-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين  09/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


بين مطرقة الخصوم وسندان الأعداء

بقلم: آصف قزموز

asefsaeed@yahoo.com

في الوقت الذي كان يطلق فيه رئيس الدولة العبرية شمعون بيريس تصريحاته الحمائمية الناعمة تجاه السلام مع الفلسطينيين، وذلك على أبواب قرب انعقاد الجلسة الأولى للكنيست الجديد المتلاطم الأمواج ما بين شدٍّ وجذب يشمل مختلف القوى السياسية والحزبية المكوّنة له، داعياً "إلى وضع جهود التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين في صدارة أولوياته" على حد تعبيره، ومعلناً كذلك أن "زعماء عرباً كباراً أخبروني أن التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين سيعتبر اتفاق سلام إقليمياً يشمل إسرائيل"، كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يطلق بالتزامن معها دعواته لرئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف نتنياهو، بأنه يتعين على الأخير الاعتراف بفلسطين كدولة، رابطاً ذلك بإثبات مدى مصداقية إسرائيل في السعي للسلام الدائم في الشرق الأوسط، ومعتبراً أن الحل الوحيد للمشكلة يكمن في جلوس حركة حماس إلى طاولة المفاوضات وضرورة اعترافها بإسرائيل. وفي سالف هذه الأقوال والمواقف من الدلالات والمؤشّرات ما يكفي لقراءة واستقراء الصورة الكاملة لملامح المرحلة الجديدة في مسلسل الطريق الطويل إلى السلام في الشرق الأوسط الذي امتد فينا سنين طويلة جلها عجفاء أفضت لخيبات أمل ما زلنا على عتباتها، وإحباطات كابحة لجماح الرغبة الصادقة للشعب الفلسطيني في السلام الواقعي والمتوازن لصالح جميع الأطراف دون استثناء، بل ما زلنا نتخبط تحت هواجسها ومؤثراتها الماثلة حتى الآن.

 

 أستطيع القول إن ثمة تشابهاً يجتاح الحالتين الإسرائيلية والفلسطينية، باتت تعبر عنها بوضوح طبيعة الاصطفافات والتجاذبات والمزايدات وعمليات التضاغط والتخلخل التي حطت رحالها هذه الأيام على أرض الواقع وضفتي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ففي جولة سريعة في العقل الحزبي الإسرائيلي نستطيع أن نقرأ ونلحظ بجلاء أن تسيبي ليفني وحزبها "كاديما" الذي انبعث من رحم الليكود النتنياهوي كحالة انفلاقية بعدما رضع من ضرعه على امتداد اليمين التاريخي حتى الحوصلة تحت اسم "كاديما"، يمتازان عن الليكود اليوم بالموقف من عملية السلام وتحديداً حل الدولتين المعلن في وجه نتنياهو وحزبه ومن والاه، آخذين في الاعتبار أن شكل وماهية وحدود الدولة الفلسطينية المقصودة لدى ليفني وغير ليفني ما زال مجهولاً بظهر الغيب ولا يعلم إلاّ اللّه كم من الوقت والاستنزاف سيلزمنا لاحقاً لاجتياز امتحان الابتزاز والاستدراج الإسرائيلي وعبور النفق وصولاً إليها، وان "كاديما" لا يمكن له أن يكون إلاّ كذلك، لأن في موقفه هذا المبرر والحجة لوجوده كحزب منشق عن الليكود. طبعاً لهذه الصورة ما يحاكيها تماماً في الساحة الفلسطينية ما بين تحوصلات حزبية وأفول فصائل وصعود أخرى وولادات متوقعة. وبالتالي يمكن لكل متتبع أو مراقب أن يلحظ كذلك بأن مواقف ليفني و"كاديماها" تعمل على استقطاب العناصر والأوساط الحزبية ذات الميول المعتدلة من الليكود والأحزاب اليمينية مضافاً لجيش الملتحقين بها من ميرتس وحزب العمل وما بينهما. وبالمقابل واضح أن نتنياهو وحزب الليكود ما زالا يصرّان على امتطاء صهوة المنظور الاقتصادي للحل متجاهلين الإقرار بحل الدولتين وذلك من خلال رؤيتهما بتحقيق رفاه ونمو اقتصادي للفلسطينيين يذرّ الرماد في عيونهم ويصرفهم ويحرف أنظارهم وتطلعاتهم بعيداً عن المطالبة بحق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة في اطار حل الدولتين المشار إليه آنفاً، تماماً كمن يريد أن يقدم لنا الحلوى ليسلبنا الدمية.

 

 صحيح أن التشدد الإسرائيلي تجاه ملفي التهدئة وشاليت بات يلحق ضرراً ببرامج حماس ومخططاتها السياسية التي رسمتها بالدم وعذابات المشرّدين والثكالى واليتامى على أرض غزة، ويزيد من حشرها في الزاوية، لكنه بالوقت ذاته لم يعنِ ولا للحظة تجاوباً إسرائيلياً مع استحقاقات السلام تجاه السلطة الوطنية الفلسطينية والرئيس أبو مازن. وبالتالي هم يريدون اللعب بجميع الأوراق ليحقّقوا لأنفسهم كل شيء دون أن يقدموا من جانبهم أي شيء. فحتى لو اعترفت حماس بإسرائيل مثلاً، رغم وجود أحزاب وقوى إسرائيلية حتى الآن لا تقرّ بوجود شيء اسمه الشعب الفلسطيني ويدعون من على سدة الحكم ليل نهار وعلى الملأ إلى طردنا من أرضنا وعدم  الاعتراف بنا وبحقوقنا التاريخية والإنسانية، فإن اعترافاً كهذا من جانب حماس رغم إيجابياته تجاه السلام سيفضي إلى دهاليز ومتاهات وتصدّعات وتحوّلات سلبية في الواقع السياسي الفلسطيني لن تُحمد عقباها أبداً ما لم يسبق ذلك حالة من التوحد تقوم على أساس اعتراف صادق وصريح وغير مناور من قبل حماس بمنظمة التحرير ومشروعها الوطني يمهد الطريق لانضواء الأولى تحت لواء الثانية جزءاً أصيلاً ومكوناً أساساً من مكونات الذات السياسية الفلسطينية. ذلك لأن الاعتراف بالمنظمة والالتزام بشرعيتها فضيلة وضرورة ملحة باتت لها أولوية وطنية وأخلاقية تتقدم بجدارة على مسألة الاعتراف بإسرائيل والمقايضة المتبادلة بها وإن كانت الثانية ستبدو عملياً تحصيل حاصل للأولى صاحبة الأولوية ألا وهي منظمة التحرير الفلسطينية. مع تأكيدنا الجازم بأن المنظمة ستظل هي الكيان والهوية والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني التي لن يرقى أي حزب أو فصيل لموازاتها أو التحاصص معها أو بها ولا عنها في هذا التمثيل، وبالتالي المطلوب ليس الاعتراف بإسرائيل بمقدار ما هو مطلوب الاعتراف بالمنظمة ومواثيقها والتزاماتها. لأن التعامل مع إسرائيل والتفاوض معها لا يجوز أن يكون استفرادياً فصائلياً، بل من خلال الكل الفلسطيني الموحد وهو منظمة التحرير. وإذا كان نتنياهو وخصومه يتنافسون ويتقاسمون دمنا في مصالحهم ويتحاصصون بنا في تكريس سياساته وتكتيكاتهم العدوانية المتنكّرة لحقوق شعبنا، فمن الجريمة بمكان أن تشهد الساحة الفلسطينية ذات السيناريو والاصطفاف والمحاصصة تحت عنوان المصالحة الوطنية.

 

 لقد بدا واضحاً الآن للعيان والآذان، أن نتنياهو وحلفاءه يريدون من هذه العَفْسِه السياسية - إن جاز التعبير - التي تلت الانتخابات أن يعيدونا لسيرتنا الأولى كما في كل مرة،وذلك من خلال سيناريو العودة للمربع التفاوضي الأول، الذي طالما كانوا يعيدون بدءنا منه مع كل تغيير وبداية كل حقبة أو مرحلة سياسية تلي المعارك الانتخابية الإسرائيلية وكذلك الأميركية، ومع مجيء كل حكومة أو إدارة منذ "أوسلو" وحتى يومنا هذا.

 

 صورة وضعنا البائس هذه، على ضفتي الصراع الإسرائيلية والفلسطينية، يجب أن تشكل المهماز الوطني الذي يضع جميع الأطراف الفلسطينية أمام مسؤولياتهم التاريخية في العودة عن الضلالة لجادة الصواب وتقديم كل التنازلات المؤلمة وغير المؤلمة لرأب الصدع وإنجاز التوافق الوحدوي الذي سيكون بلا أدنى شك هو الردّ الأبلغ على التعنُّت الإسرائيلي الذي اعتاد استثمار انقساماتنا وخلافاتنا لصالحه ضدنا، دون أن نفلح ولو مرّة في تفويت هذه الفرصة عليه.

 

 كيف لا وهم الذين عودونا أن يختلفوا وأن يتنافسوا فينا وبدمنا وحقوقنا المستباحة جهاراً نهاراً عن ذات اليمين وذات الشمال، ولكن عند اللحظة الحاسمة التي تتعلق بالمصالح العليا لشعبهم يتوحدون كالبنيان المرصوص في وجهنا وعلى أشلائنا إن لزم الأمر كما في كل مرة.

 

 ألا يستحق شعبنا المظلوم مرتين، والذي سطّر ملحمة البطولة بصدورٍ عارية على أرض غزة فاستحق بامتياز تعاطف وتقدير شعوب العالم واحترامها، أن نفعلها لأجله ولو مرة وننحاز لمصالح شعبنا العليا بدلاً من الاستمرار في حالة المكابرة وأخذ العزّة بالإثم لحساب مصالح فئوية ضيّقة دفع ثمنها مقدماً من دم الشعب وكيسه وحقوقه الوطنية ظلماً وعدواناً؟! فإذا كان السلام مع العدو والذي لم نقبض منه أسود ولا أبيض حتى الآن وقد كلفنا تنازلات مؤلمة من اللحم الحيّ والحقوق التاريخية ما لم يقدر عليه أحد، فإن السلام الأهلي والتصالح مع أنفسنا وبيننا لرأب الصدع داخل الذات الفلسطينية، أحق وأولى وأكثر وجاهة من التنازل لأي كان تحت أي ظرف كان ولو بالشُّفعة، وذلك أضعف الإيمان. فالتنازل والعودة عن الخطأ لإنقاذ شعب وحماية قضية هو الصعود بعينه والفضيلة بعينها، فعلى من صعد لِقمَّة الشجرة لحظة عزة بإثم أن يترجّل فوراً، وعلى من ينتظر هذا النزول بفارغ الصبر أن يرفق بالنازل من عليائه بعد كل هذا الجنون ولوثة من ظنّوا ببعضهم الظنون، عسى يتفكرون.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ