ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 25/11/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

حماية الرموز .. بين العزّة والذلّة !

ماجد زاهد الشيباني

حين يـُتخّذ شيء ما رمزاً ، لابدّ من حمايته ، وإلاّ فقد قيمته ، وفقد المرموز له به ، قيمته أيضاً !

قد تـُتخّذ الأشياء رموزاً ، لأفراد ، أو لقبائل ، أو لدول وأوطان ، أو لأمم بأسرها .. وتضفى عليها هالات ، من نوع ما من القداسة ، تَفرض على أصحاب الرموز احترام رموزهم ، وتكريمها ، والدفاع عنها ، والموت في سبيلها .. إذا اقتضى الأمر ذلك!

من أنواع الرموز ، على سبيل المثال :

_ من الرموز الفردية : كان الشارب ، في مرحلة ما ، يرمز إلى الشجاعة والأنفة والإباء ، ويرتبط بكرامة صاحبه ارتباطاً شديداً ، حتى يصبح الاعتداء عليه ، أو الاستهانة به ، جريمة بشعة ، في نظر صاحبه ، لا يهدأ له بال ، حتى يثار ممّن ارتكب هذه الجريمة !

-  من الرموز القبلية : كانت القبائل العربية ، في مراحل متعاقبة ، تتّخذ لها رموزاً ، تعبّر عن شخصيتها ، وتنسج حول هذه الرموز مشاعر خاصّة ، وتصورات معيّنة ، وهالات من التمجيد والاحترام ، توجب صيانة الرمز، من كل سوء أو عبث .. حتى لوأدّى ذلك إلى سيول من الدماء ! لأن قيمة الرمز ارتبطت ارتباطاً قوياً ، بقيمة أصحابه ! فالعدوان على الرمز هوعدوان صارخ بشع ، على أصحابه ..!

وقد يكون الرمز القبلي ، اسم امرأة ، ذات شأن عظيم ، وقيمة كبيرة في القبيلة .. كما قد يكون اسم فرس ، أو ناقة ، أو غير ذلك ..!

فيصيح كل فرد في القبيلة ، عندما ينتخي لحرب ، أو مكرمة ، أو تحدّ ، من نوع ما : أنا أخو فلانة .. أو: أنا أبو فلانه .. أو يقول : أنا راعي الحمراء .. أو الزرقاء .. أو الخضراء .. أو البلهاء .. أو العوجاء .. إذا كان المنتخَى به اسمَ فرس أو ناقة ، تحمل صفة من الصفات المذكورة ! ونحسب بعض القبائل العربية ، في كثير من أنحاء العالم العربي ، ماتزال حتى اليوم ، تمجّد هذه الرموز، وتربط كرامتها بكرامة رموزها ، وتصونها من كل عبث وسوء !

ـ من الرموز الحزبية : الرايات والأعلام ، الخاصّة بكل حزب ، والتي تُرفع في المناسبات السياسية والاجتماعية ، كالانتخابات ، والصراعات بين الأحزاب ، وغيرذلك! ومعلوم أن لراية الحزب ، شارة مميّزة ، أو لوناً مميّزاً ، أوصورة معيّنة ، ترسم على الراية ..!

 فرمزا الحمار والفيل ، المعبّران عن الحزبين الكبيرين في أمريكا ، على سبيل المثال ، معروفان لدى كل فرد أمريكي ، ولدى كل شخص في العالم ، يراقب الانتخابات السياسية التي تجري في أمريكا . إذ يرفع أنصار كل حزب ، الراية المعبّرة عن حزبهم ، بل ترسم صورة الرمز ، على صحف ومنشورات خاصّة بالحزب ، وتوزّع على محازبيه ومناصريه ، والمطلوب منهم تأييده ، في صراعه السياسي ضدّ خصومه !

 وليست هذه الظاهرة مقتصرة على أمريكا ، بل هي منتشرة في أنحاء العالم ، ومنه العالم العربي ، وما فيه من أحزاب !

-  من الرموز الوطنية : الأعلام كذلك . فالعلم هو أهمّ رمز وطني ، على الإطلاق ! فهو يعبّر عن سيادة الدولة وكرامتها ، وقوّة ارتباط مواطنيها بها ! فهو يحيّى كل يوم، ويرفع فوق المؤسّسات الحكومية والوطنية ، داخل الدولة ، وفوق مؤسّساتها الأخرى خارجها ، كالهيئات الدبلوماسية ، من سفارات ، وقنصليات ، وملحقيات ، وغيرها !

   من المظاهر المألوفة :

ـ إهانة فريق حزبي لعلَم خصمه ، في الصراعات الحزبية ، داخل الوطن الواحد ! وذلك بإحراق العلم ، أو وضعه تحت الأرجل ، أو نحو ذلك ..!

ـ إهانة أعلام الدول المعادية ، من قبل الجماهير، في دولة معيّنة يشعر شعبها بالكره ، أو بالتحدّي ، إزاء الدولة الأخرى ، التي يهان علمها ، في المظاهرات الشعبية الحاشدة !

* من الطرائف التاريخية النادرة :

 قتِل كلب ، لإحدى الأسر القبلية القديمة . فعلم شيخ الأسرة وكبيرها ، بالأمر. وكان ، بما له من خبرة ، ومعرفة بشؤون الناس ، ونفسياتهم .. يدرك أن العدوان على الكلب ، هو عدوان على أصحابه ، والاستهانة به استهانة بأصحابه ! فقال لرجال الأسرة ، من أبنائه وأبناء إخوته وأقاربه : اقتلوا مًن قَتل الكلب ! فاستهان الرجال بالأمر ، وقالوا : يبدو أن الشيخ يهوّل الأمر ، ويعطيه أكبر من حجمه .. أمِن أجل كلب نقتل رجلا !؟ ولم ينفّذ أحد أمرَ الشيخ . وبعد شهور قليلة ، سُرقت فرس من خيل الأسرة ، فجاء الرجال إلى الشيخ ، يسألونه عمّا يفعلون .. فقال لهم : اقتلوا مَن قتل الكلب ! فقال الرجال : يبدو أن الشيخ فقد قدرته على التفكير السليم .. نسأله عمّا نفعل بشأن الفرس المسروقة ، فيعيدنا إلى قتل الكلب ! ولم ينفّذ أحد أمر الشيخ ، بقتل قاتل الكلب . وبعد شهور قليلة ، اعتدى أحد الناس على حريم الأسرة ، واختطف إحدى الفتيات ، وهرب بها .. فاضطربت الأسرة اضطراباً شديداً ، ولجأ الرجال إلى الشيخ ، يستطلعون رأيه في الأمر ، فقال لهم بهدوء : اقتلوا من قتل الكلب ! وخرج الرجال ، ونفوسهم مشحونة بالحيرة والقلق ، والإحساس بالهوان ..! وتشاوروا فيما بينهم ، وقرّروا قتل قاتل الكلب ، تعبيراً عن إحساسهم باليأس والإحباط ، لاتنفيذاً لأمر الشيخ ، وهجموا على قاتل الكلب فقتلوه ..! ولم تمض إلاّ أيام قليلة ، حتى حضر سارق الفرس إلى بيت الشيخ ، مستجيراً ، طالبا عفوه ، واضعاً نفسه تحت رحمته، راضياً بما يفرضه عليه ، من عقوبة ، على سرقة الفرس ! وبعد أيّام قليلة أيضاً ، حضر الشابّ الذي خطف الفتاة ، وقد وضع في رقبته حبلاً، وجثا بين يدي الشيخ ، طالباً منه الصفح والمغفرة ، على فعلته الشنيعة ، وإهانته للأسرة باختطاف ابنتها ..!

 لقد علم كل مِن سارق الفرس وخاطف الفتاة ، بقتل قاتل الكلب ، فقال في نفسه : إذا كان هؤلاء قد قتلوا رجلاً من أجل كلب ، فماذا يفعلون بي ، إزاء جريمتي ، وهي أكبر وأخطر من جريمة قاتل الكلب !

   والسؤال المطروح اليوم ، هو : بصرف النظر عن طرائق الأفراد ، والدول ، والقبائل ، والأحزاب ، في حماية رموزها .. هذه الطرائق التي قد يراها بعض الناس قاسية ، وقد يراها آخرون غريبة .. نقول : بصرف النظر عن هذا كله .. هل بقي لأمتنا الصابرة المسحوقة ، رموز لم يعبث بها الآخرون ، من قيَم وأفكار، وأشخاص،  وعقائد ، ومقدّسات ، ومحرّمات !؟ وبناء عليه : هل بقي لدى هذه الأمّة من النخوة ،  ما يدفع رجالَها ، أصحاب النخوة والمروءة ، إلى حركة تحمي أقدس المقدّسات ـ ولانقول المقدسات كلها ـ ! ومن باب أولى ، ألاّ يخطر في بالنا حماية كلب أو فرس،  أو بئر نفط ، أو متحف آثار !؟

أم ينطبق على الأمّة كلها ، قول الشاعر :

مَن يَهن يَسهل الهوان عليه         ما لجرحٍ بميّتٍ إيلام

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ