-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  18/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إنا على فراقك يا أبا محمد لمحزونون

د/ محمد سعيد درويش

بسم الله الرحمن الرحيم

((يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي ، وادخلي جنتي)) .

تمر على المرء مناسبات يتمنى فيها أن يوهَب شاعرية فحول الشعراء ، وبيان أفصح الأدباء ليعبر عما في نفسه من فرح أو حزن .  وما شعرتُ يوماً بحاجتي لمثل ذلك في السنين الأخيرة، كشعوري حين توفي والداي أثناء غيابي القسري ، وحين فجِعَتْ الأمة بفقد أعلام بارزين كالسباعي ، وسيد قطب ، وعبد الفتاح أبو غدة ، وعبد الله المطوع ..... ومن قريب المربي الكبير أمين الشاكر ، واليوم بوفاة شقيق روحه الدكتور حسن هويدي رحمهم الله جميعاً .

معظم الذين يعرفون حسن هويدي عن بُعد ، يعرفونه كطبيب نطاسي ، وإنسان متدين بصدق . أما إخوانه المقربون وتلاميذه فيعرفون أكثر من ذلك .

عرفناه متفوقاً في كل شيء : في دراسته ، حيث عُرض عليه بإلحاح الإنضمام إلى هيئة التدريس في كلية الطب في جامعة دمشق بعد تخرجه منها ، وذلك لتميزه في إختصاصه ، وتفوق في تحصيله الشرعي والفقهي ، إذ قد لا يعرف البعض أنه من علماء سوريا البارزين يشهد له بذلك كبار المشايخ .

كان بورعه وتقواه مدرسة صوفية متميزة ، من أمتع أوقات صحبته عندما يَؤمنا في صلاة جهرية ، يرتقي بنا فيها مدارج الخشوع ، فنشعر فعلاً أننا مع الله في عُلاه ، ونتمنى لو استمرت الصلاة لساعات .

تواضعه مُلفت للنظر ، يعشق مجالسته المساكين والصالحين ، وقد يشد الرحال إلى أماكن إقامتهم .

سعة صدره نادرة : كان يتولانا ( مجموعة من الشباب ) بالرعاية قبل أن يأخذ علينا البيعة كأعضاء جدد في جماعة الأخوان المسلمين ، بداية الخمسينات من القرن الماضي ، واليوم - وبعد أكثر من خمسين سنة – أُطأطئ رأسي خجلاً عندما أتذكر تحمله بعض أسئلتنا وتصرفاتنا. وبمقابل هذا الحلم ، كان غضبه لله شديداً فترى شخصاً غير الذي تعرف .

بسلوكه واستقامته وتواضعه ، فرض إحترامه وتوقيره حتى على خصومه السياسيين بل حتى على سجّانيه في المعتقلات .

يزروه في بيته ، تودداً ، كبار المسؤولين ، رغم الخصومة الحزبية .

كانت عيادته مأوى لفقراء المرضى ، وبيته ملاذاً لإخوانه في الشدة والرخاء .

أما عن حكمته وبُعد نظره ، وجُرأته ، فلا يُحدثك مثل خبير ، فقد كان له من المواقف الحكيمة والجريئة في نفس الوقت ، ما مكنه أن يُجنِّب الجماعة مزالق كثيرة حين تولى المسؤولية الأولى فيها أيام محنتها بداية الثمانينات .

كان لا يتردد في تحمُل الأعباء الجسام ، رغم تقدمه في السن وضعف جسده – المزود بكلية واحدة – فأعطى الأمانة حقها ، وبذل جهداً ينوء به الشباب أولي العزم ، خاصة بعد أن اختير نائباً للمرشد العام وكَثُرَت مسؤولياته ، حتى كنا نُشفق عليه ونطلب منه إعطاء جسده وصحته حقهما ، فاستمر العطاء بِصمت دون شكوى أو تبرم . فكانت حياته عطاء متواصلاً حتى وفاته.

في أيام ترجّله من السفر – وهي قليلة – كان يرعى درساً مفتوحاً لمن يحضر من إخوانه ، وكان آخر درس له ليلة وفاته عن الموت !

يُخفض جناحه لإخوانه وتلاميذه ، بقدر واحد ، على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الإجتماعية ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم .

وهبه الله عاطفة جياشة تلقائية ، ولعل الذين يذكرون خطبته في مسيرة الإحتجاج الكبرى على إعدام عبد القادر عودة وإخوانه ، وفي مُشيعي السباعي ، والذين قرأوا قصيدته في رثاء سيد قطب - رحمهم الله جميعاً – يُدركون ما أقول .

جيلنا ، وأجيال قبلنا وبعدنا ، مدينون – بعد الله – له وللرعيل الأول من إخوانه ( أمين الشاكر ، عبد الكريم عثمان ، إبراهيم الطه ..... ) بالإستمرار على النهج القويم في فترة عصيبة كانت فيها الفتن السياسية والأخلاقية لا تستثني إلا الجذور الراسخة .

تعلّق قلبه بالمدينة المنورة وبساكنها عليه أفضل الصلاة والسلام ، تعلُقاً شديداً ، وكان يُكرر أمله أن يُدفَن في بقيعها .

عندما يتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يتغير لونه ونبرة صوته ويُحلِّق في أجواء الحب، لتسمع أدباً رفيعاً وعلماً غزيراً وشعراً منثوراً .

إن الحديث عن أبي محمد يطول ، والشعور بالفقدان لن يزول . وإن القلب لَيَحزن ، وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا أبا محمد لمحزونون ... محزونون ... محزونون ، ولا نقول إلا ما يُرضي الرب ... إنا لله وإنا إليه راجعون .

اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتِنّا بعده ، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه ، واجزه خير ما جزيت أستاذ عن تلاميذه ، واجمعنا به تحت لواء الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم .

والحمد لله رب العالمين .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ