ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  23/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إنه عام الحذاء...!!! نعم عام الحذاء

بقلم: د. جابر قميحة

komeha@menanet.net

معروف أن العرب يؤرِّخون بالأحداث المشهورة, ويُطلقون على العام اسم الحدث الذي وقع فيه، فهناك "عام الفيل" سنة 571م, وهو العام الذي توجه فيه أبرهة بالفيل لهدم الكعبة.

وهناك "عام الفِجار" في المحرم بعد ميلاد النبي- صلى الله عليه وسلم- بأربعة عشر عامًا، وهي معركة وقعت بين قريش ومَن معهم من كنانة, وبين قيس عيلان.

وهناك عام الهجرة.. وهناك عام "الرمادة" أي عام الهلاك، وكان عام مجاعة قاتلة سنة 18ه في عهد عمر بن الخطاب.

وهناك "عام الجماعة" سنة 41ه, وفيه تصالح الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان, وحقنت الدماء.

*      *      *

ومن قبيل تداعي المعاني نجد في التاريخ للحذاء مكانًا ودورًا، من ناحيةِ الحدث، ومن ناحية الفن.

ولنبدأ بالمستعصم الخليفة العباسي (609- 656ه)، الذي تولَّى الخلافة بعد أبيه المستنصر العباسي في جمادى الآخرة سنة 640ه, وكان- كما وصفه ابن طباطبا- مستضعف الرأي, ضعيف البطش, قليل الخبرة بأمور المملكة, مطموعًا فيه, غير مهيبٍ في النفوس, ولا مطّلع على حقائقِ الأمور, وكان يقضي زمانه بسماع الأغاني والتفرج على المساخرة.. وكان أصحابه مستولين عليه, وكلهم جُهَّال من أرذال العوام.

هذه كانت صورته: خليفة ساقط الهمة, عديم الحزم, ضائع الهيبة, همه في حياته المتع والملاذُّ وجمع المال, دون شعورٍ بالمسئولية والخطر الزاحف إليه من قِبَل التتار؛ لذلك سيطر عليه وملك قياده وزير خائن اسمه "مؤيد الدين العلقمي الرافضي", قال عنه بعض معاصريه: ..أهلك الحرث والنسل, ولعب بالخليفة كيف أراد, وباطن التتار (أي راسلهم سرًّا), وناصحهم, وأطمعهم في المجيء إلى العراق, وأخذ بغداد"، وتوالت رُسل العلقمي الخائن إلى التتار, يُطمعهم في البلاد.

وفي المحرم سنة 656ه, وصل التتار إلى بغداد, وهم مائتا (200) ألف يقودهم هولاكو, وهزم جيش الخليفة هزيمةً نكراء، وأقنع العلقمي الخائن المستعصم بأن يسعى العلقمي للظفر بالصلح, وخرج إلى هولاكو, واتفق معه على القضاءِ على الخليفة والخلافة, وعاد العلقمي إلى المستعصم لينفِّذ المخطط الحقير, وأشار على الخليفة بالخروجِ إلى هولاكو, فخرج إليه ومعه هدايا كثيرة من الدر والجواهر وغيرها, ومعه جماعةٌ من الأعيان, فأنزلوه في خيمة.

وكانت نهاية المستعصم أن قتله التتار رفسًا, أي دوسًا وركلاً بأقدام التتار ونعالهم.

*      *      *

ويطول بنا المسار لو استعرضنا مكان الحذاء أو النعل بالتاريخ الأدبي، وأجتزئ ببيت مشهور للمتنبي، مناسبته أن المتنبي وقد بدأ يكره مصر وحاكمها "كافور الإخشيدي" نظر إلى قدم كافور فوجدها غليظة الجلد، وفيها شقوق ربما بسبب تراكم "القشف" على قاع القدمين. فقال قصيدة هجاء في كافور، اشتهر منها البيت التالي:

وتعجبني رجلاك في النعل، إنني     رأيتك ذا نعلٍ ولو كنتَ حافيًا

*      *      *

وفي أيام الثورة "أعوام" مشهورة، منها: عام النكسة سنة 1967, وعام "الحسم" الذي تغيَّر توقيته عدة مرات، وهناك عام "الرخاء" الذي جاء على هيئةِ وعدٍ متجددٍ على لسان السادات, ولم يتحقق حتى الآن.

*      *      *

وإذا كان العام يُسمَّى بأهم أحداثه، فإن هذا العام (2008م) يجب أن يُسمَّى "عام الحذاء"، فالحذاء هو الشخصية الأولى التي شدَّت الأنظار، وأثارت وجدان الشعراء، وشغلت الصحف ووسائل الإعلام، والحذاء كلمة عربية أصيلة، ومثلها النعل، فهما بمعنى واحد، وقريب منهما الخفّ، وجمعها خِفَافٌ.

وأول الأحذية الجديرة بالتوقف: حذاء السيد المبجل جدًّا "مصطفى الفقي"؛ ذلك الحذاء الذي سُرِقَ من أهم مساجد دمنهور بعد صلاة الجمعة يوم 31/10/2008م؛ حيث كان يحضر حفل افتتاح المسجد مع وزير الأوقاف والمحافظ والمفتي وغيره من كبار العلماء، وتعطَّلت المسيرة قرابة ساعة حتى يُحضروا حذاءً آخر بدلاً من الحذاء المفقود، وألهمت هذه الوقعة كثيرًا من الشعراء من أمثال الشاعر المهندس وحيد الدهشان، ومن أبيات قصيدته:

لكَ حسـرتي  وفجيعتي وعزائي      أدْري.. حذاؤك ليس أيَّ حذاء

جلـدٌ طبيعـي  ونعـل فاخـرٌ      حتى يليـق بقيمـةِ الكبـراء

ما في "دمنهـور" حـذاءٌ مثلـه      فضياعـه عمـدًا بغير مراء

وأظنهم ظنوك جُـرتَ عليهمـو      وكسرتَ حلمَهمو بكـل جفاء

وسرقتَ أصواتًا  وفزتَ بمقعـدٍ      زورًا وقد شهدتْ لجانُ قضاء

وعلى "نهى الزيني" العتاب لأنها      قد أظهرتْ ماكان في الإخفاء

صنعتْ من الأمر اليسير فضيحةً      وأثارت  الجُلَّـى من الأنواء

 

ومن قصيدة لأبي سلمى رأفت عبيد:

حذاؤكَ في الورَى نعْمَ الحِذاءُ      حذاؤكَ في ذرا المَجْدِ اللواءُ

حـذاؤكَ والجَوانِحُ ذي فِـدَاهُ      ويا فرْحَاهُ لـو قبـلَ الفِداءُ!

حذاؤكَ في الرِّبيع يفوحُ عِطرًا      شذاهُ مُعبَّـقٌ منه الفضـاءُ

مُصابُ الناس ِ في نعليكَ داجٍ      عيونهمُ يُـرُى فيهـا البُكاءُ

تمادَى في مآسـينا انتحَـابٌ      تراءى فـي مآقينا العَـزاءُ

وتنتحِبُ الكنانـةُ في أسَـاها      ونهْرُ النيـلِ باكٍ والسَّـماءُ

شوارعنا الفخيمةُ في اكتئابٍ      توَلولُ في  حواريها النسَـاءُ

أسوقُ لك الرِّثـا مني عَزاءً      أقـلُ الواجبـاتِ هو الرِّثاءُ

 

ومن قصيدة لكاتب هذه السطور بعنوان (مصطفى الفقي يرثي حذاءه المسروق):

سَرقوك  يا أرقى حِذاءْ      لأعيشَ بعدك في شقاءْ

أبكيك  يا أغلى الحبـا      يب بالدموع بل الدماء

وتكاد نفسـي  تفتـدي      ك فأنت  أهـلٌ للفداء

أأقول متَّ، وأنـت في      أعماق  قلبي كالضياء

وحذاءُ مثلي  لا يجـو      زُ عليه في الدنيا فناء؟

سأظل بعـدك حافيـا      فأنا الوَفيُّ أبـو الوفاء

أوْ قد أسيرُ ب"شبشبٍ"      لا أقتنـي أبدًا حـذاء

*      *      *

ومن بضعة أيام كانت المفاجأة الحذائية الكبري التى لم يتوقَّعها أحد، وهي أن أحد أبناء العراق الأبطال الأنقياء وجَّه إلى "بوش" فردتي حذاءه في تلاحق سريع عجيب، وتفادى بوش "الفردتين"، فلم يُصَبْ، وإن أصابت الفردة الثانية قلب العلم الأمريكي في مقتل، وأعتقد أن "بوش" أُصيب بجراحٍ نفسيةٍ صارخة كانت مزيجًا من الإهانة والتحقير، وكراهية الشعوب، والنقمة عليه وعلى الاستعماريين من أمثاله، هذا إن كان يملك الحد الأدنى من الإحساس والشعور.

وهناك دلالة غابت عن الكثيرين، وهي أن قاذف الحذاء اتسم بالسماحة وخلق العفو عند المقدرة؛ فقد كان يستطيع أن يستبدل بالحذاء "مسدسًا" يوجه طلقاته إلى قلب بوش، وهذا بالنسبة له أسهل بكثير من تصويب الحذاء، وكأنَّ لسان حاله يقول: إن الهدف ليس أن نقتلك، ولكن الهدف أن نُهينك، كما أهنت مئات الملايين من العرب والمسلمين، والرصاص-  مهما قيل فيه- آلية نظيفة في المظهر على الأقل، ولكن الحذاء هو أدنى وأحطُّ ما يستخدمه الإنسان؛ لذلك كان مناسبًا ولائقًا لمقامك العدواني الخسيس.

وأستطيع أن أقول في إيجاز: إن هذا الحذاء دخل التاريخ من أوسع أبوابه و"ألمعها" على الإطلاق، وعمت الفرحة كل الشعوب العربية والإسلامية وانطلقت بعض البلاد تُعبِّر بمظاهرات ترفع الأعلام، وكأنها تعيش في عيدٍ حقيقي، كانت الأضحية فيه كرامة بوش، بعد أن عاشت عيد الأضحى الذي ضحَّت فيه بالخراف والأبقار.

*      *      *

وأقول.. للكبار جدًّا من أصحاب الكراسي الذين يستهينون بشعوبهم، ويحكمونها بالظلم، والقهر، والحديد والنار، ويكثرون عند الطمع، ويختفون تمامًا عند الفزع، كأنهم المعنيون بقول الشاعر:

أسد عليَّ وفي الحروب نعامة     فتخاء تنفر من صفير الصافر

أقول لهم: بادروا، وصالحوا شعوبكم، قبل أن يتكرر عليكم "الهجوم الحذائي البوشي"، ومعذرةً إذ أفاجأ بقصيدة تطل برأسها وتفرض نفسها عليَّ بمناسبة "الهجوم الحذائي"، مع أنني نظمتها مما يزيد عن عامٍ مضى موجَّهة إلى القادة والحكام المستهينين الظالمين الفاسدين المفسدين ومنها الأبيات الآتية:

إنَّــا رأينـا فيكـم القَــوَّالا      لكن عدِمْنـا بينكـم فعَّالا

حتى غدوتم في الورى أضحوكةً      لم تشـهد  الدنيا لها أمثالا

إنــا برئنـا منكمـوُ يا سادتي      إذ ما اعتبرتم قتلنا إفضالا

فلتسمعوا منا- وقد فاض الأسى      قولا سَـيُردي نبرُهُ الأنذالا

"كونوا ليـوم واحـدٍ رجــالاً      عفْـوًا، فإنا نطلبُ المُحالا

*      *      *

هذا، وما زالت وسائل الإعلام في العالم كله تتحدث عن هذا الحدث الكبير (الهجوم الحذائي الخاطف)، ونرى "أبناء البلد" يخترعون نكات ساخرة محورها هذا الحدث، وبدأت أقلامنا تفيض شعرًا نعرضه بمشيئةِ الله على القراء في كل المواقع، عن قريب.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ