ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 06/08/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قراءات في تقارير الجيش الأمريكي تجاه العراق

عماد الدين الجبوري*

في غضون تسعة أسابيع صدر عن البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) تقريرين مهمين بخصوص الجيش الأمريكي. الأول ينتقد فيه الإصلاح المفاجئ الذي جرى للقيادة العسكرية في بغداد بعد الغزو بقليل. والثاني يخص التنازلات الأخلاقية للقيم العسكرية الأمريكية وذلك بتجنيد المجرمين والخارجين عن القانون لتعويض نقص الجنود في العراق (عشرات الآلاف بين قتيل وجريح وطالب لجوء). وسنتناول هنا شيئاً موجزاً عن هذين التقريرين.

 التقرير الأول

في عددها الصادر يوم الأحد المصادف 29-6-2008 ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن تقريراً جديداً للجيش الأمريكي عن حرب العراق يقع في 696 صفحة سينشر غداً الاثنين. ويحوي التقرير انتقادات لاذعة للجنرال السابق تومي فرانكس القائد الأعلى للقوات الأمريكية في العراق إبان غزو البلاد عام 2003. وذلك بسبب قراره المفاجئ بإعادة هيكلية القيادة العسكرية في بغداد بُعيد سقوط المدينة في التاسع من نيسان/أبريل. ورغم أن نائب رئيس هيئة الأركان قد عارض فرانكس، إلا أن قراره أدى إلى أنشاء قيادة تفتقر إلى الأفراد بقيادة جنرال رقي حديثاً. وقالت الصحيفة أن "هذه الخطوة كانت مفاجئة ولم يكن معظم كبار القادة في العراق على علم بها".

ويركز التقرير "في المرحلة الثانية.. الانتقال إلى الحملة الجديدة" على فترة الثمانية عشر شهراً التي تلت إعلان الرئيس جورج بوش في أيار/مايو 2003 أن العمليات الحربية الرئيسية في العراق انتهت. واعتمد التقرير في بحثه الغير سري على 200 مقابلة أجراها مؤرخون عسكريون خلصوا للقول أن القيادة الجديدة "لم تعد من أجل نوعيات المسؤوليات التي تلقتها". ويرى التقرير أن أحدى المشكلات الأساسية كانت نقص التخطيط التفصيلي قبل الغزو لفترة ما بعد الحرب مما يعكس إلى حد ما تفاؤل البيت الأبيض ووزارة الدفاع بشأن مستقبل الحرب.

وقال العقيد توماس جي تورانس قائد مدفعية الكتيبة الثالثة مشاة في التقرير "أستطيع أن أتذكر أنني وجهت هذا السؤال خلال تدريبنا على الحرب وتطور خطتنا.. حسن أننا في بغداد ما هو التالي.. ولم أتلق إجابة شافية حقيقية".

يُذكر أن الجنرال فرانكس  كان قد أعرب عن اعتقاده بُعيد استقالته أنه قد يتعين على قوات التحالف البقاء في العراق لفترة قد تصل إلى خمس سنوات وذلك قبل أن يتمكن العراقيون من السيطرة التامة على بلادهم.

 التقرير الثاني

في تاريخ 22-4-2008 كشف تقرير لجنة المراقبة في مجلس النواب الأمريكي عن معلومات جديدة تفيد بأن الجيش الأمريكي ضاعف من تنازلاته الأخلاقية بتجنيد المجرمين والخارجين عن القانون لتعويض نقص الجنود الذين فقدوا في العراق. وسمحت الولايات المتحدة لمرتكبي الجرائم الجنسية والاغتصاب، وللمجرمين المعتدين جنسياً على الأطفال، والذين قاموا بتهديدات للقيام بأعمال تخريبية بالانضمام لصفوف الجيش الأمريكي لسد العجز الذي ترتب على حرب العراق. وتنازل الجيش الأمريكي عن شروط للقبول بانضمام 511 مجرماً من مرتكبي مخالفات قانونية أخلاقية العام الماضي 2007 ممن أدينوا بقضايا أخلاقية تمنعهم من الانتساب للجيش، مثل الاعتداءات الجنسية والاعتداء الحاصل على الأطفال. كما سبق للجيش الأمريكي أن قبل بانضمام 249 مجرماً في عام 2006.

وقال هنري واكسمان رئيس فريق الرقابة في مجلس النواب الأمريكي "أنه من الضروري إتاحة الفرص للأفراد الذين قضوا عقوباتهم وأعادوا تأهيل أنفسهم، إلا أن هذه التنازلات التي قدمها الجيش هي علامات على أن الجيش الأمريكي يواجه نقصاً حاداً في الأفراد". وأضاف "هذه خروقات خطيرة، هذا عدا عن خروقات أفراد الجيش للقانون التي بلغت العام السابق 34,476 حالة مخالفة".

وحسب ما كان معمول به سابقاً وفق لوائح التطوع للقوات المسلحة، إن زاد عدد المخالفات عن مخالفة واحدة يسقط حق الشخص المتطوع بالانضمام إلى الجيش أو البحرية.

 ماذا يعني لنا هذين التقريرين

نفهم من التقرير الأول سوء التقديرات العسكرية والسياسية على حد سواء. فالجنرال فرانكس عبر عن قيادته العسكرية الفاشلة أثناء الخدمة من جهة. وتوقعاته الميدانية المخيبة للآمال الأمريكية من جهة أخرى. وكذلك تعبر عن جهل تام بنفسية العراقيين تجاه الغزاة والمحتلين وما سطروه عبر تاريخهم الحافل بدحر المعتدين قديماً وحديثاً. وهذا الفشل والجهل  يتمثل أكثر في رئاسة بوش وأركان إدارته حيث التخطيط القائم على الكذب والتضليل والخداع قبل وبعد غزو العراق من ناحية. والاستمرار بهذا النهج المزيف رغم تنامي وصلابة المقاومة العراقية من ناحية أخرى. فكلام العقيد تورانس يعبر عن أزمة حقيقية بين القادة العسكريين والقادة السياسيين. فالأول فريق ينفذ ويرد التطلع إلى ما بعد التنفيذ. والثاني فريق يخطط عبر المحافظين الجدد في حجب الحقيقة عن العامة واستخدام القوة العسكرية لمأرب خاصة غير معلنة. وما قاله تورانس في عدم تلقي "إجابة شافية" على سؤاله الاستفساري، إلا بينة من بين كم هائل من البينات والاعترافات التي توالت تباعاً من قبل بعض القادة العسكريين والمسؤولين السياسيين والأكاديميين الأمريكيين. ابتداءً من وزير الخارجية الأسبق كولن باول إلى قائد القوات الأمريكية في غزو العراق ريكاردو سانشيز وغيرهم.

عندما يركز التقرير على فترة زمنية معينة يبدأها من قول بوش الذي أعلن فيه انتهاء العمليات العسكرية ضد العراق حيث أن "المهمة تمت". وبعدها يقع في سلسلة من التناقضات المربكة التي عابها ونقدها عليه الإعلام الداخلي قبل الخارجي، حيث صدمته كما صدمت قيادته العسكرية سرعة تنامي وانتشار المقاومة العراقية. وهنا على وجه الدقة والتحديد كان الأولى بالتقرير الاعتراف بهذه القوة الوطنية العراقية الرافضة للاحتلال الأمريكي. لأن التقرير الذي يقوم على تشخيص الخلل لا يكون متكاملاً إن لم يطرح المعالجة الواجبة تجاه ذلك الخلل أو الخطأ. وإلا فأن نوعية هكذا تقرير تعتبر غير موضوعية وليست شاملة الإلمام. وبما أن سياسة بوش تمارس شتى أنواع التعتيم على إخفاقاتها في حرب العراق، لذا ليس مستغرباً أن تكون التقارير الصادرة عن البنتاغون محدودة الأبعاد وتقتصر على نقاط معينة سلفاً.

ومع ذلك فأن التقرير يكشف بل يفضح القصور في عقلية المخططين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع لما بعد الحرب. وهذه ليست فقط أحدى المشكلات الأساسية كما نص التقرير، وإنما هي طامة كبرى تجرف كل الذين شاركوا في التخطيط لغزو العراق. لأنهم حسبوا حسابات مادية بحتة محصورة في سنوات الحصار الدولي الجائر الذي أنهك العراق دولة وشعباً، ولم يحسبوا العوامل التاريخية والروحية والاجتماعية لدى العراقيين المؤمنين بالذود عن وطنهم.

وهكذا استطاعت فصائل المقاومة العراقية الباسلة وجبهاتها الجهادية البطلة أن تقلب "تفاؤل البيت الأبيض ووزارة الدفاع بشأن مستقبل الحرب" إلى كابوس رهيب ولعنة تلاحق بوش وأركان إدارته. حتى صار كل من يخرج عن الخدمة يبرأ نفسه من هذه الحرب اللاشرعية واللاأخلاقية. ولنا في محاضرة كولن باول بجامعة ميامي و تصريحات المحافظين الجدد من ريتشارد بيرل وغيره إلى الكتب التي أصدرها سانشيز ومكليلان وغيرهم خير دليل وأفضل برهان.

أما التقرير الآخر، فهو ليس كما برر هنري واكسمان؛ فالسلاح والجندية شرف وطني وليس مجرد عمل حكومي أو وظيفة تقليدية. وبالتالي فأن الذين يرتكبون جرائم جنسية بحق النساء والأطفال ويعتدون على المواطنين لا يفقهون هذا الشرف الوطني. كما وأن قضائهم للعقوبات لا يعني نسيان ماضيهم بقدر ما يعني بداية جديدة علهم يصلحون لحياة كريمة. وعملية الإصلاح هذه لا تكون في معسكرات الجيش بغية إرسالهم للقتال في حرب العراق. فهذا تخبط بدأ يدفع ثمنه الشرف العسكري الأمريكي بالتنازل عن مبادئه الأخلاقية. وما الجرائم التي أرتكبها وما زال يرتكبها الجيش الأمريكي في العراق من اغتصاب وقتل للمدنيين من نساء وأطفال وشيوخ إلا دلالة على سوء هذه السلوكية وانحراف العقيدة العسكرية الأمريكية نحو الحضيض المشين.      

عندما يكشف مركز بالم للدراسات في جامعة كالفورنيا الأمريكية أن أكثر من 20% من أفراد الجيش الأمريكي عليهم مخالفات. وبما الجيش الأمريكي ما يزال يقبل في صفوفه المجرمين والمعتدين والخارجين عن القانون، إذاً فأن هذه النسبة السيئة قابلة لزيادة. ترى أي مستقبل أخلاقي ينتظر هذا النوع من الجيوش؟ وأي مستوى ينتظره بعد أن أخفض الجيش الأمريكي معاييره التعليمية؟ 

أن مسألة "العفو المعنوي" التي يتبعها الجيش الأمريكي حيال مرتكبي الجنح سابقاً، لكي يؤهلهم للانضمام إلى وحدات الجيش. فأن عملية التجنيد في حد ذاتها صارت تشكل صعوبة وخطورة في الولايات المتحدة. فقد أثار فتح مركز للتجنيد في الجيش في مدينة بيركلي قرب سان فرانسيسكو رد فعل سريعة من المجلس البلدي الذي أصدر بياناً أعتبر فيه الواصلين الجدد بأنهم "غير مرحب بهم". وأعطى أذناً للمتظاهرين ضد الحرب بالتجمع والاحتجاج قرب المكتب.

وفي شهر شباط/فبراير 2008 استهدف انفجار صغير مركزاً للتجنيد العسكري في ساحة "تايمز سكوير" في نيويورك. وفي نفس الشهر كانت هناك جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي، قال رئيس أركان سلاح البر جورج كايسي أن "التأثيرات المتراكمة لأكثر من ست سنوات من الحرب زعزعت استقرار سلاح البر وهي تحد من قدرته على التحضير لمهام أخرى".

في 1933 عندما فاز أودلف هتلر بالانتخابات الألمانية كان عدد الجيش الألماني 100 ألف. وقبيل الحرب العالمية الثانية (1941-1945) وصل العدد إلى 600 ألف مقاتل. وفي السنة الأخيرة من الحرب بدأ تطويع المراهقين لصفوف الجيش، وكانت إيذاناً بنهاية القوة الألمانية. والجيش الأمريكي عندما تنازل عن مبادئه الأخلاقية وحرف عقيدته العسكرية بقبوله منذ العام 2006 بتجنيد المجرمين والخارجين عن القانون، فهذه بداية النهاية للقوة الأمريكية المتزعمة للعالم الحر.  

ـــــــــ

*قسم الدراسات الإستراتيجية-مركز صقر - لندن

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ