ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 30/08/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حديث الناس في بيروت وطرابلس

الطاهر إبراهيم**

بعد انقطاعٍ عن ارتياد مقاهي دمشق لمدة تزيد عن أربع سنوات لأسباب عدة، لعل أهمها انقطاع أخبار صديقي المخضرم "أبو جاسم"، ( رجلٌ ثمانيني شارك في حرب الاستقلال عن فرنسا) الذي طالما جلست استمع إلى الطريف من تحليلاته عن أوضاع مشرقنا العربي ،خصوصا في سورية ولبنان. وقد كان آخر مرة جلست إليه في مقهى الحجاز في دمشق

في شهر أيار عام 2004 . لم يكن هذا الانقطاع لرغبة مني عنه، بل لأن أخباره انقطعت، بعد أن حضر الاجتماع التأسيسي لهيئة إعلان دمشق، الذي انتخبت فيه أمانةٌ عامة، كما تم انتخاب الدكتورة"فداء الحوراني" رئيسة لقوى إعلان دمشق. ولأن النظام السوري اشتد في ملاحقة قيادات إعلان دمشق، فقد خشي "أبو جاسم" على نفسه فاختفى عن الأنظار.

وبعد جهد متواصل وبحث حثيث، وبمساعدة بعض رفاق دربه، اهتديت إلى مكان وجوده، في زاوية من مقهى "الصخرة" في بيروت تطل على البحر. لكم سعدت عندما ضبطته وهو  يحاول الاختباء عن عيني، وكأنه لا يريد مقابلتي. وربما خشي على نفسه أن تؤدي ثرثرتي معه إلى وضعه تحت الأضواء من جديد مثلما حصل يوم سهرت معه قبل أربع سنوات في قهوة الحجاز ما عرضه "لفركة أذن" من قبل اللواء "بهجت سليمان" على خلفية انتقاده لمقال كتبه اللواء "بهجت" في صحيفة السفير بتاريخ 15 أيار عام 2003 . مع ذلك لم يسعه إلا الترحيب بي بعد غياب دام أربع سنوات. لم يكن غريبا أن أجده في بيروت بعدما تضاءلت الرقابة السورية فيها بعد انسحاب الجيش السوري في نيسان عام 2005 .

وحتى لا أضيع وقتي، فقد كانت الساعة تحث الخطا نحو منتصف الليل، حيث يغادر القهوة إلى بيته، كعادته أيام زمان عندما كان يقضي لياليه في مقهى الحجاز في دمشق. أحببت أن أبدأ حديثي مباشرة، وأن يكون البدء بالهجوم على ما قاله قبل أربع سنوات قلت: أخيرا لقد ربحت سورية الجولة ضد أمريكا، وقد خرجت دمشق من العزلة التي أرادتها لها واشنطن، وأثبتت أنها لاعب إقليمي له وزنه. فلم يُنتخَب الرئيس اللبناني إلا بعد أن رضخت الموالاة لشروط المعارضة بعد الغزوة التي شنها حزب الله على بيروت في أيار الماضي. وهاهي دمشق تفاوض تل أبيب في "أنقرة" بمعزل عن واشنطن، وتوشك أن تعيد إسرائيل الجولان كاملة إلى سورية. كما أن الرئيس الفرنسي طلب من الرئيس السوري أن يتوسط لدى إيران بشأن ملفها النووي. وهاهو الرئيس السوري زار موسكو وأعلن أن لروسيا كل الحق فيما فعلت مع "جورجيا"، ما يعني أن الرياح تجري بما تشتهيه سفن الرئيس بشار، و ..    

 

اعتدل أبو جاسم في جلسته وأشار إلى جليسه اللبناني "أبو خليل"، الذي قال:

لنفترض جدلا أن الأمور جرت كما تقول، وأن المعارضة اللبنانية قامت بغزو بيروت، ما حقق مكاسب لها ولحليفتها سورية، وأن دمشق عطلت انتخاب الرئيس حتى يحصل حلفاؤها على ماتريد و.. و.. فإن غزو بيروت ليس مما يشرّف حزبَ الله وباقي المعارضة اللبنانية .ولو أنك كنتَ في بيروت ورأيت ما شاهدْتُه أنا بأم عيني، لقلت أن الإسلام خرج من قلوب "زعران" حزب الله، وهم يروعون النساء والأطفال يوم غزوا بيروت في يومي 8 و9 أيار وهم يطلقون النار على كل متحرك. حتى صور الشهيد "رفيق الحريري" لم تسلم منهم. فما لم يستطيعوا تمزيقه من صوره أطلقوا عليه الرصاص.

هنا أخذ أبو جاسم الحديث من أبي خليل فقال: الرياح لم تجر-كما زعمت- بما تشتهيه سفن الرئيس بشار أسد على ما ذكرت. فما يزال النظام السوري يركض في الملعب الذي رسمته له واشنطن. ألم تسمع ما قاله الرئيس "بشار أسد" في إحدى مقابلاته الأخيرة: "عندما تصبح المفاوضات مع إسرائيل جهرية لابد أن يحضر الراعي الأمريكي". بل إن الرئيس السوري كثيرا ما طلب، -عن طريق مفاوضه السري "إبراهيم سليمان"-  من تل أبيب التوسط لدى واشنطن لإعادة العلاقات معها إلى دفئها كما كانت عليه في عهد الراحل حافظ أسد.

لقد وافقت واشنطن أن تتم المفاوضات بين تل أبيب ودمشق على أن يلتزم "أولمرت" خطين أحمرين، أولا: كل ما له علاقة في العراق فهو منطقة حرام على المتفاوضَيْن. ثانيا: كل ما له صلة بواشنطن فعلى "أولمرت" أن يرجع به إليها قبل إبرام أي اتفاق.

ثم من قال إن إسرائيل ستعيد الجولان كاملة إلى سورية؟ فقمة جبل الشيخ التي نصبت فيها إسرائيل مراصدَها لا يمكن أن تتخلى عنها، عن طيب خاطر أبدا، هذا إذا سلمنا أن سورية سوف تستطيع الوصول إلى بحيرة طبرية من شمالها وشرقها في صورة من الصور (كأنْ يُسمح للرئيس السوري بالسباحة في مياهها واصطياد السمك كما تمنى ذلك الرئيس الراحل حافظ أسد عند ما جرت المفاوضات بين "فاروق الشرع" و"يهود باراك" في "واي ريفر" أواخر عام 1999، قبل موت حافظ أسد بستة أشهر).

عندما وصل "أبو جاسم" إلى هذه النقطة، وكان يتكلم بحدة وحماسة، طلب جمرة ليصلح بها نارَ "نارجيلته"، ثم تابع قائلا: أمّا ما ذكرته من أن الرئيس السوري أيد خطوات روسيا تجاه جارتها الصغيرة جورجيا، فلأنه أراد أن يقول للبنانيين بأن له الحق في لبنان، كما لموسكو من الحق في جورجيا. وهذا التصريح أوقع النظام السوري في الحرج تجاه واشنطن، ما دعا المسئولين السوريين يذهبون بما صرح به الرئيس السوري مذاهب شتى تبعده عما أراد حقيقة. وبعد أن وضع النادل جمرة جديدة فوق "تنباك" الأركيلة العجمي، تناول أبو جاسم "القمجة" ثانية، وسحب نفسا طويلا وشرد بنظره، فلم أدعه يذهب بعيدا، وقد حانت الفرصة لأوقعه أرضا بالضربة الفنية، فقلت:

لكنك قلت، قبل أربع سنوات في مقهى الحجاز في دمشق: (إن أجندة واشنطن المعتمدة هي اجتثاث النظام، لاعتقادها أن حزب البعث استنفد الغرض الذي من أجله مُكّن له في الحكم. ولايُستبعد أن يكون "البنتاغون" منهمكا الآن في طباعة أوراق "كوتشينة" ليضع عليها صور البعثيين المطلوبين). ثم أردفت: هاهو النظام السوري مايزال واقفا على قدميه، وإن الرئيس الأمريكي جورج بوش يعد الأيام التي بقيت له في البيت الأبيض، بينما الرئيس السوري ما يزال راسخا في قصر المهاجرين في دمشق، بعد أن تعزز موقعه في حكم سورية. وهاهي "رايس" وزيرة الخارجية الأمريكية تؤيد خطوات باريس تجاه دمشق. فرد أبو جاسم:

قد تبدو الصورة كما زعمت. لكنك نسيت –يا بطل- أن النظام السوري، وقد كان يتهم دولا عربية معتدلة بالسير وفق توجيهات واشنطن. فهاهي السعودية ترفض أن تتقدم خطوة تجاه إسرائيل ما لم تنسحب هذه من كل الأراضي المحتلة في حزيران 1967. أما الرئيس بشار فقد ألقى براية "الممانعة" أرضا، وأسرع الخطا في مفاوضاته مع "أولمرت"، لإنجاز الصلح بين سورية وإسرائيل. والمثل يقول: "إذا القاضي راضي فما على المستنطق إلا القبول"*. فإسرائيل لا تريد قيام حكمٍ بديلٍ عن النظام الحالي في سورية، طالما أن البديل قد يكون أسوأ عليها، وواشنطن لا تريد إلا ما تريده تل أبيب.

وعندما شعر أبو جاسم أن هناك سؤالا يتحرك به لساني، استأذن قائلا: إن الليل تقدم كثيرا، ولا بد من الخلود إلى الفراش. وكأنه لمس خيبة الأمل في عيوني، فتابع قائلا: موعدنا غدا في مقهى "موسى" في طرابلس.

في الليلة التالية لقيت العم "أبو جاسم" في "مقهى موسى" في طرابلس. ولأنه كان قد انتمى إلى "إعلان دمشق"، أردت تغيير الحديث فسألته كيف يرى مستقبل المعارضة السورية في الداخل السوري وفي المهجر؟ قال: ليس لدي الكثير لأقوله عن المعارضة السورية. إن ما أعرفه عن مكونات إعلان دمشق –باستثناء الإخوان المسلمين- فلا تعدو أن تكون فصائل ضعيفة، وتجمعها أعطاها هيبة أكثر، إلا أن النظام شتت قياداتها وأعتقل معظمهم.

وقبل أن أسأله أردف قائلا: أما جبهة الخلاص، فصحيح أن "عبد الحليم خدام" يقتسم الجبهة مع الإخوان المسلمين، وأن لديه حرية للحركة أكثر من المراقب العام الأستاذ " البيانوني"، واستطاع مؤخرا أن يفتتح قناة فضائية، إلا أن لديه نقطتَيْ ضعف توهنان عزيمته، أحدهما:     

تقدمه في العمر. وثانيهما: ليس لديه قاعدة تؤمن له الزخم الذي تؤمنه قواعد الإخوان التي ينتشر أفرادها في دول عربية عديدة وفي أوروبا.

قلت زدني أكثر عن تنظيم الإخوان المسلمين في الداخل السوري؟ قال:

الإخوان المسلمون ليس لديهم تنظيم عامل في سورية. إلا أن لهم أنصارا كثيرين ينتشرون بكثافة في حلب وحمص وحماة وأكثر المحافظات السورية. أما دمشق فمعظم الشباب الذين يلتفون حول العلماء والمشايخ، يتوقع البعض أنهم إذا ما أتيحت الفرصة للإخوان المسلمين فإن معظم هؤلاء الشباب سينفضون عن مشايخهم ويلتحقون بالإخوان المسلمين،وهذا يخيف النظام وواشنطن على حد سواء. قلت ثم ماذا؟ قال:

لاتنس يا صاحبي أن خطرا آخر غير الإخوان المسلمين، وغير واشنطن وربما بسبب منها يزرع الخوف بالنظام الحالي ويحدق به، وهو بداية تفكك في التركيبة الحالية للنظام. فبعد انتحار وزير الداخلية "غازي كنعان" ومقتل العميد "محمد سليمان" وقبلهما "محمود الزعبي"، فقد بدأت الشكوك تغزو أوساطا داخل الزمرة الحالية المحيطة بالقيادة السورية وهي تتساءل : بعد "سليمان" على من سيكون الدور؟

قلت من يدري؟ فقد يحل بالنظام السوري ما حل ببعث العراق عام 1964، حيث استفحلت الخلافات في صفوفه، فاستغل الراحل عبد السلام عارف الفرصة فأطاح بهم جميعا. أو كما حدث بالحزب الاشتراكي في اليمن الجنوبي في عام 1984، ما جعلهم يلجؤون إلى السلاح لتصفية خلافاتهم، فقتل منهم زعامات كثيرة في حرب المصالح تلك، وهرب الرئيس "علي ناصر محمد". فأمَّن "أبو جاسم" على كلامي قائلا: من يدري!   

**كاتب سوري 

ــــــ

*مثل سوري، والمستنطق هو قاضي التحقيق

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ