ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 17/01/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


دراسة في الأزمة السورية (1&2&3-3)

(1-3)

نجدت الأصفري / أمريكا

لعل البحث في هذا الأمر شيء صعب بل في منتهى الصعوبة للأسباب التالية :

عدم وجود مستندات تساعد الباحث .

جميع ما حدث في سوريا تم تحت إما :

- أنظمة ديكتاتورية تحتفظ بكل معلوماتها في صدرها ولا تطلع أحدا عليها .

- أو تمت تحت غطاء باطني سري يعتمد التقية والخداع والتملق والنفاق .

- أو لأغراض تخدم مخططات استعمارية ماسونية تتممها بمنتهى السرية .

لهذا سأحاول أن أجمع ما أعرف من خيوط وأحداث وشواهد لعلها تعين في توضيح القصد والهدف .

اللاعبين في أدوار هذه الحقبة ثلاثة أنواع هم :

رجل ماكر يعلم ويخفي الحقائق .

رجل يلعب دور المنفذ الغبي ، يقوم بما يطلب منه دون أن يعرف الهدف.

رجل العوام لا في العير ولا في النفير (كل من اخذ أمي سميته عمي ) .

ليس هناك انفصال بين ما يحدث في سوريا وما يحدث في المنطقة كلها سوى التسمية السطحية مثل : مشكلة فلسطين ، مشكلة لبنان ، مشكلة سوريا ، مشكلة العراق ، مشكلة مصر ، مشكلة أفغانستان ، مشكلة تركيا ... وهكذا لتشمل بلاد العالم الإسلامي كله إلا بفوارق صغيرة بسبب خلاف المواقع ومصالح الأعداء

نشأت هذه المشاكل منذ ما يزيد عن الألف سنة عندما بدأ أعداء الإسلام يخططون بينما المسلمون نائمون متواكلون إلا ما رحم ربي ، من يقظة هنا وصرخة هناك .يتعاملون مع الناس أجمعين بقلب رقيق وثقة تامة وبدون حذر.

- عندما بدأت تتهاوى عروش الفرس والرومان أمام جيوش المسلمين الفاتحين وتشق صفوف دول الجوار التي تحاول أن تنال من هيبة الدين الجديد الذي يساوي بين البشر بلا فوارق ولا طبقات ، لا أشراف أو أسياد في مقابل ، عبيد ، ومنبوذين ، فقد كان هذا سبب مقنع لكافة الأنظمة المسيطرة أن تجهز جيوشها لتسترد مكانتها ومميزاتها وتحافظ على أوضاعها في استعباد البشر، فكان عليها أن تحارب هذا النظام الذي بدأ يوقظ الناس يطلبون المساواة بين البشر في حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم .

كانت المواجهة تعتمد أسلوبين :

المواجهة العسكرية المباشرة . وقد جوبهت بصناديد يحبون الموت كما يحب أعداءهم الحياة ، ففشلت كل حملاتهم ومزقت حشودهم وغنم المسلمون منهم بلادا وشعوبا أخرى فتوسعت رقعة الإمبراطورية الإسلامية أضعاف مساحتها التي كانت محصورة في جزيرة العرب. كانت الشعوب المقهورة والمستعبدة من حكامها، يحلمون بحكم جديد يرفع الظلم عنهم ويرد لهم كرامتهم

فلما فشلت حملات الأعداء العسكرية من دول الجوار على عرين الإسلام لجأ الأعداء إلى إسلوب المكر والدهاء والتقية والخداع كان هناك في كل حقبة زمنية رموزا ذكرها التاريخ أسماء وأعمالا بصفحات سوداء قاتمة.

- كان فرسان الإسلام صقورا في المعارك ، لكنهم كانوا كما علمهم الدين الحنيف ، ( رحماء بينهم ) و(يخفضون جناح الذل من الرحمة ) لأخوة الدين والعقيدة لينوا الجانب فيما بينهم ، صواعق على من عاداهم . لهذا كان هذا المنفذ الذي دخل منه المغرضون ، فأظهروا إسلامهم ، وراحوا يخربون من الداخل ما سمحت لهم المواقف والتوقيت تماما كأكلة الخشب.

فرخ المغرضون أصنافا شتى وفصائل عدة عرج عليها الإمام الشهرستاني في سفره العظيم ( الملل والنحل ) ، لكن جهده بقي طي صفحات كتابه ، بينما سوس الحقد ينخر في بدن الأمة وعقيدتها ورمز قوتها وصفاء نهجها بواسطة الطابور الخامس الذي يظهر الإسلام ويخفي مآربه ومراميه، حتى بدأ الخلل ينفث سمومه ، وبدأت أمواج ترهاته تعلوا وتزبد شقا للصف ، وتشويها للأصول والأركان تارة بالتزوير إضافة وحذفا ، وتارة بالتشهير بوصم أعلام الأمة وثقاتها ورفع أعداءها تحت غطاء التقرب زورا وبهتانا من آل البيت الأطهار عليهم السلام ، وبدأت العلل تأخذ طريقها إلى صرح الإمبراطورية تمزقها وتستفرد بها قطعة بعد قطعة وشخصية بعد أخرى وعلما بعد علم إلى يومنا هذا ولا يزالون يطلبون المزيد ،وبعض من هذه الدمامل التي ظهرت: السبئية نسبة لمؤسسها عبد الله بن سبأ اليهودي من اليمن الذي زور رسائل عثمان بن عفان رضي الله عنه زوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ذي النورين) ، أبو لؤلؤة المجوسي من مجوس فارس عبدة النار ادعى الإسلام حتى تمكن من اغتيال الخليفة الفاروق رضي الله تعالى عنه في المسجد وهو يصلي الصبح،( التوابين ) لمؤسسها المختار الثقفي الذي دفع الحسين رضي الله تعالى عنه وأغراه للخروج على معاوية بن أبي سفيان ووعده بمناصرته ثم تركوه لقدره وسلموه لأعدائه دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق ، بعدها أظهروا الندم والتوبة واستحثوا أسلوب اللطم على وجوههم وصدورهم في ذكرى استشهاد الحسين عليه السلام حتى يومنا هذا تعبيرا عن توبتهم ، (حركة القرامطة) التي أسسها ( حمدان القرمطي ) وكان لها مثالب كبيرة ضد الإسلام والمسلمين ، كانت نشأتها أيام ضعف الدولة العباسية،لا يزال لها ذيول تتبناها بعض دول الغرب حقدا على الإسلام وأهله . ( الحشاشين ) حركة أنشأها ( الحسن الصباح) من شراذم وسفلة البشر أغراهم بتعاطي مخدر الحشيش حتى إذا فقدوا وعيهم تحت تأثير المخدر نقلهم إلى رياض وجنات وارفة ، قيل لهم هذه جنتكم فيها مستقركم إذا قتلت من (يعينونه له) من المسؤولين المسلمين وأهم من حاولوا قتله السلطان صلاح الدين الأيوبي ، لكن الله سلمه من كيدهم فنكل بهم وأباد شأفتهم .

 (أبن العلقمي ) وزير الدولة العباسية في عهد خليفة ضعيف ، كان يتصل بهولاكو سرا ويحرضه على احتلال بغداد ، حتى إذا احتل هولاكو بغداد ودمرها بجريمة لا يعرف التاريخ لها مثيلا ،أعدمه وقال له لو كان فيك خيرا لما تآمرت على ولي نعمتك. (حركة الجنابية) التي أسسها ( أبو سعيد الجنابي) غزا مكة المكرمة أيام الحج حقدا على الإسلام وأهله ، ذبح منهم عددا كبيرا وألقى جثثهم في بئر زمزم ، ثم هدم الكعبة وهو يقول فليوقفني ربها ، ثم سرق الحجر الأسود إلى البحرين لمدة أكثر من عشرين سنة حتى رد أهل البحرين الحجر بعد هلاك هذا المجرم.

هذه بعض وليس كل الحركات الحاقدة على الإسلام والتي عملت من داخله على استئصال شأفته وإنهائه ، ولكن الله الذي تعهد بحفظه حماه وأبقاه.

كثير منها ومثلها لا يزال يرتع في الساحة تحت تسميات مختلفة ولكن بنفس الأهداف والأسلوب منها النصيرية ، البهائية ، الأحمدية ، الإباضية، الإسماعيلية..الخ.مجموعهم بلا استثناء قاموا واستمروا بدعم من دول حاقدة.

لعلنا لا نريد الخوض في الماضي البعيد من حركات اندثرت ، بل دعونا في الحاضر والماضي القريب،وإن كان لي أن أبرهن على ما أقول لعلي أستشهد بأمرين:

الأول :عندما يئس حاييم وايزمان من إقناع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في بداية القرن العشرين بمنحه جزءا صغيرا من فلسطين لإقامة دولة لليهود عليها ، واستخدم معه كل أنواع المغريات ، فلم تنفع ، وكان رد السلطان العثماني ، بأن كل حبة رمل من أرض المسلمين ملكا لهم لا يحل لأحد أن يتصرف فيما تحت يده إلا إذا وافق المسلمون جميعهم على ذلك ملخصا قوله: لا يبيع من لا يملك لمن لا يستحق. عندئذ قررت المنظمات الصهيونية إسقاط نظام السلطان واستبداله بنظام أتاتورك .وقصص هذه المأساة موجودة بتوسع في معظم كتب التاريخ الصحيحة الموثقة. كانت الأزمة هذه بين طرفين أحدهما يعلم ما يريد وكيف يصل إليه ، يدرب العصابات ويسلحها ويتآمر بكل الوسائل وينشط في طلب ما يريد ممن يحقد على الإسلام وذو منصب حساس يمكنه المساعدة ليصل إلى ما يريد ، وبين طرف ضعيف لا يعلم ( وإن علم ) ليس له من قوة تحميه . اتجه اليهود إلى من يستطيع مساعدتهم في تحقيق خطتهم ، حتى وصلوا إلى السير بلفورد البريطاني حيث أصدر وعده المشؤوم في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، تم هذا بأسلوب الخداع ، تظاهر البريطانيون بمعارضة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، في نفس الوقت الذي تصدر حكومتهم وعدها المذكور وتساعد المغتصبين ، ففي اللحظة التي تمكنت العصابات الصهيونية من الاستيلاء على قطعة من فلسطين ، سارعت دول العالم فورا بالاعتراف بها وباستقلالها ، فالاتحاد السوفيتي أعترف بإسرائيل بعد أربع دقائق ، وأمريكا بعد سبع دقائق وهكذا ، وانضمت الدولة المغتصبة لأرض فلسطين إلى الأمم المتحدة وتم قبولها فورا ، وألقى رئيس وزرائها الأول ( ديفيد بنغوريون ) خطابه في الأمم المتحدة يشكر كل الدول التي ساعدت هذه ( الدولة الفتية) ومما قاله :

إن هذه الدولة الصغيرة التي تحتفلون بانضمامها لجمعيتكم الموقرة ، لن تستطيع أن تعيش وتشعر بالأمان والسلام ضمن هذا الخضم من العداء والكراهية الذين يحيطان بها من كل جانب ، ما لم تتقسم هذه الدول إلى كيانات صغيرة متناحرة متعادية تبقى إسرائيل أكبرها وأقواها ؟؟ ((هل ترون ذلك الآن بأعينكم)) و الأنكى من هذا لا يزال البعض يجادل في الملموس والمحسوس رافضا ما تراه حتى العيون العمياء ، ولن تكتمل الصورة إلا إذا ذكرنا أن شيمعون بيريز( المخادع الذي يحاول أن يظهر بمظهر الحريص على السلام مع الفلسطينيين وجيرانهم العرب) كان في نفس الوقت على رأس وفد فني صهيوني يطالب فرنسا بمفاعل ذري لردع أية دولة تهدد كيان الدولة الصهيونية مستقبلا وهي لا تزال حديثة الولادة والاغتصاب.

الثاني : عندما اندحرت دول المحور في الحرب العالمية الثانية أمام الحلفاء وبدأ فرض شروط الاستسلام على تركيا ( الرجل المريض) تماما كالحمل الوديع بين أنياب الوحوش الضارية ، وتقدمت وفود الحلفاء بأربعة وعشرين شرطا للاستسلام أمام المفاوضين الأتراك ، (انسحاب ، تخفيض عدد الجيش،التعويضات ...إلغاء منصب الخليفة ) فلما تساءل أحد أعضاء الوفد التركي عما يعنيه إلغاء منصب الخليفة ، وما يخيفكم منه وهو الذي لا يتجرأ على الخروج ليلا لوحده للتبول ؟ أجابه المفاوض من الطرف الآخر نحن نعرف ما نريد ....

ضربت المثلين لألفت الانتباه إلى الفرق بين تصرفات عدونا وكيفية تصدينا لما يحل بنا ، أين حكامنا ، أين مستشارينا ، أين علماؤنا ؟ ماذا يفعلون ، وماذا يخططون ، وماذا يعدون لحماية الأوطان والدفاع عنها ، فلم يكن إلا جيش مصر المهلهل الذي كان البريطانيون يحكمونه ويتصرفون به ويزودونه بأسلحة قديمة تالفة وذخيرة مغشوشة ، وفي الأردن يرأس جيشه ضابط بريطاني ( غلوب باشا) وسوريا خارجة لتوها من تحت استعمار فرنسي ترك خلفه بقاياه [1] .لذا لم يكن من مقاومة إلا بالمجاهدين والمتطوعين تحت دافع الحمية والزود عن الأرض والعرض من الإسلاميين والمتحمسين دون دراية في حرب وقتال . لذا أضيف إلى النكبة نكسة.

 [1] – من الأسباب :

- احتكار السلطة بالوراثة ، يتولى السلطة متخلف عن معتوه .ومراهق عن ديكتاتور.

- إبعاد الشخص المؤهل عن المنصب المناسب .

- أحقاد شخصية تدفع الغرماء والخصوم لسلوك ( علي وعلى أعدائي) يكررون ما قام به أبو عبد الله الصغير في الأندلس ضد أخيه فأضاعوا الأندلس ، ولا تزال هذه السياسة قائمة فينا حتى يومنا هذا في معظم الدول العربية ذات الأنظمة الديكتاتورية وخير مثال على ذلك سوريا التي تحاول الآن تدمير النظام اللبناني لما فيه من نوع من الديمقراطية تؤرق الحكم السوري وتزعجه مخافة عدواه أن تنتقل للشعب السوري فيعمل جاهدا لإقتلاعه ووضعه تحت وصايته بمساعدة لبنانية عميلة ومتكأ إيراني ينفذ سياسته الخاصة في تصدير الثورة التي أعلنها الخميني عندما أتى للسلطة عام 79 في أعقاب نظام الشاه رضا بهلوي الذي تخلى عنه حليفه الأمريكي في ساعة الشدة .

- الدعم الاستعماري للأنظمة القائمة بالتدليس والكذب التخويف إيقاعا بينهم ، والأغرب من كل شيء أن ثقة الأنظمة بالأعداء الذين يتحكمون بهم ثقة لا يشوبها شك بأنهم يعملون لصالحهم .لذا لا يرفع حكامنا يدهم عن رجلهم إلا بإشارة من أسيادهم رغم معرفتهم بوقوفهم جهارا نهارا مع أعدائهم تأييدا وتسليحا ودعما ، فهل هناك أكثر عمى من هذا العمى؟

ــــــــــــ

دراسة في الأزمة السورية (2-3)

سعى جميع الحاقدين للقضاء على الإسلام ، تارة بالحروب المباشرة ، وتارة أخرى بالعبث بأصوله وقيمه ، وفي كلا الحالتين لم يستطيعوا تحقيق نصر يطلبونه وبقي قمة راسخة وحقيقة ثابتة ، وأفضل ما يوضح هذا رأي أحد المستشرقين الألمان الذي زار البلاد العربية وتجول فيها وعاش مع أهلها وركب خيولهم وعيسهم وتعلم لغتهم ثم قفل راجعا وألف كتابا أهداه لبابا الفاتيكان عام 1836 يقول فيه ، أرجو العمل على القضاء على هذا العملاق المسلم المخدر ، وإذا لم يكن القضاء عليه ممكنا فحافظوا عليه في غيبوبة دائمة ، فإنه إن صحا لن يتوقف قبل أن يطرق أبوابكم في الفاتيكان كما طرق أبواب فيينا وقارب أبواب باريس واحتل الأندلس سابقا .

لهذا فليس من المصادفة أن دولة مسخا ( لقيطة) لا يتعدى من يسكنها 3.5 مليون مغتصب (حسب إحصائية الدكتور المصري عبد الوهاب المسيري خبير شؤون الصهيونية في فلسطين في لقائه على الجزيرة )هو العدد الحقيقي للصهاينة الذين يعيشون في الأرض المحتلة ، كما أنهم لا يستخدمون أكثر من 28 % من الأرض المحتلة بينما الباقي لا يزال خاليا تماما من السكان ، هؤلاء لا يجمعهم إلا المغانم في تقاسم الأرض التي سرقوها من 300 مليون عربي وأكثر من مليار مسلم وهم لا يستطيعون فعل ذلك بدون دعم عالمي غير محدود وخيانة محلية مموهة. تلك الحالة تتم بسبب أننا شعب جاهل مغيب ويسوقنا حاكم ظالم متآمر خائن.

العالم العربي يتكلم لغة واحدة وأرض واحدة متصلة ، وقرابة في النسب والتاريخ المشترك والعواطف الصادقة ، كما أن العالم الإسلامي يجتمع مع العرب في اتباع دين واحد وقبلة واحدة ومصير مشترك .

بينما العدو الصهيوني لا يعرفون بعضهم ولا يتكلمون لغة واحدة ولا يجمعهم تاريخ واحد جاؤوا من بلاد متفرقة بعادات مختلفة وأشكال متعددة ، وألسنة معقودة ثقيلة يتعلمون اللغة العبرية بعد وصولهم إلى فلسطين ليتفاهموا فيما بينهم فهل يعقل أن تتساوى أطراف المعادلة في هذا النزاع دون دعم دولي كبير وخيانة محلية من بعض الحكام المارقين ؟

ولعلهم لم يفكروا بحكام السودان أو اليمن أو عمان أو الإمارات مثلا ليتواطأوا معهم بدور رئيسي على الخيانة لبعدهم عن مسرح الجريمة بل ركزوا على دول الجوار والقريبة منهم . لذا عملوا جهدهم على هذه البلاد تآمرا وتدميرا وكانت أولى خطواتهم -:

- تعيين حكام يؤمنون لهم تنفيذ مخططاتهم ومآربهم . وكانوا وراء جميع الانقلابات التي دمرت الاستقرار وأشاعت الفوضى والقلق وعدم الاستقرار .

- إنهاك البلاد اقتصاديا بالفوضى وتحكيم العسكر في أمور يجب ابتعادهم عنها وترك كل شيء تحت رحمة ومزاج عسكريين لا يعرفون إلا سيطرة البسطار العسكري على رقاب العباد وفتح السجون لكل من يعارض تصرفاتهم .

- تمزيق نسيج المجتمع بين عشائر وإثنيات وقوميات ومذاهب وديانات وأعراق وقبائل وأصول حتى مزقوا لحمة الشعب وأشعلوا أوار نار يصعب إخمادها في المستقبل المنظور .

= بدأ المخطط لهذه المؤامرة طويلة النفس من زمن طويل والشواهد كالتالي:

منذ الحملات الصليبية ، كان النصيريون دلائل الحملات الصليبية يوجهونهم إلى مقاصدهم لبيت المقدس يجنبونهم المواجهات مع تجمعات المسلمين الأقوياء ، كما يحرضونهم على مراكز المسلمين الضعفاء .حتى اضطر السلطان صلاح الدين الأيوبي ( بناء على فتوى شيخ الإسلام ابن تيميه) إلى إخضاعهم أولا بحرب استمرت ثمان سنوات شارك فيها ابن تيميه بنفسه بالسلاح ، فكان ذلك سببا في اغتيالهم له ( كما تروي بعض السير) .

= تحت الاحتلال الفرنسي لسوريا كان النصيريون أصحاب الحظوة لديه والمقربين منه حتى أنه في النصف الأول من أربعينات القرن الماضي وقبل منح سوريا استقلالها ، عمد المندوب السامي بناء على رغبات زعمائهم إلى استبدال أسمهم بشكل مدروس وعناية فائقة فقد أضيف الأسم الجديد العلويون بدلا من النصيريين في جميع مناهج الدراسة حيث تمت الإضافة على الشكل التالي[[ جبال النصيريين( العلويين)]] في العام التالي تم رفع الأقواس وحذف كلمة النصيريين ثم منعت من التداول كليا حتى أن أحدا من الأجيال الجديدة لا يعرف كلمة النصيريين أبدا.طبعا لا يخفى على نبيه أن يلاحظ أن الأسم الجديد يوحي بأنهم من أتباع الإمام علي كرم الله وجهه ، بينما يقر الشيعة الإمامية الجعفرية الإثنا عشرية بخطأ ذلك وأن عقيدتهم عكس ذلك مما لا يقرها علماء الشيعة بتاتا [1] .

عندما تم التوصل بين الحكومة الفرنسية والوطنيين السوريين لإنهاء الإنتداب ومنح سوريا الاستقلال ، بادر رؤساء النصيرين بتقديم التماس للمندوب السامي الفرنسي وقعه وجهاؤهم ومنهم أبو حافظ الأسد ، يرجونه عدم منح سوريا الاستقلال والبقاء في سوريا وإلا فليمنحهم الحكم الذاتي [2]

= بعد الاستقلال تم تشكيل الجيش السوري ليكون درعا للوطن ، وتم تأسيس سلاح جو ولم يكن لدى سوريا كليات تدرب وتخرج طيارين لذا ابتعثت أول دفعة طيارين لتدريبهم في انكلترا، حدثني العقيد طيار ( ع . ق) الذي كان أحد طلاب هذه البعثة على ذمته ومسئوليته قال :

في نهاية دوام يوم الجمعة من كل اسبوع نتسابق لركوب أرخص حافلات النقل الرخيصة تنقلنا إلى المدينة إلا حافظ أسد ، كانت تأتيه سيارة إجرة ( ليموزين) فخمة تأخذه لوحده ، فلما تكرر ذلك سأله الراوي عن سر السيارة التي تكلف فوق طاقة طالب مبتعث في هذه الدورة المتقشفة ، فأجاب أن وزير الدفاع البريطاني آنذاك هو من يرسل له السيارة لتأخذه إليه يسأله عن كل شيء في سوريا .

= عندما حدث الانفصال بين سوريا ومصر كان حافظ أسد أحد الطيارين التابعين لسرب طائرات الميغ 21 صناعة روسية للطيران الليلي الذي تملكه سوريا وليس لمصر مثله في سلاحها الجوي آنذاك، ضبط في مشاغبات ضد الوحدة تسيء لها وتقوضها وتؤدي لفصلها، سرح على أساسها من الطيران ووضع تحت الإقامة الجبرية في مصر وكان برتبة نقيب ، وحسب قانون تسريح الضباط العاملين يمنح رتبة إضافية فأصبح رائد وأعيد لسوريا عندما تم الانفصال نهائيا وبقي يدور في الشوارع يحرض ضد حكومة الانفصال ويبني علاقات مع ضباط الأحزاب و الطوائف الأخرى ( الإسماعيلية والدروز ) حتى تم القضاء على حكومة الانفصال وجاءت تشكيلة الحكم الجديد من جميع مكونات الجيش والأحزاب السياسية في سوريا ، استدعي حافظ أسد من الاحتياط بناء على توصية من أمين الحافظ الذي كان وزيرا للداخلية في حكومة الوضع الجديد ثم أصبح رئيسا للبلاد فيما بعد حتى انقلب عليه حافظ أسد وسجنه في سجن المزة ذائع الصيت السيء ، ثم دبر تهريبه للبنان [3] ، وحسب قانون إعادة ضباط الاحتياط للخدمة مرة أخرى يمنح رتبة فخرية أعلى من رتبته فمنح رتبة مقدم ، ما لبث التآمر يتقلب فيه أصحاب المراكز ويصفون بعضهم كلما شعروا أنهم ليسوا بحاجة لهم ، فتخلصوا من المسلمين أولا و من الدروز ( سليم حاطوم [اعدم ] و((الأخ)) فهد) ثانيا وغيرهم ثم الإسماعيليين في آخر السلسلة .ثم استقر النزال الأخير بين عناصر النصيريين أنفسهم فسجن صلاح جديد حتى الوفاة ، وأبعد محمد عمران كملحق عسكري في سفارة سورية بعيدة ثم طرده وختمها معه اغتيالا في بيروت .وأصبح الإمبراطور الأوحد يلعب في الساحة السورية والعربية لوحده ، يبتز دولهم وينهب ثرواتهم بحجج واهية كاذبة تحت أبواب التصدي والصمود حتى أخيرا أقنعهم بأن الحرب التقليدية ضد إسرائيل لا قبل للعرب فيها أبدا ، وإذا كنا لا نستطيع الحرب الآن فلنتركها للأجيال القادمة .

 [1] رأي الشيعة في النصيرية جاء في كتاب وزعه كاتبه ( عبد الحسين مهدي العسكري ) يتضمن رأي الشيعة القدامى ، والحديثون ، ورأي أهل السنة القدامى والحديثون ، ورأي المستشرقين في عقيدة النصيرية ، آراءهم وأفكارهم ، وقد أجمع الجميع على تكفيرهم حسب الكاتب الشيعي .

 [2] جاء ذلك في وثيقة رسمية وزعتها الخارجية الفرنسية ، وتناولتها جميع وسائل الإعلام في العالم العربي في أول الثمانينات من القرن الماضي ، عقب أحداث حماة وجميع المدن السورية آنذاك ومتوفرة للإطلاع عليها بسهولة .

 

[3] صدر عن الرئيس أمين الحافظ في لبنان بعد هروبه من السجن عقب انقلاب حافظ أسد عليه ، تصريحا لإحدى الصحف اللبنانية بما يلي :

عرض عليّ السفير الأمريكي في سوريا عشرين مليون دولار لأسحب الجيش السوري مسافة واحد كيلو متر من حدود إسرائيل ، فكم قبض الذين سحبوا الجيش أربعين كليو مترا؟ اشتعلت نار التصريحات والتهديدات من قبل السوريين ضد لبنان وسموه وقتها وكر المؤامرات على بلد الصمود وقلعة التصدي العربي ضد العدو الصهيوني ، ويؤكد بعض المحللين السياسيين أن هذا التصريح كان سببا في اغتيال المرحوم الصحفي سليم اللوزي حيث وجد مقتولا قريبا من مبني جريدته وقطعت يده اليمنى وشق بطنه ودست اليد فيه

كما أنهم يؤكدون أن أهم سبب لاحتلال لبنان من قبل النظام السوري الدموي كان بسبب خوف الدكتاتور (أسد) من الديمقراطية المتوفرة في لبنان بشكل لا يتوافق مع اسلوب حكمه الدموي ضد الشعب السوري الذي يتطلب صمتا كاملا على جرائمه وغض النظر عن ذكرها كي لا تفضح جرائمه وسيئاته . ولعل هذا ما يفسر بذل بشار أسد كل قوته وامكانياته للعودة للسيطرة على سوريا عبر السيطرة على لبنان كما فعل أبوه من قبل .

ـــــــــــــــــ

دراسة في الأزمة السورية (3-3)

قبل الدخول في سرد الحلقة الثالثة أود أن أشكر الأخوة الذين أغنوني بتعليقاتهم والتي تدل على :

- أن كل ما يكتب على الشبكة العنكبوتية تقرأه عيون مبصرة وتلاحقه عقول واعية فتناقشه وتدرسه بتمحيص شديد وتعلق عليه بآراء حكيمة مبصرة.

- يدل ذلك على وعي وثقافة عالية ، يجعل الأنسان فخورا بهذا الشعب الحي .

  - لكنه كذلك يثير الاستغراب كيف استطاع نظام أحمق مجرم أن يلعب ألاعيبه الشيطانية على هذا الشعب العبقري ، إلا إذا كانت الجهات المخططة والمستفيدة كبيرة مسيطرة وقوية، وما كان الحاكم إلا واجهة تتخفى خلفه تلك الأفاعي الخطرة  ولا يعذر بجهله أن يكون مطية لأعداء الوطن يؤتى الضرر من قبله .

ولبيان ما بحثه الأحبة ووجهوني إليه أحب توضيح ما يلي :

-  لا أدعي العصمة عن الخطأ ، لأن كل أبن آدم خطاء ، ولكن الخطأ نوعان يحاسب المرء على المقصود ، ويعذر عن السهو والخطأ الغير مقصود .

-  الخطأ يكون بالرأي وهو محسوب على كاتبه ومتبنيه ، لكن ( ناقل الكفر ليس بكافر) فكل ما أوردته لم يكن رأيي أنا، إنما نقلا من مصادر نوهت عنها وذكرتها وأحلت القارئ الكريم للرجوع إليها ، مع كل هذا، فإذا فهم أحد من كلامي أن ينسب لي الخطأ فأعتذر وأرجو اعتباره زلة قلم وسهوة فكر وجل الذي لا يسهو أبدا.

-  لا شك أن الشعب السوري بتركيبته الموزايكية الرائعة هي مصدر غنى وليس ضعف ، وقد كنت من أوائل من حمل هذه الفكرة ودافع عنها في كتاباتي ، قناعة وليس مجاملة ، وقد نوهت سابقا أننا في سجن الضمير ، كان مؤذننا درزيا ، ومقرؤنا علويا بصوت رخيم ولحن رقيق وإمامنا ضابط صف من قرية الدانا  فليرجع من يريد ويتقصى عما أقول أليس هذا برهان على أن نكبتنا بهذا الطاغوت عامة شاملة جرت الويل على الجميع ؟  يضاف إلى ذلك رصيدي الذي أعتز به من أصدقاء من جميع أطياف الشعب السوري ، تبادلنا الزيارات الفردية والعائلية وتشدنا أواصر متينة كونهم يحملون مثلنا نفس الهموم والأحلام في الخلاص من هذا الحكم الجائر الذي أساء إليهم أكثر مما أساء إلى الآخرين كونه وصمهم ( أمام من لا يعرفهم ) بما حمّلهم إياه بسوء تصرفه مع الشعب كله .

وأرجو أن أكون قد وضحت ما التبس على بعض الأعزاء ، معتذرا عما حدث من سوء فهم غير مقصود .

انتهينا إلى ذكر ما فعله حافظ أسد في جميع من كان معه حتى من طائفته ففتك برؤوسهم وكبار من ساعده وشد أزره منهم .

كما بينت بأن المخططين لهذه المؤامرة هم المستفيدين فقط ،( وقد كتبت للرئيس بشار الأسد ألفت نظره أنه بسلوكه هذا قد جلب لنفسه وأطفاله مستقبلا قاتما سيحرمهم فيه من حياة طبيعية كباقي البشر ، ووضحت له أن العودة للشعب هو الصواب الذي يعيد له ولأطفاله وأهله السلامة والأمن)،  وضحت خيوط المؤامرة في كتاب لعبة الأمم لكاتبه الأمريكي ( مايلز كوبلاند) فبين كيف كانت ((ولا تزال، والعراق شاهد حي على استمرار اللعبة المذكورة )) أصابعهم في كل صغيرة وكبيرة يريدون تنفيذها في بلادنا ، فقد رسم كيف بدأت الانقلابات من حسني الزعيم ، إلى سامي الحناوي إلى الشيشكلي ..وكيف كانت ترسم الخطط وتعطى الأوامر ، ثم إذا لم يعجبهم من تسلم المنصب أو انقلب على أسياده استبدلوه بالشخص البديل والجاهز فورا . 

اللعبة نفسها نفذوها في مصر وجاء في احدى فقرات الكتاب ( لو لم تأتي الأقدار بعبد الناصر، لكان علينا أن نخلق عبد الناصر ) .

إن المؤامرة التي خططت لسوريا كانت كبيرة وأكبر من أن يستوعبها شخص بمفرده ، فقامت بالتسلل للأحزاب العاملة على الساحة السورية .

حزب البعث ، جاءت أفكاره مع السيد زكي الأرسوزي متحمسا للوحدة العربية التي كان الشباب يلتهبون حماسا لها خصوصا ولم يمض وقت طويل على مؤامرة سايكس بيكو اللذين قسما المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية ( وهذا دليل آخر على التخطيط المسبق للمنطقة) . الأرسوزي هاجر من لواء اسكندرون قادما إلى دمشق بعد احتلال تركيا لهذه القطعة الغالية من سوريا ، وعين مدرسا في مدرسة جودت الهاشمي بدمشق حيث جمعته زمالة التدريس مع كلا من صلاح البيطار وميشيل عفلق أعجبوا وتبنوا أفكاره الداعية لإعادة الوحدة العربية . ما لبث في أوائل الخمسينات أن اندمج حزب البعث مع الحزب العربي الاشتراكي لمؤسسه أكرم الحوراني وأصبح الاسم الجديد للحزب ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) .

حمل الحزب شعارات براقة ( الوحدة ، الحرية ، الاشتراكية ) حركت عواطف الشباب ، واستولت على مشاعرهم لرد اعتبار الأمة في إعادتها كبلد واحد تصرف الأعداء في تمزيقها إلى عدة أقطار وجعل على كل قطر رئيسا يؤمن بحقه فيه كمالك له لا ينازع عليه ، جعل مطالبة الجماهير بإعادة التوحيد تصطدم بتمسك الحاكم المعين بحقه فيما أعطاه إياه أسياده ولا يتنازل عنه أبدا ، حتى إذا شعر بخطر يزيد عن طاقته في السيطرة عليه استدعى أسياده لمناصرته ، هذا المخطط على بساطته كان العامل الأول الذي كشف مؤامرة التخطيط والتحكم الخارجي في تسيير شؤون المنطقة كما يريد .

دفع هؤلاء الأعداء بعض الشباب المتحمس للانخراط في صفوف الحزب وزرعوا بينهم الأحقاد والضغائن والفتن حتى أصبح مثالا للتنابز والعداوات والانقسامات ، ولا يستبعد أبدا أن يكون الأعداء قد رتبوا مع بعض رموز الحزب ممن وصل للسلطة مواقف وألاعيب توصلهم إلى ما يريدون ، و أستند على قصتين الأولى ذكرتها فيما سبق على لسان الرئيس أمين الحافظ للجريدة اللبنانية  مفادها عرض السفير الأمريكي عليه  عشرين مليون دولار مقابل سحب الجيش السوري مسافة واحد كيلومتر بعيدا عن حدود إسرائيل، تعطي القصة انطباعا بأن الأمور تلف تحت العباءة وتقدم كالحلويات وتغري كالجميلات . أما القصة الأخرى فهي قصة الجاسوس الصهيوني الإسرائيلي الياهو كوهين الذي قدم لسوريا وعرف فيها باسم ( كامل أمين ثابت)السوري المهاجر من منطقة القلمون إلى أمريكا الجنوبية ، فتعرف على أمين الحافظ الذي كان ملحقا عسكريا في السفارة السورية في الأرجنتين فلما عاد بعد انقلاب 8 آذار إلى سوريا وزيرا للداخلية ، لحق به كوهين ، وأصبح مركز الثقل في التركيبة الحكومية وصادقه الجميع ، وتسابقوا في خطب وده ،  ولعلي أقتطف جملة قصيرة جاءت في كتاب مترجم عن صحفيان إسرائيليان أحدهما من جريدة جيش الدفاع الإسرائيلي وثانيهما من جريدة مدنية واسعة الانتشار فقالا : أثناء محاكمة كوهين في محكمة أمن الدولة برئاسة القاضي (المهزلة) صلاح الضللي وعضوية العسكريان ، أحمد الطويل ، وسليم حاطوم ، فسأل الضللي لكوهين : تدعي أبواق العمالة ( يقصد صوت العرب والقاهرة) أنك على علاقة بأعضاء المحكمة ، فهل تعرف سليم حاطوم ؟ أجاب كوهين لا سيدي، ثم أشار إلى أحمد الطويل ، وعلقا على ذلك بأن[في جيب كل واحد من أعضاء المحكمة الثلاثة نسخة من مفتاح شقة كوهين ، يأتونها مع خليلاتهم يستمتعون معهن ، دون النظر إلى مكونات الشقة التي يتدلى من السطح سلك هوائي جهاز الاتصال بإسرائيل ليزودها كوهين بما يحصل عليه منهم من أسرار ، فقد كان همهم فراشه لا عمله ].عندها زعق الضللي بصوت جهوري فلتخسأ أبواق العمالة والخيانة ، شباب البعث لا يخونون الأوطان .

كانت مصادر كوهين المعلوماتية هي من رفعت الأسد الذي كان رقيبا في المخابرات العسكرية في ادلب ،يزوره كوهين أسبوعيا ليعرفه على معزى زهر الدين مسؤول الفتوة في المدارس الثانوية في ادلب ( معزى هو ابن أخت عبد الكريم زهر الدين رئيس الأركان السوري وقتها ) وكان كوهين ينقله معه لدمشق في عطلة نهاية الأسبوع ليزوده ( بعلم أو جهل ) عن كل صغيرة وكبيرة في الجيش السوري مما يحصل عليه من خاله رئيس الأركان، حتى أن نفس الكتاب السابق ورد فيه أن الخبر الذي يرسله كوهين لإسرائيل مزيل بكلمة المصدر معزى يؤخذ بثقة تامة لا يشك به أبدا.

وصلت علاقات كوهين لأعلى المستويات ( ميشيل عفلق ، صلاح البيطار، سليم حاطوم [كان مسؤولا عن حماية الأركان والإذاعة والتلفزيون]...الخ) وأغرق الجميع بهداياه الغالية ، فكانت ثمن وصوله إلى كل ما يريد .حتى رشح لمنصب وزير الشباب على ما ذكرت الأخبار المتداولة وقتها .

هل وضّح ما ذكرت فكرة كيف يلعب بنا أعداؤنا فنعطيهم ما يريدون ؟

فإن عذرنا من كان جاهلا ، فهل الكل جاهل حقا ؟ أم أن بعض من يتعامل تحت شهوة الحكم والسلطة ، يعطي للآخرين بكل رغبة وحماس ومع سابق القصد والإصرار كل ما يريدون ويطلبون ؟

هذا ما لا أستطيع تأكيده لنفس الأسباب التي ذكرتها في مقدمة هذه الدراسة ، نحن مغيبون عن المعرفة ، كل الأمور في النظام الديكتاتوري تتم خلف أبواب مغلقة ، لا يعرف الشعب من أعمال المسؤولين إلا (( استقبل وودع )) ويأخذ معلوماته معه إلى قبره ويبقى علينا أن نخمن فيما أوصلنا إليه الحاكم بأمره ويعتبر اطلاع أحد من الشعب على تصرفاته ومخططاته خطا أحمرا يستوجب أشد العقوبات ( قطع الأعناق والأرزاق) طبعا بعد أن يشوه صورة من يريد التخلص منه بأبشع التهم والصفات وما نراه اليوم في سجن ميشيل كيلو وعارف دليلة وأنور البني وفاتح جاموس .... واللائحة طويلة جدا ولن تنتهي إلا بزوال حكم ظالم جائر . فهل نحن جادون في تغيير الصورة من جذورها ، وندع شمسا جديدة تشرق على وطن شحب وجهه وهو مغيب عن العالم زمنا طويلا ؟

هل نحن أهل لهذا التغيير ، نتفق ، نتصافى ، نتعاون ، نخطط للمصلحة العامة ؟

هل تغير إيماننا من النظرة الفردية إلى النظرة الجماعية لتكون الكلمة للجميع ؟

هل نحن نحب بعضنا ونريد الخير للجميع ، ننكر الذات في سبيل الجميع ؟

هل فعلا سنبرهن أن ما عانيناه سيكون دافعنا لشفافية تامة دون مستورات ؟

هل أصبحنا نؤمن أننا كلنا أخوة حقيقية لا تفرقنا آراء ومذاهب وأفكار جانحة؟

قبل الختام تحدثني نفسي أن أشارككم في الواقعة التالية :

في عام 2005 قرر المجلس الوطني السوري مد نشاطه في المعارضة لكندا مونتريال ، وكنت أحد الأعضاء ، وأكرمنا الأخوة هناك بضيافة في حرارة الاستقبال وحسن الوفادة ، في احدى جلسات تبادل الأفكار بين الضيوف ومضيفيهم ، أكرمني الزملاء أن أكون أحد المتحدثين ( محمد الخوام ، فهمي خير الله ، عبدو الديري ، وأنا ) [مع الاحتفاظ بالألقاب لجميع الأخوة الأفاضل ] وبدا الحضور في طرح أسئلتهم واستفساراتهم ، وفاجأنا سؤال من أحد الأخوة الحاضرين بشكل ألجم جميع الضيوف ، جاء السؤال  على الشكل التالي من الأخ (ت، د) :

إذا نجحتم في تغيير النظام هل ستنتقمون منا نحن العلويين جراء ما قام به الحكم الحالي ضدكم من جرائم خلال فترة حكمه ؟

وأريد أن أقسم أن قلبي بكى وخفت أن تفضحني عيوني بدموع تسكبها أمام الحاضرين ، ليس من السؤال ، بل من شعور المواطن أنه مجرم منذ نزوله من بطن أمه في نظر الظالمين ، فأية جريمة يرتكبها المولود ( الحر ) عندما يقدم إلى هذه الدنيا موصوما بما ليس له ذنب فيه ، أن يكون من والدين يهبانه أسمهما ودينهما ومذهبهما ولونهما ... ثم يحاسبه الظالمون على ما ليس له خيار في لبسه وحمله رغما عنه ، وسوف يقرأ كلامي هذا الأخ العزيز الذي كان لي شرف الجواب على سؤاله ، فأصبحنا صديقين بل أخوين نتبادل الآراء ، ونتشارك الهموم ، ونقر القاعدة الذهبية ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )

وأخيرا لم يكن قصدي من مقالتي هذه تجريح أحد في عقيدته وآرائه ، فكلنا له رأيه ولم يستطع أحد قبلنا من الأنبياء والرسل والحكماء والعقلاء والفلاسفة ورواد الفكر وحملة مشعل الهدى أن يوحدوا الناس جميعهم في زي واحد وفكر وعقيدة واحدة ، الخلاف في الرؤى شيء طبيعي صحي كما هو الخلاف الطبيعي في الشكل والطول ولون البشرة والعيون ..الخ ، واستخدام الإنسان لفكره هو الميزان والمقياس وبيضة القبان في حسن التعامل مع الآخرين وإيجاد المنتصف الذهبي الذي يقيم مصالح الناس جميعهم ، واحتكار السلطة والحق لصالح قوم أو فئة أو طائفة أو مذهب واحد هو عين الضلال وسوء المآل .

وأرجو أن أكون قد أضفت شيئا مفيدا ليغير الحال إلى أفضل واحسن وذلك ما أنشد وأريد ، فإن أحسنت فذلك من نعم الله عليّ وإن أخطأت فذلك من قصوري في العلم والمعرفة ، ومن سوء ما نحن فيه من جهل بسبب أنظمة متتالية فرضت علينا أن نكون حفاة عراة في المعرفة فقد قصروا علمنا على قصص عنترة وعبلة ، والزير سالم ، وتغريبة بني هلال ... الخ هذا الكم السخيف من علم لا ينفع ولا يزيد في مسيرة الحضارة والتقدم خطوة واحدة إلى الأمام . ولا يفوتني أن أكرر شكري لكل من قرأ وعلق على ما كتبت ونصحني نصائح طيبة أعتز بها وأشكره عليها.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ