ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 25/06/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

مأساة الشباب الديني والديمقراطي

غسّان النجّار*

كنت في زيارة دورية للسيد محافظ حلب: حسين بطّاح مطلع عام ثمانين وتسعمائة وألف ، برفقة زميليّ من نقابة المهندسين المرحوم المهندس عبد المجيد أبوشالة والدكتور المهندس محمد نبيل سالم الأستاذ البروفيسور في ميكانيك التربة في كلية الهندسة بجامعة حلب ، وبالمناسبة فانّ زميلنا المرحوم المهندس أبوشالة، مكث معنا في الاعتقال زهاء عشر سنوات، حتى استفحل به مرض خبيث ، الاّ أن السلطة على الرغم من تردّي حالته الصحيّة لم تفرج عنه الاّ قبيل وفاته بفترة وجيزة ، أمّا البروفسور الدكتور نبيل سالم ، فقد تمّ تسريحه من وظيفته مع مجموعة من أساتذة الجامعات ومكث معنا في السجن مدّة اثني عشر عاما بالإضافة إلى زملاء آخرين من نقابة المهندسين والمحامين في كل من دمشق وحلب .

كان تواصلنا مستمرا مع المسئولين الرسميين ، وكنّا هذه المرّة في زيارة للسيد محافظ حلب، وقد استفحل الأمر في مدينة حلب ومناطقها ، وبات الأمر عصيّا على السلطة، وقام النظام بتصعيد مواقفه ، فتمّت الاعتقالات الجماعية العشوائية وتوغلت السلطة في المداهمات الليلية وعزل الأحياء وتفتيشها ، وقطع الطرق ومنع التجول ، وكانت الاعتقالات تطال الناس على الشبهة ، دون تمييز بين صغير وكبير ، متّهم أو بريء ، شاب أو فتاة ، كما تمّ اختطاف بعض المسنين المرضى من فراشهم ووجدت جثثهم في اليوم التالي ملقاة في حاويات القمامة ومنهم الشيخ عبد القادر الخطيب والأستاذ الجامعي الدكتور محمود الزرنجي وغيرهم .

وهذا يذكّرني بمقولة بعض المسئولين الأمنيين لنا وكنّا حينها في معتقل الشيخ حسن ، قيل لنا ؛ إن السجن هو خير لكم ، إذ يمكن أن تطالكم بعض العصابات وتذبحكم وترميكم في المزابل ، ووجودكم هنا هو حفظ لكم، وهذا يمكن أن يفسّر أن بعض الأجهزة العسكرية كانت تتصرّف من تلقاء نفسها دون الرجوع إلى القيادة السياسية ، كما حصل في مجزرة هنانو في حلب وغيرها .

قلت للسيد المحافظ – وقد شكى من استعصاء المدينة - : انّ هذه الطريقة العشوائية في الاعتقالات والمداهمات الليلية للمنازل ، لاتخدم في حل المشكلة ، فمن الطبيعي أن يتعاطف الناس مع أقاربهم أو أصدقائهم ، وأن القمع يولد الانفجار وأنّكم بذلك توسّعون من دائرة المعارضة المدنية السلمية وكذلك المعارضة المسلحة ؛ أجاب السيد المحافظ : إذا بقيت المدينة هكذا فسنقصفها بالمدفعية ، قلنا ؛ لكنّ هذا يؤدي إلى خراب المدينة وحرقها ؛ أجاب : فلتحترق المدينة ل ( أيري ) وأشار إلى ذكره ؛ أقول هذا مع الاعتذار للقارئ ، فليس من عادتي الفحش في الكلام ، لكنني أوردهاهنابالنص للتوثيق والتاريخ ؛ نعم قالها السيد المحافظ بالفم الملآن دون حسّ أو رادع بالمسئولية ودون اعتبار أنّه يمثّل رئيس الجمهورية في أكبر محافظة سورية يصل تعداد سكّانها مايزيد عن أربعة ملايين نسمة ، وردّا على الاعتقالات العشوائية قال المحافظ : نحن نحتجزهم كي لايتورطوا مع ( العصابات ) وهذا لمصلحتهم !!.

روى لي أحدهم ؛ أنّ مفرزة اقتحام مدججة من ألوية المغاوير ، اقتحمت منزله عنوة بعد منتصف الليل وهي تحمل على بطونها بريجيكتورات مبهرة الضوء واقتحمت غرفة نوم الأطفال وفوجئت الطفلة ابنة سبع السنوات بهذا المنظر الرهيب فتساقط شعرها على الفور .

إنني إذ أورد هذه الوقائع كي أدق ناقوس الخطر أن الجهات الأمنية لا تنفك الآن تعتقل الشباب على خلفية دينية أو خلفية ديمقراطية دون روية أو تعقّل وتلقي بهم في السجون مددا طويلة قبل أن تحاكمهم السلطة حيث تبحث لهم عن ذريعة (طبع مقال – توزيع أقراص ليزرية- تصوير موضوع ينال من النظام – رصد كلام نقدي أو تجمّع شباب بريء ) ، ثمّ تستخرج اعترافات تحت التعذيب تطرحهم بها إلى محكمة أمن الدولة الاستثنائية ، تلك المحكمة المشكوك في دستوريتها ( يراجع تقريرالاستاذة المحامية الناشطة رزان زيتونة ) ، فتصدر أحكامها القاسية : 7-5 سنوات بحق السيد عمر العبدالله وزملائه الطلاب الجامعيين :حسام وماهر وطارق وأيهم ودياب وعلام .

وهناك قوائم أخرى كبيرة من الشباب الموقوفين تنتظر دورها في محكمة أمن الدولة على خلفية دينية : ( تبني الفكر السلفي الوهابي ) أو الانتساب( لحزب التحريرالاسلامي) أومن أبناءوأحفاد(جماعةالاخوان المسلمين).

هذه الإرهاصات وهذه المقدمات لا تبشّر بخير للوطن ؛ وإنني إذ أستذكر بمرارة أحداث عام ثمانين وما تلاها من القرن الماضي ، أقول للعقلاء من المسئولين : أرجوكم لا تعيدوا تكرار تلك الأحداث فالمسئولية تقع على عاتق النظام كما أسلفت في المقدمة، والأمور لا تعالج بالاعتقالات الجماعية والأحكام التعسفية ذات الأحكام الجاهزة سلفا وهي أحكام جائرة بحق الشباب ذوي الخلفية الدينية والديمقراطية، مما يعطي انطباعا أن ّ النظام لازال في معركة مستمرة مع الإسلام وأبنائه فهؤلاء الشباب تعالج قضاياهم بالحوار معهم ورعايتهم وانتشالهم من البطالة ومنحهم هامشا من حرية التعبير وحق الكتابة ورفع الحظر عن المواقع الاليكترونية .

إن السلطة بإصدارها هذه الأحكام المقولبة إنما تريد أن تقضي على شعلة الشباب التوّاق إلى الحرية ، التوّاق إلى الدين بمفهومه الحضاري والإنساني ولا يمكن أن يتخلى عنه بأي حال من الأحوال.

إن الشباب العربي والمسلم يعيش حاليا في أزمة نفسية ، فهو في محنة ومأساة إنسانية ، وهو لايدري ماهي حدوده في الكلام ، فان تعرّض إلى الوضع المأساوي الداخلي والفساد المستشري ، فهو( ينشر أنباء كاذبة من شأنها أن تنال من هيبة الدولة )، وان تكلّم عن علاقات سورية الدولية فهو يتكلّم بمقال (لاتجيزه الحكومة تعرّض سورية لخطر أعمال عدائية وتعكّر صلاتها بدول أجنبية ، أو تعرّض السوريين لأعمال ثأرية )وان تكلّم الشباب بالدين الوسطي المستنير فهم يستثمرون الدين للسياسة أو يتعرضون للطائفية ، إن هذا الحجر والإغلاق لعقول الشباب ، يجعل طائفة أخرى تنحو إلى التطرف والتعصب وهكذا تنعت السلطة الجميع (بأصحاب الفكر الاقصائي أو التكفيري والإرهابي) وكل ذلك تقع مسئوليته على عاتق الدولة والنظام

إن الدولة التي لا تقدّر أهمية الشباب الملتزم خلقيا وعقديا والمتحرر وجدانيا وتفضّل أن تنحو بهم إلى دروب التحلل كي لايلتزموا بمبدأ ولا يطالبوا بحركة تحرر ؛ إن هذه الدولة هي في عجلة من أمرها إلى التفسّخ ثمّ الاضمحلال والزوال 0

وأخيرا أنعي على قوى المعارضة وجمعيات حقوق الإنسان ولجان المجتمع المدني عدم الاهتمام الكافي والدفاع عن هؤلاء الشباب المعتقلين على خلفية دينية وديمقراطية- وهم يعدّون بالمئات في سجون النظام- وكأنّهم من سقط المتاع فان التضامن معهم هو في حدوده الدنيا وهم يعتبرون في كل المقاييس سجناء رأي وضمير وهم يحالون بالجملة إلى محاكم أمن الدولة الاستثنائية الّتي يجب أن تنتهي من قاموس مؤسسات السلطة القضائية والى الأبد  ؛ ألا هل بلّغت ؟ اللهم فاشهد 0   

 ما أريد إلا الإصلاح – ما استطعت – وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب

*نقابي- إسلامي مستقل

ghassan-najjar@maktoob.com

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ