-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  21/01/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


فقـه التغييــر – 7

( الوهـن حب الدنيـا )

د. خـالـد الأحمــد

في حلقات سابقة وصلنا إلى أن تغيير الأنفس يسبق تغيير القوم، وتغيير الأنفس يقوم به الناس، تبدأه القاعدة الصلبة في المجتمع (( الحركة الإسلامية : وهي كل من يدعو إلى التزام الفرد والمجتمع والدولة بالإسلام كله في الحياة ))، ورأينا أن القاعدة الصلبة يجب أن تختلف عن المجتمع كي تغيره، أي تتميز عنه، وهو أن تتمثل ما تدعو إليه، وتطبقه على نفسها قبل أن تدعو الآخرين له،وهكذا كان المصلحون والرسل، فهل نحن أبناء الحركة الإسلامية نختلف عن المجتمع !!؟ كي نغير هذا المجتمع !!

كي لا نيأس، نعم بعض أبناء الحركة الإسلامية يختلف عن المجتمع، أمراضنا النفسية والاجتماعية أقل مما يوجد لدى الأفراد العاديين في المجتمع، أقول أقل، ولا أقول لاتوجد عندنا الأمراض المعشعشة في المجتمع، ويبدو لي كي نغير أنفسنا لابد أن نخلصها من هذه الأمراض أو نقلل مستوى المرض فيها، فنتميز عن المجتمع، وعندئذ يستجيب الآخرون لدعوتنا، ودعوتنا كما قلت هي العـودة إلى الالتزام الشامل بالإسلام، ديناً ودولة، دنيا وآخرة، وعندئذ يغير الله أحوال المجتمع ...

فلننظر أخطر الأمراض التي أهلكت مجتمعاتنا، هل هي موجودة فينا !!؟ فإن وجدت يجب التخلص منها، كي تتميز القاعدة الصلبة، ونغير أنفسنا لتكون على شريعة الله وكتابه وسنة رسوله، وعندئذ يغير الله حال قومنا .

الوهـن هو المرض العضال :

روى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة وثوبان قالا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قيل: يا رسول الله: فمن قلة نحن يومئذ؟ قال: لا  بل أنتم يومئذ كثير،ولكنكم غثاء كغثاء السيل،ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت".

وقد شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم المرض، فبين أنه الوهن، ثم شرح أعراضه الظاهرة وأسبابه القريبة والبعيدة، وهي حب الدنيا، والتعلق بها، والافتتان بزينتها، والسعي وراءها، والطمع فيها، وقصور الآمال عليها، واعتبارها المبدأ والمنتهى، وحب الاستزادة من البقاء فيها.

من آثـار حب الدنيـا :

 الحرص على جمع المال، والانكباب على كسبه بالطرق المشروعة وغير المشروعة، ويظهر التقاتل والتخاصم، والشح والبخل، والجشع والطمع، واللف والدوران في التعامل، والتحايل والتهرب، والسرقة والغصب، ثم يعقب ذلك التخاذل والجبن والخوف والاضطراب، والقلق الشديد من المستقبل.

ومن آثـار كراهيـة المـوت :

أن يعب الإنسان من طيبات الحياة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وألا يعد للموت عدته، ولا يقدم شيئاً أمامه، ويسرف في الملذات، ويسعى لإشباع الشهوات، وينقاد وراء الغرائز.

والسؤال الآن : هل يوجد في أبناء الحركة الإسلامية الذين يدعون إلى تغيير المجتمع، هل يوجد بينهم من يحب الدنيا ؟ ويكره الموت ؟ هل أصابهم الوهـن !!؟ هل يسابق بعضنا بعضاً ونسابق الآخرين على حطام الدنيا ؟ هل ينافسونهم في بيوتهم وأثاثها وسياراتهم و(موديلاتها) وأرصدتهم وتنوعها ؟ بالطبع لايضير أبناء الحركة الإسلامية أن يكونوا أقوياء أغنياء، بل هذا يعود بالنفع والخير على الحركة الإسلامية، عندما يسخر الأخ الغني جزءاً من ماله للحركة الإسلامية، ويوجد أفراد قليلون ـ ولله الحمد والفضل والمنة ـ من هؤلاء الأغنياء الذين سخروا جزءاً من مالهم في سبيل الله وطاعته، ونصرة الحركة الإسلامية، ونسأل الله أن يبارك لهم في أموالهم وينفعهم بها في الدنيا والآخرة، فينطبق عليهم القول : نعم المـال الصالح للرجل الصالح، لكن يضير الحركة الإسلامية أن تجد المظاهر التالية عند بعض أفرادها :

1- يعمل ليل نهار ويكسب المال الكثير الذي ينفقه على الملذات الدنيوية، ويبخل أن يدفع (2ـ 3 % ) للحركة الإسلامية ... ويقول لك : دخلي لا يكفيني ولا يزيد عندي شيء .... !!!؟؟؟ وتراه يسابق الآخرين إلى امتلاك السيارات الحديثة، وغيرها من الآلات في المنزل، والحركة الإسلامية تستغيث بالله ثم بأهل الخير ليساعدوها بجزء من أموالهم تقيم بها أود أفرادها الجياع،الذين شردوا وطردوا من ديارهم وأموالهم لأنهم قالوا للظالم يا ظالم، ولأنهم قالوا ربنا الله، لا إله إلا هو،ومعظمهم من الكرام الذين كان لهم مكانتهم في المجتمع، ولأن المال عصب الحياة كما تعلمون ... ومنهم من يصل راتبه إلى أكثر من خمسة آلاف ريـال شهرياً، تكفي أســرة كبيرة ( 7-8) أفراد، ويبخل أن يقدم إلى بنك الآخرة مائة ريال فقط من هذا الراتب ...وينفقـه في الإسـراف والله يقول :  " وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" الأعراف: ٣١ 

2- يعمل ليل نهار ليكسب المال وينفقه على الملذات والحاجات الاستهلاكية المتنامية مع نظام العولمة، ويبخل على الحركة الإسلامية بساعة أو ساعتين في الأسبوع يلقى فيها إخوانه، ويتعاون معهم في البر والتقوى، أو يربي مجموعة من الأشبال، يربيها ويربـي نفسه معها على كتاب الله وسنة رسوله، حتى صارت مشكلة المشاكل اليوم أن تجد من يرعى هؤلاء الأشبال !!!؟؟ ويقول لك : يا أخي سامحني ماعندي وقت، واجباتي كثيرة والوقت ضيق، ولاتوجد فرصة لدي ....

ليطرح كل منا على نفسه هذا السؤال :

ماذا أعددت لآخرتك ؟ وماذا أعددت لدنياك ؟ وليلاحظ كل منا هل يوازن بينهما ؟ وليس معنى التوازن أن يساوي الدنيا بالآخرة، بل التوازن أن يعطي كلاً حقها، وغبي خاسر من يساوي الباقية بالفانية!!! ويعطيهما نفس الوقت والجهد ...هل أعد للباقية عدتها وزادها !!؟ أم يظن أنه شاب والشباب لايموتون !!؟ هل يظن أنه لن يموت قبل كذا سنة، وعندئذ سيعد العدة للآخرة بعد أن يشبع من الدنيا !!؟؟؟

وتذكروا أيها الأخوة ـ أبناء القاعدة الصلبة ـ تذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وقد ملك الدنيا فوزعها على الفقراء والأغنياء، وتذكروا صحابة رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، كيف كانوا يبيتون على الطوى، وكيف كانوا يقتاتون بتمرات، ويجاهدون في سبيل الله، وتذكروا الإمام حسن البنا رحمه الله استشهد ولايوجد في بيته سجادة، وتذكروا كثيرين مضوا في درب الدعوة ...كيف كان اهتمامهم بالآخرة، وزهدهم في الدنيا ...

وأخيراً أيها الأحباب ـ أبناء القاعدة الصلبة ـ مادمنا نبخل بساعتين أو ثلاث في الأسبوع نعمل فيها لله، للآخرة وليس للدنيا، ومادمنا نبخل ب (2- 3  % ) من دخلنا كي نوفـره في بنك الآخرة الذي ينمي لنا هذه المدخرات سبعمائة ضعف وأزيد، مادمنا كذلك، فكيف نريد من أفراد المجتمع أن يغيروا أنفسهم، ليغير الله أحوال المجتمع !!؟

للذكـرى :

قال سبحانه وتعالى عن الدنيـا التي نضيع عمرنا في الجري وراءها :" زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ" البقرة: ٢١٢ ، فالحياة الدنيا زينت للذين كفروا ... وفي مكان آخر قال ( زين للناس ولم يقل للذين آمنوا ) : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" آل عمران: ١٤  

وفي ربع المهلكات من إحياء علوم الدين يقول الإمام الغزالي يرحمه الله :

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على شاة ميتة فقال أترون هذه الشاة هينة على أهلها قالوا من هوانها ألقوها قال [ والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء](1) وقال صلى الله عليه وسلم : [ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ](2)  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها  ](3) وقال أبو موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى ](4) وقال صلى الله عليه وسلم[ حب الدنيا رأس كل خطيئة ](5) وقال صلى الله عليه وسلم [ إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون إن بني إسرائيل لما بسطت لهم الدنيا ومهدت تاهوا في الحلية والنساء والطيب والثياب](6) 

   إذن أيها الأحباب : نحن المشكلة، نحن السبب، أقصد نحن أبناء الحركة الإسلامية؛ السبب الذي يجعل سوريا ترضخ عقوداً تحت الاستبداد، وفلسطين يحتلها الصهاينة، يدمرون غزة كما رأينا؛ ويذبحون الأطفال والنساء؛ ونحن نتفرج، ونقول لاحول ولاقوة إلا بالله ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ،واحتل الأمريكان العراق وأفغانستان وقتلوا أكثر من مليون مسلم منهما، ونحن نتفرج ، ....نحن السبب، لنكن شجعاناً ونقولها صراحة، فالمريض يقف في بداية الطريق الصحيح المؤدي للشفاء عندما يعرف مرضه، أي عندما يكون التشخيص صحيحاً ....

هل تريدون وطناً ترفرف عليه الحرية والكر امة والعدالة والشورى والديموقراطية !!؟ هل تريدون أمتكم مسلمة قوية تهابها الأمم !!؟ هل تريدون أن تتلزم شعوبكم بالإسلام كله في حياتها !!؟ هل تريدون ذلك وأكثر منه !!؟

غيروا أنفسكم ـ يا أبناء الحركة الإسلامية ـ أخرجوا الوهن منها، أخرجوا منها حب الدنيا وكراهية الموت، ليكن لكم وقت يومي لتلاوة القرآن الكريم مع التدبر، صلوا صلاة مودع، قدموا (1-3) ساعات اسبوعياً تعملون فيها لله عزوجل، يدخرها لكم في بنك الآخرة ... وقدموا (2- 3  % ) من دخلكم لله عزوجل  يدخرها لكم كذلك في بنك الآخرة ...

وهكذا تبدأ الطليعة أقصد الحركة الإسلامية( القاعدة الصلبة ) بتغيير نفسها، بالتخلص من الوهن الذي عشعش فيها، وتتطلع إلى الله وماعنده من جنان وحور العين، فيقلدها الآخرون بتغيير أنفسهم  ... فيغير الله حال القوم ...والله على كل شيء قدير ...

------------------------

1 - أخرجه ابن ماجه والحاكم وصحح إسناده من حديث سهل بن سعد وآخره عند الترمذي وقال حسن صحيح ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث المستورد بن شداد دون هذه القطعة الأخيرة ولمسلم نحوه من حديث جابر

2 -  أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة

3  -  أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أبي هريرة وزاد إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم

4  - أخرجه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه

5  - ( أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان من طريقه من رواية الحسن مرسلا)

6  -  أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد دون قوله إن بني إسرائيل والشطر الأول متفق عليه ورواه ابن أبي الدنيا من حديث الحسن مرسلا بالزيادة التي في آخره

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ