-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  18/02/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


هل يخضع الرئيس السوداني للابتزاز الدولي؟

الطاهر إبراهيم*

خلال القرن الماضي وبداية هذا القرن ارتكب قادة أوروبيون جرائم في حق الشعوب لم يتمعّر لها وجه واحد من قادة أنظمة الاستكبار العالمي، ولم يطرف لواحد منهم جفن، طالما أن أحدا من المجرمين لا تطاله يد العدالة، لأنهم هم العدالة وما عداهم متهم، إلا من خضع لجبروتهم من حكام الأنظمة القمعية الذين يستمدون سلطانهم من رضا الدول العظمى.

استطرادا، لو أن الدول العظمى كانت تسعى بإخلاص إلى ملاحقة مجرمي الحروب، إذن لكان ينبغي –بعد الإعلان عن تشكيل مجلس الأمن الدولي في أربعينات القرن الماضي- اعتقال قادة بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول التي شنت جيوشها عدوانا سافرا على بلدان العالم الثالث، وخصوصا على المسلمين في بدايات القرن العشرين، ولم يتوقف عدوان تلك الدول حتى جرت الدماء أنهارا في شوارع مدن العالم الإسلامي.

وإذا كنا شهدنا في الربع الأخير من القرن الماضي هدنة أوقفت فيها دول الغرب عدوانها على الشعوب الإسلامية، فقد استأنفت أمريكا عدوانها بداية هذا القرن، حيث أرسل "جورج بوش" الابن جيوشه لتحتل أفغانستان والعراق ولتعيث في الأرض فسادا. وقد اعترف "بوش" في آخر ولايته الثانية بأن العراق كان خاليا من أسلحة الدمار، تلك الأسلحة التي اتخذها ذريعة لاحتلال العراق. ما يعني أن احتلاله للعراق كان عدوانا سافرا وفسادا عريضا في الأرض. وقد كان على مجلس الأمن –لولا هيمنة واشنطن عليه- أن يأمر باقتياد جورج بوش إلى ساحة القضاء ليحاكم على اقترافه جرائم حرب إبادة، أو على الأقل أن تحرك الدعوى الجرمية بحقه.

أمااليوم فنشهد عدوانا من نوع آخر، أوكل فيه الأمر إلى "لويس مورينو أوكامبو" المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، حيث طلب اعتقال الرئيس السوداني "عمر البشير" بتهمة التورط في جرائم حرب في دارفور السودانية. لو أن هناك عدل لاعتقل "لويس أوكامبو" نفسه بجريمة التحرش الجنسي بصحافية من جنوب أفريقيا، حسبما أفاد المحرر القانوني في «التلغراف» البريطانية. وقد أكدت تلك الصحافية خبر تحرش "أوكامبوا" بها.

صفقت دوائر الإعلام الغربية واستحسنت الادعاء على الرئيس السوداني "البشير". كما رفضت حكومات أمريكاوبريطانيا وفرنسا أن تطلب تأجيل الدعوى باعتقال البشير. لكن هذه الحكومات سارعت للطلب من برلماناتها لتعديل قوانينها، حتى لا يتم اعتقال وزراء إسرائيليين وضباط، اتهموا بجرائم حرب ضد الفلسطينيين في العدوان الأخير على غزة.

قد نفهم ما قامت به الحكومات الغربية لانحيازها الكامل إلى إسرائيل، إلا أننا لا نستطيع فهم موقف صحفية عربية لبنانية مقيمة في نيويورك تعمل مراسلة لجريدة عربية تصدر من لندن. هذه الصحفية جعلت من نفسها محامية للشيطان، فكتبت منددة بممارسات الرئيس البشير، كأنه الرئيس الوحيد في العالم المتمرد على القانون الدولي. بينما هناك رؤساء ملؤوا الأرض جورا وفجورا، لم يتم تحريك أي دعوى قضائية ضدهم. كما إننا لم نقرأ لهذه الصحفية، ولو لمرة واحدة، مقالا تطالب فيه مجلس الأمن باقتياد الرئيس الأمريكي المنصرف "جورج بوش" إلى العدالة ليعاقب على جرائمه الكثيرة الفظيعة التي اقترفها في أفغانستان والعراق.

أنا لا أزعم أنه لم تكن هناك تجاوزات في منطقة "دارفور". لكن قبل أن نحكم، علينا أن نعرف ملابسات ما يحصل. فشعب دارفور مسلم من المذهب السني. لكنهم منقسمون إلى عرب "بدو" رعاة، وأفارقة مزارعين. أما البدو فهم قوم رعاة يتنقلون من مكان إلى آخر طلبا للماء والكلأ. وهم مقاتلون أشداء يمتطون الجياد –لذلك سموا الجنجويد- ويغيرون على السودانيين الأفارقة. لقد كان اتهام البشير بأنه يغض الطرف عن "الجنجويد" اتهاما سياسيا بالدرجة الأولى، لابتزاز حكومته لتقدم تنازلات على حساب السيادة السودانية. ولو خضع الرئيس البشير للابتزاز كما خضع رؤساء آخرون، لأسقطت عنه كل التهم ومنح جائزة نوبل للسلام.

ما يحصل في دارفور غير مقبول بأي حال، مع أنه أقل مما يحصل في كثير من دول العالم وتسكت عنه واشنطن. كما أن الحكومة السودانية عدا عن أنها تكاد تكون عاجزة عن إيقاف الحرب، فإنها واقعة بين عدة نيران، ليس أقلها نار شريكها الجنوبي في الحكم الذي لا يترك فرصة إلا ويوجه اتهاماته للبشير، كأنه شريك في المنافع فقط، وتدعمه واشنطن.  

أنا لا أبرر للرؤساء اقترافهم الجرائم في بلادهم أو خارجها، من دون أن ينال المجرم جزاء ما اقترفت يداه. لأن مقتضى العدل أن يحاكم كل مجرم تجاوز على دماء الآخرين وحقوقهم. كما أن مقتضى الإنصاف أن يتم التحقيق أولا، كما حصل في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد "رفيق الحريري" ومن ثم تقام المحكمة على من ثبتت إدانته.

وإلا فإن الادعاءات غير الحقيقية ستكون سلاحا يشهر في وجوه الحكام الذين لا يدينون بالولاء لواشنطن. كما أنه ليس مقبولا أن يوكل منصب المدعي العام إلى فاسق فاجر يتحرش بالنساء مثل "أوكامبو". لأن فاقد العدالة لا يعدل.

أخط هذه الكلمات، وكلي أمل أن تصل هذه السطور إلى علم الرئيس السوداني فأقول: اضرب

بعرض الحائط مؤامرات هؤلاء وافتراءاتهم، ولا تخضع لعدالتهم المجروحة. فهم يكيلون بألف مكيال. ولو فعلت ما أرادوه منك فسيجعلونها سنة يقتادون بموجبها رؤساء العالم العربي رئيسا بعد الآخر، أو أن يرفع الراية البيضاء بالاستسلام لرغباتهم.

أقول هذا الكلام رغم أن أكثر هؤلاء الرؤساء جاء إلى السلطة على ظهر دبابة عن غير طريق ديمقراطي، واستبد بنا. لكننا لا نقبل أن يحاكمهم الأجنبي. فمكان تحقيق العدالة فيهم هي محاكم بلدانهم، على أيدي شعوبهم، لا على أيدي زير النساء "أوكامبو". 

ــــــ

*كاتب سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ