ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  03/01/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تاريخ سورية - 8

بداية الاستقلال وزعامة القوتلي 

مؤمن محمد نديم كويفاتيه*

في السابع عشر من آب ألف وتسعمائة وثلاثة وأربعون عند انتخاب الرئيس شكري القوتلي رئيساً لسورية في ظل الإحتلال الفرنسي من البرلمان المُنتخب شعبياً قبل أيام من التصويت عليه ، كانت سورية على موعد مع بداية الطريق لاستقلالها الحقيقي وحريتها وسيادتها تحت قيادة هذا الرمز الوطني الكبير القائد المؤمن بعدالة قضيته ، والواثق بانتصار إرادة شعبه في التحرر من الاحتلال  الفرنسي الغاصب ، والموثوق به جماهيرياً وحزبياُ ونضالياُ ، والمُجمع على كفاءته في إدارة معركة التحرير الحقيقية بعدما قدّم الغالي والثمين فداءاً لدينه ووطنه وأُمته ، وأقدم على التضحية بروحه عدّة مرات لأجل خلاص سورية من الاحتلال والظلم والاستعباد ، وهو الوضع المُشابه لما تعيشه سورية اليوم  من حالة الاستبداد والاستعلاء والفساد والاستبعاد والإفقار، ولكن مع افتقارها اليوم بكل أسف لمثيل ذلك القائد  الذي تلتف حوله الجماهير وتُعطيه ثقتها مع بعض المحاولات الخجولة من بعض القيادات التي تفتقد الحماسة والإجماع لأسباب لا تُخفى على أحد ومنها بفعل الدعاية الإستخباراتية التي تسعى باستمرار لتحطيم الشخصيات من قِبل النظام في دمشق ، هذا عدا عن عدم استطاعة المعارضة والقوى السياسية الأُخرى  من رسم خارطة طريق يتم الإجماع والاتفاق عليها ويُشارك الجميع في صياغتها أشبه ما تكون بميثاق شرف وبرنامج عمل جدي مبني على الواقعية لتخليص سورية مما هي عليه الآن من العنت والطغيان والحالة المزرية التي وصلت إليها على الصعيد الإنساني والسياسي والمعيشي وكل مناحي الحياة ، وهي دعوة للقوى والشخصيات السياسية المعارضة للالتفاف حول مشروع موحد تتعالى فيه على الصغائر وتجتمع من خلاله كل القوى المؤمنة بضرورة التغير لتكون صوتاً واحداً وكلمة واحدة للتغلب على الخصم البغيض الذي استفحل خطره ، كما التفت القوى الوطنية إبان الاحتلال الفرنسي على رمزية شكري بيك القوتلي والمشروع الوطني المُشترك للخلاص ، وهنا سأستعرض بعض النقاط الهامة التي قام بها القوتلي تدعيماً لمشروع التحرر من الصلات الخارجية ومشاريعه التوحيدية الداخلية

 

أولاً : شعور القوتلي بأنّ أي تغيير وأي نضال ما لم يكن له دعم وغطاء خارجي إضافة إلى التأييد الداخلي سيبوء بالفشل وسيُحبط في مهده ، مما سيُعرض حياة المُناضلين للخطر والاستفراد من الأجهزة القمعية المُحتلّة  للقضاء عليهم كما قضت على العديد من الثورات ما قبل ذلك التاريخ ، وكما سُحقت المُدن السورية في فترة الثمانينيات من القرن الماضي من قبل نظام الاستبداد ، عندما انتفض أهلها  بوجه الظلم والجبروت وراح ضحية تلك الانتفاضة الشعبية العارمة عشرات الآلاف دون أن نسمع ما يُناسب الحدث من الإدانات ودعوة مُرتكبي الجرائم إلى محاكمات دولية أو وضعهم في القوائم السوداء أو مُتابعتهم كمجرمين بامتياز، ولذلك كان سعي  القوتلي للحصول على دعم وتأييد أهم دولتين عربيتين للاستقلال وهما السعودية ومصر وإضافة إلى العراق وباقي الدول ، وحتى تأييد الدول الكبرى لمطالبه التي هي على تنافس مع المُحتل الفرنسي كبريطانيا وأمريكا ، ومن أجل ذلك كان يعمل كالمكوك لحشد الرأي العام لقضية شعبه في التحرر والخلاص من الكابوس الظالم الجاثم على تراب وطننا وصدور شعبنا كما هو جاثم اليوم نفس الكابوس في سيناريو مُتشابه جداً مع حالة الاحتلال بحالة الاستبداد ، ففي نهاية عام 1943 استطاع القوتلي وحكومته التي كانت برئاسة سعدالله الجابري (1 آب 1943 إلى 14 تشرين الأول 1944 ) من انتزاع الصلاحيات التي كانت بيد السلطة الفرنسية إلى الدولة السورية كحق التشريع والإدارة والجمارك وغيره ...ولم يبقى بأيدي الفرنسيين من السلطة إلا الجيش بحلول أواخر تشرين الأول عام 1944 الذي أرادت فرنسا استخدامه كورقة للضغط على السوريين لإجبارهم على توقيع مُعاهدة معهم  تُمنح فيها فرنسا من الامتيازات  ما يسمح لها بالتراجع التدريجي عن وعودها بمنح سورية كامل استقلالها ، وعندما وجدت الرفض لتلك المعاهدة صارت تستدعي المزيد من الجنود لتعزيز قواتها في القطر السوري من أجل إرغام السوريين على تحقيق مطالبها بالامتيازات الثقافية والمالية والاحتفاظ بالقواعد العسكرية كي تبقى في البلد ، وذلك  بعد أن أوشكت الحرب العالمية الثانية أن تضع أوزارها وميل كفة الانتصار فيها  بوضوح لصالح الحلفاء على قوات المحور مما يُعطيها الفرصة من جديد للتفكير في البقاء ،إلا أن الحكومة السورية الجديدة برئاسة فارس الخوري ( من 14 تشرين الأول 1944 إلى 30 أيلول 1945 )  والرئيس القوتلي ومعهم الشعب الذي تمّ تعبئته ضد رغبات وأطماع فرنسا  رفضوا جميعاً هذه المطالب وأصروا على الاستقلال الكامل الغير منقوص ، لتشهد سورية على إثر ذلك حالة وطنية قل نظيرها ليلتحم الشعب مع قادته ونوابه المُنتخبين ويعلنوا جميعاً تحديهم للغُزاة بما ملكوا من الأدوات والوسائل على الرغم من بساطتها ، ويعم الإضراب العام والشامل على مساحة الوطن بأسره ، مما أدّى ذلك إلى ردّة فعل فرنسية همجية  عنيفة ، حيث قاموا على تنفيذ تهديداتهم وذلك بمحاصرة البرلمان السوري في 29\أيار 1945 وقصفه ليرتكبوا المذبحة بما عُرف بمجزرة البرلمان ثُمّ تلاها مباشرة قصف دمشق الذي ذهب ضحيته المئات مابين جريح وشهيد وكذلك الإغارة على المدن والقرى السورية الأُخرى لإخماد الثورة، لينتهي هذا الهجوم الهمجي  بالإنذار البريطاني للفرنسيين ومن ثُمّ دخولهم للفصل ما بين القوّات السورية الشعبية والفرنسيين الذين عادوا إلى الثكنات ، ليجري فيما بعد عملية تسهيل مُغادرة الرعايا الفرنسيين ، ولتعود الحياة إلى طبيعتها بعد تلك المجازر الوحشية ، وينتهي إلى الأبد الحديث عن مفاوضات مع فرنسا بل فقط الجلاء دون قيد أو شرط 

وفي 10 آب 1945 انتهت الحرب العالمية الثانية وقبل شهرين احتفل العالم بإقامة هيئة الأمم المتحدة ، ولم يعد أمام البريطانيين والفرنسيين مُبرراً لوجود قواتهما في الشرق العربي ، وبضغط أمريكي روسي عُقدت الاتفاقات والترتيبات من أجل الرحيل ليتم التوقيع في أواخر كانون الأول 1945 على عهد حكومة سعدالله الجابري الثانية - ( من منتصف عام 1945 إلى  يوم الجلاء  عند استقالته لما تقتضيه التقاليد الدستورية) – ورئاسة القوتلي على آلية المُغادرة وفي 11 آذار تبدأ مُغادرة الجيوش الأجنبية في كل من سورية ولبنان ، لينتهي جلاء آخر جندي عن سورية في 17 نيسان 1946 لتكون سورية أول بلد عربي تحرر في أسيا وأفريقيا دون أي امتياز لأجنبي على أراضيها بفضل تضحيات شعبنا الحبيب وما ملكت من القيادات الوطنية المُخلصة وعلى رأسها الرئيس المُنتخب القوتلي الذي ألقى خطابه الشهير يوم الجلاء وأعلن فيه عن احترامه الدائم لإرادة الشعب في اختياراته،  وعن عهد برلماني دستوري تتنافس فيه الأحزاب لكسب ثقة الشعب وإطلاق الحريات العامة مما أعطى ذلك الطمأنينة للمواطن وانتعشت من خلاله الحياة العامة للمواطنين ، بعد تكليفه للسيد سعد الجابري لتشكيل حكومة الاستقلال التي كان عليها العمل على بعث الأمان والاستقرار والعدل وفرص العمل والإنتاج و... بعد رحيل المُحتل ، وقطعت في ذلك شوطاً طويلاً  ، وكذلك أعادت ترميم علاقاتها مع الدول العربية والغربية ونظمت هيكلة الدولة ،  إلا أن هذه الحكومة  لم تستمر طويلاً بسبب تدهور صحة رئيس الحكومة الجابري الذي داهمه مرض الكبد مما أدّى إلى استقالته في 28 |12|1946 بعد مُعاناته مع المرض وتغيبه عن الحكومة لشهري 11 و 12 وقيام برئاسة الوزارة عنه بالنيابة السيد خالد العظم ، ومن ثُمّ وفاته بعد فترة قريبة ، ولُيكلف من بعده السيد جميل مردم في (28 |12|1946 – 6|10|1947) ، والذي على عهده عًدّل قانون الانتخاب ، لتجري الانتخابات البرلمانية بعد ذلك بناءاً على التعديل  في  7| 7| 1947 ويختار الشعب مًمثليه الذين قاموا أيضاً على تعديل الدستور تكريماً للقائد المُنتخب الكبير القوتلي  ليسمح له بإعادة ترشحه لمرة ثانية لأن القانون لا يسمح لأكثر من مرة ، ويُعاد انتخابه لولاية ثانية كرئيس في 17| 8| 1948 ، إلى أن أُطيح به عبر الانقلاب العسكري الغادر في 3آذار 1949 على يد الجنرال الأرعن حسني الزعيم المدعوم أمريكياً وفرنسياً ، ليُجبر بعدها القوتلي على تقديم استقالته  في 6| 4 | 1949 واستقالة رئيس وزراءه خالد العظم الذي خلف وزارة مردم من 26|12|1947 إلى يوم الانقلاب ولتعيش البلاد فيما بعد حياة العسكرة الكريهة على يد الانقلابيين بعدما نعمت لأشهر بطعم الاستقلال والحرية والاستقرار والأمان ، ليعود إليها الرعب والتخبط والإنتهازية والتفرد من جديد  

 

مُلحقات

مما قاله الزعيم شكري القوتلي عند استقلال سورية

" لم تنل سورية استقلالها منحة من الدول الاستعمارية أو نتيجة لمُقررات المؤتمرات الدولية التي عُقدت إثر الحرب العالمية الثانية كما يظن بعض الجاهلين بحقيقة الأمور ، بل أنّ هذا الاستقلال قد كلف سورية منذ عام 1920 وحتى نيسان 1946 مائة ألف شهيد ومئات بل أُلوف الملايين من الليرات ، لقد بذل الشعب السوري بكل فئاته ومُدنه وقراه وبواديه دماً زكياً سخياً وأبدى من ضروب الشجاعة والبذل بالروح والمال والممتلكات ما يعجز الإنسان عن وصفه "

 

وأقول أنا بهذا الصدد : بأنه أيضاً شعبنا الحبيب دفع عشرات الآلاف من أبناءه للتخلص من حالة الاستبداد التي هي والاستعمار وجهان لعملة واحدة  ، ولا زال يدفع من خيرة أبنائه ، ويبدو بأنه قد آن الأوان لقطف ثمار الحرية والتخلص من الزمرة الحاكمة الآثمة الجاثمة منذ عقود على صدور شعبنا السوري تعمل فيه قتلا.وتشريداً وإفقاراً ...

وقال القوتلي بعدما تمّ انتخابه كأول رئيس للجمهورية العربية السورية ، إنّ مثلنا الأعلى الذي نتطلع إليه اليوم هو إيثار المصلحة العامة على الخاصة ، ورعاية القانون واحترام النظام ، وعلى الحكومة أن تتحلّى بالعدل والحزم وتغليب سلطان القانون العادل على كل سلطان ، فنحن أُمّة واحدة لا أقليات ولا أكثريات بيننا

 

سعد الله الجابري

نقلاً عن مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية

هو سعد الله عبد القادر لطفي الجابري، ولد في حلب عام 1894. والده الحاج عبد القادر مفتي مدينة حلب، أنجب ستة أبناء من بينهم سعد الله الذي بدت عليه مظاهر النباهة والإقدام منذ صغره، فنشأ وترعرع في حلب، وتلقى علومه الابتدائية والتجهيزية فيها وصحا على اجتماعات واتصالات تقوم بها عائلته مع رجالات البلد، حيث كان القوم يجتمعون في منزل الشيخ عبد الحميد الجابري للتداول في أمور البلاد وما آلت إليه .

أنهى سعد الله دراسته الثانوية في حلب، فاستقدمه أخوه إحسان الجابري إلى استانبول لمتابعة دراسته في الكلية الملكية السلطانية، فاتصل هناك بالشباب العربي في الأستانة وأسسوا جمعية العربية الفتاة وأقسموا اليمين للعمل على استقلال البلاد العربية.

أُرسل سعد الله إلى ألمانيا حيث درس سنتين وعاد إلى استانبول بمناسبة إعلان الحرب العالمية الأولى، فجند في الجيش العثماني (كجك ضابط) وعُين مراقباً على الأرزاق وقوافلها في بلدة (أرض الروم) وقضى مدة الحرب هناك.

عندما انتهت الحرب عاد سعد الله إلى حلب، ودخل في حركة حقوق الإنسان، ولما قامت الثورات عام 1919 على أثر نية الحلفاء تقسيم البلاد العربية ودخول الفرنسيين سوريا؛ كان سعد الله الجابري على اتصال بزعيم الثورة في الشمال إبراهيم هنانو يؤيد ثورته ويدعمه، كما جدد اتصاله بمن كان معه في الكلية السلطانية مثل شكري القوتلي وغيره من العناصر الوطنية.

ونظراً لجرأة الجابري في مواجهة الفرنسيين، فقد اعتقل في سجن أرواد مدة من الزمن مع هاشم الأتاسي وجماعة من الوطنيين... ومنذ ذلك التاريخ بدأت رحلة جديدة من النضال إذ  كانت سوريا تغرق رويداً رويداً تحت وطأة المحتل الفرنسي.

كان الجابري وجماعته يوالون الاجتماعات والاحتجاجات ورفع المذكرات لجمعية الأمم يشككون فيها بنوايا الفرنسيين، وحين أعلنت السلطة الفرنسية استعدادها لإقامة حكم دستوري في البلاد، كان الوطنيون قد قرروا في مؤتمرهم الدخول في الانتخابات، ولما أُنتخب إبراهيم هنانو والجابري لأول مجلس تأسيسي رأى الفرنسيون أن هذا المجلس لا يمكن أن يخدم مصالحهم، لذا عمدوا إلى إلغائه، فعاد الوطنيون إلى النضال وقامت المظاهرات والاحتجاجات واعتقل الجابري. وبعدما أّفرج عنه تنادى الوطنيون لوضع ميثاق الكتلة الوطنية ونظامها الأساسي فكان هاشم الأناسي رئيساً وإبراهيم هنانو والجابري نائبين للرئيس.

لما رفضت الكتلة الوطنية معاهدة عام 1933، قامت المظاهرات في جميع أنحاء سوريا وجرت اعتقالات للوطنيين وكان من بينهم سعد الله الجابري حيث صدر عليه حكم بالسجن ثمانية أشهر.

اشتد الطغيان الفرنسي في سوريا، وأُغلقت مكاتب الكتلة الوطنية وعمت الاعتقالات رجال حلب ودمشق وباقي المدن، واشتد الذعر وأضربت جميع المدن السورية، وأُلقي القبض مجدداً على الجابري ونفي إلى جزيرة (عين ديوار).

تجاه ما وصلت إليه سوريا من الاضطراب، استدعى الفرنسيون الوطنيين واتفقوا معهم على أن يرسلوا وفداً يمثل وطنيي البلاد إلى فرنسا للمفاوضة لعقد معاهدة، فكان الجابري عضواً في هذا الوفد، فصدر عفو عام عن السوريين وأُفرج عن الوطنيين وتمت معاهدة عام 1936م.

شغل الجابري وزارتي الداخلية ثم الخارجية في وزارة جميل مردم بك، في أول حكومة وطنية كان فيها هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية. لكن الفرنسيين أثاروا الفتن والنعرات الطائفية مما أدى إلى تعطيل الدستور وإنهاء الحكومة، فاستقال رئيس الجمهورية وكانت نهاية العهد الوطني.

بتعطيل الحياة الدستورية وإبعاد الوطنيين عن الحكم، زاد إمعان الفرنسيين في اضطهاد الوطنيين، فاستولوا على السلطة مباشرة وأنشأوا حكومة موالية لهم، وفي هذا الظرف وقعت حادثة جعلت سعد الله  وصحبه يغادرون سوريا كلاجئين إلى العراق، وذلك حينما وُعِد قاتل الوطني الدكتور عبد الرحمن الشهبندر بالعفو عنه، إذا اعترف أنه كان مدفوعاً إلى القتل من قبل رجال الكتلة الوطنية: شكري القوتلي وسعد الله الجابري وجميل مردم بك،غير أن القضاء برأهم. ولم يعد سعد الله الجابري إلى سوريا إلا حينما دخلت الجيوش البريطانية سوريا بصحبة جيش فرنسا الحرة وأُعلن استقلال البلاد.

عندما انتُخب شكري القوتلي لرئاسة الجمهورية في 17/8/1943، تولى الجابري رئاسة وزارته. هذه الوزارة التي أدى عنادها الوطني إلى قيام الفرنسيين بعدوانهم على سورية عام 1945، وفي عهد وزارته أيضاً تم جلاء القوات الفرنسية عن البلاد.

كان سعد الله الجابري رئيس الوفد السوري في توقيع بروتوكول الإسكندرية، ورئيس وفدها في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام، كما حضر إعلان أنشاص لتأسيس الجامعة العربية.

مرض سعد الله الجابري في آخر زيارة له إلى مصر، حيث كان هناك لحضور مجلس الجامعة العربة عام 1947... فبقي في الإسكندرية للتداوي، إلا أن رئيس الجمهورية شكري القوتلي طلب منه الاستقالة من رئاسة الوزارة فاستقال.

رجع الجابري إلى حلب وقضى فيها بضعة أشهر، وما لبث أن وافاه الأجل في حزيران عام 1947.

 

فارس الخوري

نقلاً عن مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية

ولد فارس الخوري في قرية الكفير التابعة لقضاء حاصبيا في لبنان في 20/تشرين ثاني 1873م. والده يعقوب بن جبور الخوري مسيحي بروتستانتي، كان نجاراً وله بعض الأملاك الزراعية في القرية. والدته حميدة بنت عقيل الفاخوري ابنة رجل قضى في مذبحة عام 1860 بين الدروز والمسيحيين. كانت مهتمة بابنها البكر فارس كل الاهتمام وتخطت كل المصاعب من أجل تعليمه. متزوج وله ولد

تلقى فارس الخوري علومه الابتدائية في مدرسة القرية، ثم بالمدرسة الأمريكية في صيدا، ولما كان متفوقاً على أقرانه فقد عينه المرسلون الأمريكان معلماً في مدرستهم الابتدائية في زحلة.

دخل فارس الكلية الإنجيلية السورية، والتي سميت بعد ذلك (الجامعة الأمريكية) ببيروت. ولكن المرسلين الأمريكيين لم يمكنوه من الاستمرار، فقد  عينوه من جديد في مدرستهم بقرية مجدل شمس عام 1892، ثم نقلوه إلى صيدا، وفي عام 1894 عاد للدراسة في الجامعة الأمريكية وحصل على شهادة بكالوريوس في العلوم عام 1897، وكانت هذه الشهادة في ذلك الحين شهادة ثقافية عامة ليس فيها اختصاص في أحد فروع العلوم والآداب، دعاه رئيس الجامعة للتدريس في القسم الاستعدادي كمعلم للرياضيات واللغة العربية.

دعي فارس الخوري لإدارة المدارس الأرثوذكسية في دمشق، ولإعطاء بعض الدروس في مدرسة تجهيز عنبر. ثم عُين ترجماناً للقنصلية البريطانية (1902ـ 1908) حيث أكسبته وظيفته الجديدة نوعاً من الحماية ضد استبداد الحكم العثماني.

لم يترك فارس الخوري الدرس والتحصيل، بل ظل منكباً على الدراسة والمطالعة  فدرس اللغتين الفرنسية والتركية لوحده دون معلم وبرع فيهما، كما أنه أخذ يطالع الحقوق لنفسه، وامتهن المحاماة، وتقدم بفحص معادلة الليسانس بالحقوق فنالها. في عام 1908م انتسب لجمعية الاتحاد والترقي فكان هذا أول عهده بالسياسة.

نظم فارس الخوري الشعر وأولع به، فكان شعره وطنياً تناول فيه القضايا العربية، وكذلك كان أديباً حيث ملأت منظوماته الشعرية وكتاباته الصحف السورية والمصرية. إلا أن انشغاله في علوم السياسة والاقتصاد والعمل الوطني والقومي والعلمي جعله ينصرف عن الشعر ولا يقوله إلا في المناسبات.

 

انتخب فارس الخوري سنة 1914 نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان العثماني. وفي سنة 1916 سجنه جمال باشا بتهمة التآمر على الدولة العثمانية، لكنه بُرئ ونفي إلى استانبول، حيث مارس التجارة هناك.

عاد فارس الخوري إلى دمشق بعد انفصال سوريا عن الحكم العثماني. وفي عام 1919 عُين عضواً في مجلس الشورى الذي اقترح على الشريف فيصل تأسيسه، كما سعى فارس مع عدد من رفاقه إلى تأسيس معهد الحقوق العربي، وكان هو أحد أساتذته، كما اشترك في تأسيس المجمع العلمي العربي بدمشق.

تولى فارس الخوري وزارة المالية في الوزارات الثلاث التي تألفت خلال العهد الفيصلي. وعلى إثر احتلال الفرنسيين لسوريا عام 1920 انصرف الخوري إلى العمل الحر كمحام. ثم انتخب نقيباً للمحامين واستمر خمس سنوات متتاليات، كما عُين حقوقياً لبلدية دمشق، وعين أستاذاً في معهد الحقوق العربي لتدريس مادتي أصول المالية وأصول المحاكمات الحقوقية. لفارس الخوري ثلاث مؤلفات في القانون هي: (أصول المحاكمات الحقوقية) و(موجز في علم المالية) و(صك الجزاء).

أسس فارس الخوري وعبد الرحمن الشهبندر وعدد من الوطنيين في سوريا حزب الشعب رداً على استبداد السلطة الفرنسية... ولما نشأت الثورة الفرنسية عام 1925 اعتقل فارس الخوري وآخرون ونفوا إلى معتقل أرواد.

في عام 1926 نفي فارس الخوري إلى خارج سورية بسبب استقالته من منصب وزير المعارف في حكومة الداماد أحمد نامي بك احتجاجاً على سوء نوايا الفرنسيين.

شارك فارس الخوري وعدد من الوطنيين في تأسيس الكتلة الوطنية، وكان نائباً لرئيسها يضع القرارات ويكتب منشوراتها، وهذه الكتلة قادت حركة المعارضة والمقاومة ضد الفرنسيين، وكانت من أكثر الهيئات السياسة توفيقاً وفوزاً مدة تقارب العشرين عاماً.

على أثر الإضراب الستيني الذي عم سوريا عام 1936 للمطالبة بإلغاء الانتداب الفرنسي تم الاتفاق على عقد معاهدة بين سوريا وفرنسا، ويقوم وفد بالمفاوضة لأجلها في باريس، فكان فارس الخوري أحد أعضاء هذا الوفد ونائباً لرئيسه.

انتخب فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي السوري عام 1936 ومرة أخرى عام 1943، كما تولى رئاسة مجلس الوزراء السوري ووزيراً للمعارف والداخلية في تشرين أول عام 1944... وكان لتولي فارس الخوري رئاسة السلطة التنفيذية في البلد السوري المسلم وهو رجل مسيحي صدى عظيم فقد جاء في الصحف: (... وأن مجيئه إلى رئاسة الوزراء وهو مسيحي بروتستانتي يشكل سابقة في تاريخ سورية الحديث بإسناد السلطة التنفيذية إلى رجل غير مسلم، مما يدل على ما بلغته سورية من النضوج القومي، كما أنه يدل على ما اتصف به رئيس الدولة من حكمة وجدارة). وقد أعاد تشكيل وزارته ثلاث مرات في ظل تولي شكري القوتلي رئاسة الجمهورية السورية.

كان فارس الخوري متجرداً في أحكامه، عميقاً في تفكيره، صائباً في نظرته، وقد جره هذا الإنصاف لأن يقول عن (الإسلام) الذي درسه وتعمق فيه أنه محققاً للعدالة الاجتماعية بين بني البشر. فمن أقواله في الإسلام: (.. يمكن تطبيق الإسلام كنظام دون الحاجة للإعلان عنه أنه إسلام). ـ (… لا يمكننا محاربة النظريات الهدامة التي تهدد كلاّ من المسيحية والإسلام إلا بالإسلام). ـ (… لو خيرت بين الإسلام وبين الشيوعية لاخترت الإسلام). ـ (… هذا هو إيماني. أنا مؤمن بالإسلام وبصلاحه لتنظيم أحوال المجتمع العربي وقوته في الوقوف بوجه كل المبادئ والنظريات الأجنبية مهما بلغ من اعتداد القائمين عليها. لقد قلت ولازلت أقول، لا يمكن مكافحة الشيوعية والاشتراكية مكافحة جدية إلا بالإسلام، والإسلام وحده هو القادر على هدمها ودحرها). ويؤثر عنه كثير ممن عاشره حبه للإسلام وتعلقه به عقيدة وشريعة، وكثيراً ما أسر باعتقاده هذا إلى زائريه ومخلصيه.

في عام 1945 ترأس فارس الخوري الوفد السوري الذي كُلّف ببحث قضية جلاء الفرنسيين عن سوريا أمام منظمة الأمم المتحدة، التي تم تأسيسها في نفس العام، حيث اشترك الخوري بتوقيع ميثاق الأمم المتحدة نيابة عن سورية كعضو مؤسس.

كما ألقى الخوري خطبة في المؤتمر المنعقد في دورته الأولى نالت تقدير العالم وإعجابه. حيث أبدى فيها استعداد سورية وشقيقاتها العربيات لتلبية نداء البشرية من أجل تفاهم متبادل أتم، وتعاون أوثق، كما تحدث فيها عن خطورة المهمة الملقاة على عاتق المؤتمر، وأظهر تفاؤله في إمكانية تحقيق الفكرة السامية التي تهدف إليها المنظمة العالمية. وبناء على جهوده فقد منحته جامعة كاليفورنيا (الدكتوراه الفخرية) في الخدمة الخارجية اعترافاً بمآثره العظيمة في حقل العلاقات الدولية.

‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍انتخب فارس الخوري عضواً في مجلس الأمن الدولي (1947ـ 1948)، كما أصبح رئيساً له في آب 1947، وقد اهتم بالقضية الفلسطينية اهتماماً خاصاً، وأكد رفض الدول العربية إقامة دولة لليهود فيها. كما شرح القضية المصرية وطالب بجلاء الإنجليز عن أراضيها، وأكد على السلام العالمي وطالب بإنهاء تنافس الدول الكبرى، وحذر من وقوع حرب ذرية مدمرة. ولطالما ضجت هيئة الأمم بخطبه ومناقشاته باللغة الإنجليزية من أجل نصرة الحق في القضية العربية.

عاد فارس الخوري إلى بلاده بعد انتهاء عضوية سورية في مجلس الأمن الدولي، وكان قد انتخب رئيساً للمجلس النيابي لعام 1947 عندما كان يمثل سورية في مجلس الأمن. ولكن عندما حل هذا المجلس على أثر الانقلاب الذي قام به حسني الزعيم ثابر فارس الخوري على عمله في الحقل الدولي، وترأس الوفود السورية إلى هيئة الأمم متابعاً نضاله ودفاعه عن القضايا العربية.

في عام 1954 طلب رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي من فارس الخوري تشكيل حكومة سورية، لكنها لم تستمر سوى أشهر معدودة، وكان من أهم الأمور السياسية أثناء توليه وزارته الرابعة، الصدى البعيد في المجلس النيابي، وفي دوائر الحكومة وجماهير الشعب الذي أحدثه صدور الأحكام القاسية ضد الإخوان المسلمين في مصر. مما جعل سائر الحكومات العربية (بما فيها الحكومة السورية) تتوسط لدى القاهرة لتخفيف هذه الأحكام، وعرض الخوري وساطته الشخصية بالإضافة لوساطة حكومته والشعب السوري برئيس جمهوريته ومجلسه النيابي وفئاته وأحزابه، وواضعاً كرامته الشخصية كرجل يحفظ له المصريون أخلد الذكريات، لقاء تخفيف هذه الأحكام فلم يجد ذلك نفعاً، ونفذت أحكام الإعدام في ست من أقطاب الدعوة الإسلامية في وادي النيل. فكان لذلك أثر كبير في نفسه لم يزايله بقية عمره.

اعتكف فارس الخوري في منزله.. يذهب مرة كل عام إلى جنيف ليشترك في جلسات لجنة القانون الدولي التي هو عضو فيها. وأقيمت الوحدة بين سورية ومصر ولم يكن للأستاذ فارس الخوري أي رأي بقيامها أو بانهيارها.

في 22 شباط 1960، أصيب فارس الخوري بكسر في عنق فخذه الأيسر بغرفة نومه، وكان يعاني من آلام المرض الشديد في مستشفى السادات بدمشق، حينما منح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من قبل الرئيس جمال عبد الناصر بناء على توصية المجلس الأعلى للعلوم والفنون.

وكانت وفاة فارس الخوري مساء الثلاثاء 2 كانون الثاني 1962، في مستشفى السادات بدمشق.

 

جميل مردم بك

نقلاً عن مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية

ولد جميل مردم بك في دمشق عام 1893، وهو ينتسب لأسرة سورية عريقة. تلقى علومه الابتدائية والثانوية في معاهد الآباء العازاريين في دمشق، وقصد إلى دمشق للتخصص في العلوم الزراعية، وانتسب في الوقت نفسه إلى معهد العلوم السياسية في باريس، وفي العام 1911 أسس بالاشتراك مع مجموعة من الشباب المثقف جمعية سرية سميت (الجمعية العربية الفتاة) في باريس. وهدف هذه الجمعية تحرير الأرض العربية من الهيمنة الأجنبية.

 

كان جميل مردم بك واحداً من الثمانية الذين وجهوا الدعوة للمؤتمر العربي لعام 1913، وشغل فيه وظيفة أمين السر العام المساعد، وكانت مهمته تنسيق الجهود وتصنيف المطالب الوطنية للعرب،  وصدرت عن المؤتمر قرارات تم تبليغها للدول العظمى ولسفير الإمبراطورية العثمانية في باريس.

 

وعندما صدرت موجات الحكم بالإعدام من قبل محكمة عالية على رواد القضية العربية، كان مردم بك مايزال في فرنسا، وعلى الرغم من ذلك فقد صدر الحكم عليه غيابياً. وبين عامي 1917 و1918 قام برحلة إلى دول أمريكا اللاتينية بصفته مندوباً عن مؤتمر باريس بهدف تقوية الصلة مع الجاليات العربية التي استقرت في تلك البلاد.

 

بعد أن نجحت الثورة العربية وأُعلنت الهدنة، قصد الشريف فيصل بن الحسين أوروبا من أجل الدفاع عن التطلعات العربية بعد انسلاخ الأقاليم العربية عن الإمبراطورية العثمانية، وقد انضم جميل مردم بك الذي كان مايزال في فرنسا إلى الشريف فيصل، واستطاع أن يًسمع صوت سوريةفي خطاب ألقاه أثناء مؤتمر الصلح في فرساي.

 

وقد عاد مردم بك إلى سورية برفقة الشريف فيصل في ربيع 1919، وأصبح بعد إعلان الاستقلال مستشاره الخاص، كما سمي معاوناً لوزير الخارجية الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في حكومة الرئيس هاشم الأتاسي.

 

بعد دخول الفرنسيين سورية بقيادة الجنرال غورو في تموز عام 1920، انتعشت الحركات التحريرية، وانضم جميل مردم بك مع مجموعة من رجال المقاومة إلى حزب الشعب الذي أعلن في العام 1925 الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، وساهم في المعارك التي جرت بين قوات الاحتلال الفرنسي وبين المقاومة السورية. وعندما حاصرت القوات الفرنسية جبل الدروز وأمرت باعتقال زعماء الثورة، استطاع مردم بك الفرار والوصول إلى مدينة حيفا الفلسطينية. وقد سبق للمجلس العدلي أن أصدر الحكم عليه بالإعدام غيابياً. ولذا رضخت السلطات البريطانية لطلب تسليم مردم بك، فأوقفته وقامت بتسليمه إلى السلطات الفرنسية التي نفته إلى جزيرة أرواد قبالة مدينة طرطوس على الساحل السوري، وقد أعلن الفرنسيون بتاريخ لاحق العفو عن المنفيين في جزيرة أرواد.

 

لما شكل زعماء النضال الوطني السوري عام 1928 حركة تحريرية عرفت باسم الكتلة الوطنية، أسندت أمانة السر العامة لهذه الكتلة لجميل مردم بك، وقد اتفق هؤلاء على توحيد نضالهم من أجل الوصول بسوريةإلى الاستقلال التام، مع المثابرة على عدم الاعتراف بالانتداب.

 

في عام 1928، وبعد أن اقتنعت سلطة الانتداب بأن يكون لسوريةدستور تضعه جمعية تأسيس منتخبة من قبل الشعب، كان مردم بك واحداً من النواب الذين انتخبوا عن مدينة دمشق وساهم في وضع الدستور.

 

دخل مردم بك الوزارة لأول مرة عام 1932 باسم الوطنيين وتقلد وزارتي المالية والاقتصاد الوطني، إلا أنه استقال بعد أن تأكدت الكتلة الوطنية أن فرنسا ليس لديها نية بالتنازل عن الانتداب، لكنه بقي في ساحة النضال من موقعه في الكتلة الوطنية يعمل بفاعلية ونشاط وقام بزيارة المملكة العربية السعودية والعراق ومصر وفرنسا.

 

في عام 1934 عندما ثار خلاف بين المملكة العربية السعودية وإمامة اليمن، وتطور إلى نزاع مسلح، الأمر الذي أثار قلق الرأي العام العربي، اشترك مردم بك في لجنة المصالحة التي توجهت إلى الجزيرة العربية وبذلت المساعي الحميدة التي أدت إلى عقد معاهدة صداقة وتحالف بين البلدين.

 

في مطلع عام 1936، دعت الكتلة الوطنية للإضراب العام، ولبت المدن السورية جميعها، وسارت مظاهرات ضخمة وألقت السلطة القبض على جميل مردم بك في أعقاب خطاب مثير ألقاه في مقبرة الباب الصغير بعد تشييع أحد الشهداء، وقد فرضت عليه الإقامة الجبرية في قصبة قرق خان، وقد استمر الإضراب حوالي الشهرين، انتهى بعد أن عقد اتفاق بين الكتلة الوطنية والسلطة الفرنسية، ينص على أن يذهب وفد سوري إلى باريس للمفاوضة من أجل إبرام معاهدة تضمن استقلال سوريا، وتألف الوفد برئاسة هاشم الأتاسي وكان مردم بك عضواً فيه، وبعد مفاوضات توصل الطرفان إلى عقد معاهدة في 9 أيلول/1936.

 

ولما وضعت المعاهدة موضع التنفيذ وجرت انتخابات حرة نجح فيها مرشحو الكتلة الوطنية، وقد نجحت القائمة التي ترأسها جميل مردم بك عن مدينة دمشق والغوطتين، وفي أول جلسة عقدها المجلس انتخب النواب فارس الخوري رئيساً للمجلس وهاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية. وألف مردم بك أول وزارة وطنية.

 

وفي خلال عامي 1937 و1938، زار مردم بك فرنسا ثلاث مرات عمل خلالها على استعجال تصديق البرلمان الفرنسي على المعاهدة ومن أجل وضع بعض بنود المعاهدة موضع التنفيذ. وقد أجرى اتصالات عديدة تبادل خلالها وجهات النظر مع عدد من الشخصيات السياسية كان منهم هريو، وبلوم، وفلاندان، وبونيه، وفيينو وسارو.

 

خلال هذه المرحلة أيضاً، برزت قضية لواء الاسكندرونة، وقام مردم بك بزيارة إلى تركيا تلبية لدعوة تلقاها من حكومتها وتدارس مع رجال الدولة الأتراك مختلف وجوه العلاقات السورية ـ التركية، كما تعرف على الرئيس كمال أتاتورك وتباحث معه  في الشؤون التي تهم البلدين. وقد اتسمت هذه الاتصالات بين مردم بك والزعماء الأتراك بطابع التفاهم المتبادل الأمر الذي جعل من المؤسف أن تحل قضية لواء الاسكندرونة دون أي مساهمة سورية.

 

قدمت حكومة مردم بك استقالتها في شهر شباط في جو عاصف اجتاح العلاقات الفرنسية السورية، وأكد أن فرنسا قد رجعت عن تنفيذ معاهدة 1936

 

في عامي 1940 و1941 زار مردم بك العراق والمملكة العربية السعودية، كما زار مصر بالاشتراك مع بشارة الخوري عام 1942.

 

في عام 1943 أعيد العمل بالدستور، وأعيد انتخاب مردم بك في مجلس النواب وكُلف بنيابة رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية من (آب 1943ـ تشرين الأول 1944)، ثم وزارة الخارجية مع وزارتي الدفاع والاقتصاد الوطني من (تشرين الأول 1944ـ آذار 1945) ومن جديد تولى وزارة الخارجية مع الدفاع من (آذار 1944ـ إلى آب 1945)، وشغل في هذه الأثناء رئاسة الوزارة بالوكالة في غياب فارس الخوري في سان فرانسيسكو. كما انتدب وزيراً مفوضاً في تشرين الأول عام 1945 إلى مصر لتأسيس المفوضية السورية، وكذلك إلى السعودية في تشرين الثاني عام 1945 للغرض نفسه.

 

أعاد تشكيل الحكومة في تشرين الأول عام 1947، وتقلد بنفسه وزارة الدفاع الوطني عندما بدأت العمليات الحربية في أيار عام 1948، وأدخل إصلاحات جذرية في مؤسسة الجيش.

 

شُغلت حكومة مردم بك بأكبر امتحان واجهته سوريةبعد الحرب العالمية الثانية، وذلك هو القضية الفلسطينية. فمع نهاية عام 1947، بدأت الحكومة تتعرض لضغوط من كل جانب لمنع تقسيم فلسطين (ولو بالسلاح)، وحين وصل نبأ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دمشق، أضربت المدينة وثارت المظاهرات، واقتحمت السفارتين الأمريكية والبلجيكية والمركز الثقافي السوفييتي ومركز الحزب الشيوعي (وقتل أربعة من الشيوعيين)، وعرفت المدن السورية الأخرى حوادث مماثلة. وزاد مجلس النواب الضرائب وأقر قانون خدمة العلم وصوت على شراء أسلحة، واستقال كثيرون من ضباط الجيش السوري كي يشاركوا في جيش الإنقاذ، وبدأت عصابات مسلحة بمهاجمة مستوطنات يهودية قرب الحدود السورية. فتدخلت الوحدات البريطانية، كما بعثت الحكومة البريطانية بمذكرات إلى الحكومة السورية احتجاجاً على غارات المتطوعين العرب الذين كان يوجه عملياتهم فوزي القاوقجي، وقد جعل من سورية مقراً لقيادته، ووقّعت سورية الميثاق السياسي والعسكري للجامعة العربية لتوحيد الجهد تجاه فلسطين. وفي نيسان عام 1948، أثارت مذبحة دير ياسين الشعب السوري، وفي أيار عقد مجلس الجامعة العربية اجتماعاً في دمشق وسط انتقادات لاذعة للاجتماع الذي جاء في الوقت المتأخر، وفي 16 أيار أي بعد يومين من إعلان بن غوريون قيام دولة إسرائيل، دخل الجيش السوري فلسطين، ولكن سرعان ما صد في وادي الأردن بعد قتال عنيف، وتصاعد النقد الموجه للحكومة السورية، وبات معروفاً الفساد الواسع الذي صحب المجهود الحربي، وأعمال لجنة جمع التبرعات لفلسطين. وفي آب عام 1948، تشكلت حكومة جديدة احتفظ مردم برئاستها.

 

ولم تلبث أن نشبت أزمة سياسية صحبها تدهور اقتصادي وتفجر الإضراب والمظاهرات في المدن السورية كافة، وحصلت مواجهات دموية، فاستقال جميل مردم بك في الأول من كانون الأول عام 1948، وأصبحت سورية بلداً بلا حكومة وبلا أمل في حكومة تنبثق من زعامة مدنية كفؤة. فهو بلد يهيمن عليه مواطنون مكروبون هائجون، واقتصاد منهار، وجيش أحس أن فئة الساسة المخططين قد خانته.

 

قدم مردم بك استقالة حكومته بعد فشل الجيوش العربية في فلسطين، وغادر سورية إلى مصر وأقام في القاهرة إلى أن وافاه الأجل في عام 1960. وفي خلال هذه المدة جرت محاولات عدة لحمله على العودة إلى النشاط السياسي، لكن حالته الصحية لم تمكنه من ذلك. وعندما سقط حكم الشيشكلي في عام 1954، أوفد الرئيس جمال عبد الناصر كبار الشخصيات لإقناع مردم بك بالعودة إلى سورية ووعده بتقديم الدعم والمساعدة إذا رغب بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، لكن مردم بك الذي كان يعاني من أول أزمة قلبية تعرض لها، عارض الاقتراح ونصح مخاطبيه بأن يدعموا عودة الرئيس شكري القوتلي إلى رئاسة الجمهورية لأنه أُبعد عنها بطريقة غير دستورية، وعودته سوف تؤكد شرعية السلطة السياسية.

 

في شهر أيلول عام 1954، أصدر جميل مردم بك تصريحاً أعلن فيه اعتزاله الحياة السياسية ولم يكن قد تجاوز الواحد والستين من العمر، وبتاريخ الأول من شباط عام 1958، دعاه الرئيس جمال عبد الناصر للوقوف معه ومع الرئيس شكري القوتلي عند التوقيع على الإعلان عن الوحدة بين سورية ومصر.

 

وفي 30 آذار1960، توفي جميل مردم بك في القاهرة، ونقل جثمانه إلى سورية حيث ووري الثرى في مدافن العائلة بدمشق.

 

 ويُعتبر جميل مردم بك من أحد المساهمين الفعليين لحزب الشعب وكذلك الكتلة الوطنية ، وفي عام 1946 شكل الحزب الوطني وبعد اشتراكه في الحكم عهد الى نبيه العظمة أمر هذا الحزب ليؤسس فيما بعد الحزب الجمهوري

 

 

حسني الزعيم

نقلاً عن مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية

هو حسني ابن الشيخ رضا بن محمد بن يوسف الزعيم. ولد في حلب عام 1897، كان والده مفتياً في الجيش العثماني، وكان فاضلاً من رجال العلم، استشهد في هجوم على قناة السويس في الحرب العالمية الأولى سنة 1915. أما والدته فكردية، وله شقيقان: الأول الشيخ صلاح الزعيم والثاني بشير الزعيم.

 

درس حسني الزعيم في المدرسة الحربية بالأستانة، وقبل أن يتم دراسته جُعل من ضباط الجيش العثماني، اعتقله البريطانيون في الحرب العالمية الأولى. ثم تطوع في الجيش الفيصلي الذي دخل دمشق وحارب العثمانيين، وفي عهد الانتداب الفرنسي تطوع في الجيش الفرنسي، وتابع علومه العسكرية في باريس. بعد وصول قوات فيشي إلى سورية انقلب على الديغوليين، وحارب ضدهم، وفي عام 1941 اعتقله الديغوليون، وأُرسل إلى سجن الرمل في بيروت حتى 17 آب 1943، حيث أُفرج عنه، وسُرح من الجيش وهو برتبة كولونيل (عقيد).

 

منذ عام 1945 ظل يتردد على السياسيين وأعضاء مجلس النواب لإعادته إلى الجيش، فتعرف على رئيس تحرير صحيفة (ألف باء) نذير فنصة، الذي توسط له وأعاده إلى الجيش، فعين رئيساً للمحكمة العسكرية في دير الزور، ثم انتقل إلى دمشق مديراً لقوى الأمن. وفي أيلول 1948 أصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بتعيين الزعيم قائداً للجيش بعد ترفيعه إلى رتبة زعيم.

 

تطورت العلاقة بين الزعيم ونذير فنصة، بعد زواج الزعيم من شقيقة زوجته. عرف عنه إدمانه على شرب الخمر، ولعب القمار، وحب الظهور والمغامرة بصورة مسرحية ملفتة للانتباه، أصيب بمرض السكري الذي جعله عصبي المزاج متهوراً.

 

كان الزعيم منذ صغره تواقاً للسلطة. له كلمة مأثورة: (ليتني أحكم سورية يوماً واحداً ثم أُقتل بعده).

 

يعتبر حسني الزعيم، صاحب أول انقلاب عسكري في تاريخ سورية المعاصر، ففي ليلة 30 آذار 1949 قام بانقلابه متفقاً مع بعض الضباط، فاعتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي، ورئيس وزرائه وبعض رجاله، وحل البرلمان، وقبض على زمام الدولة وتلقب بالمشير. وألّف وزارة، ودعا إلى انتخابه رئيساً للجمهورية، فانتخبه الناس خوفاً في 26 حزيران 1949، وكان يحكم وقد وضع له غروره نصب عينيه صور نابليون وأتاتورك وهتلر.

 

يقول أوين في كتابه (أكرم الحوراني): (لقد تأكد حديثاً بعد السماح بنشر بعض الوثائق السرية، وبعد ما يقرب من أربعين عاماً من انقلاب حسني الزعيم تورط الولايات المتحدة بأول انقلاب عسكري في العالم العربي، وكان قد أُشيع لسنوات بأنها ساندت انقلاب حسني الزعيم، كما كان مايلز كوبلند عضو المخابرات المركزية السابق قد ذكر في كتابه لعبة الأمم عن المساعدات الأمريكية لحسني الزعيم. ولكن روايته لم تؤخذ آنذاك على محمل الجد، واستناداً لما كتبه فإن سورية كانت على حافة اضطراب سياسي عنيف، بينما كانت حكومة الكتلة الوطنية عمياء عنه. ورأى السفير الأمريكي في سورية أن الأوضاع ستأخذ أحد مجرين: إما احتمال قيام الانتهازيين قريباً مع مساعدة السوفييت بانتفاضة دموية، أو أن يسيطر الجيش على السلطة بمساعدة الأمريكيين السرية للمحافظة على النظام، إلى حين إحداث ثورة سلمية. ويقول المؤلف أيضاً: وهكذا شرعت المفوضية الأمريكية بالقيام بعملية هدفها تشجيع الجيش السوري على القيام بانقلاب، من أجل الحفاظ على سورية من الاختراق السوفييتي، وجلبها إلى طاولة السلام مع إسرائيل، ولم يكن حسني الزعيم الخيار الأول لفريق العمل السياسي الأمريكي المشرف على العملية، ولكنه أصبح هدفها لأنه لم يكن هناك الكثير مما يمكن عمله، لقد رأى فيه الأمريكيون نواحي إيجابية عديدة، فقد كانت له مواقف شديدة العداء للاتحاد السوفييتي، وكان يرغب في الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية، بالإضافة لكونه مستعداً لعمل بناّء بخصوص (القضية الفلسطينية)، واستناداً للوثائق السرية التي سمح بنشرها التقى الزعيم حسني الزعيم مرات مع مسؤول من السفارة الأمريكية، للنقاش حول الانقلاب، وقد بدأت هذه اللقاءات في أواخر 1948، وانتهى الإعداد للانقلاب أوائل 1948، وفي شهر آذار من العام نفسه تقدم حسني الزعيم بطلب المساعدة من الأمريكيين للقيام بانقلابه).

 

دفع حسني الزعيم ثمناً للدول الكبرى لاعترافها به، اتفاقياتٍ تخولها إقامة نفوذ ومصالح لها في سورية، ففي 30 حزيران سُمح لشركة التابلاين الأمريكية أن تمارس عملها، وأن تنشئ المطارات وسكك الحديد وأن تشتري البضائع وتقيم المنشآت المعفاة من الرسوم والضرائب مقابل حصول سوريا على مبلغ 20ألف إسترليني سنوياً.

 

كما صادق على الاتفاق الموقع بين سوريا وشركة المصافي المحدودة البريطانية، بشأن المصب في بانياس لتصدير البترول العراقي، ونصت الاتفاقية حصول الشركة على امتياز لمدة سبعين عاما لإنشاء وصيانة مصفاة أو مصافي في الأراضي السورية، على أن تؤول ممتلكات الشركة في سورية إلى الحكومة السورية بعد أن تنتهي مدة الامتياز، وتتعهد الحكومة السورية لقاء العائدات بإعفاء الشركة من الضرائب والرسوم وعدم انتزاع الأراضي التي تمتلكها طول مدة الامتياز. وتتعهد الحكومة بإعطاء الشركة أفضلية في الموانئ السورية كما لها الحق في إنشاء وصيانة ميناء أو موانئ في سورية لأغراض المشروع، وأن تضع عوامات لربط السفن وتنشئ إشارات وأضواء على الشاطئ وحواجز لصد الأمواج. ولها حق إنشاء السكك الحديدية، والطرق البرية وإنشاء وصيانة شبكات هاتفية وبرقية ولاسلكية، وتتعهد الحكومة بمنح موظفي الشركات الأجانب تسهيلات خاصة لتنقلاتهم عبر مراكز الحدود. وتحصل الحكومة على عائدات نسبية (6 مليون جنيه عن 2 مليون طن نفط الأولى، و10 مليون عن 4 مليون الأولى و13 مليون جنيه عن 6 ملايين طن فما فوق).

 

كما صادق حسني الزعيم على الاتفاقية بين الحكومة السورية وشركة خطوط أنابيب الشرق الأوسط المحدودة البريطانية، لنقل النفط العراقي عبر أنابيب مارة في سورية إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد حصلت هذه الشركة على امتياز لمدة سبعين سنة أيضاً لمد وصيانة خط أو خطوط الأنابيب من الحدود السورية ـ العراقية شرقاً وحتى البحر الأبيض غرباً. وتضمنت الاتفاقية بنوداً مشابهة لبنود الاتفاقية الموقعة مع شركة المصافي المحدودة.

 

وفي 7 تموز 1949 سلم الزعيم الحكومة اللبنانية (أنطون سعادة) زعيم الحزب القومي السوري الاجتماعي، الذي التجأ إليه وكان محكوماً عليه بالإعدام، ليتم إعدامه في 8 تموز، مما أثار سخط السياسيين وعامة المواطنين عليه.

 

فقد الزعيم في غضون ثلاثة أشهر معظم شعبيته، وأثار عداء مختلف فئات المواطنين. فسياسته الموالية للغرب أثارت عليه الفئة المحايدة، وتصرفاته الرعناء جلبت عليه سخط الزعماء الدينيين وأتباعهم من المدنيين، وأساليبه الأوتوقراطية قوضت آماال الليبراليين. والأهم من ذلك كله أنه خلق سخطاً بين الضباط بتعيينه اللواء عبد الله عطفة الذي أخفق كقائد للجيش السوري في الحرب الفلسطينية وزيراً للدفاع، وكذلك بترفيعه لكثير من أصدقائه ومؤيديه في الجيش.

 

وضع حد لحكم الزعيم حين أطاح به خصومه العسكريون ليلة 13 آب 1949. وضُم إليه رئيس وزرائه محسن البرازي ونذير فنصة مستشاره الخاص، واجتمع المجلس الحربي الأعلى برئاسة الزعيم سامي الحناوي، وأجرى محاكمة سريعة لرؤوس العهد، وأصدر حكمه: بإعدام (حسني الزعيم ومحسن البرازي) وبعد لحظات من صدور الحكم نُفذ بهما حكم الإعدام رمياً بالرصاص، وذلك في 14 آب 1949.

ــــــــ

*كاتب مُعارض وأحد الملايين الهاربين  من بطش النظام في سورية 

mnq62@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ