ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 05/09/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

دستور الطائف .... تصحيحٌ متأخر، ولكنه جاء

الطاهر إبراهيم*

الذين راقبوا عن كثب الاجتماعات الماراثونية التي عقدها أعضاء مجلس النواب اللبناني بمدينة الطائف السعودية -وقد عمّر أعضاؤه فترة تقارب ربع قرن- أواخر ثمانينات القرن العشرين، أدركوا أن الحركة المكوكية التي جرت بين "الطائف" ومدينة دمشق كان الغرض منها مقاربة ما تصر عليه دمشق مع ما يريده النواب المسيحيون في المجلس العتيد. المهمة كانت غير عادية، لذا فقد اختير لها رجل "المهمات الصعبة"، الشهيد "رفيق الحريري" الذي قبل التحدي فاضطلع بالمهمة وهو يعرف أنها لم تكن سهلة.

لايفوتنا أن نشير هنا إلى أن الرئيس "حافظ أسد" رغب إلى الحريري –في زيارة له لدمشق قبل إبرام "الطائف"- أن يكون رئيسا للوزراء في حكومة ما بعد الطائف، فأبدى "الحريري" تخوفا من أن أي خلاف قد يقع بين الرياض ودمشق: "سيجعلني أقف بجانب الرياض، فلحم أكتافي من خير السعودية" على حد تعبير "الحريري". استطرادا، فإن العارفين بخفايا سياسة السعودية في لبنان -وفي غيره- قَبْل الحريري ومعه وبعده، يؤكدون أنها كانت تصب في مصلحة لبنان. إذ لا مصلحة إقليمية للسعودية في لبنان، إلا أن تراه مستقرا.

قبل الطائف كانت صلاحيات رئيس الجمهورية اللبناني حسب الدستور المكتوب والممارس كادت تكون هي كل شيء في لبنان. ما جعل رئيس الحكومة اللبنانية السني القوي "رشيد كرامي" -قتل في حادثة طيارة، لم تفك طلاسمها حتى الآن- يخوض نزاعا سياسيا مع كل رؤساء الجمهورية الذين عاصرهم كرئيس للحكومة لكي ينتزع صلاحيات للحكومة، ولو بالتقسيط،  أو كما يقال "من فم السبع".

الطوائف الثلاث الكبرى –الموارنة السنة الشيعة- تقاسمت الرئاسات الثلاث، في اتفاق غير مكتوب. وعندما انتهت رئاسة الشيخ أمين الجميل في عام 1988، كان معظم الموارنة قد تمترسوا في خندق واحد يناصبون منه سورية العداء. أما الطائفة الشيعية فقد رهنت موقفها إلى جانب سورية. وأماالسنة فلم يعودوا طائفة سياسية واحدة كالموارنة والشيعة بل طوائف ،خصوصا بعد اغتيال الرجل السني القوي فيها، "رشيد كرامي"، وأصبحوا زعامات تتسابق لنيل رضا دمشق.

ولأن رئاسة الحكومة كانت لأهل السنة، التي تفرقت زعاماتها "أيدي سبأ" بعد أن شرزمتهم دمشق، فقد أصر الرئيس "حافظ أسد" –وقد ضمن ولاء رئيس الحكومة السني- أن تقتطع الحكومة، مجتمعة، بعض الصلاحيات التي كانت لرئيس الجمهورية. فسُحِبَت منه صلاحية تعيين الوزراء، وأصبح تعيين رئيس الحكومة خاضعا لاستشارات ملزمة. بل إن الحكومة أصبحت -في دستور الطائف- شريكا لرئيس الجمهورية في كثير من صلاحياته، فغدت الرئاسة وكأنها برأسين. ومع ذلك أصر المسيحيون في دستور "الطائف" على إبقاء بعض الصلاحيات الهامة بيد رئيس الجمهورية، ما جعل دمشق –بحكم تمركز قواتها في لبنان- تحاول أن تكون هي من يصنع الرؤساء، وهذا ما قد حصل في انتخاب الرئيسين "الياس الهراوي" و"إميل لحود" والتمديد لهما.

في حياة الرئيس "حافظ أسد" لم يواجه رئيس الجمهورية الماروني أي مشاكل مع الحكومة، طالما أن رئيسها كان يأتي ضمن آلية محبوكة تماما، ومشدودة بخيوط إلى بؤرة في دمشق. تمثلت هذه الآلية بأن لا يتم انتخاب مجلس نواب إلا في عهد رئيس موالٍ لسورية، يشرف على نجاح أكثرية برلمانية موالية. ولايتم انتخاب رئيس جمهورية إلا في ظل أكثرية نيابية موالية لسورية. هذا لم يمنع من ظهور بعض التطلعات لدى بعض الزعامات المسيحية تم التعامل معها -سوريا- بكل لباقة، طالما أن "التسوية" تتم من "جيب" لبنان.

في حياته والحق يقال، فقد تمت إدارة لبنان كماأراد حافظ أسد. فلم يسمع العالم صوتا لبنانيا معارضا. فقد أرضى حافظ أسد واشنطن، فوضعت هذه في أذنيها قطنا حتى لا تسمع تذمر المسيحيين. أما أهل السنة فقد أخذوا العبرة ممن اغتيل من زعاماتهم، مثل "رشيد كرامي" والمفتي "حسن خالد" والشيخ الأديب "صبحي الصالح" والإعلامي "سليم اللوزي"، وغيرهم كثير. كما أن "كمال جنبلاط" لم يكن عنهم ببعيد.

لسنا هنا في مقام مدح عهد الرئيس حافظ أسد أوذم عهد الرئيس بشار، على الأقل في لبنان ،فقد كانت الخطوط الرئيسة للعهدين واحدة لم تتغير. غير أن ممارسة السياسة على الأرض لم تكن نفسها في العهدين. في لبنان كانت كل زعامة مسيحية لها أجندتها الخاصة. إلا أن تلك الأجندات اضطرت لأن تتساوق مع غيرها بما ترضى عنه دمشق في عهد حافظ أسد، لأن الكل –في لبنان كما في سورية- كان في خدمة العهد. حتى الذين كانوا خارج الموالاة أُفهموا –دون أن يُعطوا حقهم- أنه "ليس في الإمكان أبدع مما كان". فكيف إذن ؟ ومن أين جاء الخلل حتى وصل الأمر إلى ما نشاهده الآن بعد عهد الرئيس الراحل؟

في اعتقادنا أن السبب الرئيس يكمن في تنافس الموالين اللبنانيين. فكل واحد منهم كان دولة بعد أن غاب "الكونترول" الذي كان يضبط حركة الجميع. وجاء التمديد للرئيس "إميل لحود" –في ظل رفض وتنديد دولي- ليكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير.

اغتيال الحريري يقلب السحر على الساحر؟

في هذه الأثناء طالب أهل السنة في لبنان بحقوق لهم كانت مضيعة، أسوة بطائفتي الموارنة والشيعة. ومع أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يأخذ مكانته لكونه من السنة فحسب، بل لجدارته في إدارته شئون الدولة بقوة واقتدار أيضا. إلا أن الفاشلين من الموالين اللبنانيين فسروا الأمر بأنه نزوع طائفي سني للسلطة. بل زعموا أن الحريري أضحى يشكل خطرا على النفوذ السوري في لبنان! فلا بد إذن من إزاحته من الطريق!.

بعد اغتيال الرئيس "الحريري" هبت رياح عاتية من عدة اتجاهات متعاكسة، حتى غدا لبنان ريشةً في مهب الريح. وإذا كان دستور الطائف قد صيغ بحيث يتم تقليص صلاحية الرئيس الماروني لصالح حكومةٍ، افتُرِضَ أن يكون رئيسها السني هو الآخر مطوقا بوزراء صوّت على الثقة بهم مجلس نواب جاء وفق حسابات خاصة، فإن اغتيال الحريري قد قلب الطاولة على أصحاب تلك الحسابات فجاء نواب عام 2005 وفق أجندة مختلفة. كماأن اختيار "فؤاد السنيورة" رئيسا للحكومة جاء على غير القياس الذي كان يُفصّل عليه رؤساء حكومات ما بعد الطائف، فلم يعد في برنامجه أن يزور دمشق قبل كل قرار يتخذه.

يبقى أن نقول أنه مهما قيل في حكومة السنيورة، وأنها حكومة "فيلتمان"، فقد استطاعت أن تكون رقما صعبا داخل لبنان يصعب تجاوزه في أي صيغة يصاغ بها لبنان مستقبلا. ولقد رأينا "فؤاد السنيورة" يرسخ أقدامه في "السراي" الحكومي غير آبهٍ للمظاهرات المليونية ولا نصف المليونية، ولم تفزعه الاعتصامات التي طوقت السراي، ولا هجوم الرئيس نبيه بري عليه، بمناسبة ومن دون مناسبة، وهو يراه كالطود في مواجهة العاصفة. وما تزال مقولته الشهيرة: "لن أسمح بأن يفرض علي أن أقيس تركيز الوطنية في دمي يوميا"، يرجع صداها في الآذان.

وكأني بالسنيورة وهو يرى دستور الطائف وقد تُرجم أخيرا إلى حكومة –بخلاف المعهود- غير "مبرمجة" لكنها مناسبة، مخيّبةً آمال من أرادها أن تكون على قياس موحد فلا يدخل "السراي" إلا أصحاب القامات القصيرة، فجاءت حكومته على غير القياس، يبتسم وقد رأى السحر ينقلب على الساحر، فيقول لمن أرادها أن تكون مبرمجة: "يداك أوكتا وفوك نفخ". 

*كاتب سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ