ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 09/12/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

ضوابطُ الحوار .. في عصرٍ منفلتٍ من الضوابط

الطاهر إبراهيم*

"حاورونا". كلمة قالها الناشط الطلابي "باسل ديوب" من جامعة حلب، في مقال، تعقيبا على اعتقال طلاب من كلية الهندسة وإحالتهم إلى المحاكمة، بعد قيامهم بإضراب احتجاجا على إلغاء رئيس الوزراء قانونا يلزم وزارات الدولة ومؤسساتها بتعيين خريجي كليات الهندسة. وقد خاطب الحكومة السورية فقال: "سعيتم دائما للحوار مع أمريكا! فحاورونا".

قد يعجب القارئ غير الإسلامي أن القرآن الكريم ذكر لنا أنواعا من الحوار ما نزال نقف أمامها خاشعين لروعة بيانها. ولم يكن الحوار مقتصرا على الأنبياء والرسل فحسب، بل لقد حاور الله سبحانه وتعالى الملائكة. كما حاور إبليس في آيات كثيرة في القرآن الكريم. وشمل الحوار المشركين والكفار واليهود والنصارى. ونهى عن الجدال إلا أن يكون بالتي هي أحسن، قال الله تعالى" (وجادلهم بالتي هي أحسن ... النحل الآية 125 ). والحوار في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، يستغرق مجلدات كثيرة ولا يوفى حقه.  

يروى، أن رجلا أجاب أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، عن سؤال بقوله: لا رعاك الله يا أمير المؤمنين. فقال عمر: هلا قلت: لا ورعاك الله؟ فظهر كأن الرجل دعا عليه بقوله: "لا رعاك الله". فعندما توضع "الواو" بين "لا" وما بعدها يزول اللبس.

المقال ليس هجوما على الأنظمة الحاكمة، -فقد كتبنا في ذلك الكثير- بقدر ما هو محاولة لنتعلم كيف نتحاور بعيدا عن الشتائم. مع العلم أن ذكر مثالب الأنظمة لا يدخل في قاموس الشتائم. التزامنا بحد أدنى من احترام الآخر، هو أول درجات أدب الحوار. 

إذا ذكر الحوار، فإن أول ما ينصرف إليه ذهن القارئ هو الجدل الرفيع المنضبط بضوابط الأدب. يخرج عن ذلك ما نقرأه في كثير من المقالات والردود عليها التي لا تتقيد بآداب الحوار، وربما هبطت إلى نوع مقذع من الشتائم. فهل للحوار تقاليد وأصول؟ أم هو "صف حكي" وكلام من غير ضوابط؟

لعل أول ما يتبادر إلى الذهن في أدب الحوار، هو الالتزام بضوابط اللغة العربية. فتكون الكلمات فصيحة، وما لا، فيوضع بين قوسين. وأن نعتني بالفواصل والنقط، ليعرف القارئ أين بدأت الفكرة وأين انتهت. ولا ننسى إشارات الاستفهام والتعجب حتى لا نخلط بين جمل خبرية وأخرى إنشائية، فتتداخل المعاني، وقد يفهم القارئ غير ما أراد الكاتب. ولعل التزام التشكيل -ولو بحد أدنى- يغني عن الوقوف طويلا أمام جملة عُرّيت عن الشكل فأُبهمت.

"مر رجل بجنازة فسأل من المتَوَفِّي؟ فأجابه نَحْوِي الله تعالى!".

يلاحظ القارئ أن الكتّاب لا يهتمون كثيرا بقواعد الإملاء، ولو بالحد الأدنى. ولا أعني هنا التنبيه أين تكتب الهمزة؟ على واو أو على نبرة؟ بل أنبه إلى أخطاء إملائية غير مقبولة، سببها عدم مراجعة الكاتب للنصَّ قبل إرساله إلى النشر. فسلامة العبارة مهم كسلامة الفكرة . وليس ما يمنع من التصحيح وإعادة إرسال المقال من جديد، إذا تبين وجود أخطاء. فعليه  أن يصحح، ثم ليعد الإرسال، فإن المواقع "الإنترنتية" نادرا ما تقوم بالتصحيح.

لاننسى في هذا المقام أن ننبه إلى أن يستذكر الكاتب قواعد الإعراب، لأن الأخطاء النحوية فشت في مقالات الكتاب. ولا يحسُن أن نعتذر فنقول إنها من عموم البلوى. على أن أكثر الأخطاء النحوية توجد في مقالات كتبها عناصر من أجهزة الأمن، يردون فيها على مقالات كتّاب معارضين للأنظمة القمعية. ولا تخلو كتابات المعارضين من مثل هذه الأخطاء أيضا ، مع أن لديهم كل الوقت لصقل لغتهم، قبل أن يكتبوا وينشروا أمام الملأ.

اكتفينا ببعض الإرشادات التي يحسن في الكاتب أن يتحلى بها. فإذا فعل، فإن عليه أن يهتم بالكيف قبل الكم. استطرادا فلا يكنْ همّ الكاتب إغراق مواقع الإنترنت بكثير المقالات، بل القليل الجيد يغني عن كثير رديء. ولايرسل المقال للنشر إلا بعد أن يرضى على وقعه في نفسه قبل القارئ. ولو اطلع أحد على جهاز الكمبيوتر الشخصي عندي، لوجد مقالات كثيرة كُتِب منها ربْعُها، وأخرى كُتِب نصفها، وثالثة مكتملة لم أنشرها لأني لم أرض عنها.

إذا غادرنا الشكل إلى المضمون، فأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الشأن هو التزام الكاتب الصدقية –البعض يسميها موضوعية- في كافة جوانب الحوار. فيحاول قدر المستطاع أن لا يسمي الكتّاب الذين ينتقد كتاباتهم، فقديما قال الشاعر:

وآثرنــي بنصحك بانفراد     وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع      من التوبيخ لا أرضى استماعه

وإذا كان لا بد من ذكر اسم الكاتب، فينبغي أن نبتعد عن تجريح الأشخاص والهيئات، وأن ينحصر النقد في فكرة المقال. فنحدد مكان الشاهد في المقال، ويكون الاقتباس واضحا. ولا ننتزع جملة أو عبارة من مكانها، من دون ذكر ما قبلها وما بعدها، فتظهر كأنها مقطوعة، وربما لم يرد الكاتب ما توصل إليه الناقد. كثيرا ما يذكر مثالا على الاجتزاء بقراءة الآية الكريمة هكذا: ("لا تقربوا الصلاة"، ثم لا يكمل ... "وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"). ويجب –دائما- تقديم حسن النية.

يخطئ الكاتب عندما يتوجه بنقده إلى مجموعة من الكتاب ينظمهم فكر معين، لأنه يكون قد أراد نقد المنهج وليس الكتّاب. لا نزعم أن أي منهج هو فوق النقد، لكن طريق ذلك بالتوجه إليه مباشرة لبيان ما ينقد فيه، لا أن "يتلطى" وراء كتابات كُتّاب محسوبين على المنهج. مع التأكيد دائما أنه لا أحد فوق النقد، إلا أننا نعتقد أنه ليس كل الطير مما يؤكل لحمه.                    

بعض الكتاب يزاوج في النقد بين الكاتب الإسلامي والإسلام. لكنه قد لا يجد ثغرة يمكنه أن ينفذ منها إليه ويتهيب نقد الإسلام مباشرة، فيتجه إلى كاتب أو مجموعة كتاب ليصب عليهم حبر قلمه، فيقع في الخطأ المزدوج. وقد ينتبه لذلك في مراحل متأخرة من المقال، فيحاول استدراك الخطأ، فيظهر التناقض بين أول المقال وآخره. ولو أراد التصويب فعلا لصرف النظر عن المقال بكليته، وألا فإنه سيستمر في التناقض.        

قد ينجح كاتب ما في كتابة المقالة، ولكنه ليس بالضرورة أن ينجح ناقدا، والعكس صحيح. وإذا استطاع كاتب أن يزاوج بين الصناعتين، فعليه أن يقرأ مقالات كتّاب كبار من مختلف الطبقات والمشارب حتى تنمو عنده ملكة التمييز بين الجيد والرديء. هذه الآلية قلما يُفْطَن إليها، وربما يكون القفز فوقها، هو استعجالٌ لقطف الثمرة قبل أوانها.

ليس هناك كاتب يكره الشهرة. لكن عليه أن يختار الطريق الأسلم الذي يوصل إليها. افتعال المعارك الجانبية والهجوم على الأشخاص، ليس هو الطريق الأسلم للوصول للشهرة، فهو مملوء بالأشواك. كثير من الكتاب يرفضون الرد على من ينتقدهم، لأنهم يكرهون الانشغال بالمعارك الجانبية. قال الشاعر بشار بن برد: "هجوت جريراً، فأعرض عني واستصغرني، ولو أجابني لكنت أشعر الناس".

في وقتنا الحاضر ليس أسهل على الكتاب المعارضين من التوجه بالنقد للأنظمة القمعية. خصوصا من يعيش في بلاد الغربة آمنا مطمئنا، فقد كفلت لهم حكومة اللجوء -كلاجئين سياسيين- الأمن من خوف أجهزة مخابرات بلدهم.  

*كاتب سوري

 

قال الشاعر العباسي بشار بن برد: "هجوت جريراً، فأعرض عني واستصغرني، ولو أجابني لكنت أشعر الناس".

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ