ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 05/06/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


اللبنانيون "خرجوا" من شوارع بيروت إلى الدوحة..

فإلى أي لبنان عادوا؟!

بقلم: محمد فتوح *

وصفه بعضهم بأنه "اتفاق هدنة"، بينما رأى فيه آخرون اتفاقاً يؤسس لحوار شامل وتوافق داخلي.. إلا أن اتفاق الدوحة في مطلق الأحوال، وبغض النظر عن توصيفه، جاء ليعلن مرحلة جديدة في حياة اللبنانيين، مع الإشارة إلى أن هناك اعتقاداً بأن الاتفاق أنهى الاشتباكات المسلحة على الأرض، دون أن ينهي ذيولها، علاوة على أن اتفاقاً مثل هذا لا يمكنه إنهاء النزاع المتأصل في لبنان، فهو نزاع - بلا شك - يتولى فيه اللاعبون الإقليميون والدوليون الدور الأبرز فيه.

لقد انطلق اللبنانيون في تطبيق بنود اتفاقهم الجديد، فبدأوا بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في لبنان، ليس فقط لأنه البند الأول في هذا الاتفاق، بل لأنه أيضاً – على ما يبدو – البند الأسهل فيه. أما ما يلي من بنود، بما في ذلك تشكيل الحكومة ناهيك عن بند التنظيمات المسلحة، فهي ليست فقط بحاجة إلى جلسات حوار ومناقشات طويلة ومضنية، بل إلى تنازلات جديدة وحلول وسط ترضي الجميع ولو إلى حين، وربما إلى "اتفاقات دوحة" جديدة. وهذه الحلول ليست مضمونة النتائج على أية حال، في ظل الظرف اللبناني المعهود.

وثمة مخاوف إضافية تبرز هنا. فمن المعتقد أن الاتفاقات والتفاهمات التي تتم في الخارج وتحت الضغط من جانب الوسطاء تبقى معرضة للاهتزازات (مثل الاتفاق بين فتح وحماس - اتفاق الحكومة السودانية مع الفصائل المتمردة في الجنوب والغرب – اليمن مع الحوثيين.. الخ). فالضغوط الخارجية قد تأتي بنتائج آنية، لأن الوساطات في مثل هذه الحالات لا تركز على التفاصيل بل على الخطوط العريضة، رغبة من الأطراف الراعية للانتهاء باتفاق، أي اتفاق وبأي ثمن. كما أن الأطراف الخارجية ليس بالضرورة أن تكون على اطلاع كاف على التفاصيل التي يمكن أن تعيد أي حوار إلى نقطة الصفر في حال لم تبد الأطراف المعنية مرونة كافية لتجاوز أي عقبات مهما كان ذلك "مؤلماً" بالنسبة لها. وهذا يعني أن الحلول يفترض أن تكون نابعة من الأطراف نفسها مع ضرورة توفر "إرادة العيش المشترك". فهذه الإرادة وحدها يمكنها إيجاد الصيغ التوافقية التي تحفظ استمرارية الدولة ووحدتها. وهذا يعني من جهة أخرى أن أي اتفاق لا يكون نابعاً من قناعات الأطراف وتوجهاتها قد لا يُكتب له الاستمرار حتى لو استمرت الضغوط الخارجية، فهذه الضغوط تثمر حتى ما قبل "النقطة الحرجة" التي تعني نقطة اللاعودة. ولحسن حظ اللبنانيين فإنهم لم يصلوا إلى هذه النقطة حتى الآن، لكن هذا متعلق أيضاً بالمراحل التي تمر فيها التجاذبات والصراعات بين القوى الخارجية (الإقليمية والدولية)، وهي صراعات تنعكس صورتها مباشرة في الواقع اللبناني.

وكصورة للخلافات الإقليمية، بدا أن الصراع في لبنان بات يتخذ طابعاً مذهبياً. وهذا لا يظهر فقط في الأحداث الأخيرة، والتي بدت وكأنها اجتياح مسلح من جانب تنظيمات شيعية (حزب الله وأمل) لمناطق سنية (تيار المستقبل)، في بيروت، بل أيضاً في الاحتكاكات اليومية التي يظهر أن طرفيها هم من السنة والشيعة. وهكذا، فقد انتقل الصراع بين القوى في لبنان من الإطار السياسي الذي يغلفها إلى البعد الطائفي الذي ترتكز عليه، تماماً كالصراع الذي بتنا نشهده في منطقتنا في ظل المساعي لبناء ما بات يُعرف بـ"الهلال الشيعي". وهذا يذكرنا بسياسة المحاور التي عادت إلى المنطقة بقوة، لنلحظ تكتلين أساسين، أحدهما يضم الدول التي تكوّن ما يُطلق عليه "محور الاعتدال"، والآخر المحور السوري - الإيراني (أو ما يسميه البعض بالمحور الشيعي).

ولذلك، يبدو أن توصيف الصراع في لبنان في بأنه صراع بين محور المقاومة والممانعة من جهة والمحور الأمريكي من جهة أخرى؛ ليس واقعياً، ومن يقول بذلك تنقصه البراءة بلا شك. فمن الواضح أن حزب الله، وكلما تم تشديد الضغط عليه – داخلياً – بشأن سلاحه الذي أثار مخاوف سابقة ترسخت بفعل الأحداث الأخيرة في بيروت، حاول وضع معارضيه في صف الأمريكيين والإسرائيليين. وهذا خطاب موجه بالدرجة الأولى إلى الشارع العربي الذي يتمايل طرباً على أنغام مثل هذه الخطابات، في حين أن غالبية اللبنانيين لم تعد تنصت إليه، بل وبدأت هذه القناعة اللبنانية بالتسرب إلى الشارع العربي الذي أصيب بخيبة أمل كبيرة بعدما رأى سلاح "المقاومة" ينتقل شمالاً بدلاً من وجهته الجنوبية، وهي الوجهة التي قيل إن حزب الله يكدس سلاحه من أجلها!

ولقد أثيرت في السابق (منذ مؤتمر الحوار الوطني قبل نحو عامين) تساؤلات عن إمكانية استخدام سلاح حزب الله في الداخل، فرد الحزب وأنصاره بأن سلاحهم هو "لمواجهة إسرائيل". لكن البعض جادل بأنه ليس هناك من ضمانة بألا يستخدم في المستقبل حينما تتصاعد حدة الصراع السياسي في لبنان. ولما حانت ساعة استخدامه في الداخل جاء تبرير جديد، فأعلن الحزب أن السلاح سيستخدم للدفاع عن السلاح. لكن الحزب وأنصاره لم يكلفوا أنفسهم عناء الإجابة عن سؤال جوهري، وهو: ما الذي يفعله سلاح الحزب ومقاتلوه بعيداً عن الحدود؟ والجواب واضح على كل حال، فعندما انتشرت قوات اليونيفيل في جنوب لبنان وحالت بينهم وبين الحدود لم يبق هناك أي مجال للعمل "المقاوم" في هذه المنطقة، لكن بقيت "شهوة" استخدام السلاح قائمة. وهذا ديدن من يملك السلاح، فمالك القوة تتملكه رغبة دائمة لاستخدامها حتى لو لم يكن ينوي ذلك.

وبناء على ذلك، لم تعد مسألة سلاح حزب الله أمراً من المحرم الخوض فيه، كما لم يعد ممكناً القبول به كأمر واقع لدى الكثيرين (في لبنان بالدرجة الأولى). فاستخدام السلاح الذي كان يُقال إنه مكرس لمقاومة الاحتلال يعني أنه لم يعد كذلك، وبات كسلاح جميع الميلشيات أو الجماعات خارج سلطة الدولة في لبنان. فقد اهتزت صورة سلاح الحزب "كسلاح نظيف"، ولم يعد أمر هذا السلاح مجرد بند على طاولة الحوار بين اللبنانيين، بل كان البند الأساسي في حوار الدوحة ووضع بنداً أساسياً (وربما وحيداً) في الحوارات التي ستبنى عليه.

والواقع أن حزب الله وجد نفسه خلال الأزمة التي شهدها لبنان والتي ما زالت ذيولها مستمرة حتى الآن؛ في موقف محرج للغاية، بعدما رأى نفسه محاصراً بين تفجر الصراع السني الشيعي من جهة، وطرح مسألة شرعية سلاح الحزب (لبنانياً وعربياً) من جهة أخرى. وللتغطية على قضية الفتنة بين السنة والشيعة سعى الحزب لنقل بعض الاشتباكات إلى الجبل حيث يقطن الدروز، للإيحاء بأن احتلال بيروت لم يكن يستهدف السنة رغم أن المناطق السنية في بيروت، ومن ضمنها المؤسسات التابعة لتيار المستقبل الذي يمثل الواجهة السياسية للسنة في لبنان، هي التي استهدفت على أوسع نطاق. وهذا في الحقيقة ما عزز مركز التيار الذي يقوده سعد الحريري بين السّنة، وقد ظهر ذلك جلياً في وقوف غالبية التيارات السنية في صفه رغم الخلافات السابقة.

لقد كان من نتائج المعارك في شوارع بيروت؛ أن خسر حزب الله تأييده بين السنة، وبعث في الآن ذاته برسائل مخيفة إلى المسيحيين بمن فيهم حلفاؤه الذين لم يكونوا في موقف يسمح لهم بإعلان دعمهم للعمل المسلح الذي قام به الحزب، برغم شعورهم بـ"النصر" ثم محاولة استغلال ذلك على طاولة الحوار في الدوحة. لكن لو امتدت "المعارك" لوقت أطول أو اتسعت رقعتها (لتشمل مناطق مسيحية مثلاً) لكان للمسيحيين (تيار ميشيل عون) حسابات أخرى، كانت لتصل بهم إلى خارج التحالف مع حزب الله على الأرجح. ومن المؤكد أن اجتياح بيروت من جانب حزب الله سيكون له تأثيره السلبي على الوضع الانتخابي لميشيل عون في الانتخابات النيابية المقررة العام القادم في لبنان، ما لم يحدث شيء آخر يقلب الأوضاع من جديد ويدفع الأمور باتجاه آخر.

وبدون التلاعب بالكلمات أو محاولة استخدام تعبيرات "دبلوماسية"، فإن ما جرى في بيروت ساهم في دفع الصراع المذهبي بين السنة والشيعة إلى الواجهة، بحيث بات الحديث بهذا المنطق أمراً طاغياً بعدما كان الجميع يحرص على عدم الخوض فيه. وفي الواقع لم يعد من المجدي نفي وجود الفتنة المذهبية التي لم تهدأ برغم توقيع اتفاق الدوحة، بل من الواجب العمل على إطفاء نارها التي اشتعلت بالفعل.

وعلاوة على ذلك، فإن من المنتظر أن يكون استخدام حزب الله لسلاحه في شوارع بيروت دافعاً لانطلاق قوى الأكثرية في مساع لبناء ترسانتها من الأسلحة، بعدما كان التسلح (الحقيقي) مقتصراً على حزب الله، بالرغم من كل ما كان يُقال عن تسلح الآخرين. وهذا يعني أن أي انفجار جديد للأوضاع سيعني نتائج كارثية بكل المقاييس.

ورغم أن انتخاب رئيس للبنان (ثم البدء بتشكيل حكومة جديدة) يمثل خطوة طالما انتظرها اللبنانيون لإنهاء أزمتهم التي تعصف ببلدهم، إلا أن الإشكالية تكمن في كيفية تعامل القوى الإقليمية مع الأوضاع الجديدة. فثمة أطراف تستخدم لبنان لتصفية الحسابات أو للحصول على مكاسب. وبلا شك، فقد كان تمرير الاستحقاق الرئاسي بعد ستة أشهر من الفراغ الدستوري في لبنان ضمن ما يمكن اعتباره صفقة "مرحلية" يتوقف استمرار الهدوء في الساحة اللبنانية على إتمامها. فالأمر لا يتوقف فقط على "التوافق" بين اللبنانيين (رغم أنه الأساس للاستقرار في لبنان أو بلد آخر)، بل يرتبط أكثر بـ"اتفاق" القوى الإقليمية.

وللدقة نقول: إن التوصل لأي توافق بين اللبنانيين يحتاج إلى ضغوط (أو تسهيلات) خارجية كبيرة، بينما تفجر الأوضاع لا يحتاج إلى أكثر من "إشارة" خارجية مع "تجاوب" لبناني. ولذلك يسود الاعتقاد بأنه لتقدير احتمالات أي تغير في الحالة اللبنانية (المتغيرة أصلاً باستمرار) ينبغي متابعة ما يجري في ساحات أخرى في الشرق الأوسط، ونعني على وجه الخصوص الساحات الخاصة بحلفاء حزب الله في المنطقة. وهنا يشير البعض بشكل خاص إلى التطورات في الملف النووي الإيراني ومسيرة مفاوضات السلام على المسار السوري الإسرائيلي، وهما مسألتان مرتبطتان عموماً بالضغوط الغربية (أو العزلة المفروضة) على حليفي حزب الله، فلنتفحص هذا الكلام جيداً.

__________

*باحث ومحرر في معهد الشرق العربي في لندن

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ