ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس  13/11/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المصلحة الوطنية أم مقارعة السلطة ؟

بقلم سوسن البرغوتي

عند البحث في أولويات الاستحقاقات الفلسطينية، لا يمكن أن نغض الطرف عن كل ما سبق وما حدث، ولا عن الحقائق التي قدمتها حركة حماس للعامّة عبر وسائل الإعلام، ولا عما تبع من فرمانات ولقاءات بين عباس وأولمرت، ولا عن التحضير المهين لمؤتمر أنابولس، ثم مهزلة ما جرى في أنابولس، واعتباره فاشلاً على كل المستويات، وفي المقابل فإن كل ما يحدث الآن في فلسطين هو من نتائج تلك المباحثات، وتنفيذ ما اُتفق عليه، للانتقال لمرحلة أخرى متقدمة.

لذلك نقول أنه لا يمكن فصل أي وسيلة عن المصلحة العامة، والوسيلة مبررة إذا كانت للوصول إلى غاية تصب في المصلحة العامّة. المصلحة العامة تقتضي المصارحة وليس مصالحة عشائرية، وبذلك نعود إلى المربع الأول، “وكأنك يا زيد ما غزيت”!..

ما دام هناك خلل في عرض المصلحة العامة، معنى ذلك الانحياز وليس استشرافاً لرؤية مستقلة، لتصبح المفردات والمصطلحات تخدم ضبابية سياسة ما، وفرق كبير أن ندعم موقف يخدم القضية، وبين أن ندعم مواقع بعينها.

ما آلت إليه السلطة المحلية الفلسطينية من وضوح في سلوك سياسة التطبيع والتطويع وتذليل معوقات “السلام”، فهذا يعني الخروج عن السرب الوطني، وكما تقول القاعدة الشرعية “الحلال بيّن والحرام بيّن وما بينهما مشتبهات”، أيضا هناك خط رفيع يفصل بين الثوابت والأسس، وبين حوار مع من يتنازل عنها.

النوايا الصافية من أجل الهدف وليس من أجل تقارب الآراء بين برنامجين متناقضين، لا بد يقود إلى خلط الأوراق، والاقتراب من أطراف الاعتراف بشرعية سلطة في ظل احتلال، سواء بالعودة لإجراء انتخابات “ديموقراطية”، وقد سبق الخوض في هذه الانتخابات واتضح أنها تُستخدم كمطية للسلطة، أو لإمساك العصا من وسطها، وهذا لا يُعتبر معارضة وطنية، بقدر ما يُعتبر وساطة لمصالحة غير متكافئة من المنظور الوطني..

ولا يمكن أن نستبعد الضغوط الخارجية، فكيف والضغوط الداخلية تعمل بالتنسيق مع الأطراف الخارجية للقبول ببرنامجها!، أو لنقل للوصول إلى منتصف الطريق “ويا بخت من صالح”!.

يبدو أن هناك أصواتاً ترتفع من أجل تراجع مبدئي عما حدث في غزة، ومن شأن هذا أن يدخل حماس في ساحة جدال بلا نهاية..

ولو تماشينا مع أسئلة تراود الجميع، من أهمها: لماذا قامت حماس بتنظيف غزة من الأجهزة الأمنية الفاسدة إذا لم يكن هناك قناعة تامة بأن ما فعلته ليس اضطرارياً بقدر ما هو ضروري من أجل التخلص من الضغوط الداخلية، وتوحيد الجبهة الداخلية؟. فالانقسام لم يكن نتيجة خلاف وطني، إنما هو اختلاف جوهري بتصفية القضية الفلسطينية والاستغناء عن مشروع التحرر الوطني، وهو بالنسبة للشعب الفلسطيني هدف ثابت غير قابل للتغيير، ولا يقبل الجدل.

المناداة بتطبيق الديمقراطية قبل السيادة، شماعة سلطوية وُجدت كأداة لتمرير وتنفيذ ما يمليه الاحتلال، فالبلد محتل، ولا سيادة حقيقية لهذه السلطة، كما أن تسيير الأعمال اليومية للفرد الفلسطيني، لا يتطلب كوادر حكومية وأجهزة شرطة وأمن وسفارات في الخارج، فهي بمجملها عناوين مفرغة تماماً من مضمون وأحقية سيادة القرار الفلسطيني، فالقطاع لم يصل للاستقلال التام عن الكيان الصهيوني اقتصادياً، والضفة ما زالت محتلة بكل المعايير، وما يحتاجه الفلسطينيون في الداخل، إدارة شؤونهم المحلية من خلال مؤسسات إدارية ومؤسسات المجتمع المدني، أما الحكومة الوطنية المؤقتة فهي مهمة تتطلب تضافر الجهود القيادية المخلصة من خارج الوطن المحتل.

هناك قضية أساسية، وسقف المطالب “الاسرائلية” بتصاعد مستمر، فإن لم تكن الجبهة الداخلية متماسكة قوية، ستبقى الثغرة التي تمكّن العدو من اختراق جبهتنا، أو لنقل بقاء “مسمار جحا” وسط الوضع العام، وهي سلطة مفرزات أوسلو.

صحيح أن الإعلان عن وفاة اتفاقية أوسلو جرى رسمياً في أنابولس، وحلت مكانها خارطة الطريق، وفي المستقبل القريب، سُتمزق الخارطة وتُستبدل بمطالبات “إسرائيلية” مبتدعة، ولكل مرحلة طقوسها وشعاراتها، وهذا ما اتضح مؤخراً من التأكيد على “يهودية الكيان الصهيوني كدولة”.

القضية أكبر بكثير من مخصصات وكراسي وزارية وحكومات مستقلة، وحوارات تحمل في ثناياها الدعوة لمشاركة الشريك “الإسرائيلي”.

إن الاستخفاف بدماء الشهداء، وبمعاناة المحاصرين في غزة وعلى معبر رفح، والملاحقين من قبل أجهزة عباس في الضفة، وغض النظر عن التجربة المريرة التي سبقت اتفاق مكة، والتصعيد الذي وقع بعد الاتفاق، ومواجهة الأجهزة الأمنية، تضع الدعوات لرأب الصدع أمام مساءلة كبيرة، فالمواجهة كانت بين خطين لا يلتقيان، وتحديداً  بين حماس والسلطة، وليس حماس وفتح، خاصة أن الكثير من أبناء فتح مستبعدين تماماً من حزب الرئيس، وما يمنحه عباس تعطفاً من أوسمة الشرف للمنحرفين عن خط فتح كحركة وطنية مشروعها الأول والأخير التحرير.

وما يزال الرفض قائما لممارسات عباس باختطاف وملاحقات لعناصر حماس وغيرها في الضفة، وكل الوسائل الإعلامية للمقاومة بلا استثناء، تشجب وتستنكر تصريحات ولقاءات عباس، ثم يأتي وفي الوقت نفسه من يدعو إلى حوار بين الطرفين!..

 حماس رقم صعب، ومن يعتقد أن بالإمكان تجاوزها، فهو يقع فريسة للوهم، ولكنها -أي حماس- رقم  في معادلة وطنية، وليس في سجال محلي وتقاسم مراكز ومشاركة قرارات وتبادل أدوار، فهذا يجعلنا نفكر أن الخوض في مسألة داخلية محلية يقتصر على التصفيق والتهليل لهذا الفريق أو ذاك..

هناك شخصيات لعبت دوراً أساسياً في معاناة أهلنا بالداخل، وفي تفكيك القضية الفلسطينية، وكان هذا من باب تقريب وجهات نظر خيانية مع أخرى وطنية، وخلط الأبيض بالأسود، لنخرج بمشهد ضبابي مرة أخرى.

إن الخروج من حال الأزمة والقطيعة بين الفلسطينيين في الداخل، يمكن أن ينجح إذا افترضنا أن عباس وسلطته في موقع وطني أساساً، وهنا بيت القصيد!، والجميع يعلم أن هذا الافتراض غير صحيح، فمع من تجري المصالحة إذن، ومن هو الطرف المعتدي على حقوق الشعب وقضيته، ومن هو الممثل الفلسطيني الرسمي للاحتلال؟.

التهرب من المسؤولية، هو الهروب إلى الأمام نحو تعميق الانقسام بين الوطنين أنفسهم، ليصبح بدوره جدلا سفسطائياً، ولننتهي دائماً إلى توجيه السؤال نفسه: وماذا بعد؟.

في قراءة سريعة للأصوات التي تنادي بالمصالحة والحوار، وإلى الذين يرون أن الخطوة الأولى العملية هو الحوار والمصالحة كمخرج للأزمة بين حماس وسلطة عباس تحديداً، وهذا يعني القبول بالسلطة بواقعها الحالي، ويتناقض مع أولويات ثوابت الشعب الفلسطيني.. إذن لماذا نواجه ونكشف الوجه الحقيقي للفساد الوطني والأخلاقي، إذا كنا نطلب مصافحته اليوم؟!…

 فصائل المقاومة لم تشتبك بينها إلى درجة تصعيد الاحتكام للسلاح، وكتحصيل حاصل لا يوجد بالإطار العام قطيعة إلا مع سلطة عباس وطاقمه المعنيين تحديداً بتنازلهم عن حقوق الشعب الفلسطيني، والتقائهم بنقاط مصالح مع أولمرت أكثر من اهتمامهم بمصالح شعبهم، ومواكبين لتنفيذ مخطط تطبيعي عربي شامل.

من يطالب في العودة إلى ما قبل أحداث غزة الأخيرة، يعني عودة حماس للمشاركة علنا بسلطة التنازلات، وكأن شيئاً لم يحدث. والقبول في الوقت نفسه بتشكيل حكومة الشخصيات المستقلة، والتي تتبع مفهوم واحد، ألا وهو الأوامر الرئاسية، وهي أول المعني بالمساءلة القانونية كما هو معلوم للجميع، فهل حكومة فياض فقط هي الخطأ القاتل، أم أن السلطة وهي تتفاوض على مبدأ تقاسم وتبادل الأرض الفلسطينية مع “الدولة” المجاورة، مع غض الطرف عن توسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل وتهويد القدس؟..

وعلى افتراض أن عباس معني بهذا التوافق، فسيسقطه شريكه “الإسرائيلي” لو تنفس وقبل بالحوار مع حماس أو مع أي طرف وطني يرفض نهج الاستسلام جملة وتفصيلاً. لذلك فإن محاولة أي طرح لإحراج عباس سياسياً أو محاصرته، هو بالحقيقة إحراج المطالب الوطنية التي ترفض أصلاً الشخصيات التي قادت السفينة الفلسطينية إلى ما آل إليه الحال من التردي. فعباس الرئيس للثلاثي “التشريعي والتنفيذي والمفاوض”، بينما المؤسسات الشرعية مغيبة لأنها ببساطة تقع تحت قبضته، وهو المخول الأول والأخير كممثل لكل الشعب الفلسطيني-حسب قناعته- تخوّله اعتقال من يريد، وفتح أبواب السجون وإغلاق المؤسسات الخيرية، وملاحقة كل من يحمل أداة للمقاومة صاروخاً كانت أو قلماً، وهذا هو البند الأول المطلوب تنفيذه من خارطة طريقهما الواحد، ويجتمع مع أولمرت من أجل دولة فلسطينية مقزّمة جداً، ويعطل أو يفعّل متى يريد منظمة التحرير، وكما يقال بالعامية (هو الكل بالكل). الرجل واضح وضوح الشمس، فلماذا نجمّل وجهه الحقيقي، ونتوهم وطنيته؟!.

أما الخطوات الأمنية والتي لن يسمح الاحتلال بأن تتخطى موافقته والتنسيق معه، والوضع الاقتصادي التابع له، فتعيدنا إلى المربع نفسه، ولا خلاص إلا بتشكيل جبهة مقاومة تواجه المحتل، وبتأسيس حكومة وطنية مؤقتة بالخارج، وإدارة المؤسسات المدنية في الداخل، وأي خروج عن هذا المفهوم، هو محاولة إنقاذ مؤقت، وسيؤدي قريباً إلى انفجار ثالث ورابع وخامس، دون حل المعضلة من أساسها، وكأننا نعالج الصداع الناجم عن مرض السرطان، في حين أن القضية الفلسطينية لم تعد تحتمل تأجيل وترحيل الحسم بالمواقف إلى أجل  غير مسمى، وندور في حلقة مغلقة إلى ما شاء الله، يكون الجميع تحت رحمة رد الفعل السلطوي، وليس الفعل الوطني.. فهل تم تطبيق اتفاق القاهرة، لنطالب بتفعيله ولم يكن إلا حبراً على ورق، كغيره من الاتفاقات الفلسطينية- الفلسطينية الورقية؟. حتى نطرح كيفية تفعيل منظمة التحرير، والمنظمة حُرفت وانحرفت، وتم القضاء على تمثليها الحقيقي للشعب الفلسطيني، فهل غير الله سبحانه القادر على أن يحيي العظام وهي رميم، وهل هناك بالأصل في ظلّ السلطة من يسعى إلى إحياء تلك العظام أصلاً؟.

إن الموضوع لا يقتصر على توفير حلول  آنية، في حين أن هناك برنامج ومخطط يُطبق بحذافيره، والسيناريو نفسه يجري تطبيقه في العراق وفي لبنان، وليس لنا من سبيل إلا بسلوك طريق مقاومة المحتل حتى إجلائه، ولن يكون البديل الاعتراف بسلطة وهمية تسعى لامتصاص طاقات شعبنا النضالية.

طريق المفاوضات من أجل المفاوضات وكسب الوقت لن يحقق في أحسن حالاته أدنى طموح للشعب الفلسطيني، فهل يجوز أن نتحدث عن مباحثات تجري لحسم الخلاف مع مدراء ووكلاء الاحتلال واعتبارهم أبناء الوطن الواحد، وهذا تضييع للوقت، والولوج في مهاترات ليس لها آخر، ووضع العصي بالعجلات السليمة التي تسعى إلى التحرير والعودة وهو غاية المطلوب.

إن التنادي للمصالحة مع سلطة عباس، ليس مطلباً وطنياً بأي حال، وهو خسارة سياسية لما تنجزه المقاومة على أرض المواجهة مع المحتل وأعوانه. ومن يريد الحوار مع عباس وطاقمه عليه أن يختصر الطريق ويتوجه فوراً إلى رؤسائهم الفعليين في “إسرائيل” والبيت الأبيض، وهو الطريق الأسهل والأسرع، لكن.. لإعلان السقوط الجماعي!.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ