ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 01/02/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ دراسات  ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

الكثير من تصلب "حزب الله"

تفسره علاقته بجمهوره

رشيد حسن

القضية البارزة في واقع "حزب الله" الآن هي البَوْن المتزايد اتساعا بين الصورة التي كوّنَها في أذهان جمهوره الشيعي وربما العربي الأوسع عن كفايته كقيادة ملهمة تجيد صنع الانتصار حيث فشل الآخرون، وبين الأداء السياسي المتناقص على الأرض للقيادات نفسها منذ انزلاقها غير المتبصر إلى المستنقع السياسي اللبناني خصوصا بعد حرب تموز 2006 ثم الغزوة غير الموفقة التي سعت لإطاحة الحكومة اللبنانية، والتي تصدرها "حزب الله" في اعتصام مفتوح (أصبح بلا أي أفق) منذ مطلع كانون الأول 2006.

إن مجرد اضطرار حزب المقاومة لإخلاء المجال الوطني اللبناني (فلا مظلة وطنية حقيقية فوقه الآن) والتحصن بالطائفة الشيعية وتوسل ثقلها البشري مادة في الصراع يعكس مدى الانكشاف الاستراتيجي الذي أصابه بسبب حرب تموز، وهو انكشاف تفاقمه الأزمة الحالية ويحتاج الحزب -وربما مرشده الإيراني- للتفكر الصادق في تبعاته القريبة والبعيدة قبل استفحال المشكل.

كما أن تحول الحزب عن قضية تحرير مزارع شبعا (التي ويا للمفارقة قد تصبح في وقت ما إحدى أهم إنجازات "حكومة فيلتمان") إلى صراع استنزاف داخلي ذي منزلقات مذهبية بيّنة وجه آخر لانحسار محزن، وهذا مع ملاحظة أن رهان الحزب الداخلي سقط سريعا (بسبب الخبرة المحدودة في تعقيدات المستنقع السياسي اللبناني ومخاطره) في تكتيكات تبسيطية وقاموس اصطلاحات مستعارة من الحرب مع إسرائيل مثل "النصر" و"الحسم" و"إسقاط الحكومة". زد على ذلك تحديد مواعيد للحسم أعلنت بثقة غير معهودة على رؤوس الأشهاد وشاشات التلفزة. وأصبح هذا الوعد بالحسم حجرا كبيرا يقيد حركة الحزب وقيادته لأنه إذا حاول الاندفاع عبر "تصعيد نوعي" فإنه يغامر بجر البلد إلى فتنة داخلية وفوضى، وإذا لم يتحقق ما وُعِد به الجمهور المتجمع في انتظار رأس الحكومة فإن ذلك قد يبدأ بإيذاء هيبة الحزب وصدقيته والنظرة إلى كفايته السياسية حتى داخل الطائفة الشيعية، وقد يفتح ذلك تالياً الباب واسعا لمراجعات تتحدى الأحادية التي استطاع الحزب توطيدها (مع حركة "أمل") داخل بيئته السياسية.

هناك بالطبع من يعتبر العامل الخارجي أساسيا في تقرير تحركات "حزب الله" على الأرض ولا سيما ولاء الحزب للسلطة الدينية في إيران وفي الوقت نفسه ارتباطه بحلف "مصيري" مع النظام السوري. لكننا نعتقد أن الديناميكية الخاصة بعلاقة الحزب وجمهوره الشيعي تلعب دورا إضافيا مهما في تحديد مواقفه - وكذلك اللغة السياسية التي يستخدمها- خصوصا منذ حرب 12 تموز 2006.

أحد الجوانب المهمة لهذه الديناميكية الداخلية هي الصورة التي غرست في المعتقد السياسي الشيعي عن كون الحزب قوة لا تقهر، بل وممدودة على الأرجح من قوى غيبية لا يعلم سرها إلا نفر قليل من صانعي النصر المعصومين عن الخطأ والممسكين بناصية الأحداث وعمل التاريخ. ومن الواضح أن قيادة "حزب الله" شجعت على نشر هذا المفهوم الغيبي في الأوساط الشيعية -كما كشفت خطبة النائب علي عمار الشهيرة وبعض الكتيبات - ربما بهدف التعبئة ورفع المعنويات القتالية في فترات المقاومة الصعبة والحض على بذل كل التضحيات في سبيل الهدف المنشود.

لكن هذا النسق من الارتباط مع الجماهير بمواعيد الغيب والوعود الصادقة أسلوب غير مفهوم ومنزلق خطر في ظروف العمل السياسي الداخلي لأنه يكبل القيادة السياسية ويحرمها من إمكان، بل حق، الخطأ أو التراجع عنه عند الحاجة، كما لا يمكن مواءمته بأي حال مع آليات "الديموقراطية اللبنانية" التي تقوم أصلا على التوليد المستمر للتسويات والحاجة إلى المرونة القصوى بما في ذلك التفاوض وتبديل الأحلاف وتعديل المواقف بالسرعة التي قد يتطلبها أي تبدل في المعطيات والحسابات.

وقد تراجع البابا المعصوم لاهوتيا واعتذر تكرارا وبسرعة لافتة عن بعض الملاحظات غير الموفّقة التي أدلى بها حول دور الرسول العربي (ص) والإسلام حرصا على مسيحيي الشرق، لكن قيادة "حزب الله" ما زالت ترفض مجرد البحث في رفع اعتصام مكلف للبلد ولم يحقق أغراضه، في وقت لم تقم حتى الآن - باستثناء سيل الاتهامات الموجهة للفريق الآخر- بأي مراجعة علنية لحرب تموز ودروسها باستثناء الجملة العابرة (التي اشتهرت الآن) "لو كنت اعلم".

ويجب القول إن الكثير من مظاهر التشدد والإصرار وضعف المرونة في المواقف السياسية الأخيرة للحزب يجد جذوره في نوع الرابطة التي تقوم بينه وبين جمهوره وحاجته لتوكيد هيبته وفرض الانضباط داخل بيئته السياسية ومنع أي منازعة بشأنها. فهذه العلاقة هي في الأساس علاقة إتباع غير مشروط من الجمهور بقيادة ملهمة (تتصل بالولي الفقيه) وتمتاز بسبب ذلك بالعصمة عن الخطأ والمقدرة على تحقيق انتصارات مدوية لا يمكن تفسيرها إلا بنوع من الإمداد الإلهي. لكن هذا النمط من القيادة الموصولة وإن كان يصلح لحشد الناس وتوطيد آحادية الزعامة داخل الطائفة فإنه مع الأسف لا يستطيع استيعاب نكبة بحجم حرب تموز بمفاهيم سياسية أو تحليل استراتيجي أمين. وهذا هو سر بروز التشخيص "الكربلائي" للحرب وما تبعها. لأن التحليل السياسي الأمين قد يصل إلى نتيجة أن قيادة "حزب الله" ربما أخطأت ولا تزال في الخطأ (وهو أمر محال حسب نظرية العصمة) أما التحليل الكربلائي فإنه يسمح بإزاحة المسؤولية السياسية إلى خصم جاهز وسهل التناول ويضاعف في الوقت نفسه التفاف الجماعة حول القيادة "المخذولة" ظلما وعدوانا.

لكن إذا كان تفسير النكبة باعتبارها نتيجة "الطعن في الظهر" أمرا قابلا للتصديق بسبب التوجس المذهبي وتراجع الثقة فكيف نشرح أمر النصر الموعود الذي لا يتحقق رغم المواعيد المتوالية المضروبة؟ هنا المشكلة أصعب لأن القيادة الموصولة والمنزهة عن الخطأ إذا وعدت بشيء فهي لا بد آتية به أين ومتى وعدت. فإن ظهر أنها أخفقت رغم العصمة المفترضة فإن أهم أسس الولاء غير المشروط لها من جمهورها قد تهتز كلها من الأركان.

من هنا فإن في إمكان هذه القيادة إما التصرف كما فعل البابا فتقرّ بتواضع حقيقي بالخطأ وإما أن تتابع الاندفاع خوف أن تعطي ولو أدنى إشارة على أنها ممن يتراجعون وتالياً يخطئون الحساب، وعندها فإنها ستبرهن على أنها من طينة بشرية مثلها مثل أي سياسي آخر ولا تفضل الآخرين بما يوجب عليهم الطاعة والإتباع. وفي انتظار حدوث معجزة ما (إذا كان في السياسة معجزات) يصبح العمل الملح ليس التراجع عن موقف فقد مبرراته أو استنفد الغاية منه، بل خلق الانطباع بالتقدم من محطة إلى محطة أو إعطاء الجمهور المتعب والمشوش أسبابا تشرح لماذا تأخر النصر، وها نحن أخيرا نجد ابتعادا حذرا عن مصيدة المواعيد لكن مع التأكيد الدائم على أن النصر سيتحقق ولو بعد حين.

هذا النوع من "العقد الخلاصي" بين جمهور مليوني وبين قائد ملهم وجدت حالة مشابهة له مع الرئيس الراحل عبد الناصر "حبيب الملايين" الذي اعتقد العرب من المحيط إلى الخليج أنه سينهي الوجود الصهيوني من فلسطين بصواريخ "القاهر" و" الظافر". واستمر انتظار الجماهير للنصر الصاروخي إلى أن أفاقت هذه مرتعبة على ضجيج الهزيمة المدوية صبيحة يوم من أيام حزيران 1967. وقد أظهرت تجربة عبد الناصر (للمرة المائة) خطورة بناء الزعامة السياسية على عبادة الشخص والتعبئة الخطابية وخلق التوقعات المرتفعة لدى الجمهور، وبدأت الناصرية بالأفول السريع بعد الهزيمة واحتاج الأمر ثعلبا براغماتياً (وليس بوقا خطابيا) مثل أنور السادات لكي تتمكن مصر من استرجاع أرضها وكرامتها ودورها في المنطقة.

أما "حزب الله" فكانت أزمة حرب تموز وما تبعها بالنسبة له أشبه بنكسة حزيران الناصرية (أو نكسة المنظمات الفلسطينية عام 1982) إذ أدى خطأ في الحساب (مع وجود النيات العدوانية الإسرائيلية بالتأكيد) إلى رد فعل صاعق تبعه "احتلال دولي" لأرض الحزب وساحته وإلى إضعافه تالياً عسكريا وسياسيا. وأصعب ما أنتجته حرب تموز والقرار 1701 على "حزب الله" كان ولا شك أنها "أقالته" بالقوة من وظيفة المقاومة التي احترفها وأجادها وألقت به في الوقت نفسه أمام مشكلة لبنانية وشيعية هائلة من خلال التدمير المنهجي للبنى الأساسية اللبنانية وللقرى ذات الأكثرية الشيعية وللضاحية الجنوبية.

وكان الطابع العقابي الشرس لحرب تموز الإسرائيلية-الأميركية ثم التدويل الشامل للجنوب اللبناني بمثابة مفاجأة صادمة للحزب مازال يجد صعوبة كبيرة في التكيف معها أو قبول تبعاتها حتى اليوم. فبعد سنوات طويلة من الهيمنة على الجنوب والمنازلة المفتوحة على الحدود "حُشِر" "حزب الله" مع مخزونه الصاروخي في ساحة داخلية أضيق بكثير من حجمه ودوره الإقليمي المفترض. وكان خروج الحزب من الجنوب في الظروف المأسوية التي تم فيها بمثابة نكبة أصابته في صميم كبريائه أمام جمهوره وأنصاره في لبنان وفي العالم الواسع. وفوجئ الحزب في الوقت نفسه بما شعر أنه على الأقل عدم الاكتراث بمصابه ومصاب جمهوره، ورافق ذلك المناهضة المكشوفة له من قوى لم يعتقد يوما أنها ستجرؤ على تحديه مباشرة وخارج الضوابط أو التوريات الخادعة التي جرى احترامها فقط في ظل الهراوة السورية.

وأفضى كل ذلك إلى مزيج من شعور الحصار وإحساس متزايد بالغيظ والمرارة في مواقف "حزب الله" من الخصوم، لكن مزيج المرارة والغيظ تحول أيضا إلى الحاضنة النفسية لنظرية "كربلائية" متكاملة في تفسير ما حدث تعتبر أن بعض اللبنانيين "خذلوا" الحزب "الحسيني" وطعنوه في الظهر في عز المعركة. وكم كان مناسبا (ومقنعا للرأي العام الشيعي على الأقل) أن يكون بين هؤلاء الخونة "الأعداء الطبيعيون" بسبب تحدرهم من نسل يزيد وقومه ومغتصبي السلطة في عهد الخلافة إلى آخره. وبالطبع كما في كل تأريخ كربلائي فإن الخيال الشعبي ومشاعر الحمية لا تلبث أن تكمل ثغرات الرواية و تبتدع ما يملأ صفحات الكتب من تفاصيل النكبة و"مراسلاتها" وفضائح الوشاية والخيانة والتنكيل. وهذا السيناريو الكربلائي قد ينفع لبعض الوقت في كبت النقاش وشغل الجمهور المنكوب عن البحث في المسؤوليات، لكنه حتما لن يكون بديلا من إستراتيجية مواجهة ديناميكية وخلاقة تحمي الحزب والطائفة الشيعية (ولبنان) من شر العواصف التي تتجمع غيومها القاتمة في الأفق.

بكلام أخير أن التحدي الأكبر لـ "حزب الله" لا يأتي اليوم من خصوم الخارج فحسب بل هو يأتي بقدر كبير من المنظومة المعتقدية الضيقة بل المغلقة التي ترعرع فيها وأصبح الآن سجينها، وقد أصبحت هذه المنظومة اليوم أكبر حجاب قد يحول بينه وبين التفكير السياسي السديد عند المنعطفات الخطرة والمصيرية.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ