| ـ | 
| ـ | 
| 
 |  | 
 |  | 
 
 | |||||||||||||||||
| رمضانيات
                        (4) أستاذي
                        لا يحمل شهادة عليا الدكتور
                        عثمان قدري مكانسي دخلت
                        بيته وأنا غلام ، سألتهم أين
                        صاحب البيت ؟ قالوا في غرفة أمه
                        .. كان الصبيان وأمهم يأكلون
                        الخبز اليابس مفتتاً في شوربة
                        العدس مع البصل اليابس . .. كان
                        الوقت ظهراً وأنا جائع ، فجلست
                        معهم آكل . وكل طعام لذيذ حين
                        يكون المرء جائعاً . شبعت ،ثم
                        شربت كأسين ماءً بارداً  
                        من ( الخابية ) ، فارتويت –
                        والخابية : إناء فخاري كبير ذو
                        مسامات دقيقة يرشح منها الماء
                        فيبرد ما فيها، وحمدت الله
                        تعالى على نعمه التي لا تُعدّ
                        ولا تُحصى .  طرقت
                        الباب ودخلت عليهما ، فسلمت
                        فردّا السلام . كان وحده معها
                        يطعمها بيده اللحم المشوي ،
                        ويحدثها ، ويمازحها ، فتردّ
                        عليه بما يثلج صدره فيضحك ، ثم
                        يعود إلى إلقاء بعض الكلمات
                        فتسبه سباً لطيفاً فيعود إلى
                        تقبيلها من يديها ثم من خديها
                        ورأسها . وتقول لي أسمعت ما يقول
                        عمك يا عثمان ، فأرد : لا دخل لي
                        بين البصلة وقشرتها ، فتسبني
                        قائلة أنت مثله قليل الأدب ،
                        فأضحك وأقول : قصدت التفاحة
                        وقشرتها يا جدتي . فتبتسم وتقول
                        داعية لنا جميعاً : اللهم ارض
                        عنهم وعن أبنائهم ، فأنا راضية
                        عنهم .  لم يكن
                        عمي وقتذاك ميسوراً ، وطلبت منه
                        جدتي اللحم المشويّ 
                        . إنه يطلب رضاها ويودّ أن
                        يكون بها باراً ، فالجنة تحت
                        أقدام الأمهات ، وكان يردد
                        القول المأثور : " برّوا
                        آباءكم تبرَّكم أبناؤكم " .
                        فكر قليلاً ثم قال لزوجته – وهي
                        امرأة لبيبة عاقلة – يا ابنة
                        عمي ؛ لن أستطيع شراء ثلاث كيلات
                        من اللحم لتاكل الأسرة كلها
                        معاً ، ولن أشوي نصف كيل من
                        اللحم وأضعه أمام أمي ،
                        والأولاد ينظرون ، إنهم لا
                        يقدّرون الظروف فهم صغار لا
                        يعقلون . وسيتألمون إن رأوا
                        جدتهم تأكل اللحم وحدها ، وهم
                        يأكلون شوربة العدس المطحون .
                        وقد يمدون أيديهم إلى اللحم
                        ويسبقون جدتهم في أكله . أشغليهم
                        بالأكل وسأدخل إلى أمي فأطعمها
                        ثم أعود إليكم .  حفر
                        عمله هذا في قلبي حباً للوالدين
                        ، فكان لي أستاذاً ومعلماً ، ولن
                        أنسى هذا الدرس ما حييت ،
                        ولأحدثَنّ به كي يتأساه كل ذي
                        قلب حي وعقل عقول . مرت
                        الأيام ، وشب الصبيان فصاروا
                        آباء . وكانوا بارين بواليديهم ،
                        يتأدبون بحضرة والدهم ويتلطفون
                        مع أمهم .  علّموا
                        أولادهم أن الجد والجدة مقدّسان
                        ، وأن نيل البركة كل يوم بتقبيل
                        يديهما وطلب الدعاء منهما
                        والتأدب بحضرتهما . وإدخال
                        السرور إلى قلبيهما . عمي
                        الحبيب له بقالة يعمل فيها
                        ويساعده أبناؤه .. 
                        كبرت هذه البقالة ، وفتح
                        الله باب الرزق الطيب الوافر
                        عليهم  ،
                         يجلس
                        الآن بينهم فيسارعون إلى مرضاته
                        ، ويقولون له : إذا دخلت المحل
                        كثر الزبائن يا أبانا ، فما
                        السبب؟!  فيقول :
                        أدبكم يا أولادي معي ومع
                        والدتكم ، وحسن أخلاقكم ،وطلب
                        الرزق الحلال ، وابتسامتكم في
                        وجوه الناس يجلب رضاء الله .
                        ويزيد في الرزق . يلتفت
                        إليّ قائلاً : أنا رجل عامّي يا
                        ولدي ، لا أعرف العربية مثلك ،
                        ولا أتقن القراءة ، فأسمعني
                        شيئاً من القرآن وحديث المصطفى
                        صلى الله عليه وسلم ، فهما الماء
                        للعطشان والزاد للغرثان .  وعلمت
                        أنه – أطال الله في عمره وحسّن
                        عمله – يجلس بين أترابه ،
                        فيحدثهم بما سمعه وما فقهه من
                        علم وأدب وتفسير وسيرة ، فهو
                        يتعلم ويعلم . ونعم المعلم
                        المتعلّم .  ------------------------- المشاركات
                        المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها 
 
 | |||||||||||||||||||||
| ـ | 
| ـ | 
| من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |