ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 17/10/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

خريف السلام المفقود ...!.

د.نصر حسن

مامن شك أن ماتشهده فلسطين ومعها ساحة الشرق العربي في السنوات القليلة الماضية قد أضفى على اللوحة الدرامية مزيداً من التعقيد والتوتر بمايوحي بأن المنطقة ستستمر في حالة غياب الحلول والغوص أكثر في مستنقعات الحروب المحلية البينية والتمزق واستمرار دوامة العنف اللقيط المتشابك المصدر والمتداخل في أدواته والمجهول النهاية وكأن القوى المادية التي تحرك الأحداث قد فقدت توازنها وقدرتها على ضبط حركة الأحداث وسيقت المنطقة إلى حالة من الفوضى العامة المخيفة , وباتت عملية استقراء مستقبل المنطقة صعبة , من فلسطين إلى العراق إلى لبنان إلى سورية إلى قطر دائرة النار المتغير حسب متطلبات استمرار مظاهر عدم الإستقرار وإلى الدرجة التي انعدم فيها حد النهاية وكأن المنطقة قد دخلت نفق مظلم مجهول.

 

لاأحد يشك في أن مصدر الصراعات كلها في المنطقة هو القضية الفلسطينية ومط غير إنساني لعملية انتهاك حقوقه وطغيان الموقف المتناقض المزدوج من قضية حقوق الشعب الفلسطيني العادلة التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة حول حل القضية الفلسطينية على أرضية القراررات الدولية وتحديداً القرارات ( 338 و242 ) ومؤتمر مدريد للسلام الذي نص على " الأرض مقابل السلام " والذي مضى عليه أكثر من ستتة عشر عاماً ولم ترجع بعض الأرض بل تمزقت بجدران العزل العنصري والكراهية ولا بعض الحقوق بل غاصت فلسطين أكثر في مستويات جديدة مرعبة من انتهاك حقوق الإنسان وزيادة معاناة الشعب الفلسطيني وسد كل الأبواب السياسية والمعاشية أمامه , فلا مركزية سياسة الراحل عرفات ومؤتمر مدريد ومعها أوسلو عادت مقبولة , ولا الديموقراطية الفلسطينية عادت مقبولة ولاحقوق الإنسان عادت محترمة وكأن كل مقاربات الحل هي ضحك على الذقون واستهلاك الوقت ونقل الصراع من مستوى دموي إلى آخر ومن مستوى دولي إلى إقليمي ومنه إلى محلي بين أطراف السلطة الفلسطينية  وتضييع القضية في صراعات داخلية مصطنعة ,أي بشكل أدق ليس هناك قرار سياسي دولي بالحل بل هناك استسلام كامل للعبث الذي تفرضه القوة غير المنضبطة والتي تعبث بالفلسطينيين وحياتهم وبتجاهل كامل من كافة الأطراف التي كفلت وتعهدت تنفيذ السلام المفقود.

 

ونحن على أبواب مؤتمر سلام الخريف الحالي لابد من بعض الموضوعية في قراءة مايجري على الأرض وفي أروقة القوى الفاعلة في الصورة العربية الراهنة التي بحكم ترابط الأحداث فيها أصبحت كلاً موحداً في دوامة صراع داخلي خارجي هو أكبر من قدرة الأطراف الداخلية على الحل , كلاً موحداً مضغوط في مأساة الشعب الفلسطيني والعراقي والبقية على الطريق , هل فقدت أنظمة الحكم العربية قدرتها وحتى البوليسية على ضبط الصورة ؟! هل فقدت المقاومة الفلسطنية بوصلتها وأصبحت تلف في مدارات أخرى بعيدة عن قضيتها الأساسية ؟! وهل فقدت أطراف السلطة الفلسطينية وعيها ولم تعد تميز أهدافها وانحدرت إلى صراع يريده الإحتلال؟! ومثله ينطبق على العراق وعلى القوى الداخلية التي تتحكم في مسار الأحداث الدامية  التي تتم بصمت ومشاركة الكثير من تجار السياسة والدم والبارود؟!هل فقد العرب حكاماً ومحكومين بقايا قدرتهم على التأثير بالأحداث وأصبحوا وقوداً في لعبة الموت الدنيئة التي تشهدها المنطقة ؟! وهل وهل وهل هناك من بوادر أمل بالخروج من هذا النفق المظلم؟!.

 

تبدو الصورة ملتبسة لدى كل الأطراف المشاركة والمتشاركة في رسم ملامحها الدامية والعنفية واللاإنسانية وأول مؤشرات لبسها هو تعدد الخرائط والمؤتمرات ولحظيتها وعدم رغبة الأطراف الفاعلة فيها من الوصول إلى حل , وإصرارها على استمرار تدوير المنطقة في الدائرة المأساوية من فلسطين إلى العراق إلى لبنان إلى سورية إلى الدائرة العربية الأكبر التي تراخت مفاصلها ولم تعد تملك حتى قدرة المشاهدة , وكأن محدداتها المادية والسياسية والجغرافية والإنسانية قد تلاشت وخارت إلى مستوى من القصور والوهن الذي يمثل الدور الفعلي الذي وصل إليه النظام السياسي العربي الرسمي  عبر نصف قرن , وفي إطار هذا العجز المهين وضمن الفوضى السياسية العامة المصطنعة والتي دخلت معظم التشكيلات العربية فيها وأصبح الجميع رهن معالجات خارجية إلى الآن أثبتت عدم مصداقيتها السياسية والإنسانية وفشل قرارات التغيير والتحول الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان ,بل أنتجت العكس تماماً وهو التشقق في البنى الإجتماعية والأهلية والشقاق بين الواجهات السياسية وفلتان الغرائز والصراعات المذهبية والعرقية وغياب الحلول السياسية لكل مشاكلها .

 

ماذا عساه مؤتمر السلام في الخريف القادم أن يقول حول فلسطين وحول حقوق الشعب الفلسطيني ؟!وماذا عسى القوى التي جرت المنطقة إلى وهم الديموقراطية أن تقول ؟! هل هو تسفيه محددات الواقع كلها ؟! وتسفيه القناعة بالديموقراطية واحترام حقوق الإنسان التي تنتهك بشكل خطير على مرأى ومسمع من العالم كله؟!.وماذا ستنتج صراعات المنطقة في ظل هذه الحالة الغير إنسانية والمتروكة لفوضى العنف والتطرف والإقتتال؟!.

 

إن مقاربات الحل السياسي والإنساني للقضية الفلسطينية هي واضحة ولاتحتاج إلى منجمين ومحللين وخبراء حقوق إنسان ,بقدر ماتحتاج إلى النية والإرادة السياسية في تطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والتي التزم بها الطرف الفلسطيني والعربي منفرداً على طول مسار الصراع الدامي , تحتاج إلى رؤية عميقة وثاقبة ومسؤولة لما وصلت إليه أحوال شعوب المنطقة , تحتاج إلى مقاربات حريصة على الإستقرار والأمن الدوليين لأن لهيب النار والبارود المشتعل في المنطقة قد تعداها وينذر بكوارث على الجميع ,تحتاج إلى تبني دولي لأن القوى المحلية كلها قد عجزت عن التفاهم والوصول إلى حل , تحتاج إلى عقلاء عرب يفرزون القمح من الزيوان ويبتعدون عن الردح والشحن الطائفي والمذهبي ويعترفون بقدرتهم الفعلية في إطار الحل , تحتاج إلى مفكرين ومثقفين وسياسيين في الساحة العربية بعيدين عن الأصولية الدينية والمذهبية والسياسية , تحتاج إلى من يحترمون حق الحياة الحرة الذي هو أغلى من النفط وأسمى من المصالح الضيقة التي أثبت التاريخ أنها لايمكن أن تتحقق على حساب حقوق الشعوب , تحتاج إلى الإعتراف العلني والصريح بمشاركة أصحاب الحق مباشرة في تقرير مصيرهم , تحتاج إلى عمل سريع بتطويق الأصوليات الجديدة التي فرختها الفوضى والظلم , تحتاج إلى قناعة بأن المشاركة في الثروة والتنمية البشرية والإنسانية وصناعة مستقبل جديد مشترك ليس طريقه الإحتلال والحروب بل الإعتراف بالآخر واحترام حقه وإنسانيته وخياره في الحياة , تحتاج إلى الإقرار بأن معاناة الشعب الفلسطيني على امتداد أكثر من نصف قرن كافية لتصحيح الخلل الإنساني وإعادة الإعتبار إلى  المعايير القانونية والأخلاقية  في العلاقات الدولية والتسليم بأن العيش على موت الآخرين هو من المستحيلات التارخية .

 

وأخيراً إن  السلام بما هو حالة إنسانية بين الأمم والشعوب تاريخياً لايصنعه الضعفاء المغلوبين على أمرهم والمنتهكة حقوقهم وإنسانيتهم والمشردين في أوطانهم وخارجها ,بل يصنعه العقلاء الأقوياء اللذين يملكون القوة المادية والأخلاقية والتأثير في السياسة الدولية , المصيبة الكبرى أنهم وضمن معطياتهم الحالية لازالوا حائرين في المؤتمرات  وأسرى  السلام المفقود..!.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ