-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين  23/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عندما سقطت بغداد كنت هناك

مشاهدات حية على جريمة احتلال العراق

رشيد شاهين

الحلقة الأولى

في صبيحة العشرين من آذار 2003 وقبل أربعة أعوام طويلة عجاف أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة بوش الصغير على الهجوم على ارض الرافدين في حرب اتسمت بحقد لا نعتقد بأنه مسبوق في التاريخ الإنساني، وقامت أميركا ومن تحالف معها بحرب مجرمة غادرة أقل ما يمكن أن يقال عنها انها مثلت واحدة من اكبر الجرائم ضد الإنسانية، حرب غير مبررة كانت ضد رغبة العالم اجمع بالتعامل مع المسالة العراقية بطريقة سياسية واستبعاد الحل العسكري خاصة في ظل ما تحرزه فرق التفتيش الدولية المنتشرة في العراق من تقدم. حرب اجمع الكثير من القانونيين في العالم بانها كانت غير شرعية ولا أخلاقية وان كل ما قيل في الإعداد لها لم يكن سوى فبركة وتزوير وقلب للحقائق، وان كل ما ساقه بوش وزمرته المتصهينة ثبت بطلانه ولم تستطع أمريكا برغم كل المحاولات أن تبرز دليلا واحدا على كل ادعاءاتها وتبريراتها من اجل غزو هذا البلد ومن ثم احتلالها واستباحته أمام أعين العالم وضميره الغائب.

 

في كتابهما "حرب العراق" لمؤلفيه وليامسون موراي وروبرت سكايلز جونيور (2004, ص155-156) يقولان "بعد الساعة الواحدة فجر الخميس 20 آذار بتوقيت الرياض تلقى الفريق مايكل موسلي مكالمة هاتفية عاجلة من رئيس الأركان ريتشارد مايرز الذي استفسر إن كانت طائرات أل 117-ف قادرة على مهاجمة هدف منفصل في مدينة بغداد قبل بزوغ الفجر. وقد أجاب موسلي بالإيجاب، إلا انه طلب من مايرز وبكل لطف أن يؤكد له أن الجنرال تومي فرانكس قد علم بذلك، لقد كانت هذه المكالمة إيذانا ببدء الحرب على العراق قبل موعدها المحدد بيوم ونصف اليوم."

 

من المعروف أن الهدف الذي تحدث عنه الكتاب كان الرئيس الراحل صدام حسين كما وبقية أعضاء القيادة العراقية التي اعتقدت القيادة الأمريكية واستخباراتها انهم يعقدون اجتماعا سريا في مكان ما في إحدى ضواحي العاصمة العراقية.

 

ويضيف كتاب حرب العراق "لقد اختير كل من المقدم ديفد تومي والرائد مارك هوهن لتنفيذ المهمة. في الساعة الثالثة والدقيقة الثامنة والثلاثين حسب التوقيت المحلي للكويت انطلق تومي وهوهن في طائرتيهما 117-ف المزودتين بقنبلتين لكل منهما زنة الواحدة تصل إلى 2000 باوند (909 كغم)، وبرغم أن نظام التوجيه قد تعطل في إحدى قنبلتي تومي الا انه عمل جاهدا لإعادة تشغيله، وما أن نجح حتى كان فوق بغداد. وعند الساعة الخامسة والدقيقة السادسة والثلاثين بتوقيت بغداد تمكنت القنابل الأربعة من إصابة الهدف بشكل دقيق." (نفس المصدر ص 156-157).

 

لقد تحدث الكاتبان بنفس الطريقة الاستعراضية التي يتحدث بها رئيسهم الصغير بوش، إنها الثقافة الأمريكية، هكذا هم الأمريكيون حتى ضمن أدبياتهم. الكاتبان لم يتطرقا ولو للحظة واحدة إلى ما سببته تلك الغارات وما بعد تلاها من غارات على مدار أيام الحرب من رعب وخوف لا يمكن تصوره في نفوس الأطفال والنساء، كما لم يتطرقا لاحقا في بقية كتابهم إلى كل الذي حصل في العراق من فوضى ودمار وقتل وإرهاب ومجازر وصلت أعداد الضحايا فيها وبحسب كل المنظمات الدولية إلى مئات الآلاف وفي بعض الأحيان إلى ما يزيد على المليون وهنا الحديث يتم عن الذين قتلوا ولا يشمل الجرحى والمعوقين واليتامى والأرامل وغيرهم. وهو لا يشمل أيضا المهجرين سواء في داخل العراق الذين وصل عددهم إلى ما يزيد على المليونين من العراقيين أو أولئك الذين اضطروا إلى اللجوء إلى خارج البلاد والذين زاد عددهم على الأربعة ملايين من أبناء الشعب العراقي.

 

كل هذا وغيره من الكوارث الإنسانية والاجتماعية والصحية والبيئية والثقافية والاقتصادية كان نتيجة حرب بوش التي أراد من خلالها إلغاء الدولة العراقية بما فيها من تاريخ وحضارة وشعب عريق من مختلف القوميات والطوائف. كل هذا لم يأت المؤلفان على ذكره وكان معظم ما ركزا عليه خلال كتباهما هو " كيف حارب الجيش الأمريكي" وما عدا ذلك فهو هوامش ولا قيمة له، ربما من الحكمة الإشارة إلى أنهما وحتى يبدو ما جاء في الكتاب بأنه موضوعي أو فيه بعض من الحياد أتيا في قليل جدا من الكتاب على بعض المعارك التي أبدع فيها المقاتل العراقي عندما كانت تتوفر الفرصة له لقتال الأعداء.

 

أما وقد مضى على بداية تلك الحرب اللعينة ستة أعوام طويلة لا بل طويلة جدا، وهي لم تكن فقط طويلة، لا بل كانت مليئة بلحم أجساد أطفال وحرائر العراق وتلونت بلون الدم الذي انسكب في شوارع كل المدن والأرياف العراقية، لقد كانت معظم أيام تلك السنوات مليئة بدم أبناء العراق، كانت حافلة بالقتل والإرهاب، كانت مخيفة خوفا بعيدا عن التصور أو الخيال. لقد مضت تلك السنوات والعيون تراقب وضمائر "لا بد انها ميتة" تتفرج.  سنوات كارثية طويلة مرت بكل ما فيها من تفاصيل مرعبة وبكل ما فيها من قتل ونهب وفساد وإفساد واغتصاب وترويع لتكشف الكثير من حضارة بوش وديمقراطيته وحرصه على القيم الإنسانية وجرائم أمريكا.

 

ست سنوات ابتدأت في ليلة العشرين من آذار كانت مليئة بكل أنواع الانتهاكات الوحشية والبربرية لأبسط حقوق الإنسان التي طالما تحدث عنها بوش وزمرته المتصهينة.ست سنوات تخللها اغتصاب للحرائر من العراقيات وذبح لعائلات بأكملها وسطو على تاريخ العراق وحضارته تمثل في المتحف العراقي وسرقة في وضح النهار للمكتبة الوطنية ومكتبة وزارة الأوقاف مرورا بجرائم وفضائح أبو غريب التي أرادت أميركا من خلالها أن تقول إن ديمقراطيتها فعالة، واختزل البعض كل ما حدث في عراق العرب في الكشف عن جرائم أبو غريب، وكأن كل ما حدث في العراق لم يرق إلى تلك الجرائم وان أبو غريب كان الفعل الأكثر قبحا في العراق.

ما يحدث في العراق لا يمكن أن يرقى إلى المعقول، انه يفوق كل تصور، هل بإمكان الواحد منا أن يتخيل انه وبينما يجلس في بيته وبين أطفاله لا يشعر بالأمن والأمان، تخيل انك تعيش في بغداد أو في أي من مدن العراق وأريافه، وان لا احد يمكن أن يمنع أفراد هذه العصابة من اللصوص أو أفراد هذه الميليشيات او تلك من اقتحام البيت عليك ليفعلوا ما يبغون دون أن تقوى على منعهم، فهم بإمكانهم أن يغتصبوا، أن ينهبوا، أن يقتلوا، أن يطردوا أو أن يحرقوا، أي شيء ، نعم إن بإمكان هؤلاء أن يفعلوا أي شيء دون رادع أو وازع، وتخيل بعد هذا كله انك لن تستطيع أن تجد من تذهب إليه لتقدم الشكوى، وان فعلت وذهبت فلن تجد من يسمعك، وان سمعك فانك لا تضمن أن لا يكون هذا الذي تقدمت إليه بالشكوى هو احد أفراد العصابة أو الميلشيا التي اقتحمت منزلك، وعليك حينئذ أن تدفع ثمن شكواك أضعافا مضاعفة.

 

نعم هذه هي العراق التي أراد لها بوش أن تتحرر من "الديكتاتور". انه العراق الذي يتباهى بوش "الصغير كما درج الإعلام العراقي السابق أن يطلق عليه" الذي أراد أن يخلص العالم من زعيمه لأنه يهدد الأمن والسلم العالمي. إن هذا الذي تحدثت عنه هو ما يحدث هناك في عراق العرب، عراقكم، وليس في كوكب آخر.

 

بعد سنوات ستة حزينة بائسة حالكة مكفهرة كانت، لا بد أن استذكر أيام الحرب التي استمرت كسنين لشدة ما شهدناه من رعب وقتل ودمار، لأقول انها كانت مجزرة بكل المقاييس ولقد كتبت حول ذلك كتابا بعنوان – هكذا سقطت بغداد- وجاء في فصل تم تخصيصه ليوميات الحرب على العراق:

 

لم تكن ليلة الخميس العشرين من آذار 2003 في بغداد بشكل خاص وفي العراق بشكل عام كما الليالي التي سبقتها، ولم تكن كتلك التي تلتها، لقد كان الكل في حالة من الحذر والترقب، والجميع يتساءل سواء بالسر أو في العلن، هل سيشن بوش العدوان أم ترى سوف تتأجل الضربات التي لا احد يعلم عنها شيئا إلا بوش وعصابته الآثمة، كثيرون في العراق كانوا في انتظار الضربة، وكثيرون سهروا حتى وقت متأخر ليلة الضربة، ولما ألمّ بهم التعب ذهبوا إلى النوم الذي لم يكتمل كما اشتهوا.

 

ليل العالم في ليلة الخميس تلك لم يختلف كثيرا عن ليل بغداد وليل العراق في الانتظار، سوى ان من ألمّ به تعب انتظار الضربة، ذهب وغطّ في نوم عميق قد يكون استمر حتى الظهيرة أو ابعد من ذلك لو شاء. لقد كان حالي كحال الكثير من العراقيين في تلك الليلة، فقد سهرت بدوري كما سهر الكثير من أبناء العراق حتى ساعة متأخرة من تلك الليلة على أمل أن أصحو على صبح بغدادي كالمعتاد.

 

كنت أغط في نوم عميق لم تكتمل متعته، فقد صحوت على صوت زوجتي يوقظني وهي في حالٍ من الفزع الشديد تطلب مني أن أرد على الهاتف، حيث شقيقي يخابرني من فلسطين ليسأل عنا وعن أحوالنا، خاصة وان الحرب قد ابتدأت وان بغداد أصبحت تحت القصف الشديد، و بينما كنت أتحدث إليه كنت اسمع أصوات الانفجاريات تتوالى بقوة وهذا ما يؤدي إلى اهتزاز الشقة كما ويتسبب في حالة من الرعب للأطفال الذين أفاقوا أيضا على أصوات الانفجارات الشديدة، لقد كانت الغارة الأولى بعيدة نسبيا كما أخبرتني زوجتي حيث كنت نائما، ولهذا لم اسمعها، الموجات التالية من الغارات كانت أكثر قربا وكانت اشد قوة ربما، أو هذا ما كنا نسمعه على الأقل ربما لأننا لم نعد كما كنا نياما، لست ادري، كل ما اعلمه هو ان الغارات أصبحت أكثر شدة وان صوت الانفجارات صار أكثر قوة.

 

كان أخي لا يزال على الهاتف ويرغب في الاطمئنان ربما أكثر! كنت اشعر بمدى اللهفة في صوته وفي الرغبة لديه ليتحدث أطول فترة ممكنة، لقد كان يقول لي إن ما رآه على الفضائيات مرعبا، وان ما شاهده من انفجارات وقصف ونيران يشبه إلى حد بعيد ما حصل في الحرب الأولى على العراق عام 1991، اعتقد أنني كنت أبادله الرغبة في أن نتحدث طويلا عما يراه ويسمعه – خاصة وان الفضائيات كانت ممنوعة في العراق-، إلا أن شدة الانفجارات وما كانت تسببه من رعب للأطفال وهذا ما يدفعهم للصراخ، كما وان نزول العديد من الجيران إلى شقتنا حيث كنا نسكن في الطابق الأرضي، جعلني استعجل الحديث معه ويبدو انه استلم الرسالة فودعني واقفل الخط.

 

لم يمض وقت طويل على نهاية الإنذار الذي وجهه الرئيس الأمريكي بوش الصغير حتى انقضت على بغداد نيران جهنم، لقد كانت الضربة من القوة بحيث زلزلت البنايات كما هزت الأرض تحت أسرة من ذهبوا إلى نومهم سواء من انتظروا الضربة فسهروا، أو أولئك الذين لم ينتظروا الضربة لأنهم استسلموا لقدرهم، مدركين بوعي او بدون وعي ان الضربة آتية لا محالة، لقد كان لسان حالهم يقول سواء انتظرنا ام لم ننتظر فلا بد منها، إنها قادمة، إن لم يكن اليوم فغدا، لقد كانت الضربات تتوالى بشكل لا يمكن استيعابه ولا يمكن تصوره.

 

كانت الانفجارات تسمع في كل مكان من العاصمة العراقية بغداد، كان من الصعب التركيز على جهة بعينها، فما ان تضرب هذه المنطقة ويحاول الناس معرفة أين وماذا وكيف، حتى تسقط عشرات القنابل أو القذائف أو ربما الصواريخ، لا احد يدري، في مكان آخر قد يكون قريبا أو بعيدا لا فرق، فالضربات متلاحقة وهي كذلك شديدة مرعبة وقاسية بالتأكيد، ولشدتها لا يمكن أن تقدّر على إي بعد أنت منها، فكل أصوات الانفجارات شديدة وكلها تبدو قريبة، وهناك عشرات من أعمدة الدخان المتصاعدة أينما تنظر وحيثما تتلفت، السنة النيران تتصاعد مع كل ضربة، كنت ترى الناس وهم يتساءلون ماذا حصل وما الذي يجري وما العمل؟ إن ما يحدث اكبر من كل تصور. ويتجمع الجيران، والكل يسأل الكل، ترى كيف وماذا وأين وهل؟ وأسئلة كثيرة بدون معنى أحيانا وبمعان كبيرة في معظم الأحيان.

لقد ابتدأت الحرب إذن.....

نهاية الحلقة الأولى

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ