ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 05/08/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رؤية الإسلام للتنمية الثقافية والفكرية

يسري عبد الغني عبد الله*

تحرير الإنسان من الجهل والظلمة :-

إذا أردنا أن نقف على رؤية الإسلام للتنمية الثقافية والفكرية التي هدفها رقي الإنسان وسعادته ، فعلينا أن نعرف أنه من دعائم المنهج الإسلامي في تحرير العقل والفكر ، تحرير الإنسان من أصفاد الجهل وظلمته ، فالجهل قاتل محترف للمواهب الفكرية وللرؤى العقلية ، فهو يطفئ نور القلوب ، ويعمي الأبصار ، ويخلخل عناصر الحياة ، ويضعف القوة في الأمم ، ويفسد على جماهير الناس مناهج الدين والتدين ، ومبادئ الأخلاق القويمة .

الجهل هو الذي يجعل النفوس مستعدة ومهيأة لقبول ما يحدث في الدين من خرافات ، وبدع ، وضلالات ، لأن أهل الأهواء والبدع الذين يظهرون بين الناس بمظهر العلماء ، والزعماء الدينيين ، يجدون في الجهل بتعاليم الدين الحنيف : مرتعاً خصباً ، ومجالاً رحباً ، لنشر الخرافات والبدع باسم الدين ، وبكل أسف فإن أكثر الناس يسارع بدافع الجهل ، والأمية الدينية ، والثقة العمياء في هؤلاء الأدعياء ، يسارعوا إلى اعتناق أفكارهم الضالة المضللة ، ويعملون بها على أنها من لباب الدين ، وهم لا يعلمون أن الدين منها براء .

وهنا يتأتى دور أهل الذكر ، من العلماء الذين يتحلون بالاعتدال ، والاستنارة ، والقدرة على الوصول إلى عقول وقلوب الناس ، يأتي دور هؤلاء في التصدي لهؤلاء الأدعياء وأفكارهم المضللة .

ويأتي أيضاً دور أولياء الأمور في نشر الوعي الديني في جميع أماكن تواجد الناس ، ولا يسمح بأن يتصدى للوعظ والإرشاد والفتوى والاجتهاد إلا من تتوافر فيه الصفات المؤهلة لذلك ، وكفانا تركاً لحبالنا على الغارب ! .

لقد عني الإسلام عناية كبرى بهذه الدعامة ، دعامة تحرير الإنسان من ظلمات الجهل ،فذم الجهل والجاهلين .

قال الله تعالى : { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } [ آل عمران : 154 ] ، وقال: { أفحكم الجاهلية يبغون ؟ } [ المائدة 50].

 لقد علمنا الإسلام أن الذين يوقنون بالله حق اليقين ، هم الذين يتبعون الحق الإلهي ، وهم الذين لا يعبدون إلا الله الواحد الأحد ، وبذلك يكونون من أهل الحق ولا يكونون من الجاهلين .

كما أنحى الإسلام باللائمة على الذين يتبعون الظنون والأوهام في عقائدهم ، لأن من يتبع الظن يطرق باب الضلال ، والظن لا يغني من الحق شيئاً ، والله يعلم بما نفعل ، وبما نعتقد .

والله سبحانه وتعالى يطلب منا ألا نقف ما ليس لنا به علم ، فالسمع والبصر والفؤاد كل أولئك كانوا عنا مسئولين يوم الموقف العظيم .

العلم والحكمة في مواجهة الجهل :

لقد عظم الإسلام شأن العلم ، وحث على طلبه في كل زمان ومكان ، وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة .

يقول الله سبحانه وتعالى : { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ، وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون } [ العنكبوت 49 ] .

والمقصود في الآية هو القرآن الكريم ، ويجدر بالذكر أن جملة ( أوتوا العلم ) وردت في القرآن الكريم ( 11) مرة .

ويطلب القرآن الكريم من رسولنا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدعو ربه ليزيده علما .

ويقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، ويلهمه رشده )) [حديث متفق عليه]

ويقول : (( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة )) [رواه الشيخان]

هذا ، وقد وردت كلمة ( علم ) في القرآن الكريم ( 60 ) مرة ، كما ذكرت كلمة ( اقرأ ) ثلاث مرات ، كما ذكرت كلمة ( يتفكرون) عشر مرات ، وكلمة ( تتفكرون ) ثلاث مرات ، وكلمة (يتفكروا ) مرتان ، وكلمة ( فكر ) مرة واحدة ، وكذلك كلمة ( مفكر ) مرة واحدة ، ونحن نعلم أن الفكر هو جزء لا يتجزأ من العلم والمعرفة ، ومهما كان علمنا فهو قليل جداً بالنسبة لبحر كلمات الله الذي لا ينفد أبداً .

هذا ، وقد نوه الإسلام بفضل الحكمة ، وما فيها من الخير الكثير كما في قوله تعالى : { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } [ البقرة : 269 ] .

وقد تكررت كلمة ( الحكمة ) في القرآن الكريم خمس مرات .

وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( لا حسد إلا في اثنين : رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس )) [رواه الشيخان]

إن الله سبحانه وتعالى رفع العلماء إلى أعلى الدرجات ، فدماء الشهداء تعادل مداد العلماء ، والملائكة ترحب بهم في يوم الموقف العظيم ، وتحملهم على ظهورها ، و أجنحتها ترفرف لهم تقديراً واحتراماً .

والعلماء هم أهل خشيته تعالى ، وقرن شهادتهم بشهادته عز وجل وشهادة ملائكته ، فمن المحال أن يستوي أهل العلم والمعرفة بأهل الجهل والضلال .

والعلماء هم أصحاب العقول الراجحة ، وهم أهل الذكر ، هم ينابيع العلم ، وموارد العرفان ، ورواد الحق ، ودلائل الهدى ، فعلينا أن نسألهم ونطلب رأيهم إن كنا لا نعلم ، ولا ضرر ولا ضرار في ذلك لأن الله خصهم بالعقل والفهم .

رؤية الإسلام لدور العلم في تنمية المجتمع :

لقد عرف المسلمون الأولون منزلة العلم وفضله ، وأدركوا مبلغ الحاجة إليه في تدينهم ، وبناء مجتمعاتهم ، وتنميتها في جميع النواحي ، وكذلك دعم سلطانهم .

لقد أدرك المسلمون أن العلم هو الطريق الوحيد للتنمية الشاملة ، فهو الذي يوضح لهم معالم السير على النهج القويم ، ويفتح لهم أفاق الحياة العزيزة الكريمة ، ويكشف لهم عن أسرار العوالم الكونية ونواميسها .

أدرك المسلمون أن العلم هو الذي يقيم لهم وسائل الحياة والقوة ، ويبني لهم قواعد السيادة والمجد والتقدم . عرفوا كل هذا فوجهوا عزائمهم إلى طلب العلوم والمعارف والفنون على اختلاف أنواعها ، ولم يشغلهم عن طلبها ترف الحضارة ، ونعماؤها ، ولا أثنت عزائمهم عنها بأساء الحياة وضراوتها ، وبحثوا عنها بعزيمة لا تكل ، وبرغبة لا تمل ، في آيات الله التشريعية ، وآياته الكونية ، فأقاموا لها في كل قطر إسلامي مناراً عالياً ، وحملوا مشاعلها المضيئة ، إلى مشارق الأرض ومغاربها .

أجدادنا من المسلمين لم يقفوا بجهودهم عند نتاج عقولهم وأفهامهم ، بل اتجهوا بها إلى علوم السابقين ، فاستخرجوها من زوايا الإهمال والنسيان ، وأخذوا إبريزها بعد أن زادوه نقاءً وصفاءً ، وردوا زائفها بعد أن تبين لهم زيفه وفساده ، لأنهم كانوا يطلبون هذه العلوم طلب الناقد البصير ، لا طلب التابع المقلد ، واكتمل لهم من ملكات العلوم والفنون في جيل واحد ، ما لم يكتمل لأمة من الأمم الناهضة في عدة أجيال .

وفي هذا يقول بعض المؤرخين الاجتماعيين من علماء الغرب : إن ملكة الفنون لم يتم تكوينها في أمة من الأمم الناهضة إلا في أجيال ثلاثة:جيل التقليد ، وجيل الخضرمة ، وجيل الاستقلال والاجتهاد إلا العرب وحدهم ، فقد استحكمت لهم ملكة الفنون في الجيل الأول الذي بدءوا فيه لمزاولاتها .

والباحث المدقق في تاريخ حضارتنا العربية الإسلامية ليعجب لهذه النهضة العلمية التي تخطت مراحل النهوض في الأمم ، ويعجب أيضاً كيف أنهم قاموا بهذه النهضة على الرغم من الأحداث العاتية التي حملوا أعباءها ، والحروب الطاحنة التي خاضوا غمارها ، لأن الأحداث والخطوب ، وإن بلغت من العنف ما بلغت ، لا تستطيع أن تقف في طريق العقائد التي انطوت عليه القلوب ، وانفعلت بها النفوس ، ولا أن تمنع العزائم القوية ، من الوصول إلى أغراضها وأهدافها النبيلة ، دون صدام أو عراك ، ولكن وعياً وإدراكاً بأهمية العلم والمعرفة ، وسعادة البشرية جمعاء .

نقول : إنه بهذه النهضة العلمية استطاع الأجداد عبر حضارتنا العربية الإسلامية أن يعملوا عمل الأقوياء لدينهم ، ولوطنهم ، ففي رأينا : أن العمل لبناء المجتمعات القوية في دينها ودنياها لا يصدر إلا عن إرادة قوية دافعة واعية ، والإرادة القوية الدافعة تنبثق من العلم والمعرفة ، فالأمة التي أفقدها الجهل والتراخي والتسيب وعدم الانتماء ، قوة الإرادة وصدق العزيمة ، لا يمكن لها على وجه الإطلاق أن تعمل لدينها ولا لوطنها ، وتظل دائماً في أسر التبعية للآخرين من الأقوياء مادياً ، كما أنها يسهل الهيمنة عليها ، وبالتالي من المحال أن تملك قرارها أو إرادتها .

فلنعي ذلك جيداً ، ولنبدأ من حيث انتهى الأجداد ، ولنتحلى بحب العلم والمعرفة ، كي نكون بحق من أصحاب الإرادة القوية الدافعة ، ومن أصحاب العزائم الصادقة ، من أجل ديننا وأوطاننا .

التحرر من طاعة الأهواء :

اهتم الفكر الإسلامي وهو يؤكد على ثقافة تحرير العقل والفكر ، اهتم بتحرير الفكر الإنساني من طاعة الأهواء ، والانقياد الأعمى لوحيها ، لأن طاعة الأهواء من أقوى عوامل انحراف السلوك الإنساني ، كما يؤدي إلى التوائه في نظره ، وتفكيره ، و يؤدي إلى ضلاله في عقائده وتدينه .

إن الهوى إذا دخل في شأن من شئون الدين والدنيا أفسده على الفور ، أما عباد الأهواء والميول والنزعات والرغبات فمن المحال أن تسلم لهم طوية ، ولا يستقيم لهم رأي أو فكر ، ولا تعتدل لديهم موازين الحكم على الأمور ، ولا يخضعون لحق ليس في جانبهم ، وكأن الحق تابع لأهوائهم وأغراضهم ، فإذا سألوا عن حكم شرعي ، أو رأي فيه صالح للجميع ، سألوا عنه وصدورهم منطوية على هوى دفين فإن أجابهم أحد أهل العلم والفكر المشهود له بالصلاح والاعتدال ، أجابهم بما لا تهوى أنفسهم ، سخطوا وأعرضوا ، وإذا حاول أن يقنعهم بالدليل والبرهان وبالتي هي أحسن ، ركبوا رؤوسهم ، ولجوا في عتو ونفور ، ودخلوا معه ومع غيره في جدال سقيم عنيف ، لا يقف عند حد ، ونقاش عقيم لا ينتهي إلى غاية أو نتيجة ، لأنهم ليسوا طلاب حق يخضعون له ، ويسلكون سبيله ، وإنما هم أصحاب ميل وهوى ، يسيرون وراءه ، ويبغون تحقيقه.

ومن هنا عني الإسلام بالتحذير البالغ من إتباع الهوى والميل والانقياد الأعمى ، فذم العاكفين على عبادة الأهواء والأغراض ، ونعى عليهم ضلالهم وانحرافهم عن الحق ، إرضاءً لأهوائهم ، فهم لا يتبعون إلا الظن ، ولا يسيرون إلا وراء أهواء نفوسهم ، رغم أن هدى ربهم قد جاءهم واضحاً جلياً .

هذا الصنف من الناس جعل من هواه إلهاً له وكانت النتيجة أن ختم الله تعالى على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة .

وقال تعالى :{ فإن لم يستجيبوا لك فاعلم إنما يتبعون أهواءهم ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين .} [ القصص : 50 ] .

ويقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) .وقال : (( ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه . )) .[الحديثان متفق عليهم]

وهكذا طالبنا الإسلام الحنيف وهو يعلن ثقافة تحرير عقل وفكر الإنسان ، بأن نطهر نفوسنا وسلوكنا من الأغراض الخفية ، والأهواء الدفينة ، ونحرر عقولنا وأفها منا من الخضوع لسلطانها ، والانقياد الأعمى لوحيها ، وأن نجعل أهواءنا دائماً وأبداً تبعاً لحكم الله وشرعه الحكيم ، ولا نجعل بأي حال من الأحوال أحكام الله تبعاً لأهوائنا .

وختاماً نقول :

إن الدعائم التي سبق وأن أوضحناها - في رأينا - تعد من أكبر العوامل في اعتدال النظر ، واستقامة التفكير ، وصحة العقائد وكمال الأخلاق ،وصلاح الأعمال ، وهي تعكس بجلاء كيف دعا الإسلام إلى ثقافة تحرير العقل والفكر ، قبل أن تدعو لها الأفكار والمذاهب والفلسفات والنظريات الحديثة والمعاصرة .

والله ولي التوفيق ،،،

ـــــــــــ

* باحث ومحاضر في الدراسات العربية والإسلامية

ayusri_a@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ