ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 14/06/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

الرأي العام ومسرحية الإستفتاءات الصورية !

د. محمد أحمد الزعبي

1.

يريد الكاتب بداية أن يشير إلى أن دافعه لكتابة هذه المقالة كان مشاهدته ــ عبر التلفاز ــ لتلك "الهوسة  الديمقراطية !" التي سبقت ورافقت ولحقت بتمثيلية  التمديد لبشار الأسد لفترة رئاسية وراثية ثانية ، والتي لم تكن عملياً سوى واحد من فصول تلك  المسرحية  الكوميدرامية التي ماتزال تعرض علىالمسرح السوري  منذ عام 1970 ، إن لم نقل منذ 1963 وحتى هذه اللحظة ! ، الأمر الذي جعلنا نتساءل  ونحن نشاهد عشرات الآلاف في شوارع دمشق  يوم 27 / 05 / 07 ، يهتفون " بالروح بالدم نفديك يابشار !! "  رغم معرفتهم الأكيدة بالبعد الشكلي الخالي من أي مضمون ديموقراطي حقيقي  لهذا الإستفتاء ، وبأن بقاء بشار في موقعه الرئاسي  لاعلاقة له بصندوق الإقتراع لامن قريب ولا من بعيد ،  وبالتالي لاعلاقة له لا بآرائهم ولا بأصواتهم ، أقول جعلنا نتساءل : ترى  من  يضحك على من ؟ في هذه  اللعبة الديموقراطية الصورية ؟ ،  الشعب على النظام ، أم النظام على الشعب ، أم أن الأمر لايعدو بالنسبة للطرفين أن يكون

لما عبر عنه أحد الشعراء بقوله :   إذا نظرت نيوب الليث بارزة    فلا تظنن أن الليث يبتسم  !  .

2.

إن صناعة الرأي العام باتت علما وفنا عالميين ، تصرف على صياغته (  صاغ الكلام : اختلقه وكذب فيه ، والصيّغ هو الكذّاب ) وإخراجه بالصورة التي تخدم السلطات الحاكمة ، مليارات الدولارات التي  تقتطع من أموال  دافعي الضرائب  ، سواء في البلدان الديموقراطية  أو غير الديمقراطية  والتي ( الأموال )  غالباًماتكون ممزوجة بدماء ودموع  وعرق المستضعفين في أرض تلك البلدان بنوعيها .

ففي مقالة هامة له تحمل عنوان " حرب الخليج ، وسائل الإعلام وديموقراطية الليبرالية " ، أشار ميشيل كيلو ، الذي يقبع الآن في سجون  النظام الديكتاتوري السوري ، إلى أن أرسطو كان يرى أن الديموقراطية  تتطلب تماسّاً مباشرا للمواطن مع الشأن العام يتيح له تجميع المعارف مباشرة عنه ( أي عن الشأن العام ) ، وأن هذه العلاقة المباشرة  للمواطن مع أحداث تتاح له رؤيتها بأم عينيه ، هي شرط قدرته على تكوين رأي خاص به وتحمله مسؤولية إدارة المدينة التي يجب أن تكون مشتركة بالنسبة لجميع المواطنين (أنظر ، ميشيل كيلو، في :  نظام التضليل العالمي ، ترجمة غازي أبوعقل دار المشرق، دمشق1994 ، ص 229 ـ 239 ) . وفي موقع آخر من  نفس المقالة ، أشار ميشيل كيلو إلى أن 92 % من الفرنسيين كانوا ضد  الحرب التي كانت تعد لها أمريكا ضد العراق عام 1990 ، بيد أن هذه النسبة انقلبت رأسا على عقب بعد أن غيرت الحكومة الفرنسية رأيها والتحقت بالركب الأمريكي ، وبعد أن قامت وسائل الإعلام الفرنسية بإعادة فبركة وصياغة الرأي العام الفرنسي بما يتلا ءم وموقف الحكومة الفرنسية الجديد  ! . وهنا يتساءل صاحب المقال بمرارة : ماالذي جعل انقلابا كهذا ممكناً في بلد ديموقراطي  يقال إن السياسة تتعين فيه بالإرادة العامة للمواطنين؟ إنه تسا ؤل مشروع آخر  ، يتقاطع مع تساؤلنا  السابق حول مسأ لة الرأي العام ، ولكنه لايتطابق معه ، من حيث أن الإشكالية التي نحن بصددها  هنا  تتعلق أساسا  بالبلدان النامية عامة ، وببلد الكاتب ( سورية ) خاصة ، علما أنه يمكن الإطلاع على إجابةالأستاذ  ميشيل كيلو  في المرجع الذي أشرنا إليه أعلاه .

3.

 إن المعالجة العلمية لهذه الإشكالية الإجتماعية  لابد  وأن تبدأ بتحديد  مفهوم " الرأي العام " الذي يدور حوله موضوع

 وهو أنه " القاسم المشترك في الرأي والموقف لجماعة  Operational Definitionإجرائيا  هذه المقالة  تحديدا

إجتماعية  ما، في فترة زمنية ما ، حول موضوع عام ومشترك يمس  تصورها الخاص  لمصالحها الحيوية العميقة  المتعلقة بماضيها وحاضرها ومستقبلها ، وهو ( أي الرأي العام ) يمكن أن يأخذ شكل  ميل عام ، أو توجه عام ، أو أيديولوجية عامة ، أو سخط عام ، سواء بصورة ظاهرة أو مستترة ، وهو عادة مايتبلور في ظل عملية من الصراع الطويل ، السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي ، داخل الجماعة المعنية ذاتها ، أو مع جماعات وبالتالي آراء وأيديولوجيات ومواقف أخرى .، ولذلك فإنه ينطوي على درجة عالية من الشمولية و الثبات والعناد والإستمرارية "

إن هذا التعريف الوارد أعلاه ينطوي  ــ حسب رؤيتنا ــ على المضامين الأساسية  التالية :

ــ إن الرأي العام هو ظاهرة إجتماعية موجودة في كافة المجتمعات ، وهو ظاهرة نوعية لايمكن اعتبارها حاصلا  لمجموع الآراء الفردية في أي مجتمع أو جماعة . إنه ظاهرة عبر ـ فردية ، عبر ـ فئوية ، بل و في بعض الحالات عبر ـ قومية ( الماسونية ، الشيوعية ، الدين ...الخ ) ولا سيما عندما ترتدي الطابع الأيديولوجي .

ــ إن الرأي العام هو عنصر ضبط إجتماعي ، وهو يمارس هذا الدور في المجالات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والسياسية ، سواء بصورة مباشرة عبر المؤسسات الديموقراطية ( إن وجدت ) ، أوبصورة غير مباشرة عبرمراكز سبر الرأي  العام التي تقوم بعض الجهات البحثية النزيهة بإجرائها ، أو عبر المظاهرات  السلمية . أو عبر أشكال احتجاجية على درجات متفاوتة من العنف يمكن أن تصل في بعض الحالات( التي نعتها لينين بالنضج الثوري) حد الثورة المسلحة .

ــ إن هذا الدور من الضبط الإجتماعي الذي يلعبه الراي العام ، تضعه في موقع المعارضة للنظام الحاكم في الأنظمة غير الديموقراطية ، كما هي حال سورية اليوم ،  ولذلك فإنه يأخذ في دفاعه عن نفسه  امام قوة الحاكم وبطشه أشكالا مختلفة  منها مايعرف ب" التقية " التي تسمح للرأي العام المعارض أن يظهر مالايبطن ، ومنها مسايرة التيار المسيطر  على  

قاعدة " اليد التي لاتستطيع عضّها ، قبلها ثم ادع عليها بالكسر" ومنها الاعتماد على عنصر الزمن الذي يضمر فيه الرأي العام للحاكم الذي يخدع الناس  مقولة " إنك تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ، ولكنك لاتستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت "، ومنها الصمت واللامبالاة اللذان يجدا تعبيرهما العملي في موقف( مادخلنا  و يصطفلوا ) الذي يأخذه العديد المعارضين من الذين لايستطيعون من جهة  عضّ يد الحاكم المستبد ، ولا يرغبون من جهة أخرى كغيرهم بتقبيل هذه اليد الملطخة بالدماء  !! ، ومنها النكات والأمثال والسرديات الشعبية ، وايضا الإستشهاد ببعض

الأبيات والمقطوعات الشعرية ذات الدلالات السياسية والإجتماعية  لبعض الشعراء الذين يشاركون الرأي العام همومه ومشاكله مثل الجواهري وعمر أبو ريشة ونزار القباني ومعروف الرصافي ومظفر النواب وأحمد فؤاد نجم  ، وغيرهم  .

ــ إن خاصية الثبات التي أشرنا إليها في تعريفنا لظاهرة الرأي العام ، لاتعني  أن هذه الظاهرة غير خاضعة  للتغيير والتحوير والتعديل ، وإنما تعني أن هذا الرأي الذي تكون عبر مئات من السنين ، حول بعض القضايا التي تخص جماعة إجتماعية ما ،ولا سيما القضايا ذات البعد التاريخي منها ، لابد و أن يتحول إلى جزء أساسي من الذاكرة الجماعية والوعي الإجتماعي لهذه الجماعة ، ولذلك فإن تبديله أو تعديله  سيحتاج بدوره إلى فترة زمنية طويلة قد تمتد عدة أجيال

 ويعتبر موقف الراي العام العربي  من القضية الفلسطينية ، خير دليل على تزامن وتعايش خاصتي الثبات والتغير في ظاهرة الرأي العام . فلغاية الخامس من حزيران 1967 ، كانت القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى ، ولا يستطيع أحد ، حاكما كان أم محكوما أن  يجرؤ حتى على التلميح بإمكانية الإعتراف بإسرائيل ، والتخلي عن القدس الشريف ، أو عن حق فلسطينيي الشتات في العودة إلى بيوتهم التي اغتصبها الصهاينة منهم عام 1948 ،لأنه سوف يواجه رأيا عاما ساخطا لايمكن مجابهته كما حصل مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عام 1965 .  أما بعد هزيمة حزيران ، فقد بدأ هذا الراي العام يتحول على استحياء عن هذه القضية شيئا فشيئا ، وذلك  بعد ان حولته أنظمة الحكم العربيةالعشائرية والديكتاتورية  إلى مجرد متفرج  على الأحداث ، لايملك من الأمر سوى قولة " لاحول ولا قوة إلاّبالله ".

إن الكاتب وهو يضع هذا التصور السلبي للرأي العام العربي حيال القضية الفلسطينية  يحبُّ أن يجزم بأن  هذا الموقف المتفرج  للمواطن العربي على طبخة الحكام العرب ذات الرائحة الكريهة ، إنما هو  مشحون  بكل التوقعات  التي تسمح  ببوصفه  بالهدوء الذي يسبق العاصفة ، وبالصمت الذي يصرخ في وجه هؤلاء الحكام الخائرين ،  أن كفى !! .

4.

إن مايحدد شكل وطبيعة ومصداقية  الدور الذي يمكن أن يأخذه  الرأي العام في الحياة السياسية في مجتمع ما هو درجة العنف الذي تستخدمه الفئة الحاكمة في قمعها لمن يعارضها ، ولا سيما أن هذه الفئة عادة ماتسيطر في بلدان الديكتاتوريات غير الديموقراطية على كافة مؤسسات القمع والتربية والتعليم و الإقتصاد و وسائل االإعلام ، وتسخرها جميعا في خدمة مشاريعها  السلطوية الخاصة التي يمكن أن تقف على النقيض من مصالح ومطامح الشعب في الأقطار التي تحكمها ، الأمر الذي يعني أن خروج أو إخراج عشرات أو مئات الآلاف من المواطنين المغلوبين على أمرهم إلى الشوارع ، وهتافاتهم المبحوحة للحاكم" بالروح بالدم ... " ودمغهم لموقع التأييد والتأبيد في ورقة الإقتراع بالدم الأحمر  أمام لجنة الإستفتاء ، قد لاتعني شيئاً  حقيقيا على الإطلاق بالنسبة لموقف الرأي العام من هذه الديكتاتوريات ! .

ولكي لانبدو متحاملين على أحد  في رؤيتنا هذه ، رأينا أن  نحيل فرسان الإ ستفتاءات الصورية إلى  القياس الفقهي أو المنطقي  للإجابة الموضوعية على السؤال عن " من يخدع من " في هذه  الهوسات الديمقراطية ؟ هوسات بالروح بالدم المضحكة المبكية ، وذلك بإيرادنا  للواقعتين المعبّرتين التاليتين ( لمن يريد أن يعتبر ) :

أما الواقعة الأولى ، فتتعلق بنتيجة الإستفتاء الشعبي الذي جرى في العراق قبيل الغزو الأمريكي في آذار 2003 ، والذي وصلت  نسبة تأييد الشعب العراقي فيه  للرئيس صدام حسين 100% .  ولكن لم تمض سوى بضعة شهور على هذه النتيجة المئوية  حتى تكشف الأمر  عن خدعة شعبية  كبيرة كان يمارسها قسم من هذه الـ 100  %حيال  حزب البعث  وحيال صدام حسين ( بغض النظر عن الأبعاد الأخرى المعروفة لهذه المسألة ، والتي هي  في كل الحالات ليست في صالح أنظمة التوريث ولا في صالح أنظمة الإستفتاءات المزوَّرة ولا في صالح مخنثي بول بريمر في العراق الجديد!!) . 

أما الواقعة الثانية التي نضعها بين يدي بشار الأسد خاصة  لكي يقيس عليها موقعه الحقيقي  من الرأي العام في سوريا ، و / أو موقع الرأي العام في سورية منه  ،  فهي أن الصراع الذي جرى بعد  حرب حزيران عام 1967 بين والده المرحوم  حافظ الأسد وبين القيادة القطرية لحركة 23  شباط  التي جرى التعارف على تسميتها بجماعة صلاح جديد  ، قد جرى تحت مظلة المراهنة على الرأي العام في سورية ، وكانت النتيجة الفعلية لهذه المراهنة  أن هذا الرأي العام السوري كان ينظر إلى المسالة من زاوية مختلفة تماما ، حيث كان يرىأن الموضوع لايعدو أن يكون صراعا  على السلطة بين جهتين متساويتين في بعدهما عنه وبعده عنهما ، ولهذا فقد أخذ منهما موقف المتفرج بل  موقف المتشفّي وكان الشعارالذي يتهامس به الجميع يومها  "مادخلنا ، بطيخ إكسّر بعضه" !!.

5.

لقد شهد العالم العربي في القرنين الماضي والحالي تحولات دراماتيكية عميقة  كان أبرزها : تجزئة الوطن العربي، ونكبة 1948، ونكسة 1967 ، وقرارا مجلس الأمن 242 و 338  وزيارة السادات للقدس المحتلة ، واتفاقية أوسلو واحتلال بوش للعراق 2003 ، وأخيرا وليس آخرا مبادرة القمة العربية في الرياض 2007 ، الأمر الذي أدى إلى اختلال في توازن القوى بين الرأي العام  والسلطات الحاكمة في الوطن العربي ، ووضع الطرفين في حالة من الترقب والترصّد انتظارا  لما يمكن أن يأتي به الغد ، تصحيحا لما وقع من الأخطاء القاتلة بالأمس . علما أن كلا من الطرفين ينظر إلى  هذه الأخطاء التي وقعت بالأمس، وبالتالي إلى عملية تصحيحها في الغد  من زاويته الخاصة .

إن مايرغب الكاتب أن يختتم به  مقالته المتواضعة  هذه هو : دعونا ننتظر حتى الغد  " وإن غدا لناظره قريب ".

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ