ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 29/07/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


كلمات في القرآن (7)

العَرْض

الدكتور عثمان قدري مكانسي

عـَرَض الأمر عليه : أظهره وأبداه له ، كما في القاموس المحيط .

وللعرض  ومشتقاته معان كثيرة جداً ، لا نقصدها في حديثنا هذا  ، ونحن إذ نتوقف عند المعنى الذي أردناه نرجو أن نثبت في أنفسنا بعض المعاني الإيمانية ، ونسأل الله أن يهدينا سواء السبيل .

-   عرض الله تعالى الأمانة على السموات والأرض والجبال قبل أن يعرضها على آدم عليه السلام ، والأمانة المعروضة كما قال العلماء : العبادة والطاعة لله تعالى والقيام بالفروض وأداء الواجبات ، فإن التزمنـَها وأدّينها فقد نجحن ، وإن لم يفعلن ذلك فقد فشلن وعوقبن ، فأبين ذلك وعلِمْنَ أن حمل الأمانة ثقيل لا يستطعن أداءه ، ثم عُرضت الأمانة على آدم ، وقيل له : إن أحسنت أُثبت ، وإن أسأت عوقِبْت َ ، فرضي حملها ، ولم يلبث قليلاً حتى أخلّ بها . وظلم نفسه  يقول تعالى في الآية 72 من سورة الأحزاب " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها ، وأشفقن منها ، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً " فظلم الإنسان نفسه حين حمّلها الأمانة ، ثم لم يَرْعها حق رعايتها ، ومن سأل الله المعونة أعانه ، ولكنّ الغالبية الغالبة والكثرة الكاثرة من البشر ضيّعوا هذه الأمانة.

-   من العرض الدال على مكانة آدم عليه السلام عند ربه سبحانه أنه سبحانه " ... علم آدم الأسماء كلها ، ثم عرضهم على الملائكة " وذلك حين استنكروا أن يخلق الله في الأرض من يفسدها ويسفك الدماء . فسألهم الله تعالى أن يخبروه بأسماء المسمّيات التي علمها آدم ، فاعترفوا بعجزهم ، وهنا أظهر الله تعالى مكانة آدم إذ أمره أن يعلمهم بعض ما علمه الله عز وجل . " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم " ففعل ذلك .

-   يقف الناس يوم العرض – وكلهم يرون ويسمعون ما يجري  إلا ما شاء الله تعالى أن يستره – فيستر الله تعالى المؤمنين حين تُعرض عليهم أفعالهم ، ويفضح الكافرين والمنافقين فيحاسبهم على رؤوس الخلائق . يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية الكريمة الثامنة عشرة من سورة هود " ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ، أولئك يـُعرضون على ربهم ، ويقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ، ويبغونها عوجاً ، وهم بالآخرة هم كافرون " يُبَيِّن تَعَالَى حَال الْمُفترِينَ عَلَيْهِ وَفَضِيحَتهمْ فِي الدَّار الآخرة عَلَى رُءُوس الخلائق من الملائكة وَالرُّسُل والأنبياء وَسَائِر البشر والجانّ . ويقول صلى الله عليه وسلم  فِي النَّجْوَى يَوْم الْقِيَامَة " إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُدْنِي المؤمن فَيَضَع عَلَيْهِ كَنَفه وَيَسْتُرهُ مِنْ النَّاس ويقرره بذنوبه وَيَقُول لَهُ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بذنوبه وَرَأَى فِي نَفْسه أنه قَدْ هَلَكَ قَالَ فإني قَدْ سَتَرْتهَا عَلَيك فِي الدنيا وَإِنِّي أغفرها لَك اليَوم ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاته . وَأَمَّا الكفار والمنافقون فَيَقُول " الأشهاد هؤلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ ألالَعْنَة اللَّه عَلَى الظالمين ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث قَتَادَة .  هكذا عَرْضُ عمل المؤمن عليه وهكذا حسابُ الكافر والمنافق يفضحهم الله أمام الخلائق جميعاً .

-   وقد يكون عرض العذاب بعد الموت وقبل يوم القيامة ، أي في البرزخ كما في قصة فرعون وجنده "  في سورة غافر الآية 46 في قوله تعالى " النار يُعرضون عليها غدوّاً وعشيـّا ، ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ تـُعرض عَلَى النَّار صَبَاحًا وَمَسَاء إِلَى قِيَام السَّاعَة فَإِذَا كَانَ يَوْم القيامة اجتمعت أَرْوَاحهم وَأَجْسَادهم فِي النَّار . لأن عذاب الروح والجسد أشدّه أَلَمًا وَأَعظَمه نكالاً . وهذه الآية أَصل كَبِير فِي استدلال أَهل السـّنة عَلَى عذاب البرزخ فِي القبور .

-   والعرض في الآيات القرآنية الشريفة دنوّ من الشيء ، لا دخول فيه ، وهذا الدنوّ تعذيب للكافر قبل أن يُعذب ، وقد قيل : " التخويف من الضرب والعقاب والتلويح بهما أجدى -في التربية - من استعمالهما " . وقد خوّف الله الناس من عقابه في الدنيا ، فإذا جاء اليوم الآخر كان لا بد من العقاب جزاء وفاقاً لمن كفر . ومن هنا نفهم الآيات القرآنية التي وردت في عرض العذاب على الكافرين وتيئيسهم من النجاة بعد موتهم كافرين : فالمراد في قوله تعالى  - والله أعلم - " وعُرضوا على ربك صفاً : لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ، بل زعمتم ن لن نجعل لكم موعداً  "  أَنَّ جَمِيع الخلائق يقومون بين يدي اللَّه صفاً واحدًا كَمَا قَالَ تَعَالَى " يوم يَقوم الرُّوح وَالملائكة صفاً لا يتكلمون إلا مَن أَذِنَ لَهُ الرَّحمن وَقَالَ صَوَابًا " وَيَحْتَمِل أنهم يَقومونَ صفوفًا كَمَا قَالَ " وَجَاءَ رَبّك وَالْمَلَك صَفا صَفا " وقوله " لَقَدْ جِئتمونا كَمَا خلَقناكم أَوّل مَرَّة " هَذَا تقريع للمنكرين للمعاد وَتَوبِيخ لَهُم عَلَى رُءُوس الأشهاد . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا إياهم :  مَا كَانَ ظنكم أَنَّ ههذا وَاقِع بكم ولا أَنَّ هذا كَائن . وهل يستطيع أحد أن يكذب على الله أو يخفي عنه شيئاً وهو سبحانه يعلم السر وأخفى ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ؟ لالا، فالله تعالى هو العليم بكل شيء،  الخبير بكل ما خلقه . اقرأ معي بتمعن قوله تعالى الآية 18 من سورة الحاقّة " يومئذ تُعرضون ، لا تَخفى منكم خافية " فالخافية لا تخفى على الله ، أليس هو سبحانه الذي يقول في سورة الأنعام " الآية التاسعة والخمسين : " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ، ويعلم ما في البر والبحر ، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ، ولا حبة في ظلمات الأرض ، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " ؟ سبحانه من إله عظيم لا تخفى عليه خافية ، ولا يضيع منه شيء .

-   وانظر معي إلى الموقف الرهيب في ظهور النار لهم قبل أن يدخلوها ، وهم خائفون أن يُلقـَوا فيها – وسيُلقـَون فيها – فترتعد فرائصهم ويخافون النظر إليها ، وهم يعلمون أنهم وقودها – والعياذ بالله أن نكون من أهلها –  وينظرون إليها بطرف أعينهم يستفظعون المصير الذي لا بد أن يصيروا إليه ، في الآية 45 من سورة الشورى "  وتراهم يُعرضون عليها خاشعين من الذل ، ينظرون من طرْف خفيّ  " نار تلظّى ، ترسل لهيبها نحوهم ، وتُسمعهم زفيرها ، وتتراءى لهم متشفـّية متوعّدة ، وهم لا يجرؤون على النظر إليها ، ويخافون أن يُلقوا فيها بين لحظة وأخرى .. لحظات عصيبة تقطع الأنفاس وتحرق المشاعر . واقرأ الآية المئة من سورة الكهف " وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً " فجاء المصدر المؤكد يبرز جهنم رأي العين كما قال ابن كثير : لِيَرَوا مَا فِيهَا مِن العَذَاب وَالنَّكَال قَبل دخولها ليكون ذلك أبلغَ فِي تعجِيل الهَمّ وَالحَزَن لَهم . وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ " يُؤتى بجهَنّم تُقاد يَوم الْقِيَامَة بِسَبْعِينَ أَلْف زِمَام ، مَعَ كُلّ زِمَام سَبْعُونَ أَلْف مَلَك " ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ : " الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنهمْ فِي غِطَاء عَنْ ذِكْرِي "  فتغافَلوا وَتعَامَوا وَتَصَامَمُوا عَنْ قَبُول الهدى واتباع الحق .

-   وفي سورة الأحقاف آيتان تبدءان بدية واحدة بجملة واحدة " ويوم يُعرض الذين كفروا على النار ..." وكانت الثانية نتيجة وتتويجاً للأولى  ففي الأولى الآية العشرين  يقول تعالى  موبخاً الكافرين الذين رضوا بالحياة الدنيا على الآخرة ، واستكبروا على الإيمان وأهله ففجروا وفسقوا ! " ... أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ، فاليوم تُجزَون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ، وبما كنتم تفسقون ." فما عذاب الهون يا رب ؟ وإلى أين مصير هؤلاء المستكبرين الذي فضلوا الدنيا على الآخرة ؟  يأتي التوبيخ أولاً فقد كفروا بالحق الذي جاءهم به الأنبياء والدعاة . ويقرون بخطئهم ، ويندمون ، ولات ساعة مندم . ويقرون بالحقيقة التي كانت تنفعهم في الدنيا لو أقرّوها ، أما حين يعاينون الأمر ويرونه رأي العين وهم بين يدي الله تعالى فلا فائدة ، لقد أضاعوا الفرصة الذهبية التي لا يمكن أن تُعوّض . ثم يأتي العذاب الأليم جزاء وفاقاًفي الآية الرابعة والثلاثين " ... أليس هذا بالحق ؟ قالوا بلى وربنا . قال : فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " .

-   أما قوله تعالى في سورة ( ص) الآية 31 " إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد "  في معرض قصة سيدنا سليمان فقد أفسدت الروايات الإسرائيلية معناها الجهادي الرائع ، وأساءوا إلى سليمان كما أساءوا إلى أبيه داوود عليهما السلام – وهما عند اليهود ملِكان وليسا نبيين – فتفسير القصة كما يلي :

إنه مجاهد في سبيل الله تعالى يحب كل ما يعينه على القتال في سبيله وإعلاء رايته . ومن ذلك أنه يحب الخيول الأصيلة – سلاح الفرسان ، وهي القوة الضاربة في قتال العدو ، فأمر أن تعرض عليه الخيول ليستمتع بها ويطمئن إليها ، فعرضت أمامه وهو يتابعها شغوفاً بها حتى غابت عنه " حتى توارت بالحجاب " فلم يبرد شوقه لها ، فأمر أن يعيدوها إليه ، ثم نزل إلى ساحة العرض يتلمّس الخيول ويمسح أعناقها وسوقها ، ويتحبب إليها ، والمقصود بقوله تعالى " إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي " أن حبه للخيل صادر عن أمر الله تعالى . وهذا هو المعنى الحقيقي لهذه الآية .أما الرواية الإسرائيلية فتدليس واستخفاف بعقول الناس لأسباب عدة هي :

         أ- إن التأويل عادة يتبع الكلام الذي بين أيدينا ، فما التي توارت بالحجاب ؟ إنها الخيول التي غابت عن ناظريه إذ مرت أمامه وهو يستعرضها حتى غابت عن عينيه ، لا الشمس التي تعسفتها التأويلات الإسرائيلية ، إذ قالوا : أنه انشغل بالخيول حتى عابت الشمس ففاتته صلاة العصر .

         ب – إن سليمان عليه السلام شعر أنه لم يفِ الخيول حقها بالاستعراض السريع ، فأمر أن يردوها إليه ليلمسها بيديه ويكرمها بالتربيت على أعناقها وسوقها ، لأنه لو جاز أن يكون الضمير في " توارت بالحجاب " عائداً على الشمس لوجب أن يكون الضمير في " ردوها علي " عائداً على الشمس نفسها ، أما القفز هنا وهناك للوصول إلى الشمس فلا يليق بنص رزين ، ناهيك عن كتاب الله الكريم .

         ج – وهل تتصور عاقلاً كان يَعُد ماله ، فانشغل به حتى ضيع صلاته ، فأحرق المال يعاقب بذلك نفسه؟! فإذا كان ما يفعله سفهاً وطيشاً فالنبي سليمان منزه عن قطع أعناق الخيول وسـُوقها لأنها – على زعم الإسرائيليات – شغلته عن الصلاة !! ما ذنب الخيول المسكينة لتذبح وتقتل ، والخطأ ليس خطأَها ؟!

- روت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بعض صلاته : اللهم ! حاسبني حسابا يسيرا ، قلت : يا نبي الله ! ما الحساب اليسير ؟ ! قال : أن ينظر في كتابه ، فيتجاوز عنه ؛ إنه من نوقش الحاسب - يومئذ - يا عائشة ! هلك .

اللهم ؛ إن تَعرض علينا أعمالنا فارفق بنا وتجاوز عن سيئاتنا ، وارحمنا يوم العرض عليك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الكرماء .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ