ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 02/12/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

ومضات محرضة :

حكماء الأوطان .. وليلى الحائرة !

عبدالله القحطاني   

(جميل أن تكون ليلى ، رمزاً للحكمة التي يتنافس على وصلها ساسة الأوطان)!

قال الشاعر :

وكلّ يدّعي وصلاً بليلى    وليلى لا تُقِرّ لهمْ بذاكَ

ومن الطريف أن ليلى أصبحت رمزاً لأشياء كثيرة ، يتنافس فيها الناس ، أو يتنافسون في ادّعائها ! منها حبّ الأوطان ، على سبيل المثال ! ومنها الحرص على المصلحة العامة ، ومنها الحكمة .. وغير ذلك من ليلياتٍ تغنّى بها المتنافسون . (ولا نقول : تغنّى بهنّ .. لأن نون النسوة لاتدخل على غير النساء .. إلاّ على سبيل المجاز ! وواضح أن الحديث هنا، ينصبّ على رموز، لاعلى بشر!) .

 وإذا كان حبّ الأوطان ، مثلاً ، أمراً طبيعياً فطرياً ، يستطيع كل إنسان أن يدّعيه لنفسه ، دون أن يتّهم بالكذب ، بدايةً ..  ويستطيع كل مواطن ، في أيّة دولة ، أن ينافس الآخرين فيه، حقيقةً أو ادّعاءً ، فتختلط أصوات المنافقين الذين يتاجرون بحبّ الأوطان لخدمة مآربهم الخاصّة..بأصوات المخلصين الذين يبذلون نفوسهم دفاعاً عن الأوطان ، ويصعب على المرء،  بدايةً ، التمييز بين الصادق والكاذب منهم ، إلاّ بعد تجارب قد تكون طويلة ومريرة ..!

نقول : إذا كان هذا هو الشأن في مجال التنافس في حبّ الأوطان ، فإن التنافس في الحكمة وادّعاء الحكمة ، يختلف ، قليلاً أو كثيراً .. لأسباب عدّة ، من أهمّها :

أن الحكمة يمكن كشفها بسهولة .. لأنها تصعب تغطيتها ـ وجوداً أو عدماً ـ بالأصوات المرتفعة والشعارات الرنانة ! فيكفي مدّعيها أن يقول كليمات قليلة ، تكشف مالديه من حكمة أو حماقة ! ولا يحتاج الناس إلى أن يسلموه مقاليدها ليجرّبوه ، كما يفعلون مع مدّعي حبّ الأوطان !

 والوطني العاقل الذي يحرص حقاً على مصلحة وطنه وشعبه ، يسَرّ كثيراً ، حين يرى ساسة وطنه يتنافسون في ادّعاء الحكمة .. وذلك لأسباب عدّة ، أهمها أيضاً ، هنا :

   إنّ ادّعاء الحكمة ، يعني أن المدّعي شخص لديه نوع من العقلانية ، ومن معرفة قيمة الحكمة ، التي قال عنها الله عزّ وجلّ : (ومَن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتيَ خيراً كثيراً). فالتنافس في ادّعاء الحكمة ، أهمّ من التنافس في ادّعاء أيّ شيء آخر يمكن أن يتنافس فيه الناس ، من صفات يزعمون التحلّي بها ، أو أشياء ثمينة يدّعون ملكيتها !

   التنافس في ادّعاء الحكمة ، يجعل المرء يترفّع عن كثير من الصفات التي تناقضها ، من سفاهة ( وأنواعها كثيرة ) أو انحطاط خلقي ( وأصنافه عدّة ) أو نحو ذلك .. كيلا يكشف نفسه إذا كان مدعياً للحكمة ! أمّا إذا كان يملك شيئاً من الحكمة حقاً ، فهو سيجتـنب مايناقضها بداهةً ؛ لأن الحكمة التي لديه تمنعه من الوقوع فيما يناقضها ..!

   إذا كان بعضهم وصفَ التواضع ، بأنه الصفة الوحيدة التي لايمكن المفاخرة بها ( لأن من يفاخر بتواضعه ينسفه من أساسه!) فإن الحكمة تدخل في هذا الباب ، في أكثر الأحيان ؛ إذ يصعب على الناس أن يصدّقوا دعوى إنسان بأنه حكيم ، إذا ظلّ يسمِعهم ، بمناسبة ، وبغير مناسبة ، أنه حكيم .. يصرّح بها مرّة ويلمّح مرّة .. يَصرخ بها مرّة ، ويهمس مرّة ..! لأن أيّ عاقل يعرف شيئاً من معاني الحكمة ، سيدرك ببساطة ، أن مدّعي الحكمة هذا ، كذاب أو أحمق ، يدّعي الحكمة بما يناقضها؛ وهو التظاهرالفجّ بها!

   احتكار الحكمة ، وتجريد الناس منها ، والتعالم عليهم بها.. كل ذلك من المصائب العقلية، التي تكشف حماقة صاحبها ! لأن الله ، الحكيم العليم ، لم يَنفِ الحكمة عن بعض عباده ، وأثبتها لأناس منهم ، وصفَهم أنهم من أهل الحكمة التي آتاهم إيّاها ! فأنّى لمخلوق ، أياّ كانت درجته من العلم والفهم والحكمة ، أن يستطيع الادّعاء ، بأنه هو وحده ، يملك الحكمة دون سائر البشر !؟ إن هذا مظهر بشع من مظاهر الحماقة ، التي تتضمّن هنا، فيما تتضمّن ، السخف والابتذال ، وضعف الاتّزان النفسي والعقلي! (ولعلّ من أسرار الله في خلقه ، أن المرء ، كلما ضعف عقله ، ازداد إحساساً بقوة ملكاته العقلية ، من ذكاء وحكمة ، وحصافة وفهم ..! حتى إذا بلغ مرتبة الجنون المطبق ، رأى نفسه العاقل الوحيد في العالم ، ورأى الناس كلهم مجانين !).

   ينبغي التذكير بأن الملكات العقلية ، ليست شديدة الارتباط فيما بينها دائما ؛ فقد يكون الرجل حادّ الذكاء ، ويمتلك مع ذلك ، قسطاً ضخماً من الحماقة ! كما قد يكون الرجل قليل الذكاء ، ويكون ، في الوقت ذاته ، على قدر من الحكمة ! والحكمة هِبة من الله ، قد يملكها أميّ لايعرف القراءة والكتابة، ويُحرم منها شخص مثقف واسع الاطلاع والمعرفة، أو يحمل درجات علمية عالية ! وكثيراً مايرى المرء ، إنساناً بليد الذهن ، أو ضعيف الذكاء ، يتصرف بهدوء ، وبمزاج مستقرّ متّزن ، في حياته ، وفي تعامله مع الناس .. دون سفاهة أو طيش ، أو حدّة انفعال .. ممّا يَظهر لدى أذكياء مثـقّفين حمقى ! ومن هنا جاء قول الشاعر:

      لكلّ داءٍ دواءٌ يُستَطبّ به    إلاّ الحماقةَ .. أعيتْ مَن يداويها!

ومن الطريف أن تصنيف المتضادّات ، جعل العاقل ضدّ المجنون وضدّ الأحمق ، وجعل النبيه ضدّ المغفّل ، وجعل الذكيّ ضدّ الغبيّ .. وهكذا !

* الدافع إلى هذا البحث كله ، مانراه على الساحة السياسية السورية ، من حِكم متناقضة، يلوي بعضها أذرع بعض ، ويمسك بعضها بخناق بعض ، بين السلطة والمحسوبين عليها، وبين بعض المعارضات ، القريبة من تفكير السلطة والبعيدة عنه ! وأكثر ماتتناقض الحِكم ، فيما بينها ، عند الحديث عن الطائفية ، التي باتت تشكّل عقدة فكرية، قبل أن تكون عقدة سياسية ! ومن ذلك ، على سبيل المثال :   

       ـ ترى الأطراف السياسية السورية ، جميعاً ، في السلطة والمعارضة .. ضرورةَ تجنّب المسألة الطائفية في العمل السياسي !

     ـ  يرى بعض الأطراف ، أن مجرّد الإشارة إلى ممارسات السلطة ، في توظيف شرائح من  الطائفة الفلانية ، هو مساوٍ للممارسة ذاتِها ! فلا فرق عند هذا الفريق ، بين يَفعل الفعلَ الطائفي بشكل صارخ فجّ ، وبين من يشير إليه مجرّد إشارة ، مستنكراً له ، أو محذّراً من عواقبه ! ( مع التأكيد ، على أن الفريقين هنا ، كليهما ، يشدّدان على ضرورة التمسّك بالحكمة في معالجة المسألة !)

ـ  تقِرّ بعض الأطراف المعارضة ، المحسوبة على الطائفة التي يتاجر بها آل أسد ، بأن الأسرة الأسدية ، توظّف المسألة الطائفية لمصلحتها ، ولإطالة عمرها في الحكم ! ومع ذلك، قلّما يوجّه واحد من هؤلاء ، خطاباً جاداً ، إلى أبناء طائفته ، يحذّرهم من عبث الأسرة الحاكمة ، بهم وبحاضرهم ومستقبلهم ! وإذا أشار كاتب من المعارضات الأخرى ، إلى هذا التوظيف الأسدي ، تصدّى له بعض الكتاب المعارضين ، المحسوبين على الطائفة ، يذكّره، بلطف ، أو بغيره .. بأن الحكمة تقتضي عدم إثارة المسألة الطائفية ! لأن الإثارة ، بمجرّد الإشارة ، تفكّك الوحدة الوطنية .. وقد تؤدّي إلى تمزيق الوطن ! فهي ، بالضرورة ، منافية للحكمة !

* وتبقى أسئلة قصيرة ، لابدّ من طرحها ، في نهاية هذه السطور .. هي :

ـ مَن المستفيد الأول ، من تشابك الحِكم المتناقضة المتصارعة ، الحريصة كلها ، على الوطن والشعب ، وعلى حاضر البلاد ومستقبلها !؟

ـ كيف يتمّ فضّ الاشتباك ، بين الحِكم المتصارعة ، ضمن أطراف المعارضة !؟ وهل ثمّة حكمة محايدة ، تَدخل حكَماً بين هذه الحكم ، وتمحّصها ، وتبيّن مافيها من حكمة مخلصة مجرّدة ، ومن مصلحة مغلّفة بحكمة .. ومن خطأ في حساب الواقع ومعادلاته ، ملبّس بلبوس الحكمة .. ومن خيوط خفيّة تربط بين بعض الحِكم المعارضة والحِكم المتربّعة في كراسي السلطة !؟ ( ولن نتحدث هنا ، بالطبع ، عن السفاهات ، وحالات النزق والطيش ، التي تَظهر في أقوال بعض/الحكماء!/ فتلك حالات خارجة عن السياق ؛ إذ الحديث هنا ، عن الحكمة وأشكالها ومقتضياتها . أمّا تلك ، فلها سياقات أخرى !) .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ