-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد  01/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المأزق الإسرائيلي وتصدع الرواية

د.باسل غطاس

تساءل العديد من الصحفيين والمحللين الإسرائيليين في صحف نهاية الأسبوع الماضي وفي عدد من برامج "طقع الحكي" التلفزيونية المعروفة بال” talk shows” عن حقيقة نتائج الحرب الأخيرة على غزة. ولأول مرة بدأت تتصدع الرواية الإسرائيلية عن تحقيق أهداف الحرب التي لم يصمد منها حتى الآن في رواية غلاة المدافعين عن الحرب سوى موضوع تحقيق الردع الإسرائيلي أمام حماس والتي تسوَّق للمستمع الإسرائيلي عادة بنوع من الغطرسة المخلوطة بزناخة إسرائيلية معهودة "أننا أثبتنا لحماس أن "المجنون في القدس" قادر على الانفلات من عقاله والضرب بدون عقل أو حساب لأحد".

وطبعا ترافق ذلك ابتسامة صفراء خبيثة تنم عن أن المتحدثين خاصة من جنرالات سابقين ومعلقين عسكريين فقدوا إنسانيتهم، حيث أن هذا المجنون الذي يتبجحون بأنه حقق معادلة الردع الجديدة فعل هذا بقتل مئات المدنيين من الأطفال والنساء وهذا في عرفهم مجرد تفصيل لا أهمية له.

حتى نهاية الحرب انحصر الخلاف داخل الإجماع القومي الإسرائيلي حول التوقيت الأمثل لوقف إطلاق النار. هناك من اعتقد أنه كان من الممكن وقف إطلاق النار بعد أول يوم للقصف بحجة أن مجزرة قتل مائتي شرطي كانت كافية لإظهار أن "المجنون من القدس" قد فقد عقله وتحقق الردع المنشود لوقف الصواريخ الفلسطينية. بينما يذهب الآخرون إلى النقيض من ذلك بأن الحرب كانت يجب أن تستمر حتى القضاء على حكم حماس في غزة.

الإعلام الإسرائيلي نفسه، الذي اصطف كالقطيع وراء الببغاوات خلال الحرب الإجرامية، أصبح يمارس رياضة شعبية في إسرائيل منذ حرب لبنان في تموز 2006. حالة من التجييش والترويج للحرب يشارك فيها مختلف قطاعات صناع الرأي العام والنخب تتلوها حالة من التعصب والإجماع القومي خلال الحرب بدون أي معارضة تذكر، ثم تبدأ حالة من الصحوة والنقد الذي ينحصر في خدمة أجندات النخب والأحزاب المتصارعة ولا يصل إلى عمق المواقف والسلوك الإسرائيلي في ما يتعلق بالقضايا الجوهرية، وينصب في معظمه على الأداء أو التحضير أو التوقيت، وفي حالة الحرب الأخيرة عما إذا كان قرار وقف الحرب صائبا ولماذا لم يجهزوا على حماس حتى لو تطلب الأمر احتلال غزة شبرا شبرا وما إلى ذلك. حتى تساؤلات جدية حول حدود القوة وجدوى استعمالها لم تطرح، ناهيك عن المواقف الإسرائيلية من قضايا الصراع الأساسية على الأقل منذ أوسلو وحتى الآن.

ما يعنينا في هذا الموضوع هو سرعة التصدع خاصة بعد أن تبين أن صفقة تبادل الأسرى التي قطع المفاوضون كما يبدو شوطا كبيرا لإنجازها ستحسب لصالح حماس بشكل كبير سينسي أي انجاز للحرب حتى ولو كان وهميا في نظر الإسرائيلي. ويكتشف الإعلام الإسرائيلي أن اولمرت بربطه بين فتح المعابر والتقدم بموضوع التهدئة وبين صفقة تبادل الاسرى، أي اطلاق سراح شليط وهو في نظره انجاز تاريخي، يريد أن يجيّره لنفسه قبل أن ينزل عن سدة الحكم بانتظار محكمته المقتربة، لكنه ارتكب خطأ شنيعا عندما وضع إسرائيل طوعيا في خانة "الييك" كما يقولون أي نصب لنفسه فخا ودخل إليه صاغرا.

انظروا عدد المآزق التي تواجه أولمرت بدون أي إمكانية لحل لدرجة دفعته لأن يفرغ غضبه الحقيقي أو المزعوم على موفد وزارة الأمن إلى القاهرة عاموس جلعاد.

أولا: في نظر الإسرائيليين الحرب انتهت بوقف مؤقت لإطلاق النار على أن يتحول إلى وقف ثابت أي عودة للتهدئة، وسرعان ما تبين أن حماس لم تتراجع قيد أنملة في القضايا الرئيسية المطلوبة لتحقيق الهدنة وأن شروط الهدنة الجديدة مترتبة أكثر على نتائج الصمود الفلسطيني والتضامن العربي من أي انتصار إسرائيلي على الأرض. وأي هدنة طويلة لن تتحقق بدون فتح المعابر وفك الحصار، وهذا ما أرادته حماس قبل الحرب. وفي حالة تعثر مساعي الهدنة سينهار وقف إطلاق النار وما الهدف من الصواريخ التي تطلق يوميا لمناطق مفتوحة سوى التذكير بذلك. أي أن الردع المزعوم لم يتحقق. (أصلا العقلية العسكرية الاستيطانية الإسرائيلية قاصرة عن استيعاب الحقيقة البسيطة أن القوة العسكرية لا تستطيع أن تحقق الردع مع شعب من اللاجئين أعزل ومحاصر وليس لديه ما يخسره وفي نفس الوقت لديه الكرامة والإرادة للمقاومة).

التقدم باتجاه الهدنة سيعني بالتأكيد تفاوضاً غير مباشر مع حماس والنتيجة الحتمية تعزيز موقعها وموقفها ما يؤكد جدوى المقاومة مقابل موقف المعتدلين والمتساوقين مع أمريكا وإسرائيل.

ثانيا: انتهاء الحرب والاتفاق على الهدنة بدون التقدم في إنهاء قضية شليط، يعني بالنسبة لإسرائيل فشلا ذريعا مما دفع اولمرت إلى ربط الموضوعين حتى لو أزعج الموضوع الوسيط المصري المثابر وأحرجه. فالموضوع استراتيجي ويعني للحكومة الإسرائيلية أكثر من زعل مؤقت للحكومة المصرية. استغلت الحكومة الإسرائيلية المزاج الشعبي المخمور بلذة انتصار "تساهال" أو قل السكْر من إرضاء الذات نتيجة توجيه الضربات المؤلمة للجانب ألآخر وإرضاء غريزة الانتقام، على نحو يجعل هذا الرأي العام أكثر تقبلا لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل الجندي الإسرائيلي الأسير. وفعلا بدا لأسابيع أنه لن تكون هناك مشكلة لقبول كافة شروط حماس أو معظمها.

ولكن، وهنا تبدأ التساؤلات المنطقية لدى الإنسان العادي، ألا يعتبر هذا انتصارا لحماس وخضوعا لشروطها؟. وإذا كانت إسرائيل مستعدة لدفع كامل الثمن المطلوب فلماذا كانت الحرب إذاً، وكيف تكون إسرائيل قد انتصرت في الحرب. ولماذا إذاً بقي شليط في الأسر لما يقارب الألف يوم بينما بهذا الثمن كان يمكن إطلاق سراحه منذ فترة طويلة وتوفير المعاناة وربما تجنب الحرب برمتها.

إنه مأزق حقيقي: التقدم باتجاه الهدنة بغرض تثبيت وقف إطلاق النار وقبول ولو جزئي لشروط حماس وبدون إطلاق سراح شليط يعني خسارة الحرب فعليا. التقدم باتجاه صفقة تبادل أسرى وقبول شروط حماس وإطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين سيعني تعزيز قوة حماس وتأكيدا لمصداقية نهجها. وربط الموضوعين معاً كما فعل أولمرت لن يجدي إسرائيل نفعا ولن يفضي إلا إلى توريث حكومة نتانياهو هذه القضية الملتهبة. حتى إعلام مجند وغبي مثل الإعلام الإسرائيلي لا يستطيع ألا يرى هذا المأزق وألا يلتفت إلى إشكالية نتائج الحرب ويطرح تساؤلات جدية بشأنها ولا فضل له في ذلك.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ