-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  17/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


القدس لنا.. وزيارة السجين ليست تطبيعاً مع السَجَّان

بقلم: آصف قزموز

asefsaeed@yahoo.com

القدس عاصمة الثقافة العربية، وهي عاصمة الفلسطينيين جميعاً بل ويحق القول إنها عاصمة كل العرب وعموم المسلمين وأتباع الديانات على سطح هذا الكوكب. ومع انشغال شعبنا هذه الأيام في الإعداد والتحضير للحدث التاريخي واحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية، في معمعان التزاحم مع جرّافات الاحتلال التي تجتاح البيوت وتهدمها وتقضم الأرض حيّاً حيّاً وبيتاً بيتاً لتزرع مكانها أجساماً سرطانية استيطانية في هجمة شرسة لم يسبق لها مثيل، بحيث باتت تعكس في حدّتها وعدوانيتها الفظّة كنه ومعنى الحيّز الذي تشغله وتمثّله القدس في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي. يتراءى لنا في كل مشهد جريمة تغريب المواطن الفلسطيني وهو داخل المدينة المقدسة واغتراب باقي الفلسطينيين من الضفة وغزة وحتى المدن والقرى والأحياء المجاورة والملاصقة لهذه المدينة المنكوبة بفعل الجدار الذي فصل بين الأخ وأخيه وحتى أبناء الأسرة الواحدة في البيت الواحد، ناهيك عن الاعتداءات اليومية والمساس الفاضح بحقوق الإنسان الفلسطيني ومشاعره الوطنية والإنسانية والأخلاقية.

 

 نعم، اليوم بات اغتراب الفلسطينيين وعزلهم عن مدينتهم المقدسة يشكل اغتراباً عن النواة الحية لقضية الشعب الفلسطيني، مع كل هذا ورغم كل الظروف الصعبة والبائسة يجب أن يقف أبناء هذه المدينة صفاً واحداً للتصدي للهجمة وكالبنيان المرصوص مع كل الفئات الرسمية والشعبية الفلسطينية لإنجاح احتفالية إعلان مدينة القدس عاصمة للثقافة العربية، ولعلّ ما يكسب هذا الحدث أهميته القصوى هو طبيعة الظروف المعقّدة والاستثنائية التي تحيط بهذه المناسبة على مختلف الصعد والمستويات دون استثناء واحتمالات انسداد الأفق السياسي التفاوضي بصعود قوى التطرف العنصري لسدة الحكم في إسرائيل.

 

 كنا نتمنى وما زلنا أن يشكل هذا الحدث التاريخي عنصراً تعبوياً ثقافياً وفكرياً وإبداعياً في كافة المجالات ليس لأبناء الشعب الفلسطيني وحسب وإنما لجميع الفئات والشرائح المكونة للمجتمعات العربية لتنطلق الفعاليات والرمزيات الحاملة لاسم القدس عاصمة الثقافة العربية 2009 بل ولتحمل المنتوجات والسلع في عموم الأسواق العربية هذه العبارة الحدث، لما لهذا الأمر من أهمية قصوى في حشد كل أشكال الدعم لمدينتنا المقدسة، ولعلّي لا أبالغ أو أتنرجس إذا ما قلت إن استخدام هذه العبارة "القدس عاصمة الثقافة العربية 2009" على السلع والمنتوجات وشتى وسائل الإعلام سيسهم في ترويجها أكثر ويزيد في اهتمام مستهلكيها، لا سيما وأنها تحمل معنى تضامنياً مؤازراً لقضية عادلة وإنسانية لا يشكل في مطلق الأحوال حالة حرج أو تجاوز لحدود أضعف الإيمان المطلوب من كل عربي ينتمي للغة الضاد.

 

 مشاركة الرموز الثقافية والفنية وتكريم الروّاد من أبناء الشعب الفلسطيني النجباء وأصحاب القامات العالية من المناضلين المبدعين الذين تحوّلوا لعناصر حيّة وإلى جزءٍ لا يتجزّأ من مكوّنات الهوية الوطنية الفلسطينية من داخل الوطن وخارجه، هي بلا شك مشاركة فعلية في معركة المواجهة مع الاحتلال، بل يمكن أن نجعل منها منصّة انطلاقة حقيقية وخطوة على طريق قيام الدولة الموعودة لا تقل أهمية وبلاغة عن النضال السياسي والدبلوماسي المقاوم باتجاه الخلاص من الاحتلال وتحقيق الاستقلال. لكن اللافت المحيّر أننا نشهد هذه الأيام محاولات من البعض المختلف في السياسة بالتحريض وتهبيط الحيطان على بعض المبدعين والفنانين ممن يرغبون بالحضور إلى القدس للمشاركة بتقديم الفعاليات على أرض المدينة المقدسة، بدعوى أن مثل هذه المشاركات سيعني تطبيعاً مع العدو، مع أن الأمر معكوس تماماً لأن من يمنع أو يعرقل مشاركة مثل هؤلاء الفنانين هو الذي سيكون قد خدم العدو، ذلك أن مجرد حضور أي فنان فلسطيني أو عربي إلى القدس للمشاركة في فعاليات هذا الحدث التاريخي، هو عملياً دعم ومؤازرة للشعب الفلسطيني وللقدس ومشاركة قيّمة ومهمة في هذا الحدث المواجهة، وهنا نستذكر مقولة الشهيد الخالد ورمز القدس المرحوم فيصل الحسيني "زيارة السجين لا تعني تطبيعاً مع السَجَّان" فأي تطبيع هذا الذي يفترى علينا به؟! أما يكفي هؤلاء تكسيراً لمجاديفنا؟! نحن نريد من كل هؤلاء ومن العرب جميعاً أن ينبروا فوراً كل من موقعه وحسب قدرته للوقوف معنا صفاً واحداً لإنجاح هذه الاحتفالية التاريخية والمشاركة في فعالياتها على أوسع نطاق وتنوّع ممكن، لأن الأمر بات يتعدّى حدود احتفالية ثقافية تاريخية عابرة وإنما ستكون بأبعادها ودلالاتها وشموليتها معركة المواجهة الحقيقية التي ستكشف للعالم أجمع عري الاستيطان وبشاعة الاحتلال وتُبقي على القدس حاضرة دائماً في العقل والقلب والوجدان حتى خلاصها.

 

 إن ما نشهده من سجالات وبكائيات مزايدات كلامية على قضية القدس الماثلة أمامنا لا تخدم القدس ولا قضية الشعب الفلسطيني، ولا فضل لأحد منا على الآخر إلا بمقدار ما يقدم وليس بمقدار ما ينظر. فالنقد البنّاء حقٌّ مشروع ومكفول للجميع ومرحب به، خصوصاً إذا كان مشفوعاً بطرح أفكار بديلة ومقترحة أو معدلة ما يجعل مشاركة كل فئات الشعب ودعوتها لتقديم الفكرة أو الفعالية للمساهمة في إنجاح قضية القدس، بدلاً من العمل على إفشاله وإحباط القائمين عليه عَبر انتقادات لاذعة وجارحة أحياناً وغير مشفوعة بطرح البديل الأفضل، مسألة وطنية بامتياز. نحن ندرك أن اللجنة الوطنية العليا للاحتفالية قد تحددت بأشخاص معينين لهم وزنهم وقاماتهم، لكننا يجب أن ندرك أيضاً أن اللجنة لا يمكن أن تتسع لكل الكفاءات والرموز المبدعة ولكل من يرى بنفسه أهلاً لها، وبالتالي من غير الجائز لكائن من كان وفي هذه المناسبة التاريخية بالذات أن ينتقد ويتصرّف بمنطق "خَرِّيبْهَا لَعِّيبْهَا".

 

 نعم، نحن مطالبون اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى للعمل يداً بيد وكتفاً إلى كتف لاستثمار هذه المناسبة في جلب وتحسين الترابط الموحِّد بين الداخل والشتات في ميدان هذه المناسبة، لكي تشكل هذه الاحتفالية مناسبة مثمرة وجسراً يعزز التواصل بين جميع مكونات الشعب من المبدعين والروّاد والرموز والقامات الفكرية الفنية والثقافية المختلفة في الداخل والشتات، وعَبر تكريس الهوية التاريخية للقدس المكان والزمان والحدث باعتبارها عاصمة للثقافة العربية وعاصمة لدولة الفلسطينيين وللضمير العربي. فالمسؤولية الوطنية لن تعفي أحداً، وهي ملقاةٌ اليوم بكامل ثقلها ومكوّناتها ومحدّداتها على عاتق السلطة ووزارة الثقافة واتحاد الكتّاب وجميع المؤسسات الثقافية والفكرية الخاصة والعامة والقائمين على إحياء هذا الحدث الثقافي التاريخي لتجييش كل الجهود والطاقات الإبداعية وتوظيفها بشتى المعاني والدلالات الثقافية الفنية والأدبية والتاريخية وابتكار كل الرمزيات الوطنية والإبداعية والفعاليات الشعبية والثقافية التي تعكس دور كل الفئات الاجتماعية من طلاب وعمال ومثقفين.. إلخ، لكي نجعل من كل هذه النشاطات المتنوعة الأرضية الصلبة والنواة الحية للاستمرار بها وتكريسها لتتحول إلى حدث يومي يعمّ جميع أرجاء الوطن ويعيد الاعتبار لفكرة المقاومة الشعبية للاحتلال كسبيل طويل الأمد نحو النصر وقيام الدولة المستقلة.

وإذا كانت مسألة التوافق من أجل إعمار غزة مهمة عاجلة تتقدم على أجندات حسم الخلافات والتباينات وتجنبها، فإن واجب التراصف والتوحد لنصرة القدس وحشد المشاركة في إنجاح احتفاليتها مسألة لا تقل أهمية ولا وطنية ولا مسؤولية عن الأولى.

ولنجعل من هذه الاحتفالية مناسبة لجعل فعالياتها وأنشطتها شرارة مستمرة تتواصل لتعمّ أرجاء الوطن كشكلٍ من أشكال المقاومة الشعبية اللاعنفية حتى دحر الاحتلال وقيام الدولة.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ