة العبرية . وأعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش "التفاهم المشترك" الذي تم التوصل إليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين لإطلاق المفاوضات حول تسوية نهائية للقضية الفلسطينية، وتخطط مسار المفاوضات بشأن قضايا الوضع النهائي الخاصة بالقدس والحدود والأمن ومصير اللاجئين الفلسطينيين . واشترط التفاهم المشترك الذي أعلنه الرئيس بوش تطبيق خارطة، والاتفاق على الانخراط في مفاوضات نشطة ومتواصلة ومستمرة من أجل  التوصل إلى اتفاق قبل نهاية عام 2008.

     أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فإنه  جدد مطالبته بإنهاء الاحتلال، وأبدى استعداده لتنفيذ مطلب خريطة الطريق. وأكد  أن أمامهم ثمانية أشهر سيبذلون خلالها كل جهودهم لتحقيق السلام‏.‏ وأضاف أنه يجب على الإسرائيليين أن يدركوا أن أمام الفلسطينيين والإسرائيليين فرصة‏,‏ وأن علينا بذل كل الجهود الممكنة لاستغلال هذه الفرصة‏، "وأن مثل هذه الفرصة لن تتكرر مرة أخرى ولن يتوفر لها، لو تكررت، ذات الإجماع ونفس الزخم" . وأصر الرئيس الفلسطيني على محورية قضية القدس وأن  " مصير القدس عنصر أساسي في أي اتفاق. نريد القدس الشرقية أن تكون عاصمتنا وأن نقيم علاقات مع القدس الغربية" وقال في خطابه أمام الاجتماع  "إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد تحد للسلام فقط بل نواجه امتحانا لمصداقيتنا جميعا، الولايات المتحدة وأطراف اللجنة الرباعية وكل المجتمع الدولي، وإسرائيل، ومنظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها الوطنية، والمجموعة العربية والإسلامية". وتابع "انه امتحان سيترك آثاره بشكل عميق على مستقبل المنطقة، وعلى العلاقة بين شعوبها من ناحية، وبين القوى الدولية التي تهتم بسلام".

أنابوليس: رؤية استشرافية

      كما قلنا أن البيئة والظروف التي جاء فيها انعقاد المؤتمر هي بيئة مضربة وفي ظل ظروف جد معقدة، وبالرغم من صعوبة التبوء بما سينتج عنه المؤتمر، إلا انه يمكن تقديم انطباع أولي حول ما يمكن أن يفضي إليه من نتائج .

1- انه في ظل اختلال موازين القوى القائم لا يمكن التوقع بأن المفاوضات التي ستجرى بعد المؤتمر يمكن أن تفضي إلى تحقيق  المطالب الفلسطينية كما حددها الرئيس أبو مازن في أنابوليس إن لم تتنازل إسرائيل وتقدم ما عليها من استحقاقات للفلسطينيين، وبالتالي أن تغير إسرائيل من مواقفها المتعنتة. ولكن الوقائع تظهر لنا بأن  إسرائيل لم تغير من موقفها تجاه قضية اللاجئين و يهودية الدولة والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ودولة فلسطينية حسب الرؤية الإسرائيلية . وهذا لا يمكن قبوله من قبل الطرف الفلسطيني، مما يضع عقبة كأداء في طريق استمرار المفاوضات.

2- أن الرئيس محمود عباس في وضع لا يمكن فيه أن يتخذ قرارات صعبة ومصيرية دون موافقة الكل الفلسطيني ودون إجماع كافة القوى السياسية الفلسطينية عليها وخصوصاً حركة حماس الطرف المستبعد في المؤتمر . وكذلك أولمرت فهو الآخر ضعيف محكوم بسقف لا يمكن التنازل عنه، فأولمرت لا يستطع التنازل عن القدس ولا يستطيع قبول حق اللاجئين بالعودة، بل طالب أولمرت من الرئيس محمود عباس بالاعتراف بيهودية الدولة وهو ما يعني رفضه لحق  عودة اللاجئين. 

3-   لا غرو إذن من القول أن الرئيس أبو مازن ذهب إلى أنابوليس بحثاً عن إنجاز سياسي، وهو يأمل إن يحققه وينسب إليه والي النهج السياسي الذي يمثله، والذي هو، أي نهجه السياسي، على المحك الآن فحسب قوله في أنابوليس: "إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد تحد للسلام فقط بل نواجه امتحانا لمصداقيتنا جميعا(...)  أنه امتحان سيترك آثاره بشكل عميق على مستقبل المنطقة" . التساؤل هو لو أنه فشل في هذا الامتحان فماذا ستكون النتائج؟ من المؤكد ستكون تداعياته خطيرة. فالسلطة الفلسطينية- ومنذ زمن- تعاني من مأزقٍ خطير يتمثل في  أزمة شرعية الانجاز، وهي تعني عدم قدرة السلطة الفلسطينية في انجاز ما وعدت به: بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود  1967, وعاصمتها القدس, وذلك في عام  1999 حسب اتفاق أوسلو، وعودة اللاجئين. ولا استطاعت السلطة الفلسطينية أن تكبح العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني . إن هذه الأزمة جعلت الشعب الفلسطيني يعتقد بأن السلطة هي سلطة ضعيفة عاجزة لا حوله لها ولا قوة،  مما يستدعي البحث عن بديل أخر- حماس مثلا -  وهذا افقد السلطة مبرر وجودها، و أساس منشأها، وعليه فهي فقدت  قدرتها وهيبتها وسلطتها أمام الشعب الفلسطيني وتحولت فقط إلى "حكومة دفع مرتبات" . ومن هنا فالرئيس الفلسطيني  ينظر إلى مؤتمر أنابوليس على أنه الفرصة الأخيرة لإحياء العملية السياسية. ولهذا فإذا فشل المؤتمر ستكون نتائجه مدمرة قد تنهي وجوده السياسي لأنه لم يستطع أن ينجز ما وعد به، وعليه فهو لا يستطيع الدفاع عن نهجه التسووي والتفاوضي لأنه لم يستطيع تحقيق شرعية الانجاز كما قلنا. وهو ما سيكون في صالح القوى السياسية المتشددة والمعارضة لنهجه السلمي، بل إن فشل  نهج الرئيس أبو مازن سيزيد من تشدد القوى الرافضة لنهجه وسيعزز من القوى المتشددة على الساحة  الفلسطينية ، بل يمكن أن يدفع المجتمع الفلسطيني كافة إلى التشدد والتوجه إلى القوى اليمينية المتشددة . وعليه ، إن حدث ذلك، سوف نشهد تغييرات جذرية على الساحة السياسية الفلسطينية، وتغير في البنية السياسية الفلسطينية . وتحولات دراماتيكية خطيرة ستؤثر مستقبلاً على القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني .

4- أن إسرائيل لا تزال تتحكم فيها عقلية القوة. فالعقل السياسي الإسرائيلي هو عقل عسكري ولا يؤمن إلا بالقوة كأسلوب لتحقيق الهدف، وبالتالي، ومن منظور هذا العقل، يمكن تحقيق أي شيء وكل شيء بالقوة . فالوجدان والعقلية التي تتحكم بالقيادة الإسرائيلية يُثبت أن القيادة الإسرائيلية ليست لديها استعداد حقيقي للسلام لأنها لازالت لديها إيمان هائل باستخدام القوة، وأن عقلية الجيتو وثقافة القوة والقهر لازالت هي العقلية المهيمنة على النخبة السياسية الإسرائيلية، وهي تستمد اندفاعها من فلسفة عدوانية تأخذ من العنف مسلكاً وحيداً ، فالعنف والقوة بالنسبة للعقلية الإسرائيلية اكتشافاً للذات، والصهيونية تؤكد على العنف والقوة كأساس وجودي للشخصية الصهيونية. وبناءً عليه فإن السلام الذي تدعيه إسرائيل وتطالب به هو ادعاء زائف ليس أكثر من ذر الرماد في العيون، لأن حقيقة الوجود الإسرائيلي والشخصية الإسرائيلية لا تستطيع أن تعيش وتستمر في ظل السلام الدائم مع العرب، وهو أي السلام يشكل خطر وجودي على الدولة العبرية وهويتها اليهودية لأنه سيزيل الخطر والعداء الخارجي الذي هو سبب تماسك المجتمع الإسرائيلي. فالسان حالهم  يقول: إننا ما لم نكره الآخرين فلن نستطيع أن نحب أنفسنا، وإن لم نسعى حتى يكرهنا الآخرين لم نستطيع الحفاظ على هويتنا وبالتالي وجودنا. أنه أذن منطق العنف والقوة المرتبط بالذات والكيانية الصهيونية.

     هذا وبالإضافة إلى أن المجتمع الإسرائيلي يسير نحو التشدد والتطرف،  وهذا ما يفسر ازدياد وتنامي القوى اليمينية المتطرفة وفرض نفوذهم على المجتمع الإسرائيلي وفرض حضورهم السياسي في النظام السياسي الإسرائيلي، ومن ثم تحكمهم في الرؤية السياسية المستقبلية لإسرائيل. وهذا ما يضع عراقيل وصعوبات أمام المفاوض الإسرائيلي مما لا يدفعه، ولا يمكن،  بتقديم أية تنازلات قد تؤثر على وجوده السياسي.  وعليه فإسرائيل لازالت تفتقر إلى خيار السلام، وهي غير مستعدة له كخيار استراتيجي كحال لسان الدول العربية .

5- أخيراً: وعليه، وبناءً على ما سبق فإن ما سوف يفضي إليه المؤتمر لن يكون على مستوى التوقعات والمطالب الفلسطينية، بل كل ما يمكن تحقيقه لن يلبي طموحات ومطالب الرئيس أبو مازن. فكل ما تستطيع إسرائيل تقديمه من  تنازلات، وكل ما تستطيع القيادة الفلسطينية الحصول عليه في ظل اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل،  لا تعدو أن تكون هزلية  وبسيطة كالتسهيلات على الحدود والمعابر ورفع الحواجز، وتحسين الأوضاع الاقتصادية وتقوية مؤسسات السلطة الخ....

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ