ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد  28/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عندما تُعلَن نهاية أمة من مدينة تدعى غزة

نوال السباعي

لم يكفنا منظر مئات الجثامين الفلسطينية المغتالة في غزة، ولكن وصل بنا الذل والهوان أن يخرج علينا الإسرائيليون في فضائياتنا يتحدثون إلينا بلغة الاستعلاء والقهر، بل والإسكات والإخراس والتحدي. أمة يتحداها أعداؤها في إعلامهم الرئيس الذي يستمع إليه العرب من المحيط إلى الخليج! أمة سكتت عن الحصار الذي أراد تركيع الشعب الفلسطيني وبقيت تتفرج.. أمة تُقصَف مدينة من مدنها المحاصرة منذ سنوات وهي واقفة تتفرج.. أمة تزور وزيرة خارجية عدوها أهم عواصمها وتشرب مع القوم نخب استمرار العلاقات المتبادلة مع حكوماتهم، وهم يتفرجون.. أمة يتآمر حكامها مع الأعداء لقمع كل نفس وثورة وتحرك وإرادة للتحرر والخلاص.. أمة يذبح أبناؤها وتستباح حرمتها، ويجرم فيها المكافحون المناضلون الواقفون على آخر ثغورها.. أمة تخلط خلطا عجيبا بين الكفاح والجهاد وبين الإرهاب والعدوان.. أمة تعلن خطط مباحثات السلام مع العدو بينما يتم الإجهاز على آخر المرابطين في ثغورها.. أمة تعرض جراح أطفالها ونزيف دمائهم على شاشات العالم كما تعرض المسلسلات الترفيهية.. أمة غارقة في الفقر وهي أغنى أمم الأرض.. أمة تختنق في الجهل وهي أمة «اقرأ» ومعجزة نبيها «كتاب».. أمة تتخبط في عفنها الاجتماعي وتقهقر عمليتي التربية والتفكير فيها.. أمة عجزت أن تأخذ على أيدي الطغاة فما فتئ معارضوها يجوبون الآفاق يطلبون من الأعداء التدخل لتخليصها منهم.. أمة هذه حالها فماذا كان يمكن أن ننتظر وقد كان الجميع يعرف يقينا أن «إسرائيل» تخطط لعملية شبه نهائية في غزة، ولم تكن تؤخرها إلا لتقوم بها بالتواطؤ الكامل مع العديد من حكام العرب والمسلمين؟

ماذا تريدوننا أن نكتب ونحن نشهد في بث حي ومباشر هذا القتل الوحشي المنظم، وهذه الحرب الإبادية المدروسة بعناية والمعد لها بدقة والتي لم تبدأ إلا بعد تواطؤ معلن بالكامل مع بعض حكوماتنا؟! ماذا يمكن للأقلام أن تسطر وقد كتب الفلسطينيون بدمائهم هذه المرة آخر سطور العزة في ملحمة الذل العربية، وآخر كلمات الشهادة على أمة غيبت نفسها وغابت إلى درجة الحضور المخزي في كل محافل الخزي والعار، وآخر أنهار الدماء التي لم ترو عطش رجالنا لا إلى الحرية ولا إلى الكرامة ولا إلى النهوض؟!

إننا نشهد آخر فصل معروف من مسرحية شاركنا جميعا حكاما ومحكومين في التفكير فيها وكتابتها وتنقيحها ونشرها على رؤوس الأشهاد، مسرحية السقوط المدوي لأمة مفصلة على قياس خياناتنا وضعفنا وتقهقرنا نحو سراديب الارتكاس إلى الأرض والإخلاد إليها. إننا نشهد سقوط الأمة من مدينة غزة الفلسطينية الشهيدة المحاصرة حتى الموت عطشا وجوعا وألما.. أمة لم تسقط يوم احترقت بغداد، ولم تنته يوم شنقوا طاغيتها المغوار ليلة «عيد»، وكنا نعتقد أن أحداثا كتلك كانت كفيلة بإعلان نهاية هذه الأمة، الأمة التي رسم حدودها سايكس وبيكون بقلمهما الأحمر الأزرق ومسطرة واحدة كانا يقلبانها بين أصابعهما وهما جالسان في تل قريب من القدس يحتسيان كأسين من الشاي.

إننا نجلد أنفسنا؟ ونجلد شعوبنا؟ ونجلد هذه الأمة؟ وماذا بقي بين أيدينا غير سياط الندم والألم نستخدمها في محاولة إثر محاولة لإيقاظ الضمائر؟ ماذا يمكننا أن نكتب ونحن نرى آهات المعذبين وجراح المبتلين وجثامين الشهداء وبالمئات وفي قصف حي ومباشر، في ذات الوقت الذي نسمع فيه الأعداء وهم يزدادون صلفا وتكبرا وعنادا وتشويها للحق: أخذنا أرضكم رغم أنوفكم، واستعمرناها -على الأقل فإن هؤلاء قد عمروا الأرض واستعمروها وتسرطنوا فيها، فتحقق لهم فعل «الاستعمار»- وسقط القدس الشريف على يد هذا الجيل، الجيل الذي يكتب لنا بعض رجاله مقالات الخزي والعار وهو يطالب الآخرين بأن يحترموا حقه في ضرب أولاده وتربيتهم كما يشاء، الضرب والإهانة التي تلقاهما جيل كامل في بيوته على أيدي الآباء والكبار أتانا بجيل تهتز أصابعه وهو يريد أن يضغط على الزناد في مواجهة العدو، جيل سلم القدس، وعاد من سلم منهم إلى داره يأكل ويتمتع بإصدار الأوامر لنسائه وأولاده، العاجز عن رد عدوه يستأسد في مواجهة أسرته ومجتمعه! سلم المسجد الأقصى للصهاينة ثم لم يجد في نفسه الشجاعة الكافية أن يوجه سلاحه إلى رأسه فيطلق على نفسه رصاصة تريح ضميره من تعذيب الضمير!

ماذا يمكننا أن نقول؟ وماذا يمكننا أن نكتب؟

رسالة إلى الرأي العام العالمي: لا تصدقوا الدعاوى الصهيونية، فلسنا نحن المعتدين بصواريخ تثير ضجة ورعبا ولا تؤذي إلا واحدا في المليون من «الشعب المحتل»، إنهم هم الذين اعتدوا علينا بصواريخ تدمر ولا تبقي ولا تذر وتقتل مائة وخمسين في ساعة واحدة، و «متل ما بدكو صدكو أو لا تصدكوا شو بَدنا نعملكو»!

رسالة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي: حرروا إعلانا عاجلا للأمة تذكرونها فيه بأن القدس هو ثالث الحرمين!

رسالة إلى جامعة الدول العربية: اشجبوا ونددوا وارفعوا أصواتكم بالعويل والندب وشق الجيوب فإن «إسرائيل» لم تفعل ما فعلت إلا بالتواطؤ التام مع ثلاثة أرباع حكام الدول الممثلة لديكم!

رسالة إلى «العرب»: ارفعوا أصواتكم بالصياح الهائج المائج عبر القنوات الفضائية، فلعل رفعها أن يعيد لأمتكم هيبتها ووقارها! ولا تنسوا أن تستثنوا منكم كل الأكراد والأتراك والأمازيغ وكل الأقليات العرقية التي تعيش بين جنبيكم ولطالما قاتلت وجاهدت معكم صفا إلى صف في سبيل القدس منذ عهد صلاح الدين، ولكن الأيام قد تغيرت، وهذه الأمة ضاقت ذرعا بغير «العرب»، وهي تستطيع أن تسمح لنفسها في مثل هذه الأيام الكالحات أن تعلن استمرار حملات الإقصاء والاستثناء العنصرية التي أدت بنا إلى مهاوي ما نرى ونسمع!

رسالة إلى أهل مصر: يا أهل مصر، يا ثلث «العرب» في أمة «العرب»، انفضوا عن كواهلكم الذل والاستعباد والاستخفاف بكم، انتفضوا يا أهل مصر إن لم يكن نصرة لفلسطين فرفعا للظلم والانهيار والتفسخ عنكم، قوموا يا أهل مصر فأنتم طليعة هذه الأمة ويحسب لقيامتكم ألف حساب!

رسالة إلى بقية الشعوب في المنطقة: أيها النائمون الشاخرون المثّاقلون، الغارقون في تفاخركم بالأموال والأولاد وقمامات الحياة، انهضوا من فرش المهانة التي قضيتم فيها خمسين عاما من عمر هذه الأمة المنكوبة بكم كما بحكامكم، انهضوا إلى وقفة سلمية وكفاح مدني، لا نطلب منكم قتلا ولا سفكا للدماء ولا تدميرا، لا نطلب منكم إلا وقفة شريفة في يوم حداد أعلن فيه موت الأمة من مدينة تدعى غزة!

رسالة إلى الأحرار كل الأحرار في المنطقة العربية: افتحوا الحدود، افتحوا حدود الأرض المقدسة، وكما فُتحت الحدود نحو العراق خدمة للبرامج السياسية والمخططات الطائفية، افتحوها الآن نجدة لإخوانكم الممتحنين في غزة والضفة وكل شبر من أرض فلسطين السليبة!

رسالة إلى وسائل الإعلام العربية: أغلقوا هذه المحطات الفضائية والأرضية وكفاكم كذبا وخداعا ونفاقا ونفخا في هذه الزعامات القططية التي تريدون ورغم أنوفنا أن تقدموهم لنا على أنهم أسودا لتتضح صورهم الحقيقية في يوم مثل هذا اليوم!

وأخيرا رسالة إلى الشعب الفلسطيني المرابط: صبرا آل فلسطين، صبرا.. لا تركعوا.. ونحن نعرف أنكم لن تركعوا، صبرا أهل فلسطين، فلطالما علّمتم هذه الأمة دروس التضحية والصبر على الحق الذي يريد العالم كله أن يشوهه ويجعله باطلا، صبرا أهل فلسطين وأهل غزة، فلقد كنتم وحدكم الثابتين في زمن الانهيار العام، وكنتم وحدكم المرابطين في زمن الفرار من الزحف، وكنتم وحدكم الواعين لما يجري في كل مكان من حولكم، حتى أصابكم الشقاق الذي أصاب هذه الأمة وزلزل صفوفكم، وكنتم وحدكم الواثقين بوعد الله حتى استطاعت النزاعات أن تكسر ظهوركم وظهورنا! ولكنكم ورغم ذلك بقيتم هناك وحدكم محاصرين بعجزنا، مُغتالين بصمتنا، مذبوحين بحماقات «إرهابنا» التي دكت مواقعكم وسحبت البساط من تحت أرجلكم!

صبرا أهل فلسطين فأنتم وحدكم الدليل على أن شمسا سوف تشرق من جديد رغم حجم هذا الليل الكئيب الذي امتد في الأرواح وفي كل الاتجاهات.

يا تميم البرغوثي قم أنبئنا بأخبار تلك الشمس التي ستطلع علينا رغم «لسان المراثي» الذي أعمى على بصائرنا، قم فبشرنا بالصباح والنور والإشراق فوجهك عليها دليل، وفي عيني كل فلسطيني جريح قصائد أمل لصبح جديد سوف يولد من جراحكم يا أهل غزة، لأن جراحكم مقدسة والدماء النازفة منها مقدسة، وأنتم هناك وحدكم قرابين الفجر الذي لا بد آت.. آت.. آت.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ