ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 11/03/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

محمد الحسناوي... روح سمت إلى بارئها..

سليم عبد القادر

أخيراً، تعب الجسد، وما عاد قادراً على أن يحمل الروح الوثابة، فاستراح الجسد، وعادت الروح إلى بارئها...

تعب الجسد، وتهاوى تحت وطأة السنين والغربة و المرض ، ولكن النفس ظلت محتفظة بشبابها وعنفوانها، والروح ظلت محافظة على نضارتها وطهارتها...

الموت سنة الله في خلقه، يموت الأنبياء والصالحون، ويموت الطغاة والطالحون، حتى ملك الموت يموت، ويبقى الله الواحد القهار...

ولكن الرجل يمر بالحياة ويمضي، ويحيا على الأرض سنوات قليلة لا تساوي شيئاً في عمر الكون والزمان.. يأخذ فرصته كاملة، ويؤدي دوره، ثم يمضي، فماذا يترك في الحياة!؟

لقد ترك محمد الحسناوي سيرة تمور طهرا، وأدباً يضوع عطرا، وفكراً يشع نورا...

تعرفت عليه مدرساً في ثانوية الكواكبي عام 1971، كنت حينها في الصف الأول الثانوي... وكان الأستاذ مفاجأة لي ولزملائي... أحببنا الأدب وتذوقنا متعته على يديه، وأحببنا اللغة وعرفنا شيئاً من أسرارها وروعتها، وأحببنا المطالعة ولمسنا فوائدها، حتى صرنا ننفق مصروفنا على شراء الكتب... ننتظر دروسه بشغف، ولا نريد للدرس أن ينتهي...حين يخرج من المدرسة ترى حوله وخلفه عشرة طلاب على الأقل، هذا يريد أن يحمل له حقيبته، وذلك مظلته، وثالث يسأله، ورابع يتودد إليه... كان يعلمنا بالحب... لم يعنف طالباً يوماً ما، وكان درسه أكثر الدروس انضباطاً... تذوقنا على يديه حلاوة الدين، وعرفنا جماله فأحببناه، بعدما كنا ننظر إليه كمجموعة من الأوامر والنواهي التي تضغط على الإنسان أو تكبل حريته...

كان الحسناوي يتحدث عن كل شيء إلا عن نفسه... لم نسمع منه كلمة واحدة تشير أو توحي بأنه أديب أو شاعر أو قاص... اكتشفنا ذلك كله مما كان ينشر له في مجلة حضارة الإسلام، ومن كتبه المنشورة في مكتبات حلب...

انتهى العام الدراسي، ولم تنته صلتي بأستاذي الكبير، بل استمرت وازدادت عمقاً... كنت أقصده في بيته أستعير منه مجموعة من الكتب بعد مجموعة، وأقرأ عليه شيئاً مما بدأت أكتب من قصائد، فألقى منه التشجيع والمؤازرة، والتوجيه والتسديد، والنقد اللطيف البناء...

وبعد خروجنا من سوريا التقينا في عمان وبغداد ومكة وجدة... وكنت في السنوات الأخيرة حين أزور عمان أبدأ بالواجبات، وهي الاتصال به وبأستاذي الكبير عبد الله الطنطاوي وأستاذي المبدع عبد الله عيسى السلامة، و أستاذي المهندس محمد عادل فارس... وكنت أحرص على زيارته مرة بعد مرة، لأرتشف رحيق الأدب والود والذكريات... قدمني مرة لنجليه أحمد وأمجد قائلاً: هذا هو الأستاذ سليم، مؤلف الأناشيد التي تسمعونها: الطفل والبحر، وطائر النورس، ونبع الحب وعودة ليلى... ولما أبدى الفتيان الإعجاب، قلت لهما: إن المؤلف الحقيقي لهذه الأناشيد هو والدكما، أستاذي محمد الحسناوي، فأنا سطر في مؤلفاته، ولولاه لما كتبت بيتاً واحداً من الشعر... ولا سطراً واحداً من النثر..

ثم تبين لي أن المنافسين لي على قلب الحسناوي كثر، فرضيت بحظي منه، وقد قرأت اليوم مقالاً للأستاذ الكبير زهير سالم بعنوان في رحاب الداعية محمد الحسناوي، وكان العنوان ، كما المضمون، في غاية التوفيق... فالحسناوي عالم متعدد الأبعاد... هو داعية، وهو أديب مبدع، وهو مدرسة حقيقية في التواضع والأدب والإخلاص والكرم والإيثار وحسن الخلق.. كما هو مدرسة في الفكر والسياسة... لم أشهد ولم أسمع عنه خصومة مع أحد... وإذا اختلف مع أحد في رأي أو موقف، ظل رجلاً عف اللسان نقيّ الجنان...

وحين مرض، وكان مرضه الفشل الكلوي، فإن المرض لم يهزمه، ولم يجعله ينطوي على نفسه وينزوي عن الحياة، بل كان في غاية الرضا بقضاء الله، والتسليم بحكمته، وأعجب من هذا أن يزداد عطاؤه في ميادين الكتابة السياسية والفكرية والأدبية وكأنه في سباق مع الزمن، وكأن المتنبي كان يعنيه حين قال:

وإذا كانت النفوس كباراً      تعبت في مرادها الأجسام

 وكان آخر نتاج له كتاب دراسة بيانية لأربع سور من القرآن الكريم، إضافة حقيقية في مجاله، وكان كتب قصيدة جميلة في الشوق إلى حلب، التي كان يود أن يكحل عينيه بمرآها.. ولكن أصحاب القلوب الصخرية حرموه هذه الأمنية...

رحل محمد الحسناوي من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور البشر إلى عدالة الله...

رحل يحمل في صدره أشواقه، يريد أن يلقى الأحبة، محمداً وصحبه، ويتطلع إلى رؤية أساتذته حسن البنا ومصطفى السباعي وسيد قطب، وقد سار على طريقهم، وأبلى بلاءهم، فلم تذهب حياته هدراً، ولم يضع جهده سدى..

رحل يحمل معه سفراً ضخماً من الأعمال الصالحة التي تثري الحياة، وتنفع أهلها، ونرجو له أن يكون من السعداء الذين يحملون كتابهم في اليوم الحق ويقولون متباهين بفضل الله: ( هاؤم اقرأوا كتابيه)

عاد الجسد إلى الأرض.. عاد التراب إلى التراب، وعادت الروح التي هي نفخة من روح الله إلى بارئها، ضاحكة مستبشرة بإذن الله، فقد كان محمد الحسناوي شهيد الغربة، وشهيد المرض، وكان وسيبقى إحدى المنارات الجميلة في هذه الحياة.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ