ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس  16/10/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قراءة في غزوة تبوك (7)

رحم الله أبا ذر

الدكتور عثمان قدري مكانسي

ثم مضى رسول الله صلى اللله عليه وسلم يجيشه نحو تبوك ، ، فجعل يتخلف عنه الرجل ، فيقولون : يا رسول الله ؛ تخلف فلان .

فيقول : دعوه ؛ فإن يكُ فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم ، وإن يكُ غير ذلك فقد أراحكم الله منه .

حتى قيل : يا رسول الله ؛ تخلف أبو ذر ( جندب بن جنادة ) ، وأبطأ به بعيرُه .

فيقول : دعوه ؛ فإن يكُ فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يكُ غيرَ ذلك فقد أراحكم الله منه .

وتلوّم ( تمهّل ) أبو ذر على بعيره ، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً .

 ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله ، فنظر ناظر من المسلمين ، فقال : إن هذا رجل يمشي في الطريق وحده .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا ذر .

فلما تأمله القوم قالوا : يا رسول الله هو – والله – أبو ذر .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويُبعث وحده .

وفي عهد عثمان رضي الله عنه نُفي أبو ذرإلى ( الرَبَذة ) ، ولم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامُه . فأوصاهما : أن اغسلاني وكفـّناني ، ثم ضعاني على قارعة الطريق ، فأوّل ركب يمر بكم فقولوا : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه .

فلما مات فعلا به ذلك ، ثم وضعاه على قارعة الطريق .

وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق ، فلم يرُعهم إلا الجنازة على الطريق ، قد كادت الإبل تطؤها . وقام إليهم الغلام . فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه .

فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ويقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتُبعث وحدك .

ثم نزل هو وأصحابه فوارَوه التراب .

ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه ، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك .

إضاءة :

1-        الشيطان والنفس الأمارة بالسوء تجتمعان على المسلم ، وتوسوسان له حتى يطرد وسواسهما ويستعين بالله عليهما ، فينجو بفضل الله تعالى ، أو تضعف نفسُه فيستمع لهما ويأخذ بوسواسهما ، فيتبعهما . ولهذا نجد بعض الرجال يتأخرون عن الركب وينكفئون إلى الوراء ، ويعودون أدراجهم . حدث الكثير من هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وما يزال الصراع بين المرء وشيطانه إلى يوم القيامة . فمن أيّده الله تعالى نجا ، ومن تهاون خاب وخسر .

2-        ولهذا تخلف عدد من المسلمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، حين يغلبهم الهوى ، ويزين لهم القعود ، فينسلون إلى الوراء ، ثم يتباطأون في المسير ، ثم ينفصلون عن الركب ، ويتوقفون ، ثم يعودون من حيث أتَوا ، ويظنون أنهم فعلوا الصواب ، ونجوا بأنفسهم . لكنّ التاريخ حين يذكرهم لا يرحمهم . بل يجعلهم مثالاً للمتخلفين وعبرة وعظة للقاعدين .

3-        والحقيقة أن من كان معك بقلبه كان إيجابياً ذا فائدة ، ومن لم يكن كذلك فهو عبء عليك ينبغي التخلص منه ، فإذا فعل هو ذلك فقد كفاك مؤونته بنفسه ، وأراحك الله منه . وهكذا كان القائد الحكيم صلى الله عليه وسلم يقول حين يخبره أصحابه بتخلف بعض من كانوا معهم " دعوه ؛ فإن يكُ فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم ، وإن يكُ غير ذلك فقد أراحكم الله منه " . ألم يشترط سهيل بن عمرو في صلح الحديبية أن لا يعيد المشركون من ارتد من المسلمين ، وأن يعيد المسلمون من أسلم إلى المشركين ، فاعترض الصحابة لهذا الشرط المجحف ظاهراً ، ورضي به النبي صلى الله عليه وسلم ، بل نافح عنه ؟ فليس للمسلمين حاجة بمن تخلى عنهم . إن التخلص منه معافاة من ورم خبيث وعدو مقيم ! أما المسلم الذي يُعاد إلى المشركين فسيكون عيناً للمسلمين على أعدائهم .

4-        المسلم الثابت على المبدأ ، المؤمن به ، الواهب نفسه له لا يحفل بالمصاعب . وهكذا فعل أبو ذر رضي الله عنه ، إذ رأى ضعف ناقته عن المسير ، فصبر عليها حتى علم أنها لن تقوى عليه ، فحمل أمتعته ومشى مسرعاً إلى ركب الرسول صلى الله عليه وسلم يغذ السير وحيداً فريداً . وكان عند حسن ظن حبيبه به . ويبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويفرح به ، ويدعو له مادحاً  " رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويُبعث وحده.

5-        وتمر الأيام ، ويصدق في أبي ذر رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم . إن لأبي ذر أسوة حسنة في سيدنا إبراهيم فقد كان أمة وحده كذلك . لقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما قاله في أبي ذر ، ولم يكن يخطر بباله أنه سيكون ممن يشهد بصدق هذا الحديث حين يرى جثمان أبي ذر ، ويدفنه في تلك الصحراء . ويبكي ابن مسعود رحمة بأبي ذر وشوقاً إلى النبي الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ