ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 04/02/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ دراسات  ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

في ذكرى مأساة العصر ؛ لماذا دُمّرت حمـاة ؟

د./هشام الشامي

((  قالوا :حمـاة ؛ فقلت:خير مدينة ** فإذا بهم يبكون من ذكراها  )) 0

مدينة حماة الموجودة في أواسط سورية الحالية بين دمشق الفيحاء في الجنوب و حلب الشهباء في الشمال ؛ تعتبر من أقدم المدن المسكونة في العالم وقد كانت موجودة منذ الفترة البدائية للإنسان ؛ وإن الأدوات التي تم كشفها في أراضيها حديثًا والتي تعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد أثبتت أن هذه المدينة كانت في التاريخ القديم منطقة مهمة وذات شأن .

يقول المرحوم وليد قنباز :

(( كم من قبائل حطّت فيك عابرة ** و أنت خالدة في مدرج الزمنِ

حتى إذا جاءك الإسـلام مُؤتلقاً** عانقته كعناق الـروح للبـدنِ )) 

لسنا هنا بصدد سرد التاريخ القديم لمدينة حماة التي تُدعى بمدينة أبي الفداء ( نسبة إلى ملكها العالم و المؤرخ الجغرافي الشهير أبي الفداء إسماعيل بن علي الأيوبي الذي توفي سنة 732 للهجرة ) هذه المدينة الجميلة الوادعة التي ترفل على ضفاف العاصي و تزينها الحدائق و البساتين ؛ و تغني لها النواعير أغاني المجد العريق 0

(( انزل حمـاة التي ما مثلها بلد ** بكل دان من الأهلين أو قاصـي

ترق قلباً لأحوال الغريب بها ** حتى نواعيرها تبكي على العاصي ))0

    لكننا بصدد سرد مصيبة كبيرة و كارثة فادحة و مجزرة شنيعة حلت بهذه المدينة في شهر شباط ( ابتداء من ليل الثاني من شباط ) من عام 1982م 0 و نظراً لترابط حدوث هذه الجريمة المنكرة مع تسلسل الأحداث في تاريخ سوريا الحديث سنبدأ حديثنا عن حماة من أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا 0

يقول أكرم الحوراني -  أحد شهود العيان من أبناء مدينة حماة و أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي فيما بعد ( أسسه مع ميشيل عفلق و صلاح بيطار عندما كانوا في منفاههم في لبنان أيام حكم العقيد أديب الشيشكلي )– في مذكراته : 

في صباح 30 أيار /إبريل 1945 هُوجمت مدينة حماة بالطائرات الفرنسية التي استمرت تلقي قنابلها ومتفجراتها الثقيلة على البيوت أكثر من عشر دقائق ، فأسقط المجاهدون ببنادقهم طائرتين ، وجروا حطام إحداهما من قرية معرين إلى قلب المدينة بعد انتهاء المعركة .

وتبع ذلك وصول حملة عسكرية ضخمة قدمت من حمص تضم عدداً من الدبابات والمصفحات وأربعاً وعشرين سـيارة كبيرة مشحونة بالجنود ، ومدفعين من العيار الثقيل ، وكان يقودها الكومندان ( سيبس ) جاءت من جنوب حماة فجوبهت بمقاومة شديدة من مجاهدي تل الشهداء – عين اللوزة - ، فارتدت واتجهت غرباً تريد الوصول إلى الثكنة باختراق جبهة كرم الحوراني - اسم حي غرب جنوب حماة -، وفي الوقت ذاته خرجت فرق الخيالة من الثكنة لنجدتها ، فكانت المعركة الضاربة الباسلة التي استمرت من السابعة صباحاً وحتى الثامنة مساء بين المجاهدين ببنادقهم القديمة وبين قوات نظامية بأحدث الأسلحة والعتاد ، في أرض مكشوفة لا تصلح لحرب العصابات ، وعلى الرغم من وصول سلاح الطيران الفرنسي وقصف المدينة قصفاً كثيفاً أدى لتهديم مئة وعشرين منزلاً ، مع ذلك صمدت المدينة واندحرت الحملة المدرعة وقتل قائدها ( سيبس) وبعض معاونية من ضباط المدفعية ، وبقيت مئات الجثث في أرض المعركـة ، وأسـقط المـجاهدون طائرة وعطبوا أخرى سـقطت في قرية حربنفسه، وغنم المجاهدون سيارتين وعدة رشاشات وسيارة كبيرة مشحونة بقنابل المدفعية ، وعطلوا دبابتين وعدداً من المصفحات ، ومدفعاً من عيار (270) بوصة ومدفعين عيار (75) ملم ، وسحبوا كل هذه الغنائم إلى ساحة العاصي وسط المدينة .

وصمم المجاهدون بعد وصول راكان المرشد ( شيخ عشيرة ) مع رجال عشيرته ، صمموا على دخول الثكنة الشرفة الحصينة ( شمال غرب حماة ) ، وفيما هم يعدون العدة لدخولها وصلت طلائع الجيش البريطاني التي أنقذت الجيش الفرنسي من أهالي حماة ، وكانت مهمة البريطانيين فرض وقف القتال ، وكان ذلك يوم 1حزيران/ مايو1945 .

و يؤكد كلام أكرم الحوراني هذا ما قاله الجنرال البريطاني ( باجيت ) القائد العام للقوات البريطانية في الشرق الأوسط في مذكراته عن تلك الفترة، و كان الجيش البريطاني قد تدخل ليفصل بين الثوار السوريين والجيش الفرنسي ، يقول الجنرال (باجيت ) : لقد أنقذنا الأهالي في سوريا من الجيش الفرنسي عام 1945 ، إلا في مدينة حمـاة فقد أنقذنا الجيش الفرنسي من الأهالي !!! .

و كان مجاهدي حماة  في طليعة الثوار الذين أعلنوا الثورة على الفرنسيين أثناء الثورة السورية الكبرى عام 1925م التي عمت القطر السوري من الشمال حيث ثورة إبراهيم هنانو ، إلى دمشق و ثورة الغوطة ، إلى جبل العرب و ثورة سلطان باشا الأطرش ، إلى جبال العلويين و ثورة الشيخ صالح العلي ، أما في حماة فقد قاد الثورة فيها فوزي القاوقجي و سعيد العاص و مصطفى عاشور و عثمان الحوراني و آخرون .

  كما شارك رجال حماة في الكتلة الوطنية منذ تأسيسها ، و كان من أبرز رموزها من أبناء تلك المدينة المجاهدة  توفيق الشيشكلي و حسني البرازي ، و الدكتور صالح قنباز و كان لهذه الكتلة دوراً بارزاً في عملية المقاومة ومن ثَم التحرير من الاستعمار الفرنسي ليقف شاعر العاصي بدر الدين الحامد منادياً شهيد ميسلون الكبير يوسف العظمة و متغنياً بالاستقلال :

( يا راقداً في روابي ميسلون أفق** جلت فرنسا و ما في الدار هضّام

عيد الجلاء هو الدنيا و زهوتها** لنا ابتهاج و للباغيــن إرغـامُ )   .

 كما استنفرت حماة بشيبها و شبابها أثناء حرب 1948م مع الصهاينة ، فمنهم من دخل مع قوات النقيب أديب الشيشكلي في لواء اليرموك الثاني النظامي، و منهم من تطوع مع القوات الشعبية التي نفرت من سوريا و لبنان و قادها الدكتور مصطفى السباعي مؤسس و زعيم جماعة الأخوان المسلمين في سوريا ، حتى باتت المدينة شبه خالية من الرجال أثناء تلك الحرب ، و قد خاض هذان الفصيلان معارك شجاعة ، و حققوا فيها انتصارات حقيقية ، جعلت اسم الشيشكلي و السباعي على لسان كل أبناء  سوريا 0

و قد بقيت هذه المدينة قبل و بعد الاستقلال مثال الوطنية و التسامح و التآلف ، حيث عاش فيها المسلمون و المسيحيون جنباً إلى جنب ، و كنتَ لا تستطيع التمييز بين أبناء الطائفتين لتشابه عاداتهم و ملابسهم ، حتى النساء المسيحيات كن يتحجبن في هذه المدينة المحافظة ، و كان أبناء الريف و البادية يفضلون التعامل مع أبناء هذه المدينة المسامحين ، مما جعلها أشهر المدن السورية بالمنتجات الحيوانية و الزراعية ، فأصبح السوريون جميعاً يرغّبون بأجبانهم و ألبانهم ، فيقولون : جبن حموي و لبن حموي و سمن حموي و مشمش حموي و خضار حموية ...

و قد شارك أبناء المدينة بكافة أطيافها في الحياة البرلمانية الوليدة بعيد الاستقلال ، بتنافس ديموقراطي شريف تفصل فيه صناديق الاقتراع ، و كنت تجد في هذه المدينة المسالمة ، المسيحي على قوائم الإخوان المسلمين ، كما تجد العربي إلى جانب الكردي ( كآل البرازي و آل الزعيم و آل كوجان و آل الكردي.. ) و التركي ( كآل التركماني و آل العظم و آل قوجة و آل القوشجي...)،و أبناء الريف و البادية مع أبناء المدينة ، في تآلف و محبة قل نظيرهما.

و عندما أنقلب العسكر على الحياة البرلمانية و المدنيّة الوليدة كان أبناء حماة في طليعة الرافضين للديكتاتوريات ، و وقفوا بشجاعة – عندما جبن آخرون - في وجه حسني الزعيم و أديب الشيشكلي ، رغم أن الثاني كان من أبناء المدينة ، و الأول كلف رئيساً للوزراء (وهو محسن البرازي) من أبنائها.

فليس غريباً إذاً على هذه المدينة المحافظة و الشجاعة أن تكون في طليعة المدن التي وقفت في وجه العسكر البعثيين الذين وصلوا إلى السلطة على ظهر الدبابة في   8آذار من عام 1963م ، و أعلنوا حالة الطوارئ و الأحكام العرفية منذ ذلك التاريخ ، و ألغوا الحياة المدنية و الانتخابات البرلمانية ، و منعوا الأحزاب و الحريات ، و كتموا الأفواه إلا أبواقهم ؛ و أغلقوا الصحف و المجلات إلا صحفهم ؛ وبدؤوا بإثارة و استفزاز حفيظة الشعب المؤمن المحافظ ، بأفكارهم الإلحادية التي فرضوها على المجتمع. و رفعوا شعارات : ( يا أخي قد أصبح الشعب إلهاً )، و ( لا تسل عني و لا عن مذهبي * أنا بعثي اشتراكي عربي )، و ( آمنت بالبعث رباً لا شريك له* وبالعروبة ديناً ماله ثاني ).. 00

وكانت أحداث حماة التي انطلقت شرارتها في السابع من نيسان 1964م أي بعد حوالي عام من استلام عسكر البعث السلطة في سوريا ، دفاعاً عن القيم التي أمن بها شعبنا ، و رداً على استفزازات البعثيين ، و تحرشات الحرس القومي ( مليشيات البعث المسلحة ) ، حين انطلقت المظاهرات من جميع مدارس حماة مطالبة بالحريات العامة ، و وقف استفزازات البعثيين ، و هنا تدخل الحرس القومي البعثي لقمع التظاهرات و عندما فشل ، تدخل الجيش البعثي العقائدي هاتفاً :" هات سلاح و خوذ سلاح* دين محمد ولّى و راح " ،واستغل حمد عبيد وزير الدفاع البعثي تلك الأحداث للثأر من أديب الشيشكلي الرئيس الحموي الذي قُمع عصيان جبل العرب في عهده، فحسم المعركة بالنار و الحديد، بعد أن قتل حوالي سبعين من أبناء المدينة ، ودمر مسجد السلطان فوق رؤوس المحتمين فيه . [وقد كتبت جريدة الحياة في (24/4/1964م) تقول : إن المطلعين على مجرى الأحداث في حماة يقولون إن الذي قصف المدينة بالمدفعية هو العقيد حمد عبيد ، وإنه اغتنمها فرصة للانتقام بسبب قصف جبل الدروز في عهد الزعيم أديب الشيشكلي بقيادة المقدم فؤاد الأسود ] .

ويذكر أكرم الحوراني في مذكراته :[ لقد كانت الحجج التي تذرع بها الضباط الطائفيون للانتقام من حماة حججاً مفضوحة ومشبوهة ، ولا أظن الجاسوس كوهين كان بعيداً عن الإثارة الطائفية بين هؤلاء الضباط مما سيأتي تفصيله فيما بعد ، فمن حماة انطلقت كتائب الفداء الأولى إلى فلسطين عام (1948م ) كما كانت حماة أكثر المدن حماساً للوقوف في وجه الديكتاتور أديب الشيشكلي ] .

و حكمت المحاكم العسكرية الميدانية - برئاسة الضابط البعثي مصطفى طلاس – بالإعدام على عدد كبير من علماء ووجهاء مدينة حماة ،واقتحمت المحال التجارية المغلقة ونهبت محتوياتها، واعتقل الكثير من المواطنين.

كما أصدرت الجبهة الوطنية الديموقراطية الدستورية وهم مجموعة من المثقفين السوريين من محامين وأطباء ومهندسين وصيادلة بياناً أثناء تلك الأحداث الأليمة؛ جاء فيه : في هذا اليوم نتوجه إلى شعب سوريا الذي لا ينام على ضيم ، ونقول للطغمة الحاكمة :أن الشعب إن أمهل فهو لا يهمل ، وأن ساعة الحساب قد دقت . إن الجبهة الوطنية الديموقراطية الدستورية تدعو كافة المواطنين للالتفاف حولها ومتابعة العصيان المدني حتى تتحقق مطالب الشعب وهي :

 1-  إلغاء حالة الطوارئ .

2-  إطلاق الحريات العامة وإعادة العمل بالدستور .

3- تشكيل حكومة انتقالية من عناصر وطنية تتولى إجراء انتخابات حرة نزيهة لإقامة حكم ديموقراطي سليم .

و لم يقتصر العصيان على مدينة حماة فقط ، بل توسع ليشمل باقي المدن الرئيسية في سوريا كدمشق و حلب و حمص00، على شكل إضرابات واحتجاجات عامة ، و هنا تدخل الرئيس محمد أمين حافظ  وطلب مقابلة عالم حماة الجليل ، الشيخ/ محمد الحامد ، و اتفقا على تهدئة الأمور ، مقابل إصدار الرئيس الحافظ عفواً رئاسياً عاماً عن جميع المعتقلين و المحكومين.

وهذه الفتنة التي حصلت في حماة ، و التي لم تعالج بحكمة و دراية ، مازال السوريون يعانون من جراحها التي لم تندمل بعد ، و هي التي جعلت الشيخ مروان حديد ينفصل ببعض شبابه عن جماعة الأخوان المسلمين ، مقرراً اللجوء للعمل المسلح ضد السلطة البعثية الغاشمة والتي بدأت باستخدام السلاح والبادي أظلم حسب رأيه ، و قد سُميت هذه المجموعة بجماعة مروان حديد ( أو جند محمد ) ؛ ثم أطلقت على نفسها الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين .

وكلنا يعلم ماذا حل بسوريا نتيجة هذه الفتنة من أحداث و مجازر مأساوية في نهاية السبعينات و عقد الثمانيات من القرن الماضي ، و آثار  تلك الأحداث التي لم تحل حتى الآن ، و التي تبقى تنذر بانفجار البركان من تحت الرماد .

و استمر الصراع بين السلطة و الشعب – في حماة و سائر المدن السورية – طيلة سنين العسكر البعثيين العجاف ، و كانت المسيرات الشعبية و الإضرابات و الاضطرابات و الاحتجاجات سمة الشارع السوري ، و كانت الأعياد و المناسبات الدينية و الوطنية ، كعيد المولد النبوي في كل عام مناسبة تذكر بها الجماهير السلطة بأنها لا يمكن أن تتخلى عن مطالباتها المشروعة مهما اشتدت قبضتها الأمنية ، وكانت أحداث الدستور عام 1973م ، و الذي كرست بنوده الهيمنة و الوصايا لفئة فاسدة من المجتمع على رقاب العباد و البلاد ، فاندلعت المواجهات الشديدة مرة أخرى ، وحرّقت فروع الحزب و المخابرات ، و تدخل الجيش ليسكت الشعب بالقوة العسكرية ، و ليسوق العلماء و الوجهاء و الحكماء و الشرفاء إلى السجون و المعتقلات .

    وتوالت تصريحات القادة الطائفيين و المرضى الموتورين التي تنم عن حقد أعمى على هذه المدينة الجميلة الآمنة ، و خاصة من العميد رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد و قائد سرايا الدفاع ، الذي قال في مرات عديدة : " سأمحو حماة من الخريطة "، و " ستقول الأجيال اللاحقة كانت هنا مدينة اسمها حماة "، و " سأجعل حماة مزرعة للبطاطا " ، و " سنقيم مكان حماة حدائق و مزارع و فنادق و مقاصف و مطاعم و نسكر على أنقاضها "

ويقول الحوراني في مذكراته: [ ومن المؤلم أن مدينة حماة قد ظلت بعد أحداث عام (1964م) هدفاً للتنكيل الطائفي إذ تعرضت مرة أخرى عام (1982م) للتدمير والتنكيل بأهلها بوحشية فاقت كل تصور عندما استباحت المدينة ما يسمى بالقوات الخاصة بقيادة علي حيدر ، وسرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسـد شقيق حافظ الأسـد ، فقصفت معظم أحياء المدينة على رؤوس أهلها ، واعتدت على أعراض نسائها ، وكانت حصيلة القصف استشهاد أكثر من خمسة وثلاثين ألف شهيد ، من أبنائها وبناتها ، كما هدمت مساجدها الأثرية وقضت على معالمها التاريخية ، ومنها قصر العظم الأثري ، الذي كان متحفاً للمدينة فنهبت محتوياته من التحف الأثرية للعهود التاريخية التي تعاقبت على المدينة ] .

ويقول الحوراني :[ لقد كان هذا الأسلوب الاستفزازي هو الأسلوب الذي اعتادت السلطات البعثية استعماله لتفجير النقمة الشعبية واستدراجها ثم إجهاضها قبل نضجها وتمام استعدادها ، مع استعداد السلطات الكامل لمواجهة الانفجار ] .

و يقول :[ إنني لا أشك أبداً بأن يداً سوداء خارجية كانت وراء ما تعرضت لـه مدينة حماة في المرتين من خراب وتقتيل وتنكيل وحشي ، وإنه لمن دواعي الأسى والحزن أن يناضل الشعب السوري ويقدم التضحيات خلال أكثر من أربعين عاماً في عهدي الاستعمار الفرنسي والاستقلال في سبيل ترسيخ الوحدة الوطنية بين مختلف طوائفه ومذاهبه ؛ ثم تستيقظ هذه العصبيات الموؤودة بعد الثامن من آذار بشكل مجنون ] .

وفي 8آذار / مارس من عام 1982م خطب الرفيق الفريق أول حافظ الأسد قائلاً : " ما حدث في حماة حدث و انتهى ". هكذا لخص القائد البعثي الملهم شهراً كاملاً من المعارك الوطنية و القومية لجيش الأسد العقائدي؟؟!! ، و المذابح الجماعية الرهيبة ، و الإبادة السادية الشاملة ، و القصف الجوي و المدفعي و الصاروخي ، و استباحة المحرمات و انتهاك أعراض الحرائر ، و قتل الشيوخ و النساء و الأطفال ، و التمثيل بالموتى ، و بقر بطون الحوامل ، وهدم أحياء بمن فيها ، و إبادة عوائل بكاملها ،و دهس المرضى و الجرحى بالدبابات و المجنزرات ، و حفر و دفن المئات داخل القبور الجماعية العديدة، وسرق و نهب المحلات التجارية والمجوهرات والأموال والممتلكات، و تفجير مساجد المدينة وكنائسها، وسرقة المتاحف والمقتنيات الأثرية ، و بتر أطراف السيدات و قطع الأذنين من أجل أخذ المصوغات الذهبية ، و تغيير معالم مدينة من أقدم مدن التاريخ ، على يد سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد و علي ديب و سرايا الصراع بقيادة عدنان الأسد و الوحدات الخاصة بقيادة علي حيدر و الفرقة العسكرية الثالثة بقيادة شفيق فياض واللواء (47)مدرعات ، واللواء (21) دبابات ، والفوج (41) إنزال جوي، والفوج (114) مدفعية ميدان وراجمات صواريخ ، وعشرات الطائرات المروحية ، و قوات المخابرات العسكرية بقيادة يحيى زيدان و أمن الدولة بقيادة موفق الزعبي و الأمن السياسي بقيادة وليد أباظة ، و قوات المرتزقة الخاصة ، كل هذا الجيش الكبير العرمرم من المرضى الساديين و الطائفيين الحاقدين و بأوامر مباشرة و متابعة لحظية من الرفيق الرئيس و شقيقه ،استباحوا مدينة حماة الآمنة على مدى شهر شباط كاملاً ، في أفظع مذبحة و أبشع مأساة عرفها العصر الحديث ، فقتلوا أكثر من  30 ألفاً ، و اعتقلوا مثلهم ، و شردوا أضعافهم ، و تركوا المدينة مدينة أنقاض و أشباح ، و هم يفاخرون بنصر كبير حققوه على مدنيين مسالمين ، و مواطنين أبرياء ، يفترض أنهم وجدوا و سُلّحوا من أموالهم و عرق جبينهم لحمايتهم من العدو الخارجي ،و تأمين أمنهم و سلامتهم ، بعد أن تركوا جبهة الجولان ساكنة سكون المقابر وأفضل جبهة آمنة حسب وصف قادة الصهاينة أنفسهم 0

أما سبب هذه المجزرة الرهيبة فهو ( و حسب الرواية الرسمية ) تحصن عدة عشرات من المسلحين في بعض أحياء المدينة القديمة 0 فتأمل يا رعاك الله 0

و لن ندخل في تفاصيل المجزرة المروعة ؛ و التي هي في الحقيقة مجموعة مجازر مفجعة ؛ ففي كل حي من أحياء المدينة المستباحة حدثت مجازر جماعية عديدة ، و بإمكان القارئ أن يراجع ما أصدرته لجان حقوق الإنسان السورية و العربية و العالمية عن هذه المجزرة الفظيعة ؛ و من ذلك ما نشرته عن هذه المجزرة قبل عام اللجنة السورية لحقوق الإنسان و الموجود على موقعها و على مواقع المعارضة السورية الأخرى تحت عنوان : ( مجزرة حماة : شباط / فبراير 1982 جريمة إبادة جماعية و جريمة ضد الإنسانية ) 0

لكنني أشهد أنني نزلت بنفسي إلى حماة بعد المجزرة بأشهر قليلة ، و قمت بزيارة بعض أصدقائنا و أقاربنا هناك ، و منهم من كان قد هرب من جحيم المجزرة و لجأ إلينا أثناء المحنة و آويناه في بيوتنا ، و كان أكثر ما يؤلمهم حقاً أنهم تفرقوا عن أزواجهم و أبنائهم و إخوانهم و أهليهم و لا يعرفون أين هم الآن ؟ ، و من بقي منهم على قيد الحياة ، و من دفن تحت الأنقاض ، أو في مقابر الحقد الجماعية ؟؛ حيث كانت المدينة محاصرة من جميع الجهات و قطعت عنها الاتصالات الهاتفية 0 أقول : أنني خلال زيارتي شاهدت أحياء كبيرة قد دمرت بالكامل ، و قرأت الحزن و الصمت و القهر و الكآبة في وجود النساء و الأطفال و الشيوخ ، و شعرت أنني أزور مدينة أشباح ، و تأثرت تأثراً بليغاً 0 و خلصت يومها أن حماة لم تكن هي وحدها المقصودة لذاتها من هذه الجريمة المنكرة ، بل كل مدن و قرى سوريا بحريتها و كرامتها و عزتها و ماضيها و مستقبلها ، كان القصد البعيد و الهدف الحقيقي هو إسكات كل صوت حر شريف في وطني الأسير ؛ و اليوم و بعد ربع قرن من هذه الجريمة البشعة التي تكتمت عليها يومها كل وسائل الإعلام العربية و العالمية بتواطؤ يثير الكثير من التساؤلات و بتعتيم قل نظيره ؛ نتساءل بعض الأسئلة المشروعة :

- لماذا يصر النظام في سورية على دفن رأسه في الرمال كالنعام ؟ 0 و لا يريد أن يفتح و يحاسب و يعالج تلك المأساة الإنسانية التي لم تندمل جروحها المتقيحة ، هل يظن أن الصمت و الهروب يجعل الناس تنسى مع مرور الأيام ؟ ، هل تستطيع الأم أن تنسى أبناءها ؟ ، هل يمكن للزوجة أن تنسى زوجها ؟ ، هل ينسى الطفل الذي أصبح رجلاً أن هناك من قتل أبويه و تركه يعيش في الحياة وحيداً يتيماً ؟ ، هل تنسى العوائل كم فقدت من فلذات أكبادها و خيرة شبابها ؟ و كم انتهكت من حرمات ؟ و كم عانت من ويلات ؟ ، هل يعتبر هذا النظام من التاريخ ؟ أم أنه لا يرى ما يجري و يُدمي القلوب في الجار القريب العراق ؟ 000

- لا بد من المصالحة الوطنية ، و لا يفيد تكرار المعزوفة البعثية الخالدة صباح مساء عن الوحدة الوطنية و الحرية و المساواة و العدالة التي ينعم بها شعبنا المقهور في سورية !!000 ، يجب أن يعرف رأس النظام أنه بسكوته و عدم إنهاء و إغلاق الملفات الدموية التي ميّزت و وسمت عهد أبيه ؛ و استمراره على نفس النهج في كبت الحريات و تكميم الأفواه يجعل كل ما حصل في عهد أبيه يجيّر لحسابه و يكتب في صحيفته و يتحمل مسؤوليته كاملة ، أما إذا وقف وقفة رجل مع نفسه كما فعل ملك المغرب مع جميع من ظُلم في عهد أبيه الحسن ؛ و كذلك فعل ملك البحرين ؛ فأن شعبنا الطيب سيبدل سيئات أبيه حسنات تسجل في صحيفته ، و سيكون بذلك قد وضع قدمه فعلاً في أول طريق الوحدة الوطنية و الزعامة الحقيقية ، أقول هذا الكلام ثانية – و الذي كررته كثيراً من قبل و منذ آلت السلطة للدكتور بشار قبل سبع سنين - رغم أن رأي أكثر أبناء شعبنا أن الوقت بات متأخراً ، و لو أراد الرئيس أن يفعل شيئاً لشعبه و وطنه لكان فعله خلال السنوات السبع التي انقضت من حكمه ، و التي تعادل تقريباً دورتين كاملتين لرئيس أكبر دولة في العالم – و هي الولايات المتحدة – و هي أطول فترة يحلم  الرئيس هناك أن يحكم بها أمريكا ( ثماني سنوات ) 0

- هل الشعب السوري أقرب إلى النظام الحاكم في دمشق أم الأعداء الصهاينة الحاقدين ؟ ، لماذا يتهافت المسؤولون السوريون على تقبيل أقدام و أيادي و( 00) الصهاينة و الأمريكان ؟، و يرسلون لهم الرسائل الصريحة المتتالية و بكل اللغات التي يفهمونها؛ و يرجونهم أن يجربوهم ليثبتوا لهم طيب النوايا و حسن الجوار؛ و يقدمون لهم كل التنازلات التي لم يكونوا يحلمون بها ؛ بينما يرفضون الاعتراف لشعبهم بحقوقهم المشروعة في الحياة الكريمة بدون قوانين طوارئ ؛ و بدون حزب قائد ؛ و بدون فروع أمن و مخابرات تلاحق حتى أحلام المواطنين و آمالهم ، و بدون سجون و معتقلات و بدون تمييز و نظرة شوفينية و تفرقة طائفية عنصرية 0 و الله إنهم لن يأخذوا من الصهاينة و الأمريكان إلا الوعود الكاذبة و السراب ، أما شعوبهم إذا ما أعادوا لها كرامتها و حريتها فسيحمونهم بأرواحهم و يفدونهم بدمائهم فعلاً لا قولاً ؛ و لا يغرّنّهم صريخ هتيفتهم و منافقيهم و أبواقهم الكاذبة التي ستنفض عنهم كما انفضت بطانة صدام عنه مع أول رصاصة وجهت إليه ؛ و سوف يبيعونهم كما باع الأسخريوطي المسيح قبل صياح الديك 0 و يومها لن ينفعهم نعيب غربانهم و لا نعيق بومهم  0

ما كل من مدحوا الشجاعة أقدموا** فأشد أسلحة الجبان كلام0

إذا لم نتعظ من التاريخ و مما يجري حولنا فنحن أغبى الناس ؛ و لن يكون مستقبل وطننا كما نريد له أن يكون 0

 إننا إذ نستذكر مجزرة حماة بعد ربع قرن من ذكراها المؤلمة لا لنجتر التاريخ و لكن لأننا نحلم بسوريا قوية متماسكة معافاة سليمة من العقد التاريخية و القهر المطبق و الإذلال اليومي و الأمراض المستعصية المزمنة ، فهل يتحقق هذا الحلم الجميل ؟؟!!000

و حتى يتحقق هذا الحلم الوردي المأمول نبقى نغني مع الراحل عبد المعين الملوحي :

(( تُرى أيعود للعاصـي صباه؟ ** فيرفل بعـد في ثوب قشيـب

ترى أأنام و الصفصاف يضفي ** عليّ الظلّ في المرج الخصيب ؟ )) 0

فما أبعد ما فات و ما أقرب ما يأتي !!!000

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ