-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس  12/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قَبَسَاتٌ من تعظيمِ قَدْرِ المصطفى r

المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات

لقد أظلَّتنا في هذه الأيام الكريمة الميمونة ذكرى ولادة الحبيب المصطفى r، ولعلَّ كثيرين هم من سيكتبون في سيرته، وبطولاته، وهديه وسمته ودلِّه...

وستطالعُنا الاحتفالاتُ من هنا وهناك، مُشنِّفةً آذاننَا بالقصائد، والمدائح، وقراءة الموالد...

وإذ بي أجد في نفسي حاجةً ملحَّةً للحديث عن جانب آخر من جوانب الحضرة المحمَّديَّةِ، ونحن نعيش زمانًا قد طغت فيه الماديَّاتُ على الروحانيَّاتِ، فنُسِّينا الأدبَ مع النبيِّ r!

صحيح جدًّا أنَّ هذه المناسبة تأتي اليوم لتجديد الوفاء لسنة النبيِّ r، والعمل الجاد لرأب الصدع القائم بين صفوف الأمة.

وصحيح كذلك أن مناسبة المولد تبعث فينا الأمل من جديد، فتُجهز على مكامن الضعف في الأمة لتستبدلها بعوامل النهوض، وهي تستحضر في ذاكرتها القومَ والبيئةَ والطبيعةَ الذين بُعث فيهم محمَّدٌ رسولُ الله r.

ولكن هذا كله يبقى في مخلَّفات الماضي، وبين صفحات الكتب، حبيس الرفوف، لا روح فيه... إلى اليوم الذي نشعر فيه بعظمة النبيِّ محمَّدٍ r، فنتَّخذه أسوةً حسنةً، ومنهاجًا يُقتفى.

قال الله U: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(.

لقد كان من تعظيم الله لقَدْرِ النبيِّ r أن رفع اسمَه -دون سواه- مع ذكرِ اسمِ الله جلَّ في علاه.

ومن تعظيم الصَّحابة y لقَدْرِ نبيِّهم r ما شهدَ به عروةُ بن مسعود الثقفي -وقت أن كان  كافرًا- إذ وفد إلى النبيِّ r يريد أن يناقشه في دينه! فرأى العَجَبَ العُجابَ من التعظيم والتبجيل للحبيب المصطفى r. ولِمَ لا؟ وقد أدَّبهم ربُّهم خيرَ تأديبٍ، وأمرَهم أمرًا محكمًا لا رجعةَ فيه:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( [الحجرات].

وظني بك أنَّ مفاجأةَ الحَدَثِ ستأخذك إلى أقصى حدٍّ إذا ما عرفتَ أنَّ هذه الآيات الكريمة قد نزلت في السيدين العظيمين والشيخين الكبيرين، في الصدِّيق أبي بكر، والفاروق عمر.

إنَّ المولى Y يأدِّبُ عبادَه الصالحين، ويُنزل الآياتِ في تَرشيدِ أصفيائه المتَّقين؛ ليضطلِّعوا بعد ذلك بتعاهُدِ الأمَّةِ وحُسْنِ رعايتها.

عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: لمَّا نزلت هذه الآيةُ: )لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ (، قعد ثابت بن قيس في الطريق يبكي، فمرَّ به عاصمُ بن عَديِّ بن العجلان، فقال: ما يُبكيك؟ قال: هذه الآيةُ، أتخوَّفُ أن تكون نزلت فيَّ وأنا صيِّتٌ رفيعُ الصوتِ.

فرفع عاصمٌ الأمرَ إلى رسول الله r، فداعبَه وقال: "أما ترضى أن تعيش حميدًا، وتُقتل شهيدًا، وتَدخل الجنة؟". قال: رضيتُ، ولا أرفع صوتي أبدًا على صوت رسول الله r.

فأنزل الله: )إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ( أي: أخلصَها وصفَّاها لتظهرَ منهم التقوى، وعلاماتُ الصلاحِ والمغفرةِ.

فإذا كان هذا الصحابيُّ الجليل قد بكى على قارعة الطريق وأَجهشَ بالبكاء حتى ابتلَّت لحيتُه، لمجرَّد أنه رفع صوتَه فوق صوت النبيِّ r، بطبيعته التي خلقه الله عليها، دون أيما قصد منه، أو إيذاء متعمَّد. فماذا ينبغي أن يكون موقفنا نحن وقد أحكم الكثير منا أهواءهم في سنة النبي r، ورفعوا عقيرتهم يؤولون حديث النبي r، ويعطَّلونه، هذا إذا لم يضربوا على هدي النبي r ويجعلونه دبر آذانهم وخلف ظهرورهم، وكأنه لا يعنيهم منه شيء. وركبوا عرش الغرب، متأثِّرين بكل ما هو أجنبيٌّ... ؟!

إنِّي لا أجدُ أبلغَ من شهادة عروة بن مسعود الثقفي وهو يُدلي بها إلى التاريخ، على مسمَعٍ من بني جلدته، في وصفه لحالِ الصحابة y وهم يتأدِّبون مع النبيِّ الأعظم r، وفيهم من يكبرُه سنًّا، أو يتَّصلُ به نسبًا أو صهرًا: "أَيْ قومِ، واللهِ لقد وفدتُ على الملوك: وفدتُ على قيصر وكسرى والنجاشي. واللهِ إنْ رأيتُ مليكًا يعظِّمُه أصحابُه ما يعظِّمُ أصحابُ محمدٍ r محمدًا، واللهِ إنْ يتنخَّم نُخامةً إلا وقعت في كفِّ رجلٍ منهم، فدلَك بها وجهَه وجلدَه. وإذا أمرَهم ابتدروا أمرَه. وإذا توضَّأَ كادوا يقتتلون على وَضوئه. وإذا تكلَّموا خفضوا أصواتَهم عنده. وما يُحدُّون النظرَ إليه تعظيمًا له" رواه البخاري.

قارن بين هذه الصورة المشرقة من معاملة الصحابة y لنبيهم r، وهي تنطق بنفسها على ما فيها من دلالات الحبِّ والاحترام والتعظيم. وبين ما قاله أهلُ الرسائل السابقة لأنبيائهم: قارن بين صنيع تلاميذ بيت النبوَّةِ مع ما قاله أصحابُ موسى r لنبيهم: )فاذهب أنتَ وربُّك فقاتلا إنا ههنا قاعدون(، وقولهم: )لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة(.

فإنَّ هؤلاء الذين سألوا موسى أن يروا اللهَ جهرةً كانوا خيارَ بني إسرائل وأفضلَهم، كما قال الله تعالى: )واختار موسى قومَه سبعين رجلاً(، فدلَّ ذلك على أنَّ هؤلاء السبعين هم أفضلُ بني إسرائيل مطلقًّا، وأنه لم يكد يُخلِّفْ بعده فاضلاً. ومع هذا فلمَّا جاءوا لميقات ربِّهم قالوا ما قالوا. فماذا كانت عاقبتهم؟ يا ترى! فقد أخذتهم الرَّجفةُ، حتى قال موسى لربِّه: )أتهلكنا بما فعل السفهاء منا(. فسمَّاهم مع فضلِهم سفهاءَ! فما بالُك بمن تركهم خلفه؟؟

أمَّا إذا قلبت الصفحة فتأمَّا أيُّ حدَثٍ سيطالعُك: أخرج البخاري عن طارق بن شهاب قال: سمعتُ ابنَ مسعود يقول: شهدتُ من المقداد الأسود مشهدًا، لأن أكونَ صاحبَه أحبَّ إليَّ ممَّا عدل به [أي: من كل شيء يقابل به ويوزن من أمور الدنيا]: أتى النبيَّ r وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول كما قال قومُ موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون! ولكن امضِ ونحن معك نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك.

فرأيتُ النبيَّ r أشرقَ وجهُه وسرَّه. وكان ذلك في غزوة بدر، وهي أولُ المعارك، والمسلمون جديدو عهد بالقتال، وبقدرتهم عليه، والمشركون يفوقونهم عددًا وعتادًا وجوزيَّةً...!

أما احتفاءُ أصحابِ النبيِّ r به، فتكاد لا تجد له نظيرًا أبدًا، حتى قال رسولُ الله r فيهم: "إنَّ اللهَ اختارني، واختار لي أصحابًا، فجعل لي منهم وزراءَ وأنصارًا وأصهارًا. فمن سبَّهم فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين. لا تُقبل منه يومَ القيامةِ صرفٌ ولا عدلٌ".

هذه بعض المشاهد نستذكرها بمناسبة مولد خير الخليقة، عسى أن تضفي على سلوكنا معنى جديدًا يُحتِّمُ علينا فهمَ الحقيقة المحمدية أقصى ما يمكن للعقل البشري أن يصل إليها. مستلهمين من اختيار الله I لمحمد بن عبد الله r أن يكون نبيَّ هذه الأمَّة أن نسير خلفه، ونستضيء بنهجه، وأن نوحد الاتباع فلا يكون إلا للقائد الأعظم والنبي الخاتم r.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ