ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  19/11/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الحركة التصحيحية في 16 نوفمبر 1970:

ماذا صحّحت في سورية وماذا أفسدت؟

الطاهر إبراهيم*

جيل ما بعد استقلال سورية -من بقي منه حيا- يقع على عاتقه تنوير الجيل الذي جاء بعده، أي جيل الحركة التصحيحية. هذا الجيل لم يعرف قيادات سورية غير قيادات هذه الحركة التي أفسدت حياة السوريين .

صحيح أن الإفساد بدأ يوم انقلاب 8 آذار "مارس" عام 1963، لكنه كان إفسادا عشوائيا، يقل ويكثر. لكن خلافات البعثيين فيما بينهم خففت من عمق الفساد الذي استشرى في المجتمع والدولة قبل انقلاب الحركة التصحيحية التي قادها "حافظ أسد" ضد رفاقه في 16 نوفمبر عام 1970. وبقيت سورية دولة فيها الكثير مما كان قبل استيلاء حزب البعث على السلطة. ويوم أن استولى "حافظ أسد" على الحكم في 16 تشرين ثاني "نوفمبر" عام 1970، بدأت مرحلة التغيير تغرس عميقا ونحو الأسوأ، وفق منهج مدروس، لم يغادر ناحية من النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية، إلا دمر كل شيء جميل فيها. صحيح أن الفساد والإفساد قد لا يكون مقصودا لذاته أحيانا كثيرة، لكن العبرة بالنتائج، إذ لم يبق شيء سليم إلا أفسد وخُرّب. كل ذلك وأسوأ منه جرى تدميره تحت خيمة الحركة التصحيحية.

قد يقول قائل: ما بال قلمك يا هذا، لا يتحرك إلا بما يذم عهد الحركة التصحيحية، وكأنما قتلت عزيزا عليك أو أكلت مال أبيك؟ قبل أن أسترسل أذكّر القراء بمثل سمعته قبل أربعة عقود من أديب سوري، قال: قيل لجائع اجمع ثلاثة وأربعة، فماذا يكون الجواب؟ قال سبعة أرغفة. فهذا الجائع عقله وعواطفه مشغولة بالخبز، فأنى له أن يتحدث عن غير ذلك؟!

استقلت سورية عن فرنسا في عام 1946. جيشها كان ضعيفا، أنهكته معارك الحرب السورية مع يهود. وما لم تحطمه آلة الحرب الصهيونية زعزعته الانقلابات، التي بدأها "حسني الزعيم" والانقلابات التي جاءت من بعده. ومع ذلك، فلا تزال الذاكرة تحفظ الكثير عن البطولات التي سطرها الجنود السوريون في الخمسينيات، حيث كان اليهود يشنون العدوان على مواقع الجيش السوري نهارا، فيرد عليهم الجنود السوريون البواسل في نفس الليلة، كما حصل عندما اعتدى الإسرائيليون على قرية "التوافيق"، فرد الجيش السوري على العدوان ودمر تحصينات اليهود القريبة من الحدود التي تم ترسيمها نهاية حرب عام 1948.

وبحسبة بسيطة، لا تحتاج إلى آلات حاسبة ولا كمبيوتر، ويمكن استعمال جدول الضرب فيها، يمكن أن نستنتج الفروق الهائلة بين ما كنا نعيشه قبل آذار عام 1963 وقبل تشرين ثاني عام 1970 وبين ما عشناه بعدهما. يومها كنا نقف على الحدود التي تم ترسيمها بعد نكبة فلسطين، تشرف هضبة الجولان من علٍ على الجزء الذي اغتصبه الصهاينة من أرض فلسطين، ونسبح في بحيرة طبرية، نشرب من مائها ونصطاد فيه السمك، رغم ضعف السلاح والعتاد. ولم تكن ميزانية الحكومة السورية في حينها تتجاوز 350 مليون ليرة سورية، فكيف أصبحنا الآن؟

لا حاجة لأن أذكّر القارئ الكريم بأن الإستراتيجيين العسكريين في العالم كانوا يشبهون هضبة  الجولان –مناعة وتحصينا-  بخط "ماجينو" في الحرب الثانية أنها أصبحت الآن مع يهود. فقد خسرها النظام الحالي في هزيمة حزيران 1967، وأكّد هزيمته في حرب تشرين أول "اكتوبر" عام 1973،-التي سميت زورا وبهتانا حرب التحرير- بل خسرنا معها قرى كثيرة.

بعد الحرب، أواخر عام 1973، حضر"هنري كيسنجر" إلى المنطقة ليشهد التوقيع على معاهدة فك الارتباط مع إسرائيل ،ولتصبح الحدود مع إسرائيل هادئة آمنة لا يعكر صفو هدوئها حتى ولا طلقة بندقية عصافير. حدثت الهزيمة مرتين، وما زلنا نعيش الهزيمة واقعا مشهودا، رغم أن ميزانية الجيش السوري تلتهم الآن أكثر من 70% من الميزانية السورية التي ربما زادت عن 500 مليار ليرة سورية، (10 مليارات دولار).

لا أريد أن أطيل على القارئ حتى لا أعكر عليه صفو الاحتفال بالحركة التصحيحية. أريد هنا أن أذكّر بأنه لم يكن قبل حكم البعث -بفترتيه في عهد حافظ أسد وقبله- حديث عن الطوائف والإثنيات. فجاء العهد "الميمون" ليؤجج مشاعر التطرف الطائفي والقومي ليقال هذا سني وهذا علوي أوشيعي وهذا عربي وذاك كردي والآخر آشوري.

لا ينكر أحد أنه كان في سورية سلبيات وفقر قبل انقلاب 8 آذار عام 1963. لكن الإيجابيات كانت تغطي على السلبيات. كان هناك أغنياء وفقراء. بل كان هناك إقطاع ورأسمالية. كانت الرأسمالية في معظمها وطنية، شارك أصحابها في حرب تحرير سورية من المحتل الفرنسي. وكان هناك إقطاع، وربما تجاوز الإقطاعي حد الاعتدال مع الفلاحين الذين يعملون في أرضه. لكن القضاء غالبا ما كان ينصف المظلوم ممن ظلمه، ويرد له حقه.

أما في عهد حكم حزب البعث، وأخص بالذكر عهد الحركة التصحيحية، فقد تغيرت الموازين.

فقد تسلط الذين كانوا يرفعون راية الوحدة والاشتراكية والحرية على مقدرات البلاد وتحكموا في رقاب العباد. فنزعت الأرض من الإقطاعي الذي كان يخدمها ويستثمرها، وتقهقر إنتاجها ونهب الإقطاعي الجديد ما تبقى من إنتاجها. وهرب الرأسمالي إلى أوروبا، واستولى رموز السلطة على المعامل التي بدأت تعج بالعمال ولكن من دون إنتاج. واضطرت الطبقة المتوسطة أن تخفف من نشاطها خوفا من أن يلحق بها ما لحق بأصحاب المصانع والشركات.

بعد أربعة عقود من انقلاب الحركة التصحيحية وأثناءها، أقفلت الشركات أبوابها بعد أن أفلست بسبب النهب المنظم من قبل الرأسماليون "الجدد" الذين نموا مثل تنمو النباتات الطفيلية. صار عندنا الآن رأسماليون جدد وإقطاعيون جدد. وأصبح باقي الشعب كله طبقة واحدة من الفقراء الذين لا يكاد الواحد منهم يحصل على قوت يومه.

هذه هي الحركة التصحيحية، وهذا بعض ما خربته وأفسدته، وما خفي كان أعظم.

ـــــــ

*كاتب سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ