ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 19/03/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

حالة الطوارئ في سورية..

وبعض ما جنته على بلدنا

بقلم: وليد سفور*

في الذكرى الرابعة والأربعين لإعلان حالة الطوارئ في سورية، نستذكر نحن السوريين الإنجازات المستمرة لهذه الحالة المشؤومة التي أنبتت استبداداً منقطع النظير، وأزهرت أجهزة أمن ومخابرات يعجز المواطنون عن تعداد فروعها وتمييز المهام الموكولة إليها ومتابعة عدد المعتقلين يومياً بفضل جهودها المؤذية.

لقد أينعت حالة من التكلس السياسي والاضطراب الاجتماعي والتقهقهر الاقتصادي لم تجاره دولة في المنطقة ناهيك عنها في العالم بأسره. منع العمل السياسي وصودر لجهة واحدة بنص المادة الثامنة من الدستور الذي فصله الرئيس الأب على مقاسه، ثم منح هذا الدستور إجازة مفتوحة بنص المادة 153 التي كرست حالة الطوارئ ومنحتها الهيمنة على كل ما عداها من قوانين نافذة. وبعدما أنشأت بفضل حالة الطوارئ محكمة أمن الدولة العليا عام 1968، فعّلها النظام وأعطاها امتيازات وصير أحكامها إلى قطعية وأضاف بفضل وجودها جنايات هلامية إلى قانون العقوبات، هذه المحكمة أصدرت أحكاماً على عشرات الآلاف من المواطنين السوريين وغير السوريين بالسجن فترات متفاوتة وبالموت ونفذ ذلك في أعداد ضخمة من الذين عبروا من بوابتها القاتلة. أصدرت محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية فقط في عام 2006 أحكاماً قاسية بالسجن على قرابة 450 مواطن بسبب تعبيرهم عن آرائهم بصورة سلمية أو بسبب معتقدهم وانتمائهم السياسي، وهو عام من أعوام الإصلاح الموعود في عهد الرئيس الابن الذي لا يقارن مع أسلافه من أعوام الثمانينيات والتسعينيات الرهيبة.

لا تزال حرية التعبير عن الرأي ممنوعة في سورية بموجب حالة الطوارئ التي أثرت على عموم الشعب السوري تأثيراً سلبياً عميقاً، إذ تعرض إلى موجات متلاحقة من القمع الشديد والاعتقال العشوائي الممنهج والمجازر الدموية لينسحب بمجموعه ويتخلى عن مجرد التفكير في الشأن العام التي اختصه النظام لنفسه وليتخلى أيضاً عن التعبير السلمي في مواضيعه، ولينشغل من الصباح الباكر بالوقوف ساعتين في الطابور لتأمين بضع أرغفة من الخبر ليقتات بها أفراد أسرته. وكان من نتيجة ذلك نشوء تشوهات واحتقانات وتقرحات في المجتمع السوري تحتاج إلى فترات مديدة لمعالجتها.

ورث الرئيس الابن السلطة بوعود في الإصلاح والسير بالبلاد نحو الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن سرعان ما انقلبت جميعها إلى كوابيس وقمع وسجون. وما نعيشه في نهاية الفترة الأولى للرئيس الابن أسوأ حالاً من نهايات آخر فترة للرئيس الأب.

لماذا يصر النظام السوري على الاستبداد والحفاظ على حالة الطوارئ التي نشأ في ظلها أجيال فكانت نشأة مشوهة ورعاية رديئة! هل فعلاً من أجل الدفاع عن الوطن كما يزعمون؟ وفي هذا السياق نستذكر قول عنترة عندما طلب منه الدفاع عن قبيلته، فقال العبد لا يكر، أي لا يدافع عن شيء ليس له من أمره شيء؟ وهذا هو شأن الشعب السوري المسلوب الحرية والإرادة؟ ولذلك انكسر النظام السوري الغاصب لإرادة شعبه وحرياته في الحروب التي خاضها لأنه لا يستند إلى قاعدة شعبية ولا إلى إرادة شرعية ولا إلى جماهيرية تلتف حوله. وعندما قال شداد لولده عنترة "كر وأنت حر" استطاع عنترة أن يدافع عن حريته وعن كرامته وقبيلته التي أصبح يشعر بالانتماء إليها.

النظام السوري متيقن بأن حالة الطوارئ هي النموذج المثال للبقاء والاستمرار والتمادي في استغلال خيرات البلاد والاستمتاع بها من خلال التحكم بمفاصل الدولة ومن خلال الاستيلاء على الاقتصاد بأدق تفاصيله ومن خلال الأجهزة البوليسية التي تخضع المجتمع السوري بكل تلويناته السياسية وتنوعاته الدينية وزخرفاته العرقية، وإن أدنى تحول عن حالة الطوارئ ستكون بداية النهاية لهذا النظام. وبما أن النظام يحفظ هذه البدهية منذ أربع وأربعين عاماً فلن يتخلى عنها طائعاً مختاراً.

فترة حالة الطوارئ قوضت المجتمع الزراعي في سورية وأوقفت بدايات النهضة الصناعية الواعدة ونشرت الفساد الاقتصادي والمالي وخراب الذمم فتحول القطاع العام إلى مؤسسات فاسدة قائمة على نهب المال العام، وتورط في هذا وبموافقة الرئيس الأب كبار المسؤولين وصغارهم لإغرائهم بالتعاون معه والخضوع لسلطته غير الشرعية ولتوريطهم إذا لزم الأمر. عندما نُفيَ نائب الرئيس للشؤون الأمنية في أواسط ثمانينيات القرن الماضي كان يملك المليارات وتبين في أواخر التسعينات عندما احتدم الصراع على الكراسي بين أفراد الأسرة الحاكمة أنه يملك ميناءً وصف بأنه غير شرعي، فكيف غاب ذلك عن النظام في حين لا تغيب عن مخابراته همسة تنبس بين أربعة جدران! هذا النائب العتيد كان عمله قبل إعلان حالة الطوارئ موظفاً في إدارة حصر التبغ والتنباك ومن ثم ضابط صف في الجيش السوري. واتهم رئيس وزراء سابق ظل في منصبة 13 عاماً فقط بالفساد وقيل أنه انتحر بناء على تلك التهمة! ونقل عن الرئيس الأب قوله له بأنه يود أن يقود مظاهرة احتجاج في الشارع ضده! تصوروا نزاهة الرؤوساء الذين يلجؤون إلى شعوبهم في أوقات الملمات، وقت أخذ البيعة لفلذات أكبادهم من الورثة! وعندما مات الابن الأكبر للرئيس الأب الذي كان يعد لوراثة منصب رئيس الجمهورية المنتخبة بحادث سير مفاجئ لم يجدوا مناصاً من تزويجه بعد موته بتاريخ يرجع لما قبل وفاته ليستنقذوا ما يمكن استنقاذه من مبالغ ضخمه لا يعرف من أين اكتسبها؟ فهل ورثها عن أبيه الذي لم يمت بعد! والذي لم يكن أكثر من ضابط طيار لا يفي مرتبه بالتزاماته الأسرية قبل تسلمه رئاسة الدولة. والآن يملك ابن خال الرئيس الابن معظم شركات الاتصالات والخدمات والسيارات والمفاصل الاقتصادية والمالية العامة للدولة والمجتمع، بينما يقال بأنه شريك لمن هو أكبر منه ممن يريد الثراء السريع مع تسارع الأزمة في الحكم والعلاقات الدولية خشية من تتبدل الحظوظ بشكل مفاجئ.

انتشر الفقر وهبطت قيمة العملة السورية وكثرت الهجرة من الأرياف إلى المدن للبحث عن لقمة العيش وتمددت الأحياء العشوائية ومدن الصفيح في أطراف المدن الكبرى في ظل حالة الطوارئ التي قضت على الطبقة الوسطى والتي كانت هي الغالبة على المجتمع السوري قبل إعلان هذه الحالة المشؤومة، وفرز المجتمع السوري إلى فسطاطين، فسطاط الطبقة الدنيا في المجتمع التي انبرى قبل أربع وأربعين عاماً تجار حالة الطوارئ للدفاع عن مصالحها وضرورة تطويرها وتأمين الرفاهية لها في نشرات الأخبار، وفي كل موائد بيع الكلام، وتصدير الوعود المعسولة بكل ما هو خلبي فكان النتيجة تمدد هذه الطبقة وتوسعها لتتجاوز 80% من عامة الشعب السوري من العمال والفلاحين والموظفين وصغار الكسبة والحرفيين والمهندسين والمثقفين والمعلمين وأساتذة الجامعات واضطرارهم لمزاولة حرفة ثانية أو ثالثة إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً. أما الفسطاط الآخر فهو فسطاط آل الحكم والسلطة والنظام والنفعيين من حولهم والطبقات الطفيلية التي شاركت المواطنين في كل شئ، وحتى في المغرم كان على المواطن أن يدفع الثمن. فحتى يأتيك خبر معتقل سياسي أو سجين رأي وضمير هل هو في الأحياء أم في الأموات لا بد أن تدفع المعلوم وطبعاً بعد واسطات ودالات لكل منها جزء مقسوم، وهذا المعلوم يرتفع حسب التهمة الموجهة للبائس الذي ينتظر مصيره المحتوم، ولقد بلغ هذا المعلوم في حين من الأحيان في عهد الرئيس الأب ما تملكه النساء من حلي يدفع مباشرة إلى الست الأمينة الفاضلة والدة مدير سجن تدمر الذي كان يملك قتل 15% من المعتقلين بدون أن يضطر للعودة لمراجع عليا، وبعد ذلك بشهور كان يأتي الخبر إن كان لا يزال من سكان الحياة الدنيا أو أنه انتقل عبر معتقل الفاخرة في صحراء تدمر إلى الدار الآخرة. ولقد توجهت بسؤال - في عهد الرئيس الابن- لأحد المهجرين الذي تجرأ وأرسل زوجته وابنه الوليد لزيارة الأهل والوطن وقد هتف بها هاتف الشوق "عد بي إلى حمص ولو حشو الكفن" فاعتقلت وعذبت وأهينت، ولم تلق صرختها في زنزانتها وامعتصماه! ولم تر نور الحرية إلا بعد ستة أشهر محمولة على طبق من مليون ليرة سورية كاملة مدفوعة مقدماً بالعملة الصعبة، ممهورة بشرطين اثنين لا رجعة عنهما: أن تغادر فوراً من حيث أتت وألا تعود لمثلها أبداً. كان عارف دليلة أحد الخبراء الذين نبهوا إلى حالة الانقسام الحاد في الوضع الاقتصادي الذي أثر سلباً على الحالة المعيشية والأسرية والأخلاقية وغير في الحالة الديمغرافية، كوفئ عميد كلية الاقتصاد سابقاً ومستشار الرئيس الأب للشؤون الاقتصادية سابقاً بعقوبة السجن لاحقاً لفترة عشر سنوات بتهم هلامية من قبل محكمة أمن الدولة العليا إحدى الثمرات القبيحة لحالة الطوارئ، لأنه كشف ببساطة متناهية عن طرف مهم من الممارسات الفاسدة لا سيما وأنه يتحدث عن تجربة شاهدها بأم عينيه من داخل النظام.

سنستمر نحن السوريين ندفع الثمن غالياً وعزيزاً ومدمراً ما دامت حالة الطوارئ مفروضة على بلدنا، وهي هندسة خبيثة شارك في التخطيط لها أناس من جلدتنا يريدون الاستئثار بالبلد على حساب أهله ومصالحهم، وكان لهم ما أرادوا ردحاً من الزمان وما يزالون، وجهات عالمية لا يستقر لها الوضع في المنطقة إلا باستئجار نفعيين وانتهازيين لا يحفلون إلا بأنفسهم ومصالحهم وجشعهم على حساب أهلهم وبلدانهم. هذا طرف قليل وغيض من فيض ما جنت حالة الطوارئ على بلدنا الغالي سورية، فأين قوى الإصلاح وعزائم التغيير الوطني الديمقراطي!

*ناشط في حقوق الإنسان

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ