ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين  22/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حذاء يدخل التاريخ

رشاد أبو شاور*

عندما رسم الفنّان الكبير جلال الرفاعي كاريكاتورا لبوش الابن، نشر في "الدستور" الأردنية بتاريخ 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو - أي بوش - يحمل عصا على كاهله، ويمشي حافي القدمين، وفي نهاية العصا حذاء عسكري مهترىء، لم يكن يتوقّع أن يقترن مصير بوش عمليّا، لا مجازيّا، بحذاء صحافي عراقي شاب، أصبح بين ليلة وضحاها نجماً عالمياً لأنه أبدع حدثاً لا سابق له..

 

وما كنت أتوقّع في أقصى حدود تفاؤلي أن ابتهج مع ملايين العرب، والبشر في العالم، وأنا أكتب مقالتي هذه بتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تحت عنوان (يرحل وحذاؤه على ظهره) بأن يكافأ بوش في نهاية فترتي خدمته بفردتي حذاء - أو صرماية - البطل العراقي منتظر الزيدي، الصحافي الشاب الذي كتب بهما (مقالة) هي الأعمق، والأوضح، والأفصح، والتي هي حكم شعب العراق على إدارة بوش، وكّل (المحافظين) الذين شنّوا الحرب التدميريّة على وطن العراقة والحضارة..

 

ما كنت أبدا أتوقّع أن استمتع بانطلاق فردتي حذاء (المنتظر) العراقي الجسور، صوب رأس بوش الابن، لأنّ هذا من رابع المستحيلات، لكن العراق بلد المستحيلات، بلد القيام من الموت، كما في أساطيره الخالدة الملهمة.

 

أراد بوش بزيارته الخاطفة، التي تمّت تسللاًّ، أن يقطف لحظة انتصار موهومة أمام الكاميرات، هو المهزوم، مورّط أمريكا عسكريّا وسياسيّا واقتصاديّا.. فكان له بالمرصاد هذا الفتى العراقي الذي خطّ بفردتي حذائه مقالةً باتت في لحظات المشهد المفرح، المبهج، لملايين البشر..

 

أدوات بوش في المنطقة الخضراء احتفوا بصانعهم، ومعلمهم، وفي مقدمتهم تلك الكتلة من الشحوم والدهون بترهلها، وشكلها، والذي يذكّر برسومات الشهيد الكبير ناجي العلي للحكّام والعملاء، وذلك الشخص الكئيب الذي وقف مرحبّاً ببوش، وحاول أن يصد الحذاء الموجّه عن سيده، ولكن الفردة الأولى اتجهت إلى مكانها المناسب: رأس بوش الفارغ، فراغ عنها، ولكنها ارتطمت بعلم بلاده، ومن ثمّ تبعتها الفردة الثانية، ومعهما كلمات توضيحيّة لأسباب هذا (التكريم) اللائق بمجرم حرب سيأتي وقت وقوفه في قفص الاتهام، ومحاكمته على كّل الجرائم التي دمّرت العراق، ومنها: يا كلب..

 

مشهد يعبّر عن خاتمة حرب بوش في العراق، وعن نهاية فترته ورئاسته وتفكيره..

 

مشهد يليق بشعب العراق، بصحافييه وكتّابه وشعرائه ونخيله، برجاله ونسائه، بتاريخه وحاضره ومستقبله.. فردتا الحذاء هاتان دخلتا التاريخ، وبوش نفسه مدان لهما بالفضل السابغ عليه إذ انه ضمن بهما أن يحلّق فوق مزبلة التاريخ..

 

ولأن العالم يحتقر ذلك التافه، فإنه شمت به، والتقط الحدث وجعله الخبر الأوّل على فضائيّات، ووكالات الأنباء، ومانشيتات الصحف، حتى الأمريكيّة..

 

المنتظر العراقي أعدّ لبوش ما استطاع من قوّة، وهو كإعلامي خطط، وقدّر الصدى الذي ستحدثه فردتا صرمايته، عند عناقهما لرأس رئيس الدولة الأعظم!..

 

دخل منتظر التاريخ مرفوع الرأس، ولذا وصفته أمّه - رأيناها على الفضائيّات - بالبطل، لأنها تعرف ما فعله، وهي عاشت المعاناة من الاحتلال، فزغردت وبكت معا، بكبرياء ولهفة على مصير ابنها البطل.

 

منتظر ابن عائلة وطنيّة، ومن رأى أشقاءه وهم يصرحون للفضائيات مباهين بما فعل، وبابن شقيقه الطفل وهو يحمل حذاء، ويعلن: إذا ما انسحبوا رح اضربهم بهذا..

 

ليست نزوة، ولا رغبة في الشهرة فعلة المنتظر العراقي، ولكنها فعل مقاوم، ولهذا اندفعت الجماهير العراقية من الموصل إلى النجف وكربلاء والبصرة، مرورا ببغداد، مكرسة ابنها الشجاع بطلاً وطنيّا، بل إن منتظر صار بطلاً عربيّاً، فها هم الصحافيون، والناشطون الوطنيون في كّل بلاد العرب يرفعون صورته، ويرفعون صورة فردتي حذائه.. هناك زعماء عرب تأكلهم الغيرة من شهرة فردتي الحذاء، وتقدير الجماهير العربيّة لهما..

 

المالكي وطالباني وبقية مخلوقات (المنطقة الخضراء) وقعوا مع بوش (رمزيا) على "الاتفاقية العراقيّة – الأمريكيّة"، ومنتظر وقّع على وجه ورأس بوش بحذاء..

 

الضرب بالحذاء هو تعزير لرئيس أمريكا، بهدلة، فضيحة عالميّة وعليها شهود..

 

الضرب بالحذاء شكل من أشكال المقاومة..ألم يفعل هذا الفلسطينيون يوم 28 أيلول/سبتمبر 2000 في باحة المسجد الأقصى، عندما واجهوا الجنرال الصهيوني شارون؟!

 

ألسنا نقول: المقاومة بكّافة أشكالها؟!.. هذا شكل من أشكالها، وهو يليق بأشكال بوش وشارون و..العملاء الذين سيتمنون أن يُضربوا بالأحذية حين لات مندم!

 

مرّت أيام العيد وأنا حزين على أهلنا في غزّة، ومن الأحوال الفلسطينيّة المحبطة المخزية..

 

و..لكنني فرحت حتى أنني ضحكت بصوت عال، بل قهقهت، وكلما أعيدت لقطة الفردتين الطائرتين، وبوش يحاول اتقاءهما، والذي اسمه المالكي يحاول براحة يده صدّ القذيفة الحذائية الموجهة.. أزداد غبطة، نعم غبطة، وصهللة.. و..

 

أين حذاء خروتشوف في الأمم المتحدة من حذاء منتظر؟ أين مشهد فردة الحذاء التي سقطت من قدم سفير أمريكا الهارب في سايغون من مشهد الحذاء المحلّق على رأس بوش؟

 

ما كان لعملاء المنطقة الخضراء أن يفرضوا على الصحافيين خلع أحذيتهم، فانتعال الحذاء حق لكّل إنسان - بمناسبة الذكرى الستين لصدور لائحة حقوق الإنسان - وله كامل الحق في استعماله في الدفاع عن حريّته، و..ضرب أكبر رأس به!

 

أرى أن تقدّم عشرات المحامين العرب للدفاع عن حق منتظر في التعبير عن رأي ملايين العراقيين والعرب ببوش، وبما فعله في العراق، هو أمر قومي، وحضاري وإنساني..

 

لا بدّ من تشكيل لجان دعم لمنتظر، و..لجنة مهمتها متابعة ما يحدث للحذاء نفسه، فلا بدّ من استرجاعه، لأنه ثروة وطنيّة، ولا بدّ أن يجد مكانا لائقا به في المتحف الوطني العراقي..

 

أرى أن يتّم تصميم نوع من الأحذية السريعة الانطلاق - وهي محليّة الصنع والمواد - والتي تساعد على التصويب.. لأن رؤوسا قد أينعت وحان ضربها بالنعال..

 

بالتأكيد سيبادر عراقي ما، عربي ما، من الموهوبين، لإنتاج فيلم تسجيلي قصير أو متوسط الطول، بعنوان: الحذاء ورأس بوش الابن..

 

يا للعراقيين الأشاوس.. إنهم لا يكفّون عن مرمغة رأس الاحتلال الأمريكي في الوحل، وتعفيره بالرغام..

 

يوم سقوط الفردتين على رأس بوش سيؤرّخ به: يوم ضرب منتظر العراقي بوش بالحذاء.. ثاني يوم ضرب بوش بالحذاء، قبل ضرب بوش بالحذاء بساعات.. بعد سنة تقريبا من ضرب بوش بالحذاء.. وهكذا سيتردد اسم بوش كثيرا مقرونا بالحذاء، أمّا صانع الحدث فهو (العراقي).. المنتظر!

ــــــــــــــ

*كاتب وروائي من فلسطين المحتلة يقيم في الأردن

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ